نقوس المهدي
كاتب
(1-2)
ارتعاش الشفاه ارتعاد الكلام حرارة القلب وحلاوة الصوت
نادني من آخر الدنيا أُلبِّي، = كُلُّ درب لك يفضي فهو دربي
(فدوى طوقان)
بتاريخ الهوى شرط المحبة، = وقلب المبتلى يا عزتي له
(فتاة العرب)
المرأة والحب توأمان جميلان ولدا في فصل الربيع، ومن يومها تجاوبت النساء مع الحب والوجد والغرام وسمعنا أحلى تغاريد لعصافير الحب على هذه الأرض..
إن كثيراً ، بل الأكثر من شعر الحب الذي خرج من قلب المرأة كما يخرج العطر من أكمام الوردة، ضاع مع الزمان، وأكثره ترنمت به المرأة وحيدة وكتمته خوفاً من المجتمع ولكنه - وخاصة شعر المرأة العربية العاشقة والخائفة من المجتمع، أعطى الربيع ألوانه، وأوحى للحمام بألحانه، ورسم لوحات بديعة على رمال الصحراء..
وأكثر هذا الشعر ضاع مع الدموع الضائعات لملايين العاشقات على طول الطريق، مُضَمَّخاً بالآهات والدموع، مسفوحاً على الوهاد والنجاد، ومدفوناً في أعماق النفود، لينعكس فيما بعد أحزاناً تصطبغ في ألوان شفق الغروب، وليَرءويء على المدى شجيرات خضراء توحش متاهة الصحراء وتؤنس المسافرين وتحاول الحياة رغم قساوة التحديات..
@ حتى المرأة العاشقة التي قاومت صرامة المجتمع وفاض مطر أشعارها على سدوده، كثيراً ما تقابل الجفاء والهجران لذنب صغير طالما غفرت أضعافه من ذنوب محبوبها الكبيرة.. ولكنه قَدَرُ المرأة مع الرجل.. ومع الحب.. ومع المجتمع:
"هذا مكانك هاهنا محراب أشواقي وحبي
كم جئته والدمع، دمع الشوق مُخءتلجٌ بُهدبي
كم جيئه والذكريات تفيض من روحي وقلبي
يمدُدءنَ حولي ظلَّهُنَّ وينتفضنَ بكل درب"
***
"هذا مكانك كم أتيت إلى مكانك موهنا
تمضي بي الساعات لا أدري بها وأنا هنا
روح أصاغ لهتفة الذكرى وللماضي رنا
يتنسَّمُ الجو الحبيب ويستعيد رؤى المنى"
***
"هذا مكانك أين أنت وأين أطياف الفنون؟
المقعد الخالي يحنُّ إليك مرفقه الحنون
أسوان يرمقني وقد أهويت أنشج في سكون
ومواجدي ملهوفة النيران تهدر في جنون"
***
"ذنبي الذي قد هاج ثورة قلبك المُتَرِّفع
كفَّرتُ عنه بأدمعي بتنُّهدي بتوجُّعي
كفَّرت عنه بما ترى من ذُلّتي وتَخَشُّعي
وبخفض قمة كبريائي الشامخ المُتَمَنِّع"
***
"ذنبي؟ وما ذنبي ألا ويلاه من ظلم القيود
ما حيلتي والغُلُّ في عنقي على حبل الوريد
أوَّاهُ حتى أنت لم تنصف قلبي الشهيد؟"
***
"قلبي يئن يلوب في ألم يسائل في شرود:
لم لا يعود؟ فلا يجيب سوى صدى: لم لا يعود
وأروح في شفتي أشعارٌ وفي كفي عود
وأعاتب الأيام والزمن المُفَرِّقَ والوجود"
***
"لم لا تعود؟ أنا هنا وحدي بهيكل ذكرياتي
وحدي ولكني أحسك في دمي في عاطفاتي
أُصغي لصوتك المنغوم في أغوار ذاتي
وأراك من حولي وفيَّ دمك آفاق الحياة"
بهذه القصيدة تختصر فدوى طوقان كثيراً من قصة المرأة مع الحب، وتُقَدِّمُ لنا أوصافها ومواصفاتها: فالحب يجعل الكلمات ترتعد على شفتيها، ويجعل حرارة العاطفة تفور من أعماق قلبها، وكل هذا بصوت أنثوي فيه حلاوة النطق رغم مرارة الهجر، وبشعور يتجلى منه الخضوع رغم قسوة المحبوب.. وقسوة الظروف..
أما الذكريات فهي الحياة.. ذكريات المرأة هي حياتها وهي تسقي شجرة حبها الذابل بدموعها كل مساء لتظل خضراء، وتستحضر تفاصيل حبها الغابر لتنتفض ذكرياتها بالحياة والنماء. وهي بارعة في احتضان الحب أكثر من براعتها في احتضان الطفل.. فإذا كانت تحمل الطفل في بطنها تسعة أشهر، فإنها تحمل الحب في قلبها عشرات السنين..
***
والمرأة تهتز من شوق الحب كما تهتز الأغصان مع نسيم الصبا..
تقول الشاعرة الشعبية (فتاة العرب):
"يا شوق هزِّني هوى الشوق
هزيز غصن تاح لاوراق
كل اغرض م الوقت ملحوق
الا وصول الصاحب إشفاق
قلبي الخزن الحب صندوق
سيدي، أو فتح اقفوله أغلاق
لي صاحب م العذر مرفوق
ما تابع الدلجين لاطباق
عن الثريا منزله فوق
ومن الشرف في سبع الاطباق
بي من وداده باحث العوق
واللي لكسب الحال سرَّاق"
والمرأة إذا أحبت رجلاً رأته أميراً بين الرجال، لا ترى غيره ولا تريد غيره ولكن الظروف كثيراً ما تجري بما لا تشتهي وتنعكس الأمور ويُقءبل على خطبتها كثيرون ممن لا تريد وتحول الظروف دون تَقَدُّم من تهوى وتريد، وهذا ما اختصرته نورة الحوشان في بيت ذائع رائع:
"اللي يبينا عيت النفس تبغيه
واللي نبي عيَّا البخت لا يجيبه"!!
ذوبان وأحلام يقظة
وإذا تحب المرأة بعمق فإنها تكاد تذوب، وتسافر مع أحلام اليقظة، تقول شاعرة في شاعر عشقته من الأعماق:
"لي هذا الشاعر أفديه
وأموت بدفء قوافيه
بسواد عيوني ما خفقت
شفتاي لغير أغانيه
أهواه.. أعيش بحجرته
طيفاً بالحُبِّ أناجيه
أُدءنيه إليَّ أعاتبه
وبرمش العين أُداريه
وأُحبُّ جميع قصائده
وأُحبُّ جميع معانيه
إن جاء لوعد.. أرقبه
بزهو الوردة.. بالتيه
وأحار بكيف أُقَابلُهُ
وأحار بكيف أُلاقيه
أبكي أبكي إن غادرني
وبشوق الشوق أُناديه
بجموع العطر أواكبه
ومساء النجمة أُهديه
إن غاب أغيب عن الدنيا
ويغيب الكون وما فيه"!!
منتهى العشق والذوبان!!.. وهو مخلوط بأحلام اليقظة كما تُخءلَطُ أرقُّ العطور.. والجميل أن المرأة قادرة على تحقيق خلطة الأحلام السحرية فتسعده وتمتعه إلى أبعد الحدود، ويتضاعف سرورها وعطاؤها كلما أزداد بها سعادة!
@ @ @
أكثر من الحب
وإذا تحب المرأة من القلب، تحس أن ما في داخلها أكثر من الحب، تقول الشاعرة الشعبية (الوندرا):
"أكثر من الحب ما عندي
يا أغلا المخاليق في عيني
اشتقت لك يا بَعَدء بَعءدي
شوق ملك كلّ ما فيني"!
ونعتبر (أكثر) مبتدأ، و(ما) موصولة خبر المبتدأ وليست نافية، أي أن الذي عندها أكثر من الحب!!
والمرأة قادرة فعلاً على تقديم ما هو أكثر من الحب الذي يعرفه الرجل!! تقول سعاد الصباح:
"أن تكون الأمل المرجو يا حلو الرجاء
أملأ الدنيا حواليك عبيراً وضياء
وأذيب الثلج من حولك في برد الشتاء
وتراني ظلك الحاني إذا ما الصيف جاء
وأُغَنِي لك من عاطفتي أحلى غناء
ثم أروي لك شعراً لم يُقلءهُ الشعراء"!
ما هذا الشعر الذي لم يَقُلءهُ الشعراء؟.. إنه شيء آخر.. نادر.. يتوهج في عيون المرأة ويرتعد في صوتها إذا مسَّها الحب بطيفه المسحور..
فكُلُّ امرأة تصبح - إذا مسَّها الحب - شاعرة..
.../...
ارتعاش الشفاه ارتعاد الكلام حرارة القلب وحلاوة الصوت
نادني من آخر الدنيا أُلبِّي، = كُلُّ درب لك يفضي فهو دربي
(فدوى طوقان)
بتاريخ الهوى شرط المحبة، = وقلب المبتلى يا عزتي له
(فتاة العرب)
المرأة والحب توأمان جميلان ولدا في فصل الربيع، ومن يومها تجاوبت النساء مع الحب والوجد والغرام وسمعنا أحلى تغاريد لعصافير الحب على هذه الأرض..
إن كثيراً ، بل الأكثر من شعر الحب الذي خرج من قلب المرأة كما يخرج العطر من أكمام الوردة، ضاع مع الزمان، وأكثره ترنمت به المرأة وحيدة وكتمته خوفاً من المجتمع ولكنه - وخاصة شعر المرأة العربية العاشقة والخائفة من المجتمع، أعطى الربيع ألوانه، وأوحى للحمام بألحانه، ورسم لوحات بديعة على رمال الصحراء..
وأكثر هذا الشعر ضاع مع الدموع الضائعات لملايين العاشقات على طول الطريق، مُضَمَّخاً بالآهات والدموع، مسفوحاً على الوهاد والنجاد، ومدفوناً في أعماق النفود، لينعكس فيما بعد أحزاناً تصطبغ في ألوان شفق الغروب، وليَرءويء على المدى شجيرات خضراء توحش متاهة الصحراء وتؤنس المسافرين وتحاول الحياة رغم قساوة التحديات..
@ حتى المرأة العاشقة التي قاومت صرامة المجتمع وفاض مطر أشعارها على سدوده، كثيراً ما تقابل الجفاء والهجران لذنب صغير طالما غفرت أضعافه من ذنوب محبوبها الكبيرة.. ولكنه قَدَرُ المرأة مع الرجل.. ومع الحب.. ومع المجتمع:
"هذا مكانك هاهنا محراب أشواقي وحبي
كم جئته والدمع، دمع الشوق مُخءتلجٌ بُهدبي
كم جيئه والذكريات تفيض من روحي وقلبي
يمدُدءنَ حولي ظلَّهُنَّ وينتفضنَ بكل درب"
***
"هذا مكانك كم أتيت إلى مكانك موهنا
تمضي بي الساعات لا أدري بها وأنا هنا
روح أصاغ لهتفة الذكرى وللماضي رنا
يتنسَّمُ الجو الحبيب ويستعيد رؤى المنى"
***
"هذا مكانك أين أنت وأين أطياف الفنون؟
المقعد الخالي يحنُّ إليك مرفقه الحنون
أسوان يرمقني وقد أهويت أنشج في سكون
ومواجدي ملهوفة النيران تهدر في جنون"
***
"ذنبي الذي قد هاج ثورة قلبك المُتَرِّفع
كفَّرتُ عنه بأدمعي بتنُّهدي بتوجُّعي
كفَّرت عنه بما ترى من ذُلّتي وتَخَشُّعي
وبخفض قمة كبريائي الشامخ المُتَمَنِّع"
***
"ذنبي؟ وما ذنبي ألا ويلاه من ظلم القيود
ما حيلتي والغُلُّ في عنقي على حبل الوريد
أوَّاهُ حتى أنت لم تنصف قلبي الشهيد؟"
***
"قلبي يئن يلوب في ألم يسائل في شرود:
لم لا يعود؟ فلا يجيب سوى صدى: لم لا يعود
وأروح في شفتي أشعارٌ وفي كفي عود
وأعاتب الأيام والزمن المُفَرِّقَ والوجود"
***
"لم لا تعود؟ أنا هنا وحدي بهيكل ذكرياتي
وحدي ولكني أحسك في دمي في عاطفاتي
أُصغي لصوتك المنغوم في أغوار ذاتي
وأراك من حولي وفيَّ دمك آفاق الحياة"
بهذه القصيدة تختصر فدوى طوقان كثيراً من قصة المرأة مع الحب، وتُقَدِّمُ لنا أوصافها ومواصفاتها: فالحب يجعل الكلمات ترتعد على شفتيها، ويجعل حرارة العاطفة تفور من أعماق قلبها، وكل هذا بصوت أنثوي فيه حلاوة النطق رغم مرارة الهجر، وبشعور يتجلى منه الخضوع رغم قسوة المحبوب.. وقسوة الظروف..
أما الذكريات فهي الحياة.. ذكريات المرأة هي حياتها وهي تسقي شجرة حبها الذابل بدموعها كل مساء لتظل خضراء، وتستحضر تفاصيل حبها الغابر لتنتفض ذكرياتها بالحياة والنماء. وهي بارعة في احتضان الحب أكثر من براعتها في احتضان الطفل.. فإذا كانت تحمل الطفل في بطنها تسعة أشهر، فإنها تحمل الحب في قلبها عشرات السنين..
***
والمرأة تهتز من شوق الحب كما تهتز الأغصان مع نسيم الصبا..
تقول الشاعرة الشعبية (فتاة العرب):
"يا شوق هزِّني هوى الشوق
هزيز غصن تاح لاوراق
كل اغرض م الوقت ملحوق
الا وصول الصاحب إشفاق
قلبي الخزن الحب صندوق
سيدي، أو فتح اقفوله أغلاق
لي صاحب م العذر مرفوق
ما تابع الدلجين لاطباق
عن الثريا منزله فوق
ومن الشرف في سبع الاطباق
بي من وداده باحث العوق
واللي لكسب الحال سرَّاق"
والمرأة إذا أحبت رجلاً رأته أميراً بين الرجال، لا ترى غيره ولا تريد غيره ولكن الظروف كثيراً ما تجري بما لا تشتهي وتنعكس الأمور ويُقءبل على خطبتها كثيرون ممن لا تريد وتحول الظروف دون تَقَدُّم من تهوى وتريد، وهذا ما اختصرته نورة الحوشان في بيت ذائع رائع:
"اللي يبينا عيت النفس تبغيه
واللي نبي عيَّا البخت لا يجيبه"!!
ذوبان وأحلام يقظة
وإذا تحب المرأة بعمق فإنها تكاد تذوب، وتسافر مع أحلام اليقظة، تقول شاعرة في شاعر عشقته من الأعماق:
"لي هذا الشاعر أفديه
وأموت بدفء قوافيه
بسواد عيوني ما خفقت
شفتاي لغير أغانيه
أهواه.. أعيش بحجرته
طيفاً بالحُبِّ أناجيه
أُدءنيه إليَّ أعاتبه
وبرمش العين أُداريه
وأُحبُّ جميع قصائده
وأُحبُّ جميع معانيه
إن جاء لوعد.. أرقبه
بزهو الوردة.. بالتيه
وأحار بكيف أُقَابلُهُ
وأحار بكيف أُلاقيه
أبكي أبكي إن غادرني
وبشوق الشوق أُناديه
بجموع العطر أواكبه
ومساء النجمة أُهديه
إن غاب أغيب عن الدنيا
ويغيب الكون وما فيه"!!
منتهى العشق والذوبان!!.. وهو مخلوط بأحلام اليقظة كما تُخءلَطُ أرقُّ العطور.. والجميل أن المرأة قادرة على تحقيق خلطة الأحلام السحرية فتسعده وتمتعه إلى أبعد الحدود، ويتضاعف سرورها وعطاؤها كلما أزداد بها سعادة!
@ @ @
أكثر من الحب
وإذا تحب المرأة من القلب، تحس أن ما في داخلها أكثر من الحب، تقول الشاعرة الشعبية (الوندرا):
"أكثر من الحب ما عندي
يا أغلا المخاليق في عيني
اشتقت لك يا بَعَدء بَعءدي
شوق ملك كلّ ما فيني"!
ونعتبر (أكثر) مبتدأ، و(ما) موصولة خبر المبتدأ وليست نافية، أي أن الذي عندها أكثر من الحب!!
والمرأة قادرة فعلاً على تقديم ما هو أكثر من الحب الذي يعرفه الرجل!! تقول سعاد الصباح:
"أن تكون الأمل المرجو يا حلو الرجاء
أملأ الدنيا حواليك عبيراً وضياء
وأذيب الثلج من حولك في برد الشتاء
وتراني ظلك الحاني إذا ما الصيف جاء
وأُغَنِي لك من عاطفتي أحلى غناء
ثم أروي لك شعراً لم يُقلءهُ الشعراء"!
ما هذا الشعر الذي لم يَقُلءهُ الشعراء؟.. إنه شيء آخر.. نادر.. يتوهج في عيون المرأة ويرتعد في صوتها إذا مسَّها الحب بطيفه المسحور..
فكُلُّ امرأة تصبح - إذا مسَّها الحب - شاعرة..
.../...