نقوس المهدي
كاتب
(1)
مُحِبَّاً مُتَهَوِّلاً في ما جَرَى
كانَ "أخوكِ" بَعْضَ هذه التَّرِكة.
(2)
ولكي أُرِيكِ كَمْ أُبْلِي حَسَناً في القِتَالِ الذي أوْقَدْنَا
بقيْتُ مثلَ خميرةٍ خالدةٍ
أُبْلِي حَسَناً في قِتَالِ صِبَاي.
(3)
هل كان جمالي طُفوليَّاً أشَدَّ مما رَغِبْتِ؟
هل كان طعمُ تلكِ اللَّدْغةِ أعذبَ مما تَوَدِّين؟.
هل كان أحْلَى من قَدَر؟.
(4)
ولأنَّكِ صِحْتِ بِيْ يَا مَا، وفي عينيكِ بهجةُ النَّظَرِ لي وأَلَقُ العاشقةِ المُطْمَئِنَّة، وأنتِ تَشُدِّينَ بأطيبِ الأصابعِ خَدِّي؛ وتَقْرُصِينَ رِدْفِي وخيالي وعذوبتي في طَرَبٍ حَفِيٍّ:
"-يَا لَحُسْنِكَ يا أخِي!"،
صِرْتُ لا أعرفُني إلاَّ بما لاحَظْتِ وما أحْبَبْتِ وما أحْيَيْتِ وما سَمَّيْتِ فِيَّ، وصِرْتُ أخْدِمُ حُسْنِيَ الذي أعْجَبَكِ فتزدادينَ شغفاً بي كُلّما رأيْتِنِي وأزدادُ لهيباً كلّما لَمِسَتْنِ نُونُكِ واْنْحَنَى على نقوشِكِ نَقْشِي وأرَاكِ أرَاكِ.
أرَاكِ واهنةً واهنة.
واهنةً تلقاءَ حيلتي،
واهنةً تحتَ دَفْقِ البهائمِ السَّعْرَانَةِ التي تُوْقِدُنِي وهْيَ على عرشِكِ مُشْرِقَةْ؛ وهْيَ ضاريةٌ حَيَّةٌ؛ وهْيَ الَّتي مِنِّي؛ مِنْ جِلْدِيَ العاطرِ أختي؛ مِنْ نَدَى جلديَ الغُلُومِيِّ عليك يا غالية.
وأراكِ فاقعةً مثلَ شمسِ الطِّينِ داخلَ هَمْسِي.
أراكِ، وهمسي مُتَأَصِّلٌ كالرِّغَابِ في أعضائي، وأعضائي على أحسن ما هنالِكِ أختي.
أراكِ وأعضائي؛ تَرْقُصِين وأعضائي، وأعضائي تُزَمْجِرْ.
أراكِ أختي، وقد بُحَّ لحمي من تَوْقِهِ لأنيابِكِ الطَّيِّباتِ؛ لِمخلبِكِ العّذْبْ، ولَكِ الحبيبةِ أختي، لِتَنْهَشِيهِ وهَمْسِي؛ نَهْشَكِ خَدِّيَ كُلَّ ليلةٍ هالكةٍ؛ فيعصفُ بي هتافُك:
"-يا لَحُسْنِكَ يا أخي!".
حتى إذا كان "ذَالُنَا"؛ أعْنِي... "ذَالِي" و"ذَالِكِ" أختي؛ جَمَعْتِنِي مثلَ ثوبٍ قديمٍ في حِجْرِكِ الغامضِ أختي ورَتَقْتِ نقشاً لِنَقْشٍ وفتكتِ بي.
هذا ما كنتُ أرْجوهُ لو يَدُ العنايةِ جَادَتْ!؛
ولكن... ألاَ تعرفين؟، أنا نادم!.
(5)
أنا نادمٌ يا غالية،
لأنِّي لَكِ دُودَةً تراءيتُ في تِلْكِ البادرةِ الفريدة.
(6)
نادمٌ
لأنِّي خِفْتُ؛ إنْ أنا لم أبْدُ دودةً في حُكْمِ عينيكِ الكريمتينِ، لَمَا كنتُ جديراً بالفتنةِ الطَّاغيةِ في اْعتبارِكِ لي؛ ولَمَا اْنْطَلَى على غريزةِ الوردةِ فيكِ حُسْنِيَ العاري!.
كان هنالِكِ وحشٌ مُوَارَبٌ لي في عرشِ المِسْك.
(7)
نادمٌ
لأنِّي كنتُ مذعوراً من يقيني أكثرَ منك.
(8)
نادمٌ
لأنِّي كنتُ معذوراً في يقيني أكثرَ منك.
(9)
نادمٌ
لأنَّ طُهْرِي _لا جَنَابَتِي_ هو الذي دَنَّسَ الفِرَاشَ الواحدَ الذي طالما نِمْنَا عليه مضرَّجَيْنِ بكِسْوَةِ الحريرِ الأبيضِ يا غالية. في جِوَارٍ مَكِينٍ يَنْحَكُّ لَهَبِي بلهبِكْ؛ مائي بِمَائِكْ؛ ترابي بترابك؛ أثيري بأثيرِكِ لا نستطيعْ!. ويَهِلُّ علينا جِلْدٌ مُفَرْدَسٌ عارمٌ بِرُبُوبِيَّةِ الكتمانِ الخالصة؛ يَهِلُّ فوقَ سريرِنا ليلاً مثلَ شمسٍ أليفةِ، ويَحْيَا غلافاً عضويَّاً خفيَّاً حولَ جدرانِ الحصنِ بقوَّةِ ألْفِ قلبٍ بُرَاقِيٍّ موصولٍ إليه؛ يَكْتُمُنا على العينِ والقِيمةِ، يَحْيَا ويتلظَّى في حزنِهِ جنبَ المشاعلِ والنُّقوشِ والتَّماثيلِ والشُّموعِ الشَّحميَّةِ الضَّخمةِ وأصلابِ الحُرَّاسِ السُّودِ، يَرْفِدُنَا بِالطُّوَى رانياً إلينا نتقلَّب تحتَ مَحَارِمِ الدَّمِ قمرين بهيمين، فيما يتقطَّرُ العشقُ الرَّهيبُ على رأسَيْنا الصَّغيرين مثلَ ذهبٍ ذائب.
(10)
نادمٌ
لأنَّكِ ساعَتَها، وأنا أتَقَضَّى على الحريرِ كقمرٍ هِجْرِيٍّ؛ وعلى الحريرِ أُبَاهِي بِطَلْعَتِي، وأَتَنَاهَى إليكِ في غايةِ الضَّعْفِ، لَمْ تَقْرَعِي بي شُبَّاكَ أزَلِ الجَّريمةِ الأخضر.
ساعَتَها، أَدَرْتِ المقبضَ المادِّيَّ الحُرَّ لِبَابِ الألَمِ السجينِ داخلَ صرخةٍ صُنْدُوقيَّةٍ لا تُرَى مُتَفَتِّتَاً جَبَلاً في كُلِّ طائرٍ مِنْهُ جَبَل.
ساعَتَها أختي، هتفتِ حَالَ مختزلِ الأحكامِ القياميَّةِ فوقَ مِنَصَّةِ ديوانِ الحسابِ أمامَ شُهُودٍ من جَمْرٍ ومياه:
"-حَدُّ الرَّحْمَة"،
ثُمَّ تَرَكْتِ لا لِلْهَوْلِ سِوَايَ وَكِيلاً لِيُتْلِفَ معه كنوزَ الفكرِ والصِّبَا والكهرباءِ الدَّفينةِ في الباطنِ السَّالبِ للمُلْك.
(11)
نادمٌ
لأنَّكِ ساعَتَها، وأنا الدُّودَةُ الطِّفْلةُُ المجنونةُ البيضاءُ تَغْلِي وتَرْفَضُّ وسطَ الأجرامِ والنُّجومِ البيضاءِ المُرَاقَةِ في مِهَادٍ مُتَرَاكِبَةٍ من حريرٍ أبيضَ، لَمْ تَبْرُكِي فوقَ لحميَ الطَّيِّبِ المُتَفَتِّقِ أذيالاً تَهْتَزُّ حُبَّاً وإكراماً وعِزَّاً يا غالية، لم تَلْثُمِي بشفتيكِ الهِلالَيْنِ قَلْبَ الحرارةِ التي أحْيَت لأجلِكِ العواصفَ كلّها مُوْجَزَةً في دفقةٍ حِسِّيَّةٍ مفرَدةٍ معلَّقةٍ بيننا تتهدَّجُ اْشتهاءً وضراعةً تحتَ نَفْخِ البساطةِ العاريةِ التي اْلْتَأَمَتْ على حريرِنا وطَغَتْ بِوَقْعِ نَأْمَتِهَا الجُّلَّى وسُكُونِهَا الذَّاكِي على خَفْقِ أفئدةِ الصَّغَائرِ في مضاميرِ الأثر. ويا للحسرة!، حسرةٌ يا أختي شديدة!!.
إنَّهُ في عَيْنٍ
وإنَّهُ في بَاءٍ
وإنَّهُ في بَابٍ
وإنَّهُ "السَّاقُ بالسَّاق"،
شقيقُكِ الصَّبِيُّ النُّورُ يناديكِ عارياً ويتلوَّى في دلالٍ ليُغْوِيكِ على سريرِكما المشترَك!!...
أهذا ما رأيتِ هناك؟،
أهذا ما رأيتِ يا غالية؟!.
ماذا رأيتِ بِحَقِّ السَّماءِ وخَدِّي؟.
(12)
نادمٌ
نادمٌ
نادمٌ
تحتَ زمجرةِ جلدٍ ساحليٍّ كاملٍ أشْرَفْتِ على رَيِّهِ كُلَّ ظهيرةٍ بالزّيوتِ العطريَّةِ والعَسَلِ القاني ودَبْغِهِ بعجينِ المِسْكِ وتدخينِهِ بالصندلِ، هانئةً في مياهِكِ.....، هذا يُؤَرِّقْ!!، ماذا رأيتِ؟، وها أنتِ، وأفْعَى طَيَّ إبْطِكِ، يعصِمُكِ "المَسَاقُ"، تَزُجِّينَ في الأرضِ بي. ها أنتِ تطيْرِينَ بِسَاقَيْكِ في الماءِ أسفَلْ، وتَشُقِّينَ طَيْرِيَ مغتبطةً بِتَهَامُسِ وَصِيفاتِكِ الغُلامِيَّاتِ حَوْلِي، وهنَّ يَدْهَنَّنِي بالمخاليطِ الغريبةِ الأكاسيرِ المثيرةِ المجلوبةِ عبرَ الحتوفِ والأخطارِ من أرَاضِينِ الأرضِ السَّبْعِ؛ يَخِزْنَ روحي بغاياتٍ وحشيَّةٍ ومَعَانٍ مفترسةٍ وتيَّاراتٍ من اللَّحْنِ يُمْلِيهَا عَلَيَّ الخلاءُ بجلدي؛ تُقَلِّبُنِي هكذا في النَّقْشِ. يَخِزْنَ حبري وناري؛ ويبعثنَ في لحمي وعظمي ودَمِي كُلَّ أجيالِ الزُّهورِ والقياماتِ النَّائمة!.
لأجلِ مَنْ كان ذلِكِ أختي؟،
لأجلِ مَن؟؟.
(13)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن داخل كُلِّ آبارِهِ تُرَاسِلُكِ ذِكْرَى.
(14)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن جَمْرِ كُلِّ لحظةٍ متنفِّسةٍ في خلاياه تُراسِلُكِ دمعة.
(15)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن أنينِ كُلِّ قاطرةٍ نَفَثَتْ في عُقَدِهِ هندساتِهَا يُرَاسِلُكِ عُوَاء.
(16)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن قدسيَّةِ كُلِّ سطرٍ كَتَبْتِهِ عليه أثناءَ نَوْمِنَا بخيالِ الطُّفولةِ الْمُعَمَّى تُرَاسِلُكِ اللوعةُ الكبيرةُ أُمُّ اللوعاتِ المعطَّلةُ في نقوشِ القِدَم الضَّارية.
(17)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن ثنايا كلّ وَادٍ مُسْتَتِرٍ طَيَّ بَرِّيَّتِهِ الشَّاسعةِ تَدَحْرَجْنا على أحجارِهِ وشَوْكِهِ مغافِلَيْن المُرَبِّيَاتِ والحُرَّاسَ تراسلك رُكبةٌ دامية.
(18)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن خلف كلّ دِرْعٍ فيه يراسلك بابٌ أثيريٌّ أُعِدَّ لِتَدْخُلِي.
(19)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن عَيْنِ كلّ عَبْدٍ فيه اْرْتَدَفْنَا ظهرَه بصُلْبَيْنَا النَّاضرينِ وتَوَهَّجْنا شَرَرَاً تراسلك بئرٌ فضائيَّةٌ يبتهلُ في قعرِها حيوانٌ حزين.
(20)
نادمٌ يا غالية
وهذا جسدي!.
(21)
هذا جسدي،
أُمِيطُ عنه البهاءَ طابقاً بعدَ طابقٍ كي أَرَى: مَنْ كُنْتُ أيضاً عُرْيَذَاكَ؛ غيرَ صَبِيٍّ بَشَرِيٍّ خائفٍ، ومع خوفِهِ، يستعذبُ للمَرَّةِ الأولى بِحَوَاسِّهِ كلّها دبيبَ هذا النُّمُوِّ السريعِ المهتاجِ في لحمِهِ، ويُقَلِّبُ بِاْضْطِرابٍ كتابَ العاطفةِ الرَّهيبَ هذا وهو يَنْقَضُّ عليه ككاسرٍ دهريٍّ ويَحْتَلُّ أعضاءَهُ الطَّاهرة.
فهل كُنْتُ يا أختي غيرَ صبيٍّ بَشَرِيٍّ خائف؟.
كَمْ كنتُ غيرَ صبيٍّ بَشَرِيٍّ خائف؟.
(22)
هذا جسدي.
فماذا رأيتِ؟.
(23)
هذا جسدي،
لأجلِكِ أنْقُضُهُ وأتبدَّدُ في النَّقْشِ يا غالية.
(24)
هذا جسدي،
لا عُودِيَ الغَضَّ سَجَّيْتِ على الحريرِ، ولا جِلْدِي قَرَأْتِ بالطَّاهراتِ أصابعِك!.
(25)
هذا جسدي،
وَضَعْتُهُ أمْسِ أمَامَ عينيكِ؛ أمامَ المظهرِ الأرْضِيِّ الخارقِ للعنايةِ والعطفِ، وكان نظيفاً حَيَّاً؛ جَسَدِي، كأنَّهُ المستحيل!، ومَا إنْ رَآكِ قادمةً تَجُرِّينَ أكوانَكِ العضويَّةَ المطروحةَ في شِبَاكِ الأعصابِ، حَتَّى أفَاقَتْ في أنهارِهِ وحُقُولِهِ عناقيدُ الجَّاذبيَّاتِ المريعةِ وهَبَّتْ تتدافعُ داخلَ اللَّحْمِ لإرْضَاءِ اللهِ الذي فيكِ بِمِقْدَارِ ما كَتَبَ اللهُ الذي فِيّ.
هل لَمِسْتِنِي حتى؟،
هل شَدَّقْتِنِي كما اْعْتَدْتِ صائحةً بكُلِّ ذلِكِ التَّرْحَابِ الْمُعَافَى؛ تَرْحَابِ الأُخْتِ يا غالية:
"-يا لَحُسْنِكَ يا أخي!"؟؟.
كَلاَّ!!.
لا لَمِسْتِنِي ولا شَدَّقْتِنِي، بل ضَرَبْتِنِي بِحَدِّ الرَّحْمَةِ يا غالية!. كيف باللهِ ضَرَبْتِنِي بِحَدِّ الرَّحْمَةِ يا غالية؟. هل كنتُ أبدو لِحكمةِ عينيكِ جَلْدَاً ظريفاً وروحي رياضيَّة؟، أهَا... فإنِّي وعِزَّةِ الحَيْضِ لَمْ أكُنْ!!. بِرَبِّكِ!، ماذا رأيتِ؟.
(26)
كُنْتُ عَيْنِي فارغةً،
في نظرتي جوعٌ
وفي وُدِّي طَمَعْ.
كُنْتُ يَجْمَعُنِي خَلاَءٌ
لو عَلِمْتِ
ويَفْرُقُنِي خلاء.
قَطّ لَمْ أسْتَشْعِرْ واقعَ أنَّ لي أَبَاً في الملوك!.
(27)
أفَكُلُّ هذا الخَيْر لَكِ؟
كُلُّ هؤلاءِ العبيد يا أختي؟
كُلُّ هذه الأبواب يا اْبْنَةَ المَلِك؟
أمِ البِحَار؟
أمِ العُشَّاق؟
أمِ العاشقات؟
أمِ المدن؟
أمِ الحقول؟
أمِ المهار المُخَضَّبَة الأفخاذ؟
أمِ الملائك؟
أمِ الآلهة؟
أمْ ألْوَاح الطَّبيعةِ المدفونةِ في نَوْمِ رعاياك؟
أمِ الليالي؟
أمِ الأقمار؟
أمِ الأوْدِيَة الطائرة داخلَ الحُجُرَاتِ الْمُحَرَّمة؟
أمْ كَتَبَة العَالَم المسجونينَ في الأمكنةِ الْمَطْوِيَّةِ جِرَارَا؟
أمْ...
يا غالية،
أكُلُّهُ قَيْدَ يديك؟...
(28)
...إذاً
أخُصُّ يديكِ بِكَنْزِي
قبلَ أن يصحو بابُ جَنَّتِكِ المستتِرَة:
(بِمِقْيَاسِ بِئْرٍ عَضَلِيَّةٍ مُقَوَّسَةٍ،
كانت الدُّودَةُ اْبتسامةُ حُرَّةً لَمْ تَقَعْ في أَسْرِ شَفَتَيْن.
كان العُرْيُ تَجَهُّمَ العِطْرِ في وَجْهِ الغريب.
والطَّائفةُ فوقَ العرشِ في كاملِ حُسْنِها
كانَتْ يَدِي).
(29)
أرَأيْتِ؟.
(30)
هذا جسدي!.
(31)
أمَّا نَقْشكِ الْمَنُوْعُ يا غالية؛
نقشكِ العَاصِي؛
نقشكِ الْمُتَأَبِّي؛
نقشكِ اللَّعينُ يا أختي،
فلا أستطيع!.
(32)
أرَأيْتِ؟.
(33)
لِذَا
يَدِي سَتَرِثِينَ؛ كنزي سَتَرِثِينَ؛ تَهَوُّلِي؛ وألَمِي وخوفي وحيرتي ويقيني وندمي وجمالي وصِبَايَ وسُعَاري وآدَمِيَّةَ زَمْجَرَتي؛ سَتَرِثينَ؛ وعرشيَ المسخوطَ بئراً عاطلةً في أزلِ الجريمةِ الأخضر.
(34)
ورَيثما تَجِدِينَ ذيليَ الإنسانيَّ يَهْتَزُّ مثلَ ذيلِ الضَّبِّ مَحْشُورَاً بينَ الحَيْضِ والولادة؛ بينَ الممكنِ والواقع؛ بينَ الباطنِ والظَّاهر؛ بينَ البَطْنِ والظَّهْر؛ بينَ السَّلاَمِ الذي أوْقَدْنَا والقِتَالِ الذي اْزْدَهَرَ كالإعصارِ في صُلْبِ الضَّرُورُةِ أختي،
أُعَظِّمُ الدَّفْقَ هذا؛ دَفْقَك.
أُعَظِّمُهُ بأكْمَلِ اْختفاءاتي تَحَجُّرَاً.
أُعَظِّمُهُ بدمعيَ المتلألئِ في ظلامِ الخَلْق.
أُعَظِّمُهُ بأهوالٍ أَرِدُهَا ساعَةَ لا أستطيع!.
أُعَظِّمُهُ بتدبيري عَالَمَاً آخَرَ
فيه
تَمْحَقُ اللَّمْسَةُ الوَاحِدَ مَحْقَا،
وفيه
إنْ بَكَّى عاشقٌ عاشقاً
أو خليلٌ خليلاً
فاضَتْ مع الدَّمعةِ روحُهُ؛ روحاهما الإثنتان،
وفيه
لا يأخذُ القطارُ أحداً،
وفيه
لا أكونُ مُوْقِنَاً أبداً،
وفيه
إنْ رأيتِ ما لا أعْنِيهِ أرَاهُ يَعْنِينِي،
وفيه
إنْ رأيتِ ما يَعْنِينِي أرَاهُ يَعْنِينِي،
وفيه
إنْ أنتِ قَتَلْتِنِي قَتَلْتُك،
وفيه
لا تَظُنِّينَ بي قُوَّةً على أنْ أطِيقَ نَفْخَ قِطَارِكِ المختفي سريعاً خلفَ حبلٍ طائرٍ يُلْجِمُ شِدْقَيّ كَنْزٍ طائر.
(35)
ورَيثما تَفِدِينَ، بالطّلّسْمِ مكتوبةً، إلى بئريَ الخالية، أجْثُو لَدَى لوحِكِ الخالدِ المتخمِّرِ في صِبَايَ مثلَ نظرةِ صَنَمٍ مشتاقٍ إلى صَنَمٍ، ولنقشِكِ أبْتَهِلُ، ولا أتَمَكَّنُ مُطْلَقَاً من تشغيلِهِ ليَطْحَنَنِي بأنغامِهِ السَّطْرِيَّةِ الدَّوَّارَة.
فَكَمْ أزَلُ الجريمةِ أخضرُ ويطيعُكِ يا أختي
يا أمَلَ الطَّبيعةِ في الخيال
يا فَجْرَ الكنوزِ كلّها
يا ليلَها،
لِمَ كُنَّا أَعَزَّ على الثِّقَلِ مِنْ بَشَر؟
لِمَ كُنَّا أَعَزَّ على الخِفَّةِ مِنْ فَرَاشَة؟.
(36)
والطَّنِينَ!،
أتسمَعينَ الطَّنين؟
أهذا بابُ جَنَّتِكِ الظَّاهرةِ يُقْفَل؟
أبِهذا القُرْبِ كُنَّا من الحدود؟.
لا عَجَبَ إذاً أنْ نَجَوْنَا من السَّعادة.
(37)
أنا ويقيني من الحُّبِّ
ومَعَنَا اللهُ
في أمَانِ التَّهَاوِيلِ نبكي.
(38)
أنتِ وآخِرُ الدَّهْرِ
ومَعَكُمَا اللهُ
تُدِيرُونَ في صِفْرِ العَالَمِ مِفتاحَ القيامةِ الصَّوْتِيَّ
وتَحتَ أمرِكُمْ صِبَايَ الخادمُ
يُجَفِّفُ من أجلِكم الزَّمَانَ على آنِيَةٍ هَوَائيَّةٍ مُخَرَّمَةٍ
وفي التَّكْلِيفِ نفسِهِ يَتَفَتَّتْ.
(39)
خَتَمْتِ
على البابِ
بِرَصَدٍ يَتَنَاسَلُ أبواباً
تُشِيحُ عَنِّي
زاهدةً في كُسُوري.
(40)
أنا الذي كنتُ الصَّبِيَّ البَشَرِيَّ الذي زَهُقَتْ روحُهُ فَرَقَاً من العُرْيِ فَأَبْقَاهُ العُرْيُ حَيَّاً، لكي يسمعَ كُلَّ خَلِيَّةٍ عمياءَ في جسدِهِ الأعمى تكرَّرُ بلا كَلَلٍ سَرْدَ مشهدِنَا القديمِ لَمَّا رَأَيْتِنِي دودةً؛ ولكي يَعْوِي كلّ فَجْرٍ حيوانيٍّ في جِلْدِهِ ويتناهَشُ بعضَهُ من جُنُونِ العاطفة.
(41)
"أخُوكِ" الصَّغيرُ أنا،
فَهُزِّي بيديكِ هكذا
بَلَى
كَرَاعِيَةٍ تُفَرِّقُ أشكالَ النَّسِيمِ الغامضةَ بَحْثَاً عن ما وراءَهَا من رتاجاتٍ وأَرْصادٍ لِتَعْرِفَ أَيَّ الأصفارِ أطْيَبُ كَلأً!،
هكذا
واْلْدَغِينِي بِطَيْرِ البابِ
ثم اْتركيني
هنا
تحتَ قَمَرِ الجَّحيمِ
بينَ صُلْبِ الزَّمانِ ومفتاحِ القيامةِ التَّالية
أتَسَمَّمُ راعشاً
بِخَيْرَاتِ أزَلِكِ الأخضرِ
يا أختي.
.
مُحِبَّاً مُتَهَوِّلاً في ما جَرَى
كانَ "أخوكِ" بَعْضَ هذه التَّرِكة.
(2)
ولكي أُرِيكِ كَمْ أُبْلِي حَسَناً في القِتَالِ الذي أوْقَدْنَا
بقيْتُ مثلَ خميرةٍ خالدةٍ
أُبْلِي حَسَناً في قِتَالِ صِبَاي.
(3)
هل كان جمالي طُفوليَّاً أشَدَّ مما رَغِبْتِ؟
هل كان طعمُ تلكِ اللَّدْغةِ أعذبَ مما تَوَدِّين؟.
هل كان أحْلَى من قَدَر؟.
(4)
ولأنَّكِ صِحْتِ بِيْ يَا مَا، وفي عينيكِ بهجةُ النَّظَرِ لي وأَلَقُ العاشقةِ المُطْمَئِنَّة، وأنتِ تَشُدِّينَ بأطيبِ الأصابعِ خَدِّي؛ وتَقْرُصِينَ رِدْفِي وخيالي وعذوبتي في طَرَبٍ حَفِيٍّ:
"-يَا لَحُسْنِكَ يا أخِي!"،
صِرْتُ لا أعرفُني إلاَّ بما لاحَظْتِ وما أحْبَبْتِ وما أحْيَيْتِ وما سَمَّيْتِ فِيَّ، وصِرْتُ أخْدِمُ حُسْنِيَ الذي أعْجَبَكِ فتزدادينَ شغفاً بي كُلّما رأيْتِنِي وأزدادُ لهيباً كلّما لَمِسَتْنِ نُونُكِ واْنْحَنَى على نقوشِكِ نَقْشِي وأرَاكِ أرَاكِ.
أرَاكِ واهنةً واهنة.
واهنةً تلقاءَ حيلتي،
واهنةً تحتَ دَفْقِ البهائمِ السَّعْرَانَةِ التي تُوْقِدُنِي وهْيَ على عرشِكِ مُشْرِقَةْ؛ وهْيَ ضاريةٌ حَيَّةٌ؛ وهْيَ الَّتي مِنِّي؛ مِنْ جِلْدِيَ العاطرِ أختي؛ مِنْ نَدَى جلديَ الغُلُومِيِّ عليك يا غالية.
وأراكِ فاقعةً مثلَ شمسِ الطِّينِ داخلَ هَمْسِي.
أراكِ، وهمسي مُتَأَصِّلٌ كالرِّغَابِ في أعضائي، وأعضائي على أحسن ما هنالِكِ أختي.
أراكِ وأعضائي؛ تَرْقُصِين وأعضائي، وأعضائي تُزَمْجِرْ.
أراكِ أختي، وقد بُحَّ لحمي من تَوْقِهِ لأنيابِكِ الطَّيِّباتِ؛ لِمخلبِكِ العّذْبْ، ولَكِ الحبيبةِ أختي، لِتَنْهَشِيهِ وهَمْسِي؛ نَهْشَكِ خَدِّيَ كُلَّ ليلةٍ هالكةٍ؛ فيعصفُ بي هتافُك:
"-يا لَحُسْنِكَ يا أخي!".
حتى إذا كان "ذَالُنَا"؛ أعْنِي... "ذَالِي" و"ذَالِكِ" أختي؛ جَمَعْتِنِي مثلَ ثوبٍ قديمٍ في حِجْرِكِ الغامضِ أختي ورَتَقْتِ نقشاً لِنَقْشٍ وفتكتِ بي.
هذا ما كنتُ أرْجوهُ لو يَدُ العنايةِ جَادَتْ!؛
ولكن... ألاَ تعرفين؟، أنا نادم!.
(5)
أنا نادمٌ يا غالية،
لأنِّي لَكِ دُودَةً تراءيتُ في تِلْكِ البادرةِ الفريدة.
(6)
نادمٌ
لأنِّي خِفْتُ؛ إنْ أنا لم أبْدُ دودةً في حُكْمِ عينيكِ الكريمتينِ، لَمَا كنتُ جديراً بالفتنةِ الطَّاغيةِ في اْعتبارِكِ لي؛ ولَمَا اْنْطَلَى على غريزةِ الوردةِ فيكِ حُسْنِيَ العاري!.
كان هنالِكِ وحشٌ مُوَارَبٌ لي في عرشِ المِسْك.
(7)
نادمٌ
لأنِّي كنتُ مذعوراً من يقيني أكثرَ منك.
(8)
نادمٌ
لأنِّي كنتُ معذوراً في يقيني أكثرَ منك.
(9)
نادمٌ
لأنَّ طُهْرِي _لا جَنَابَتِي_ هو الذي دَنَّسَ الفِرَاشَ الواحدَ الذي طالما نِمْنَا عليه مضرَّجَيْنِ بكِسْوَةِ الحريرِ الأبيضِ يا غالية. في جِوَارٍ مَكِينٍ يَنْحَكُّ لَهَبِي بلهبِكْ؛ مائي بِمَائِكْ؛ ترابي بترابك؛ أثيري بأثيرِكِ لا نستطيعْ!. ويَهِلُّ علينا جِلْدٌ مُفَرْدَسٌ عارمٌ بِرُبُوبِيَّةِ الكتمانِ الخالصة؛ يَهِلُّ فوقَ سريرِنا ليلاً مثلَ شمسٍ أليفةِ، ويَحْيَا غلافاً عضويَّاً خفيَّاً حولَ جدرانِ الحصنِ بقوَّةِ ألْفِ قلبٍ بُرَاقِيٍّ موصولٍ إليه؛ يَكْتُمُنا على العينِ والقِيمةِ، يَحْيَا ويتلظَّى في حزنِهِ جنبَ المشاعلِ والنُّقوشِ والتَّماثيلِ والشُّموعِ الشَّحميَّةِ الضَّخمةِ وأصلابِ الحُرَّاسِ السُّودِ، يَرْفِدُنَا بِالطُّوَى رانياً إلينا نتقلَّب تحتَ مَحَارِمِ الدَّمِ قمرين بهيمين، فيما يتقطَّرُ العشقُ الرَّهيبُ على رأسَيْنا الصَّغيرين مثلَ ذهبٍ ذائب.
(10)
نادمٌ
لأنَّكِ ساعَتَها، وأنا أتَقَضَّى على الحريرِ كقمرٍ هِجْرِيٍّ؛ وعلى الحريرِ أُبَاهِي بِطَلْعَتِي، وأَتَنَاهَى إليكِ في غايةِ الضَّعْفِ، لَمْ تَقْرَعِي بي شُبَّاكَ أزَلِ الجَّريمةِ الأخضر.
ساعَتَها، أَدَرْتِ المقبضَ المادِّيَّ الحُرَّ لِبَابِ الألَمِ السجينِ داخلَ صرخةٍ صُنْدُوقيَّةٍ لا تُرَى مُتَفَتِّتَاً جَبَلاً في كُلِّ طائرٍ مِنْهُ جَبَل.
ساعَتَها أختي، هتفتِ حَالَ مختزلِ الأحكامِ القياميَّةِ فوقَ مِنَصَّةِ ديوانِ الحسابِ أمامَ شُهُودٍ من جَمْرٍ ومياه:
"-حَدُّ الرَّحْمَة"،
ثُمَّ تَرَكْتِ لا لِلْهَوْلِ سِوَايَ وَكِيلاً لِيُتْلِفَ معه كنوزَ الفكرِ والصِّبَا والكهرباءِ الدَّفينةِ في الباطنِ السَّالبِ للمُلْك.
(11)
نادمٌ
لأنَّكِ ساعَتَها، وأنا الدُّودَةُ الطِّفْلةُُ المجنونةُ البيضاءُ تَغْلِي وتَرْفَضُّ وسطَ الأجرامِ والنُّجومِ البيضاءِ المُرَاقَةِ في مِهَادٍ مُتَرَاكِبَةٍ من حريرٍ أبيضَ، لَمْ تَبْرُكِي فوقَ لحميَ الطَّيِّبِ المُتَفَتِّقِ أذيالاً تَهْتَزُّ حُبَّاً وإكراماً وعِزَّاً يا غالية، لم تَلْثُمِي بشفتيكِ الهِلالَيْنِ قَلْبَ الحرارةِ التي أحْيَت لأجلِكِ العواصفَ كلّها مُوْجَزَةً في دفقةٍ حِسِّيَّةٍ مفرَدةٍ معلَّقةٍ بيننا تتهدَّجُ اْشتهاءً وضراعةً تحتَ نَفْخِ البساطةِ العاريةِ التي اْلْتَأَمَتْ على حريرِنا وطَغَتْ بِوَقْعِ نَأْمَتِهَا الجُّلَّى وسُكُونِهَا الذَّاكِي على خَفْقِ أفئدةِ الصَّغَائرِ في مضاميرِ الأثر. ويا للحسرة!، حسرةٌ يا أختي شديدة!!.
إنَّهُ في عَيْنٍ
وإنَّهُ في بَاءٍ
وإنَّهُ في بَابٍ
وإنَّهُ "السَّاقُ بالسَّاق"،
شقيقُكِ الصَّبِيُّ النُّورُ يناديكِ عارياً ويتلوَّى في دلالٍ ليُغْوِيكِ على سريرِكما المشترَك!!...
أهذا ما رأيتِ هناك؟،
أهذا ما رأيتِ يا غالية؟!.
ماذا رأيتِ بِحَقِّ السَّماءِ وخَدِّي؟.
(12)
نادمٌ
نادمٌ
نادمٌ
تحتَ زمجرةِ جلدٍ ساحليٍّ كاملٍ أشْرَفْتِ على رَيِّهِ كُلَّ ظهيرةٍ بالزّيوتِ العطريَّةِ والعَسَلِ القاني ودَبْغِهِ بعجينِ المِسْكِ وتدخينِهِ بالصندلِ، هانئةً في مياهِكِ.....، هذا يُؤَرِّقْ!!، ماذا رأيتِ؟، وها أنتِ، وأفْعَى طَيَّ إبْطِكِ، يعصِمُكِ "المَسَاقُ"، تَزُجِّينَ في الأرضِ بي. ها أنتِ تطيْرِينَ بِسَاقَيْكِ في الماءِ أسفَلْ، وتَشُقِّينَ طَيْرِيَ مغتبطةً بِتَهَامُسِ وَصِيفاتِكِ الغُلامِيَّاتِ حَوْلِي، وهنَّ يَدْهَنَّنِي بالمخاليطِ الغريبةِ الأكاسيرِ المثيرةِ المجلوبةِ عبرَ الحتوفِ والأخطارِ من أرَاضِينِ الأرضِ السَّبْعِ؛ يَخِزْنَ روحي بغاياتٍ وحشيَّةٍ ومَعَانٍ مفترسةٍ وتيَّاراتٍ من اللَّحْنِ يُمْلِيهَا عَلَيَّ الخلاءُ بجلدي؛ تُقَلِّبُنِي هكذا في النَّقْشِ. يَخِزْنَ حبري وناري؛ ويبعثنَ في لحمي وعظمي ودَمِي كُلَّ أجيالِ الزُّهورِ والقياماتِ النَّائمة!.
لأجلِ مَنْ كان ذلِكِ أختي؟،
لأجلِ مَن؟؟.
(13)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن داخل كُلِّ آبارِهِ تُرَاسِلُكِ ذِكْرَى.
(14)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن جَمْرِ كُلِّ لحظةٍ متنفِّسةٍ في خلاياه تُراسِلُكِ دمعة.
(15)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن أنينِ كُلِّ قاطرةٍ نَفَثَتْ في عُقَدِهِ هندساتِهَا يُرَاسِلُكِ عُوَاء.
(16)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن قدسيَّةِ كُلِّ سطرٍ كَتَبْتِهِ عليه أثناءَ نَوْمِنَا بخيالِ الطُّفولةِ الْمُعَمَّى تُرَاسِلُكِ اللوعةُ الكبيرةُ أُمُّ اللوعاتِ المعطَّلةُ في نقوشِ القِدَم الضَّارية.
(17)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن ثنايا كلّ وَادٍ مُسْتَتِرٍ طَيَّ بَرِّيَّتِهِ الشَّاسعةِ تَدَحْرَجْنا على أحجارِهِ وشَوْكِهِ مغافِلَيْن المُرَبِّيَاتِ والحُرَّاسَ تراسلك رُكبةٌ دامية.
(18)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن خلف كلّ دِرْعٍ فيه يراسلك بابٌ أثيريٌّ أُعِدَّ لِتَدْخُلِي.
(19)
نادمٌ
وهذا جسدي،
مِن عَيْنِ كلّ عَبْدٍ فيه اْرْتَدَفْنَا ظهرَه بصُلْبَيْنَا النَّاضرينِ وتَوَهَّجْنا شَرَرَاً تراسلك بئرٌ فضائيَّةٌ يبتهلُ في قعرِها حيوانٌ حزين.
(20)
نادمٌ يا غالية
وهذا جسدي!.
(21)
هذا جسدي،
أُمِيطُ عنه البهاءَ طابقاً بعدَ طابقٍ كي أَرَى: مَنْ كُنْتُ أيضاً عُرْيَذَاكَ؛ غيرَ صَبِيٍّ بَشَرِيٍّ خائفٍ، ومع خوفِهِ، يستعذبُ للمَرَّةِ الأولى بِحَوَاسِّهِ كلّها دبيبَ هذا النُّمُوِّ السريعِ المهتاجِ في لحمِهِ، ويُقَلِّبُ بِاْضْطِرابٍ كتابَ العاطفةِ الرَّهيبَ هذا وهو يَنْقَضُّ عليه ككاسرٍ دهريٍّ ويَحْتَلُّ أعضاءَهُ الطَّاهرة.
فهل كُنْتُ يا أختي غيرَ صبيٍّ بَشَرِيٍّ خائف؟.
كَمْ كنتُ غيرَ صبيٍّ بَشَرِيٍّ خائف؟.
(22)
هذا جسدي.
فماذا رأيتِ؟.
(23)
هذا جسدي،
لأجلِكِ أنْقُضُهُ وأتبدَّدُ في النَّقْشِ يا غالية.
(24)
هذا جسدي،
لا عُودِيَ الغَضَّ سَجَّيْتِ على الحريرِ، ولا جِلْدِي قَرَأْتِ بالطَّاهراتِ أصابعِك!.
(25)
هذا جسدي،
وَضَعْتُهُ أمْسِ أمَامَ عينيكِ؛ أمامَ المظهرِ الأرْضِيِّ الخارقِ للعنايةِ والعطفِ، وكان نظيفاً حَيَّاً؛ جَسَدِي، كأنَّهُ المستحيل!، ومَا إنْ رَآكِ قادمةً تَجُرِّينَ أكوانَكِ العضويَّةَ المطروحةَ في شِبَاكِ الأعصابِ، حَتَّى أفَاقَتْ في أنهارِهِ وحُقُولِهِ عناقيدُ الجَّاذبيَّاتِ المريعةِ وهَبَّتْ تتدافعُ داخلَ اللَّحْمِ لإرْضَاءِ اللهِ الذي فيكِ بِمِقْدَارِ ما كَتَبَ اللهُ الذي فِيّ.
هل لَمِسْتِنِي حتى؟،
هل شَدَّقْتِنِي كما اْعْتَدْتِ صائحةً بكُلِّ ذلِكِ التَّرْحَابِ الْمُعَافَى؛ تَرْحَابِ الأُخْتِ يا غالية:
"-يا لَحُسْنِكَ يا أخي!"؟؟.
كَلاَّ!!.
لا لَمِسْتِنِي ولا شَدَّقْتِنِي، بل ضَرَبْتِنِي بِحَدِّ الرَّحْمَةِ يا غالية!. كيف باللهِ ضَرَبْتِنِي بِحَدِّ الرَّحْمَةِ يا غالية؟. هل كنتُ أبدو لِحكمةِ عينيكِ جَلْدَاً ظريفاً وروحي رياضيَّة؟، أهَا... فإنِّي وعِزَّةِ الحَيْضِ لَمْ أكُنْ!!. بِرَبِّكِ!، ماذا رأيتِ؟.
(26)
كُنْتُ عَيْنِي فارغةً،
في نظرتي جوعٌ
وفي وُدِّي طَمَعْ.
كُنْتُ يَجْمَعُنِي خَلاَءٌ
لو عَلِمْتِ
ويَفْرُقُنِي خلاء.
قَطّ لَمْ أسْتَشْعِرْ واقعَ أنَّ لي أَبَاً في الملوك!.
(27)
أفَكُلُّ هذا الخَيْر لَكِ؟
كُلُّ هؤلاءِ العبيد يا أختي؟
كُلُّ هذه الأبواب يا اْبْنَةَ المَلِك؟
أمِ البِحَار؟
أمِ العُشَّاق؟
أمِ العاشقات؟
أمِ المدن؟
أمِ الحقول؟
أمِ المهار المُخَضَّبَة الأفخاذ؟
أمِ الملائك؟
أمِ الآلهة؟
أمْ ألْوَاح الطَّبيعةِ المدفونةِ في نَوْمِ رعاياك؟
أمِ الليالي؟
أمِ الأقمار؟
أمِ الأوْدِيَة الطائرة داخلَ الحُجُرَاتِ الْمُحَرَّمة؟
أمْ كَتَبَة العَالَم المسجونينَ في الأمكنةِ الْمَطْوِيَّةِ جِرَارَا؟
أمْ...
يا غالية،
أكُلُّهُ قَيْدَ يديك؟...
(28)
...إذاً
أخُصُّ يديكِ بِكَنْزِي
قبلَ أن يصحو بابُ جَنَّتِكِ المستتِرَة:
(بِمِقْيَاسِ بِئْرٍ عَضَلِيَّةٍ مُقَوَّسَةٍ،
كانت الدُّودَةُ اْبتسامةُ حُرَّةً لَمْ تَقَعْ في أَسْرِ شَفَتَيْن.
كان العُرْيُ تَجَهُّمَ العِطْرِ في وَجْهِ الغريب.
والطَّائفةُ فوقَ العرشِ في كاملِ حُسْنِها
كانَتْ يَدِي).
(29)
أرَأيْتِ؟.
(30)
هذا جسدي!.
(31)
أمَّا نَقْشكِ الْمَنُوْعُ يا غالية؛
نقشكِ العَاصِي؛
نقشكِ الْمُتَأَبِّي؛
نقشكِ اللَّعينُ يا أختي،
فلا أستطيع!.
(32)
أرَأيْتِ؟.
(33)
لِذَا
يَدِي سَتَرِثِينَ؛ كنزي سَتَرِثِينَ؛ تَهَوُّلِي؛ وألَمِي وخوفي وحيرتي ويقيني وندمي وجمالي وصِبَايَ وسُعَاري وآدَمِيَّةَ زَمْجَرَتي؛ سَتَرِثينَ؛ وعرشيَ المسخوطَ بئراً عاطلةً في أزلِ الجريمةِ الأخضر.
(34)
ورَيثما تَجِدِينَ ذيليَ الإنسانيَّ يَهْتَزُّ مثلَ ذيلِ الضَّبِّ مَحْشُورَاً بينَ الحَيْضِ والولادة؛ بينَ الممكنِ والواقع؛ بينَ الباطنِ والظَّاهر؛ بينَ البَطْنِ والظَّهْر؛ بينَ السَّلاَمِ الذي أوْقَدْنَا والقِتَالِ الذي اْزْدَهَرَ كالإعصارِ في صُلْبِ الضَّرُورُةِ أختي،
أُعَظِّمُ الدَّفْقَ هذا؛ دَفْقَك.
أُعَظِّمُهُ بأكْمَلِ اْختفاءاتي تَحَجُّرَاً.
أُعَظِّمُهُ بدمعيَ المتلألئِ في ظلامِ الخَلْق.
أُعَظِّمُهُ بأهوالٍ أَرِدُهَا ساعَةَ لا أستطيع!.
أُعَظِّمُهُ بتدبيري عَالَمَاً آخَرَ
فيه
تَمْحَقُ اللَّمْسَةُ الوَاحِدَ مَحْقَا،
وفيه
إنْ بَكَّى عاشقٌ عاشقاً
أو خليلٌ خليلاً
فاضَتْ مع الدَّمعةِ روحُهُ؛ روحاهما الإثنتان،
وفيه
لا يأخذُ القطارُ أحداً،
وفيه
لا أكونُ مُوْقِنَاً أبداً،
وفيه
إنْ رأيتِ ما لا أعْنِيهِ أرَاهُ يَعْنِينِي،
وفيه
إنْ رأيتِ ما يَعْنِينِي أرَاهُ يَعْنِينِي،
وفيه
إنْ أنتِ قَتَلْتِنِي قَتَلْتُك،
وفيه
لا تَظُنِّينَ بي قُوَّةً على أنْ أطِيقَ نَفْخَ قِطَارِكِ المختفي سريعاً خلفَ حبلٍ طائرٍ يُلْجِمُ شِدْقَيّ كَنْزٍ طائر.
(35)
ورَيثما تَفِدِينَ، بالطّلّسْمِ مكتوبةً، إلى بئريَ الخالية، أجْثُو لَدَى لوحِكِ الخالدِ المتخمِّرِ في صِبَايَ مثلَ نظرةِ صَنَمٍ مشتاقٍ إلى صَنَمٍ، ولنقشِكِ أبْتَهِلُ، ولا أتَمَكَّنُ مُطْلَقَاً من تشغيلِهِ ليَطْحَنَنِي بأنغامِهِ السَّطْرِيَّةِ الدَّوَّارَة.
فَكَمْ أزَلُ الجريمةِ أخضرُ ويطيعُكِ يا أختي
يا أمَلَ الطَّبيعةِ في الخيال
يا فَجْرَ الكنوزِ كلّها
يا ليلَها،
لِمَ كُنَّا أَعَزَّ على الثِّقَلِ مِنْ بَشَر؟
لِمَ كُنَّا أَعَزَّ على الخِفَّةِ مِنْ فَرَاشَة؟.
(36)
والطَّنِينَ!،
أتسمَعينَ الطَّنين؟
أهذا بابُ جَنَّتِكِ الظَّاهرةِ يُقْفَل؟
أبِهذا القُرْبِ كُنَّا من الحدود؟.
لا عَجَبَ إذاً أنْ نَجَوْنَا من السَّعادة.
(37)
أنا ويقيني من الحُّبِّ
ومَعَنَا اللهُ
في أمَانِ التَّهَاوِيلِ نبكي.
(38)
أنتِ وآخِرُ الدَّهْرِ
ومَعَكُمَا اللهُ
تُدِيرُونَ في صِفْرِ العَالَمِ مِفتاحَ القيامةِ الصَّوْتِيَّ
وتَحتَ أمرِكُمْ صِبَايَ الخادمُ
يُجَفِّفُ من أجلِكم الزَّمَانَ على آنِيَةٍ هَوَائيَّةٍ مُخَرَّمَةٍ
وفي التَّكْلِيفِ نفسِهِ يَتَفَتَّتْ.
(39)
خَتَمْتِ
على البابِ
بِرَصَدٍ يَتَنَاسَلُ أبواباً
تُشِيحُ عَنِّي
زاهدةً في كُسُوري.
(40)
أنا الذي كنتُ الصَّبِيَّ البَشَرِيَّ الذي زَهُقَتْ روحُهُ فَرَقَاً من العُرْيِ فَأَبْقَاهُ العُرْيُ حَيَّاً، لكي يسمعَ كُلَّ خَلِيَّةٍ عمياءَ في جسدِهِ الأعمى تكرَّرُ بلا كَلَلٍ سَرْدَ مشهدِنَا القديمِ لَمَّا رَأَيْتِنِي دودةً؛ ولكي يَعْوِي كلّ فَجْرٍ حيوانيٍّ في جِلْدِهِ ويتناهَشُ بعضَهُ من جُنُونِ العاطفة.
(41)
"أخُوكِ" الصَّغيرُ أنا،
فَهُزِّي بيديكِ هكذا
بَلَى
كَرَاعِيَةٍ تُفَرِّقُ أشكالَ النَّسِيمِ الغامضةَ بَحْثَاً عن ما وراءَهَا من رتاجاتٍ وأَرْصادٍ لِتَعْرِفَ أَيَّ الأصفارِ أطْيَبُ كَلأً!،
هكذا
واْلْدَغِينِي بِطَيْرِ البابِ
ثم اْتركيني
هنا
تحتَ قَمَرِ الجَّحيمِ
بينَ صُلْبِ الزَّمانِ ومفتاحِ القيامةِ التَّالية
أتَسَمَّمُ راعشاً
بِخَيْرَاتِ أزَلِكِ الأخضرِ
يا أختي.
.
صورة مفقودة