نقوس المهدي
كاتب
.. وأنا رأيتُها سبطةَ شعرٍ أسود مارقٍ،
ينسابُ طويلاً من غير ضفيرتيْن،
سوى من حمامتين تعترشان صدرَ الحديقة خلسةً،
ولبلاب يغمرُ، جُهرةً، ما بين لوح الكتفيْن.
وأنا رأيتُها تتنفّس أناشيدَ “ظهر المهراز”*،
وتراقصُها،
يوم كان الحيّ يُطرِب الخابليْن.
آهٍ، لو أسفرت طرقات “الليدو”** عن خبرٍ،
لقالت إنّ الافتتان هبّ من كلِّ عيْن،
وأنّ آهاتٍ انسفحت على مذبح بصرٍ كتوم،
بقيَ يخاتلُ الوقت كلّه،
ويناغي حبلَ السرّة،
علّه يستعيد أسّ الحكايات.
وأنا رأيتُها تلاحقُ هوى الغضَب مرّةً،
وتقبضُ على دفتر الشِّعر بهمسِ الأنامل،
فيما هي تتدلدلُ في سروال جينز أزرق،
وتنشرُ ابتساماتها على الأرومة مرّات.
خليلةُ يوسف، حملت شمس المشرق فوق كفٍّ،
ذات فجرٍ،
ثمّ عمّدتها بالحيّ، بعد حينٍ، طفاوةً لوجهٍ مليح،
وقبلةً للصّلاة.
وأنا رأيتُها قريبةً من يوسف،
وبعيدةً عن فوطيفار الحجر،
تقيمُ الأودَ مع ربلة السّاق اليسرى،
وحول حلقة العنق واللّبة قلادة،
والبزّةُ تُزمّلُ الجسدَ المضمّخَ بنشابٍ شاخصةٍ،
زلاّخة.
وأنا رأيتُها تنبقُ من أعطافِ منمنمات “بهزاد” بلا وجلٍ،
ومن رسوم “الجامي” من غير وصيفاتٍ بهنّ تخفر،
ولا حتّى “ثوب يوسف” في برواز هوراس.
وحدها كانت تتربّع بعنادٍ ملاوي الدخيلة،
متأبطةً زادَ الحكمة، وذخائرَ الإكبار.
لمْ تقضم التفاحةَ التي حلّلتها بجرحيْن،
وإنّما قضمَت حُرقةَ المراودة،
وأنينَ المواجع،
وكثيراً من الانتظار.
وأنا رأيتُها في الزاوية بمقهى في الحذاء،
تحسو قهوتها السادة،
وبنظرٍ بقياس 180 درجة،
تشاغبُ نهر “سبو”، مأوى الثقليْن،
لا تطلبُ ودَّه،
ولا «ترميه بشررٍ كالقصر»،
وترمقُ الجدار الإسمنت المصمت في الجوار،
لربّما فضّ سرّه.
وأنا رأيتُها وحيدةً في المرفئ عند الساحل،
تستجلي علامةً صريحةً من العين الحمئة،
وتصيخُ السّمع إلى زقو نوارسٍ مَواخر،
تخفقُ وسط ضبابٍ حول مركبٍ، بدون ربّان،
قد يظفرُ بالعَوْد كاملاً،
وقد يتيهُ في زحمة الموج بلا أثر.
وأنا رأيتُها تطرقُ الباب “المركزي”***،
كما لم تفعل من قبلُ،
ولا تخور،
وتسعى بين نساء أتيْن من كلِّ فجٍّ،
وقد تأيّد لهنَّ أنّ كوبرنيك لم يخطئْ،
لا،
ولم يغرّر بأحدٍ،
إذ أعلنَ يوماً بأنّ الأرض تدور.
تلك جميلةُ الوقتِ تهلّ بين الفينة والفينة،
عند ثوى الطرقات المطروقة،
وبرزخ المسافات،
تُومئ إلى السّبيل الأمين.
لها شغافُ القلبِ جميعُها،
إذا جاءَها هاتفُ المغيب يزفُّ النّبأَ اليقين،
لها الحمَدُ،
ولها الصمَدُ،
في الأثناء،
وفي كلِّ حين.
وأنا رأيتُها توزّع لآلئ من معدنِ الجوارح
على بياض الصفحات،
تشعلُ الأنساغَ،
والمسامَ،
والأوصالَ،
وكرياتِ الدّم،
بنزْفٍ حارقٍ من شهواتها المتمرّدة،
وشهيقِ المدارات.
وأنا رأيتُها تمعنُ في سفرٍ نحو الغسق الفاتن،
ومنه إلى مراتبِ الألوانِ السّبع،
تتبعُ فراسةَ خطوٍ جُبلَ من ماء الأحواض المقدّس.
وأنا رأيتُها يومَ كانت،
ويومَ تكون.
خليلةَ يوسف ظلّت رهنَ طيّات الأسفار الأولى،
في الأصناف،
وخارقِ التوريقات،
وخليلتَه تصيرُ في كلّ المتون،
سليلةَ الأرواح،
وحظوةَ المقامات.
__________________
*حي شعبي تقع به جامعة محمد بن عبد الله بفاس.
** حي شعبي قريب من الجامعة بفاس.
*** هو السجن المركزي بالقنيطرة (المغرب)، وعرف بوجود المعتقلين السياسيين به بخاصة.
.
ينسابُ طويلاً من غير ضفيرتيْن،
سوى من حمامتين تعترشان صدرَ الحديقة خلسةً،
ولبلاب يغمرُ، جُهرةً، ما بين لوح الكتفيْن.
وأنا رأيتُها تتنفّس أناشيدَ “ظهر المهراز”*،
وتراقصُها،
يوم كان الحيّ يُطرِب الخابليْن.
آهٍ، لو أسفرت طرقات “الليدو”** عن خبرٍ،
لقالت إنّ الافتتان هبّ من كلِّ عيْن،
وأنّ آهاتٍ انسفحت على مذبح بصرٍ كتوم،
بقيَ يخاتلُ الوقت كلّه،
ويناغي حبلَ السرّة،
علّه يستعيد أسّ الحكايات.
وأنا رأيتُها تلاحقُ هوى الغضَب مرّةً،
وتقبضُ على دفتر الشِّعر بهمسِ الأنامل،
فيما هي تتدلدلُ في سروال جينز أزرق،
وتنشرُ ابتساماتها على الأرومة مرّات.
خليلةُ يوسف، حملت شمس المشرق فوق كفٍّ،
ذات فجرٍ،
ثمّ عمّدتها بالحيّ، بعد حينٍ، طفاوةً لوجهٍ مليح،
وقبلةً للصّلاة.
وأنا رأيتُها قريبةً من يوسف،
وبعيدةً عن فوطيفار الحجر،
تقيمُ الأودَ مع ربلة السّاق اليسرى،
وحول حلقة العنق واللّبة قلادة،
والبزّةُ تُزمّلُ الجسدَ المضمّخَ بنشابٍ شاخصةٍ،
زلاّخة.
وأنا رأيتُها تنبقُ من أعطافِ منمنمات “بهزاد” بلا وجلٍ،
ومن رسوم “الجامي” من غير وصيفاتٍ بهنّ تخفر،
ولا حتّى “ثوب يوسف” في برواز هوراس.
وحدها كانت تتربّع بعنادٍ ملاوي الدخيلة،
متأبطةً زادَ الحكمة، وذخائرَ الإكبار.
لمْ تقضم التفاحةَ التي حلّلتها بجرحيْن،
وإنّما قضمَت حُرقةَ المراودة،
وأنينَ المواجع،
وكثيراً من الانتظار.
وأنا رأيتُها في الزاوية بمقهى في الحذاء،
تحسو قهوتها السادة،
وبنظرٍ بقياس 180 درجة،
تشاغبُ نهر “سبو”، مأوى الثقليْن،
لا تطلبُ ودَّه،
ولا «ترميه بشررٍ كالقصر»،
وترمقُ الجدار الإسمنت المصمت في الجوار،
لربّما فضّ سرّه.
وأنا رأيتُها وحيدةً في المرفئ عند الساحل،
تستجلي علامةً صريحةً من العين الحمئة،
وتصيخُ السّمع إلى زقو نوارسٍ مَواخر،
تخفقُ وسط ضبابٍ حول مركبٍ، بدون ربّان،
قد يظفرُ بالعَوْد كاملاً،
وقد يتيهُ في زحمة الموج بلا أثر.
وأنا رأيتُها تطرقُ الباب “المركزي”***،
كما لم تفعل من قبلُ،
ولا تخور،
وتسعى بين نساء أتيْن من كلِّ فجٍّ،
وقد تأيّد لهنَّ أنّ كوبرنيك لم يخطئْ،
لا،
ولم يغرّر بأحدٍ،
إذ أعلنَ يوماً بأنّ الأرض تدور.
تلك جميلةُ الوقتِ تهلّ بين الفينة والفينة،
عند ثوى الطرقات المطروقة،
وبرزخ المسافات،
تُومئ إلى السّبيل الأمين.
لها شغافُ القلبِ جميعُها،
إذا جاءَها هاتفُ المغيب يزفُّ النّبأَ اليقين،
لها الحمَدُ،
ولها الصمَدُ،
في الأثناء،
وفي كلِّ حين.
وأنا رأيتُها توزّع لآلئ من معدنِ الجوارح
على بياض الصفحات،
تشعلُ الأنساغَ،
والمسامَ،
والأوصالَ،
وكرياتِ الدّم،
بنزْفٍ حارقٍ من شهواتها المتمرّدة،
وشهيقِ المدارات.
وأنا رأيتُها تمعنُ في سفرٍ نحو الغسق الفاتن،
ومنه إلى مراتبِ الألوانِ السّبع،
تتبعُ فراسةَ خطوٍ جُبلَ من ماء الأحواض المقدّس.
وأنا رأيتُها يومَ كانت،
ويومَ تكون.
خليلةَ يوسف ظلّت رهنَ طيّات الأسفار الأولى،
في الأصناف،
وخارقِ التوريقات،
وخليلتَه تصيرُ في كلّ المتون،
سليلةَ الأرواح،
وحظوةَ المقامات.
__________________
*حي شعبي تقع به جامعة محمد بن عبد الله بفاس.
** حي شعبي قريب من الجامعة بفاس.
*** هو السجن المركزي بالقنيطرة (المغرب)، وعرف بوجود المعتقلين السياسيين به بخاصة.
.
صورة مفقودة