صاحب الربيعي - مفهوم الحب عند جلال الدين الرومي

الحب هو شكل من أشكال الاعتراف بالآخر بدون شروط ومقدمات، ويأتي الاعتراف المتبادل منذ النظرة الأولى فتنساب العواطف دون مخاتلة وتبدأ المكاشفة العلنية والصريحة لفضح الأسرار الكامنة بين الطرفين. فكلما كانت المكاشفة صادقة، كلما زاد التواتر الحسي بين الطرفين، وتعددت مسالك العواطف والأحاسيس لتفعل فعلها في أرواء عطش العشق والإعجاب ولتوقظ فصل الربيع كرامةّ لتفتح براعم الاشتياق واللهفة لتثمر عنها سلسلة لامتناهية من عناقيد الحب.
يعتقد (جلال الدين الرومي) " أن الحب، هو هتك الأستار وكشف الأسرار".
الحب يعني القبول بمبدأ الاحتواء المزدوج لمنظومة الأخر، ولايقتصر ذلك على مكونات الجسد فقط وإنما يغوص أكثر في مكونات الروح لتنهل من أسرارها وهواجسها وعوالمها. ومن ثم تبدأ عملية التفاعل الروحي، لتعيد صياغة مكونات العلاقة الأرضية (الجسد) إلى علاقة كونية (الروح) سمتها التطابق والتوحد الروحي ساعيةً كل منها نحو الأخرى بأقصى الحدود لتحقيق الاحتواء دون أدنى تقصير.
يعرف ((جمال الدين الرومي)) الحب قائلاً:" يعني أن تميل بكلك إلى المحبوب، ثم تؤثره على نفسك وروحك ومالك ثم توافقه سراً وجهراً ثم تعترف بتقصيرك في حبه".
كما أنه يعني لهيب من نار مقدسة تضرم في القلب لتشعل عواطف وأحاسيس العاشق، ويمتد لهيبا ليطال المساحات الفاصلة بين الجسد والروح. إنها حرائق عارمة تضرم في منظومة الوجدان، لتعمد على تطهير النفوس بالنار المقدسة لتكون مؤهلة لإبرام عقد لعلاقة حب لها منظومة خاصة من القيم والأعراف قد تتعارض ومنظومة القيم والأعراف الاجتماعية.
يصفها ((جلال الدين الرومي))" بأنها النار المشتعلة في القلب والتي تحرق كل شيء عدا مراد المحبوب".
علاقة الحب هي اتفاق بدون اشتراطات مسبقة بين طرفين، لكنها تصادق على إسقاط حدود الأدب وتنبذًّ التقاليد والأعراف المنافية لمسارات العاطفة. وما تلبي من حاجات روحية لاتخضع لحساب المصلحة والمنفعة الشخصية وأنما تسعى لتلبية رغبات وحاجات الطرف الآخر دون مقابل، بل أنها رغبة عاطفية لاشعورية لتحقيق السعادة والفرح للأخر لأن الذات متوحدة روحياً، فسعادة الأخر تعني سعادة الروح ذاتها.
في هذا الإطار من تحقيق السعادة للمحب يرى ((جلال الدين الرومي))" أن الحب، هو استغلال الكثير من نفسك واستكثار القليل من محبوبك، فالحب يسقط شروط الأدب".
وإذا سلمنا بأن الحب شأن من شؤون القلب مركز الإحساس والعاطفة ومنظومة استلام ذبذبات التردد العاطفية من الآخر لحظة وقوع الحب ذاته، فدور منظومة العقل تنظيم وبناء هذه العلاقة بما يحقق صحة مسارها واستمرارها وتهيئة الظروف اللازمة لنموها وتطورها ليس على صعيد منظومتها الأرضية حسب، بل على صعيد منظومتها الروحية الحاضنة لمجمل مكوناتها وتفاصيلها اليومية.
يصف ((جلال الدين الرومي)) الحب قائلاً:" أنه كالغصن، حين يغرس في القلب فيثمر على قدر العقل".
ويعد الحب حالة من الهيام تنتاب المحب في لحظة لاشعورية، تسقط من حسابها الزمن والمكان والعرق.....إنها حالة إنسانية لاتؤطرها الأفكار والآراء التي تحكم العلاقة بين البشر. إنها نوع خاص من العلاقة تنهل سماتها ورموزها من عوالم روحية، لايمكن أن يصل إليها أو يحسها من لاتعتمر ذاته بالقيم الإنسانية.
الحب سمة من سمات العالم الكوني، تبقى ساكنة في الروح لحين أن تحفزها رغبة لاشعورية تسعى للتعاطي مع ذات إنسانية أخرى باحثة عن ارتباط روحي لتسمو أكثر في عالمها الكوني. إن فشل علاقة الحب، تعني قتلاً لمكونات روح جديدة تآلفت عناصرها من عصارة أحاسيس وعواطف لروحين تلاقت صدفة في عالمها الكوني وتصارحت في عالمها الأرضي.
إن الآثار المترتبة على فشل علاقة الحب، لاتطال تجاويف القلب ولا محطات العمر حسب، بل أنها تطال نبضات الروح. وتفتح الجراح كلما تحرشت بها ذاكرة الأيام فتهبط حلاوة الذكريات ومرها كهبوط ظلام الليل لتطفئ أنوار الروح وما تبقى لها من فسح اللقاء مع شريك أخر، قد لايصل في موعده إلى محطات العمر المتبقية.
يعتقد ((جلال الدين الرومي))" أن الحب أوله ختل وأخره قتل".
تستند مقومات الحب على ثقافة خاصة من العواطف والأحاسيس فكلما سمت، تسامى الحب ذاته، وكلما هبطت تضاءل الحب نفسه. إن ثقافة الحب، لاتمس جوهر فطريته ولاتحدًّ من انسيابه الطبيعي، وإنما تزيده عذرية وتقلل من فرص ضياعه وقتله.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...