نقوس المهدي
كاتب
* “المجتمعات العربية مجتمعات خطيرة لأنها تمارس المحرمات سريا”
الكاتب والروائي الراحل عبد الرحمان منيف.
تعتري مهنة عاملات الجنس بالمغرب فوضى عارمة بسبب عدم تنظيم الدولة لمهنة عاملات الجنس التي تقر بوجودها و تستفيد من مداخلها شأن المجتمع الذي يتسم موقفه بالنفاق والتناقض إذ يصف المهنة بأنها “حرام” لكن أموالها “حلال”.
وتشكل عدم مهننة مهنة عاملات الجنس وتأطيرها بقانون يحمي حقوق العاملات ويصون المجتمع من نشر الأمراض الخطيرة والمتنقلة جنسيا بتحديد السليمات من الإصابة بفيروس فقدان المناعة المكتسبة وغيره من الأمراض المتنقلة جنسيا ، من المصابات في صفوف ممتهنات عاملات جنس. والسماح لهن بتأسيس منظمات أهلية وحقوقية ونقابية للدفاع عن حقوقهن وصيانة كرامتهن وحل المشاكل التي تعتري مهنة عاملات جنس.
فما هي الأسباب التي تؤدي بالفتيات والنساء إلى امتهان أقدم مهنة في التاريخ؟ وماهي المشاكل التي تعرفها مهنة عاملات الجنس؟ وما خطورة الفوضى التي تعتري المهنة على صحة المغاربة؟ وهل من أمل لتنظيم الحرفة؟ وهل هناك حل جذري يقي الفتيات والنساء إمتهان حرفة عاملات جنس؟
شذرات عن الهيام والنكاح.
تعتبر عملية ممارسة الجنس أو الحب من بين الغرائز الإنسانية التي يتمنى ممارستها كل إنسان وحيوان، وتعد أمرا جبليا جبل الإنسان عليه وكذا الحيوان، ومسألة غريزية، يمنع الإنسان اليوم من ممارستها باسم الدين والعادات والتقاليد، مما يخلف عقدا نفسية ومشاكل صحية تؤثر على حياة الفرد. فماذا قال الأولون عن الهيام والصبابة والحب والجنس؟
قال الشاعر يزيد بن معاوية:
إلهي خلقت الجمال لنا فتنة = وقلت لنا يا عبادي اتقــــون
وأنت جميل تحب الجمــــال = فكيف عبادك لا يعشقــــون
إلهي ليس للعشـــاق ذنــــب = و لا أهل الصبابة مجرمون
أتخلق كل ذي وجــه جمـــيل = به تسبي عقول الناظرين
وتأمرنا بغض الطرف عنـــه = كأنك ما خلقت لنا عيـون
وورد في الأساطير اليونانية أن ديونيزوس ترعرع وراح هو وسيلين يعلمان الناس زراعة الكروم، صناعة الخمور، وممارسة النشوة، وتحقيق اللذة، ويفرضان في كل مكان مرا به الاحتفال بديونيزوس اعترافا بجميله.
وقال الشيخ الإمام العلامة الهمام سيدي محمد النفزاوي رحمه الله ورضي عنه” الحمد لله الذي جعل اللذة الكبرى للرجل في فروج النساء وجعلها للنساء في أيور الرجال. فلا يرتاح الفرج ولا يهدأ و لا يقر له قرار إلا إذا دخله الأير والأير إلا دخل بالفرج. فإذا اتصل هذا بهذا وقع بينهما النكاح والنطاح وشديد القتال. وقربت الشهوتان بالتقاء العانتين وأخذ الرجل في الدك والمرأة في الهز، بذلك يقع الإنزال”.([1])
خلص الجيلالي المستاري في دراسته المعنونة ب” الجسد والمقدس: قراءة في الخطاب الفقهي لابن القيم الجوزية، إلى ما ذكره علي حرب، من أن العرب القدماء كانوا أكثر انفتاحا منا في نظرتهم إلى جسدهم وفي طريقة تحصيلهم لمتعهم وملذاتهم، والدليل أنهم كانوا يسمون الأشياء بأسمائها ويتحدثون عن كثير من أعضاء الجسد، قد نخجل نحن اليوم من تسميتها، وكانوا يتكلمون عن علاقات الحب بكلام قد نسكت عنه اليوم إما بدافع الحياء أو بدافع الخوف”.([2])
يصعب اليوم في المغرب أن ينطق المرء بكلمة عقد النكاح باللسان الدارج ، سيشعر الناطق بحرج شديد ، لأن المعنى سيفهم بدقة ووضوح، وسيوصف ناطقه بقلة الحياء والأدب، على النقيض من نطقها باللسان العربي المبين،الذي يجعل معناها غير مفهوم،الأمر الذي يسري على الخطاب القرآني والتراثي فالعديد من المؤمنيين جغرافيا يصلون بآيات لا يفهمون معناها وتفسيرها ويستدلون بأحاديث لا يدركون كنهها وروحها .
تثير أسماء الأجهزة التناسلية للذكر والأنثى ضحك الشباب من الجنسين اليوم، من قبيل: أسماء الأيور” الطنانة، البدلاك، الحماس، الهرماق، الدقاق، الخراط، مشفي الغليل، الخباط، الدماع، الأعور ، البكاي، الحكاك، الفشاش.([3]) ومن أسماء الفروج المثيرة لسخرية الشباب ، نذكر: أبوطرطور، الزرزور، الثقيل، الدكاك، السكوتي، القنفود، النفاخ، البشع، الفشفاش، أبو جبهة، الهزاز، العضاض، الصبار، الفشفاش، أبو شفرين.([4])
قال بعض الأكابر” إن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح، فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد إليه سبيلا”.([5])
الدعارة قديما.
أشار المؤرخون المغاربة و الاثنولوجيون والإتنوغرافيون والرحالة الأجانب إلى وجود ظاهرة الدعارة في بعض المدن التي كتبوا عنها، وأسهبوا في ذكر أسبابها ووصفوا حال ممتهنيها ووضعهم الاقتصادي والاجتماعي والعرقي والمادي والثقافي والديني.
ذكر الحسن بن محمد الوزان الفاسي الملقب ب”ليون الأفريقي” في كتابه وصف إفريقيا أنه عاين في مدينة فاس دورا ” عمومية” تمارس فيها الدعارة بثمن بخس، تحت” حماية” رئيس الشرطة أو حاكم المدينة.
وورد في كتاب إختلاف أعلام الناس لجمال أخبار حاضرة مكناس لمؤلفه عبد الرحمان بن زيدان ” أن السلطان عبد الرحمان كان في القرن الثامن عشر كتب عن الظاهرة، وأضاف” لقد تسلط الشيوخ على نساء رعاياهم بالاحتيال والقبض على من كانت عنده زوجة حسناء حتى توصلوا لإفسادها”.
و أشار الضعيف في تاريخ الضعيف الرباطي أن ” القائد الحبيب الملكي سيطر على قرية بأكملها سنة 1767 وجعلها خاصة به. وهي قرية ليس فيها إلا النساء. لقد كانت ممنوعة على الرجال و لا يدخلها إلا بمفرده. كما كان يأتي بالنساء بالإكراه”.
الدعارة في عهد الحماية.
يقول المؤرخ الفرنسي لوتورتو، الذي عاش بفاس قبل الاحتلال، إن البغاء كان يشمل أغلب بيوت قصبة بوجلود وقصبة تامريرت وبالقرب من باب فتوح وكل الأحياء الفقيرة التي كانت تعج بالنساء القادمات من البادية، كن يقطن في منازل تكتريها” القودات” ويتقاضى منهن ممثل السلطة مبالغ معينة. وقد اشتهر حي مولاي عبد الله، ومواسم باشا المدينة عبد الله احماد، الذي وضع منازله رهن إشارة نساء وافدات على فاس مقابل مبالغ مالية يدفعنها بانتظام (أسبوعيا أو شهريا).
أصدرت إدارة الحماية قانونا ينظم البغاء في المغرب، ويتعلق الأمر بالمرسوم المؤرخ في 16 يناير 1924، الذي رخص لفتح منازل رسمية للمتعة، وتم تحينه عام 1954.
عملت السلطات الفرنسية على هيكلة أقدم مهنة في التاريخ بمنع ممارسة الدعارة في الدور في الأحياء الشعبية و بإحصاء ممتهنات الجنس وجمعهن في مكان واحد مراقب وخاضع للمراقبة الطبية تجنبا لتفشي الأمراض المتنقلة جنسيا من قبيل داء الزهري(السيفليس) .
يعد حي ” بوسبير” المجاور للمدينة القديمة وشطره الثاني الواقع بدرب السلطان أحد أشهر الأحياء البيضاوية التي كانت تباع فيها المتعة الجنسية للجنود الأجانب من فرنسيين وغيرهم، وعنه يقول الصحافي بيير داريوس في ربورتاج أنجزه عام 1933″ بوسبير إسم ظل مرتبطا في ذاكرتي بمنظر يجمع بين الجمال والبؤس في نفس الآن”.
كانت مساحة حي بوسبير تبلغ 24000 متر مربع وبلغ عدد العاملات به مابين 600 و900 ممتهنة جنس، وحدد رقم آخر عدد العاملات به بألف من فرنسيات وإسبانيات ومغربيات مسلمات من الأطلس المتوسط و سوس ، ومغربيات يهوديات، وبلغ عددهن 3000 بعد توسيعه ليشمل المدينة القديمة والجديدة.
بلغ عدد زواره في اليوم 1500 في النهار، وضم الماخور غرف وحمامات ووسائل نقل تساعد الغاديين إليه والرائحيين منه فضلا عن تقديم الطعام للزبائن، وأضحى أول ماخور رسمي قانوني خاضع للمراقبة الرسمية للسلطات زمنئذ.
حملت أزقة حي “بوسبير” أسماء “المراكشية ” و”الوجدية ” وظلت أبوابه “مفتوحة إلى حدود سنة 1953، وبلغ عدد ممتهنات الجنس بالمغرب أنذاك 30 ألف عاملة جنس ، حسب إحصائيات الكاتبين ماتيو وموران.
تمردت إحدى النساء البيض بإحدى المدن المغربية الواقعة في الجنوب الشرقي، على عرف عنصري ينص على منع زواج النساء والفتيات البيض بالشباب والرجال الملونين أو السود، وعرضت على رجل أسود أن يتزوجها لتتجنب العمل في الماخور الذي ستفتحه السلطات الفرنسية إبان عهد الحماية، فقبل الرجل عرضها وجنبها العمل في الماخور، حسب الرواية الشفوية المحلية.
الدعارة اليوم.
تعرف أقدم مهنة في التاريخ اليوم بالمغرب فوضى عارمة نظرا لعدم تنظيمها وتقنينها لحماية ممتهنات الجنس ورواد المتعة، ويصعب معرفة العدد الحقيقي لمحترفات مهنة ممتهنة جنس لعدم وجود إحصاء دقيق يحدد عدد العاملات، وتشكل الأمراض المتنقلة جنسيا خطرا على صحة العاملات والزبناء على حد سواء، لصعوبة تميز المصابات بداء فقدان المناعة المكتسبة من السليمات.
خلص الكاتب الصحافي (Bradley.John R) في كتابه ” وراء حجاب المنكر: التجارة وثقافة الجنس في الشرق الأوسط” إلى ” أنه يجب التميز بشكل دقيق بين ” المتشددين دينيا” والناس العاديين. ويردف في هذا الصدد” بطبيعة الحال، المتشددون دينيا هم رافضون ومعارضون لأي شكل من أشكال الحرية الجنسية، وهم أقلية، تماما كما هم أقلية” الإنجليون” المتشددون بالولايات المتحدة الامريكية”.
أكد عالم الإجتماع المغربي الدكتور عبد الصمد الديالمي في محاضرة معنونة بالانتقال الجنسي في المغرب، ألقاها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط أن ” العمل الجنسي حل غير مهيكل لمشكل البطالة في صفوف الفتيات. وأيضا عامل محرك للسياحة الوطنية والأجنبية بل في بعض المدن والجهات ، العمل الجنسي هو أحسن نشاط اقتصادي.
وأردف أن ” هناك قبول عملي للعمل الجنسي من طرف السلطات في بعض الأحيان، ترفض أن ترى و ترفض أن تعاقب، وتفضل العمل الجنسي على الحجاب أو الفقر. مع حملات قمعية من حين لآخر للضغط على المعنيين ولإظهار أن الدولة تحارب الفساد وبالأساس من أجل مساعدة الإدارة على الارتشاء”.
يرى عالم الاجتماع وصاحب النظرية الجنسانية الدكتور عبد الصمد الديالمي، أن الجنسانية المغربية اليوم جنسانية معرضة لمخاطر عدة لأنها غير محمية.معرضة لخطرين هما: الحمل خارج إطار الزواج- الحمل غير المرغوب فيه- ثم خطر الأمراض القابلة للانتقال الجنسي.
و أضاف أن ” أساس الصحة الإنجابية والجنسية هو الحق في الجنس، وبالتالي لا بد من الاجتهاد، لابد من الاعتراف القانوني بالجنس قبل الزواج كحق وكممارسة شرعية وحق إنساني بالأساس. والفصل 490 في الدستور الذي يعيد تحريم حق” المحصنة” أي غير المتزوجة، لكنه نص معلمن، لأن كلمة زنا غير مستعملة في الفصل، وغلفت بكلمة فساد. وكذا حذف ” الحد” – الجلد للزاني غير المحصن- بل السجن من شهر إلى سنة، وهذا تعلمن ثاني.
وخلص إلى أن التربية الجنسية عامل أساسي لحماية صحة المغاربة من الأمراض الجنسية ومن مخاطر غير مرغوب فيها كظاهرة الأمهات العازبات، فالتربية الجنسية ضعيفة ووسائل منع الحمل غير مباحة للجميع.
19 ألف عاملة جنس يشتغلن بكل من الرباط وطنجة وأكادير وفاس، ربعهن لا يستعملن العازل الطبي أثناء ممارسة الجنس، أي 4750 مما يشكل خطرا على حياة الزبناء، حسب ما كشفت عنه مجلة ” نيوزويك” الأمريكية، التي أوردت خبر وجود دراسة رسمية أعدتها السلطات المغربية، خلال منتصف العام الماضي(2015) حول الدعارة بأربع مدن مغربية.
قال علال الفاسي” الذي يريد القضاء على الدعارة فليعمل على تغير النظام الاقتصادي القائم في البلاد”.
في حالة عدم تحمل الدولة لمسؤوليتها بتنظيم المهنة ، فإنه يتوقع أن يسمع المغاربة يوما ما رقما مخيفا عن عدد المصابيين بداء فقدان المناعة المكتسبة وغيرها من الأمراض المتنقلة جنسيا- لا سمح الله-. لذا وجب تضافر الجهود بين الجميع، ناشطون جمعويون ومؤسسات تعليمية وتربوية ومهنيون ومهنيات .
[1] – أنظر كتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر للشيخ الإمام ا لعلامة الهمام سيدي محمد النفزاوي رحمه الله ورضي عنه، صن3.
[2] – الجيلالي المستاري، الجسد والمقدس: قراءة في الخطاب الفقهي لابن القيم الجوزية، موقع إنسانيات، المجلة الجزائرية في الأنثربولوجيا والعلوم الاجتماعية.
[3] – أنظر كتاب ،الروض العاطر في نزهة الخاطر،للشيخ النفزاوي، ص.23.
[4] – نفس المرجع الآنف الذكر،ص.25.
[5] – المصدر موقع إسلام ويب، مركز الفتاوي.
الكاتب والروائي الراحل عبد الرحمان منيف.
تعتري مهنة عاملات الجنس بالمغرب فوضى عارمة بسبب عدم تنظيم الدولة لمهنة عاملات الجنس التي تقر بوجودها و تستفيد من مداخلها شأن المجتمع الذي يتسم موقفه بالنفاق والتناقض إذ يصف المهنة بأنها “حرام” لكن أموالها “حلال”.
وتشكل عدم مهننة مهنة عاملات الجنس وتأطيرها بقانون يحمي حقوق العاملات ويصون المجتمع من نشر الأمراض الخطيرة والمتنقلة جنسيا بتحديد السليمات من الإصابة بفيروس فقدان المناعة المكتسبة وغيره من الأمراض المتنقلة جنسيا ، من المصابات في صفوف ممتهنات عاملات جنس. والسماح لهن بتأسيس منظمات أهلية وحقوقية ونقابية للدفاع عن حقوقهن وصيانة كرامتهن وحل المشاكل التي تعتري مهنة عاملات جنس.
فما هي الأسباب التي تؤدي بالفتيات والنساء إلى امتهان أقدم مهنة في التاريخ؟ وماهي المشاكل التي تعرفها مهنة عاملات الجنس؟ وما خطورة الفوضى التي تعتري المهنة على صحة المغاربة؟ وهل من أمل لتنظيم الحرفة؟ وهل هناك حل جذري يقي الفتيات والنساء إمتهان حرفة عاملات جنس؟
شذرات عن الهيام والنكاح.
تعتبر عملية ممارسة الجنس أو الحب من بين الغرائز الإنسانية التي يتمنى ممارستها كل إنسان وحيوان، وتعد أمرا جبليا جبل الإنسان عليه وكذا الحيوان، ومسألة غريزية، يمنع الإنسان اليوم من ممارستها باسم الدين والعادات والتقاليد، مما يخلف عقدا نفسية ومشاكل صحية تؤثر على حياة الفرد. فماذا قال الأولون عن الهيام والصبابة والحب والجنس؟
قال الشاعر يزيد بن معاوية:
إلهي خلقت الجمال لنا فتنة = وقلت لنا يا عبادي اتقــــون
وأنت جميل تحب الجمــــال = فكيف عبادك لا يعشقــــون
إلهي ليس للعشـــاق ذنــــب = و لا أهل الصبابة مجرمون
أتخلق كل ذي وجــه جمـــيل = به تسبي عقول الناظرين
وتأمرنا بغض الطرف عنـــه = كأنك ما خلقت لنا عيـون
وورد في الأساطير اليونانية أن ديونيزوس ترعرع وراح هو وسيلين يعلمان الناس زراعة الكروم، صناعة الخمور، وممارسة النشوة، وتحقيق اللذة، ويفرضان في كل مكان مرا به الاحتفال بديونيزوس اعترافا بجميله.
وقال الشيخ الإمام العلامة الهمام سيدي محمد النفزاوي رحمه الله ورضي عنه” الحمد لله الذي جعل اللذة الكبرى للرجل في فروج النساء وجعلها للنساء في أيور الرجال. فلا يرتاح الفرج ولا يهدأ و لا يقر له قرار إلا إذا دخله الأير والأير إلا دخل بالفرج. فإذا اتصل هذا بهذا وقع بينهما النكاح والنطاح وشديد القتال. وقربت الشهوتان بالتقاء العانتين وأخذ الرجل في الدك والمرأة في الهز، بذلك يقع الإنزال”.([1])
خلص الجيلالي المستاري في دراسته المعنونة ب” الجسد والمقدس: قراءة في الخطاب الفقهي لابن القيم الجوزية، إلى ما ذكره علي حرب، من أن العرب القدماء كانوا أكثر انفتاحا منا في نظرتهم إلى جسدهم وفي طريقة تحصيلهم لمتعهم وملذاتهم، والدليل أنهم كانوا يسمون الأشياء بأسمائها ويتحدثون عن كثير من أعضاء الجسد، قد نخجل نحن اليوم من تسميتها، وكانوا يتكلمون عن علاقات الحب بكلام قد نسكت عنه اليوم إما بدافع الحياء أو بدافع الخوف”.([2])
يصعب اليوم في المغرب أن ينطق المرء بكلمة عقد النكاح باللسان الدارج ، سيشعر الناطق بحرج شديد ، لأن المعنى سيفهم بدقة ووضوح، وسيوصف ناطقه بقلة الحياء والأدب، على النقيض من نطقها باللسان العربي المبين،الذي يجعل معناها غير مفهوم،الأمر الذي يسري على الخطاب القرآني والتراثي فالعديد من المؤمنيين جغرافيا يصلون بآيات لا يفهمون معناها وتفسيرها ويستدلون بأحاديث لا يدركون كنهها وروحها .
تثير أسماء الأجهزة التناسلية للذكر والأنثى ضحك الشباب من الجنسين اليوم، من قبيل: أسماء الأيور” الطنانة، البدلاك، الحماس، الهرماق، الدقاق، الخراط، مشفي الغليل، الخباط، الدماع، الأعور ، البكاي، الحكاك، الفشاش.([3]) ومن أسماء الفروج المثيرة لسخرية الشباب ، نذكر: أبوطرطور، الزرزور، الثقيل، الدكاك، السكوتي، القنفود، النفاخ، البشع، الفشفاش، أبو جبهة، الهزاز، العضاض، الصبار، الفشفاش، أبو شفرين.([4])
قال بعض الأكابر” إن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح، فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد إليه سبيلا”.([5])
الدعارة قديما.
أشار المؤرخون المغاربة و الاثنولوجيون والإتنوغرافيون والرحالة الأجانب إلى وجود ظاهرة الدعارة في بعض المدن التي كتبوا عنها، وأسهبوا في ذكر أسبابها ووصفوا حال ممتهنيها ووضعهم الاقتصادي والاجتماعي والعرقي والمادي والثقافي والديني.
ذكر الحسن بن محمد الوزان الفاسي الملقب ب”ليون الأفريقي” في كتابه وصف إفريقيا أنه عاين في مدينة فاس دورا ” عمومية” تمارس فيها الدعارة بثمن بخس، تحت” حماية” رئيس الشرطة أو حاكم المدينة.
وورد في كتاب إختلاف أعلام الناس لجمال أخبار حاضرة مكناس لمؤلفه عبد الرحمان بن زيدان ” أن السلطان عبد الرحمان كان في القرن الثامن عشر كتب عن الظاهرة، وأضاف” لقد تسلط الشيوخ على نساء رعاياهم بالاحتيال والقبض على من كانت عنده زوجة حسناء حتى توصلوا لإفسادها”.
و أشار الضعيف في تاريخ الضعيف الرباطي أن ” القائد الحبيب الملكي سيطر على قرية بأكملها سنة 1767 وجعلها خاصة به. وهي قرية ليس فيها إلا النساء. لقد كانت ممنوعة على الرجال و لا يدخلها إلا بمفرده. كما كان يأتي بالنساء بالإكراه”.
الدعارة في عهد الحماية.
يقول المؤرخ الفرنسي لوتورتو، الذي عاش بفاس قبل الاحتلال، إن البغاء كان يشمل أغلب بيوت قصبة بوجلود وقصبة تامريرت وبالقرب من باب فتوح وكل الأحياء الفقيرة التي كانت تعج بالنساء القادمات من البادية، كن يقطن في منازل تكتريها” القودات” ويتقاضى منهن ممثل السلطة مبالغ معينة. وقد اشتهر حي مولاي عبد الله، ومواسم باشا المدينة عبد الله احماد، الذي وضع منازله رهن إشارة نساء وافدات على فاس مقابل مبالغ مالية يدفعنها بانتظام (أسبوعيا أو شهريا).
أصدرت إدارة الحماية قانونا ينظم البغاء في المغرب، ويتعلق الأمر بالمرسوم المؤرخ في 16 يناير 1924، الذي رخص لفتح منازل رسمية للمتعة، وتم تحينه عام 1954.
عملت السلطات الفرنسية على هيكلة أقدم مهنة في التاريخ بمنع ممارسة الدعارة في الدور في الأحياء الشعبية و بإحصاء ممتهنات الجنس وجمعهن في مكان واحد مراقب وخاضع للمراقبة الطبية تجنبا لتفشي الأمراض المتنقلة جنسيا من قبيل داء الزهري(السيفليس) .
يعد حي ” بوسبير” المجاور للمدينة القديمة وشطره الثاني الواقع بدرب السلطان أحد أشهر الأحياء البيضاوية التي كانت تباع فيها المتعة الجنسية للجنود الأجانب من فرنسيين وغيرهم، وعنه يقول الصحافي بيير داريوس في ربورتاج أنجزه عام 1933″ بوسبير إسم ظل مرتبطا في ذاكرتي بمنظر يجمع بين الجمال والبؤس في نفس الآن”.
كانت مساحة حي بوسبير تبلغ 24000 متر مربع وبلغ عدد العاملات به مابين 600 و900 ممتهنة جنس، وحدد رقم آخر عدد العاملات به بألف من فرنسيات وإسبانيات ومغربيات مسلمات من الأطلس المتوسط و سوس ، ومغربيات يهوديات، وبلغ عددهن 3000 بعد توسيعه ليشمل المدينة القديمة والجديدة.
بلغ عدد زواره في اليوم 1500 في النهار، وضم الماخور غرف وحمامات ووسائل نقل تساعد الغاديين إليه والرائحيين منه فضلا عن تقديم الطعام للزبائن، وأضحى أول ماخور رسمي قانوني خاضع للمراقبة الرسمية للسلطات زمنئذ.
حملت أزقة حي “بوسبير” أسماء “المراكشية ” و”الوجدية ” وظلت أبوابه “مفتوحة إلى حدود سنة 1953، وبلغ عدد ممتهنات الجنس بالمغرب أنذاك 30 ألف عاملة جنس ، حسب إحصائيات الكاتبين ماتيو وموران.
تمردت إحدى النساء البيض بإحدى المدن المغربية الواقعة في الجنوب الشرقي، على عرف عنصري ينص على منع زواج النساء والفتيات البيض بالشباب والرجال الملونين أو السود، وعرضت على رجل أسود أن يتزوجها لتتجنب العمل في الماخور الذي ستفتحه السلطات الفرنسية إبان عهد الحماية، فقبل الرجل عرضها وجنبها العمل في الماخور، حسب الرواية الشفوية المحلية.
الدعارة اليوم.
تعرف أقدم مهنة في التاريخ اليوم بالمغرب فوضى عارمة نظرا لعدم تنظيمها وتقنينها لحماية ممتهنات الجنس ورواد المتعة، ويصعب معرفة العدد الحقيقي لمحترفات مهنة ممتهنة جنس لعدم وجود إحصاء دقيق يحدد عدد العاملات، وتشكل الأمراض المتنقلة جنسيا خطرا على صحة العاملات والزبناء على حد سواء، لصعوبة تميز المصابات بداء فقدان المناعة المكتسبة من السليمات.
خلص الكاتب الصحافي (Bradley.John R) في كتابه ” وراء حجاب المنكر: التجارة وثقافة الجنس في الشرق الأوسط” إلى ” أنه يجب التميز بشكل دقيق بين ” المتشددين دينيا” والناس العاديين. ويردف في هذا الصدد” بطبيعة الحال، المتشددون دينيا هم رافضون ومعارضون لأي شكل من أشكال الحرية الجنسية، وهم أقلية، تماما كما هم أقلية” الإنجليون” المتشددون بالولايات المتحدة الامريكية”.
أكد عالم الإجتماع المغربي الدكتور عبد الصمد الديالمي في محاضرة معنونة بالانتقال الجنسي في المغرب، ألقاها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط أن ” العمل الجنسي حل غير مهيكل لمشكل البطالة في صفوف الفتيات. وأيضا عامل محرك للسياحة الوطنية والأجنبية بل في بعض المدن والجهات ، العمل الجنسي هو أحسن نشاط اقتصادي.
وأردف أن ” هناك قبول عملي للعمل الجنسي من طرف السلطات في بعض الأحيان، ترفض أن ترى و ترفض أن تعاقب، وتفضل العمل الجنسي على الحجاب أو الفقر. مع حملات قمعية من حين لآخر للضغط على المعنيين ولإظهار أن الدولة تحارب الفساد وبالأساس من أجل مساعدة الإدارة على الارتشاء”.
يرى عالم الاجتماع وصاحب النظرية الجنسانية الدكتور عبد الصمد الديالمي، أن الجنسانية المغربية اليوم جنسانية معرضة لمخاطر عدة لأنها غير محمية.معرضة لخطرين هما: الحمل خارج إطار الزواج- الحمل غير المرغوب فيه- ثم خطر الأمراض القابلة للانتقال الجنسي.
و أضاف أن ” أساس الصحة الإنجابية والجنسية هو الحق في الجنس، وبالتالي لا بد من الاجتهاد، لابد من الاعتراف القانوني بالجنس قبل الزواج كحق وكممارسة شرعية وحق إنساني بالأساس. والفصل 490 في الدستور الذي يعيد تحريم حق” المحصنة” أي غير المتزوجة، لكنه نص معلمن، لأن كلمة زنا غير مستعملة في الفصل، وغلفت بكلمة فساد. وكذا حذف ” الحد” – الجلد للزاني غير المحصن- بل السجن من شهر إلى سنة، وهذا تعلمن ثاني.
وخلص إلى أن التربية الجنسية عامل أساسي لحماية صحة المغاربة من الأمراض الجنسية ومن مخاطر غير مرغوب فيها كظاهرة الأمهات العازبات، فالتربية الجنسية ضعيفة ووسائل منع الحمل غير مباحة للجميع.
19 ألف عاملة جنس يشتغلن بكل من الرباط وطنجة وأكادير وفاس، ربعهن لا يستعملن العازل الطبي أثناء ممارسة الجنس، أي 4750 مما يشكل خطرا على حياة الزبناء، حسب ما كشفت عنه مجلة ” نيوزويك” الأمريكية، التي أوردت خبر وجود دراسة رسمية أعدتها السلطات المغربية، خلال منتصف العام الماضي(2015) حول الدعارة بأربع مدن مغربية.
قال علال الفاسي” الذي يريد القضاء على الدعارة فليعمل على تغير النظام الاقتصادي القائم في البلاد”.
في حالة عدم تحمل الدولة لمسؤوليتها بتنظيم المهنة ، فإنه يتوقع أن يسمع المغاربة يوما ما رقما مخيفا عن عدد المصابيين بداء فقدان المناعة المكتسبة وغيرها من الأمراض المتنقلة جنسيا- لا سمح الله-. لذا وجب تضافر الجهود بين الجميع، ناشطون جمعويون ومؤسسات تعليمية وتربوية ومهنيون ومهنيات .
[1] – أنظر كتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر للشيخ الإمام ا لعلامة الهمام سيدي محمد النفزاوي رحمه الله ورضي عنه، صن3.
[2] – الجيلالي المستاري، الجسد والمقدس: قراءة في الخطاب الفقهي لابن القيم الجوزية، موقع إنسانيات، المجلة الجزائرية في الأنثربولوجيا والعلوم الاجتماعية.
[3] – أنظر كتاب ،الروض العاطر في نزهة الخاطر،للشيخ النفزاوي، ص.23.
[4] – نفس المرجع الآنف الذكر،ص.25.
[5] – المصدر موقع إسلام ويب، مركز الفتاوي.
صورة مفقودة