نقوس المهدي
كاتب
عديدة هي الثورات التي أحدثتها الاكتشافات في الفترة الحديثة,التي اعتبرت بامتياز عصر الثورات العلمية و الحمى الفكرية التي اجتاحت كل ميادين المعرفة بدء بنظرية مركزية الشمس لكوبيرنيكوس التي قلبت معادلة مركزية الأرض في النظام الكوني التي تقول أن الأرض هي التي تدور حول الشمس و ليس كما كان شائعاً في النظريات اليونانية القديمة و السكولائية،الشيء الذي أدى إلى اهتزاز فكرة أن الإنسان هو سيد الكون ليصبح تابعاً للنظام الشمسي وليس مركزاً للكون والنظام الفلكي كما كان في السابق,هذا الاكتشاف هو ما مهد الطريق إلى ثورات أخرى بيولوجية,فلسفية,سوسيولوجية و سيكولوجية ,ففي مجال البيولوجيا قام داروين برفع القداسة عن الكائن البشري الذي طالما اعتبر نفسه المخلوق الأقرب إلى قداسة الآلهة,ليكتشف على أن أصله ليس سامياً أو إلهياً وإنما يعود الى السلالة الحيوانية ليشكل هذا الاكتشاف تقويضا لمبدأ ثبات النوع (مبدأ أرسطي) من جهة و صدمة أخرى للنسق الأرسطي و السكولائى و الكنسي من جهة أخرى.
و لم تقف الثورات عند هذا الحد بل تواصل التشكيك و الهدم في الفلسفة و الاجتماع و النفس عن طريق الثوار الثلاثة ماركس,نيتشه و فرويد الذين استحوذوا بإجماع المفكرين على القراءات الفكرية للفترة المعاصرة,هنا سنتحدث عن بعض ملامح الثورة الفرودية في مجال علم النفس و عن أبرز المفاهيم التي اجترحتها مدرسة التحليل النفسي,أو المفاهيم التي أعادت قراءتها في ضوء اللاشعور (الحب,الجنس,الفن,الحرب,الحضارة,الحق,القانون ...) كما سنركز في هذه المقالة على قراءته للجنس و الحب في الفن انطلاقا من مؤلفه:"الهذيان و الأحلام في الفن"و سنتبعه بمقالات حول المفاهيم الأخرى.
في قراءته لرواية "كراديفا" لمؤلفها "فلهلم ينسن" التي تدور أحداثها بين بومباي و روما و نابولي,و التي تحكي عن عالم آثار شاب اكتشف بالصدفة تمثالا صغيرا حاز على إعجابه,فقام بصنع نسخة طبق الأصل منه,و كانت المنحوتة تمثل فتاة في مقتبل العمر المتألق تمشي و قد رفعت قليلا ذيل ردائها الكثير الثنايا,فظهرت قدماها في الخفين اللذين تنعلان,إحدى القدمين مبسوطة أرضا,و الثانية على و شك الانطلاق لا تمس الأرض إلا بطرف إبهام الرجل التي ترتفع عن النعل,و الكعب على نحو يكاد أن يكون عموديا,والاهتمام المتزايد لبطل القصة الشاب "نوربرت هانولد" بهذه المنحوتة قاده إلى نوع من الهوس,و هذا هو جوهر الواقعة السيكولوجة التي تناوله فرويد دراسة و تحليلا من خلال قراءته للعقل الباطني لبطل القصة,فالطريقة التي صورت بها غراديفا تبدو في منتهى الغرابة خصوصا مشيتها التي استرعت نوربرت هانولد,فراح يبحث عله يهتدي يوما ما بين أقدام النساء عن مشية مماثلة لغارديفا,ربما يحصل في الواقع على فتاة تريحه من فرادة غراديفا التي استحوذت على عقله الباطن و كأنها تمثل ذكرى من ذكرياته المنسية و غريزة من غرائزه اللاشعورية المكبوتة التي تنأى عن التمثل و الظهور,فصارت غراديفا تطارده في يقظته و في سباته حتى ساقه حلم إلى بومباي في حلتها القديمة(قبل ثمانية عشر قرنا) لعله يعثر على غراديفا ....
هذه الحالة التي رسمها مؤلف الرواية"ينسن" بإبداع و دقة متناهيتين ما هي في واقع الأمر حسب فرويد إلا إحدى حالات الهذيان فقط لا يمكن أن تتمخض إلا عن قصة حب ستنتهي بلا شك بالنهاية السعيدة و التحقق الحضاري (الزواج) أما تسلسل الأحداث المشوقة و المحبوكة بطريقة شعرية هي تعبير عن حالات الكبت الذي يمكن أن يعيشه أي شاب يحن إلى فتاة كانت تستهويه في طفولته,و كراديفا ما هي إلى وسيلة لإرجاع المكبوت إلى الوعي ....
بهذا يكون الحب حسب فرويد ما هو إلا نوع من المسكنات لاضطرابات غريزية يصعب مراقبتها و مقاومتها,و دور الحياة الحميمية هو تهذيبها,بهذا تكون الأحلام التي راودت هانولد (بطل الرواية) غايتها المباشره هي الطبيعة الإيروسية,الرغبة في أن يكون بقرب حبيبته حين تتمدد لتنام,و إنكار هذه الرغبة هو ما يجعل من الحلم كابوسا يقول فرويد في مؤلفه"الهذيان في الأحلام و الفن:"فجميع الاضطرابات المشابهة لهذيان هانولد و التي اعتدنا في العلم تسميتها بالأعصبة(جمع عصاب)النفسية مشروطة بكبت جزء من الحياة الغريزية و نستطيع أن نقول من عن الغريزة الجنسية,و عند كل محاولة لإرجاع علة المرض اللاشعورية و المكبوتة إلى الوعي,يحدد بالضرورة المركب الغريزي المعني بالصراع مع القوى التي تكبته لكي يتوصل عن طريق أعراض ارتكاسية عنيفة في كثير من الأحيان,إلى حالة من التوازن و عن طريق ردة حبية يتم الشفاء,بشرط أن نشمل باسم الحب جميع مركبات الغريزة الجنسية على شديد تنوعها,و هذه الردة لا مناص منها,لأن الأعراض التي نباشر العلاج ضدها ما هي إلا ترسبات مع معارك سابقة ضد الكبت أو ضد عودة المكبوت,و لا سبيل إلى حل هذه الأعراض و كسحها إلا عن طريق مد صاعد جديد للهوى,و كل استقطاب تحليلي نفسي هو تحرير الحب المكبوت,حب مكبوت وجد نوعا من التسوية في عرض من الأعراض كمخرج هزيل,و لعلنا سنفهم على و جه أفضل أيضا التوافق التام مع سيرورات الشفاء التي وصفها الروائي في قصته..." (1)
(1)الهذيان في الأحلام و الفن,سيغموند فرويد,ترجمة جورج طرابيشي الطبعة الأولى دسمبر 1978 دار الطليعة للطباعة و النشر بيروت
.
و لم تقف الثورات عند هذا الحد بل تواصل التشكيك و الهدم في الفلسفة و الاجتماع و النفس عن طريق الثوار الثلاثة ماركس,نيتشه و فرويد الذين استحوذوا بإجماع المفكرين على القراءات الفكرية للفترة المعاصرة,هنا سنتحدث عن بعض ملامح الثورة الفرودية في مجال علم النفس و عن أبرز المفاهيم التي اجترحتها مدرسة التحليل النفسي,أو المفاهيم التي أعادت قراءتها في ضوء اللاشعور (الحب,الجنس,الفن,الحرب,الحضارة,الحق,القانون ...) كما سنركز في هذه المقالة على قراءته للجنس و الحب في الفن انطلاقا من مؤلفه:"الهذيان و الأحلام في الفن"و سنتبعه بمقالات حول المفاهيم الأخرى.
في قراءته لرواية "كراديفا" لمؤلفها "فلهلم ينسن" التي تدور أحداثها بين بومباي و روما و نابولي,و التي تحكي عن عالم آثار شاب اكتشف بالصدفة تمثالا صغيرا حاز على إعجابه,فقام بصنع نسخة طبق الأصل منه,و كانت المنحوتة تمثل فتاة في مقتبل العمر المتألق تمشي و قد رفعت قليلا ذيل ردائها الكثير الثنايا,فظهرت قدماها في الخفين اللذين تنعلان,إحدى القدمين مبسوطة أرضا,و الثانية على و شك الانطلاق لا تمس الأرض إلا بطرف إبهام الرجل التي ترتفع عن النعل,و الكعب على نحو يكاد أن يكون عموديا,والاهتمام المتزايد لبطل القصة الشاب "نوربرت هانولد" بهذه المنحوتة قاده إلى نوع من الهوس,و هذا هو جوهر الواقعة السيكولوجة التي تناوله فرويد دراسة و تحليلا من خلال قراءته للعقل الباطني لبطل القصة,فالطريقة التي صورت بها غراديفا تبدو في منتهى الغرابة خصوصا مشيتها التي استرعت نوربرت هانولد,فراح يبحث عله يهتدي يوما ما بين أقدام النساء عن مشية مماثلة لغارديفا,ربما يحصل في الواقع على فتاة تريحه من فرادة غراديفا التي استحوذت على عقله الباطن و كأنها تمثل ذكرى من ذكرياته المنسية و غريزة من غرائزه اللاشعورية المكبوتة التي تنأى عن التمثل و الظهور,فصارت غراديفا تطارده في يقظته و في سباته حتى ساقه حلم إلى بومباي في حلتها القديمة(قبل ثمانية عشر قرنا) لعله يعثر على غراديفا ....
هذه الحالة التي رسمها مؤلف الرواية"ينسن" بإبداع و دقة متناهيتين ما هي في واقع الأمر حسب فرويد إلا إحدى حالات الهذيان فقط لا يمكن أن تتمخض إلا عن قصة حب ستنتهي بلا شك بالنهاية السعيدة و التحقق الحضاري (الزواج) أما تسلسل الأحداث المشوقة و المحبوكة بطريقة شعرية هي تعبير عن حالات الكبت الذي يمكن أن يعيشه أي شاب يحن إلى فتاة كانت تستهويه في طفولته,و كراديفا ما هي إلى وسيلة لإرجاع المكبوت إلى الوعي ....
بهذا يكون الحب حسب فرويد ما هو إلا نوع من المسكنات لاضطرابات غريزية يصعب مراقبتها و مقاومتها,و دور الحياة الحميمية هو تهذيبها,بهذا تكون الأحلام التي راودت هانولد (بطل الرواية) غايتها المباشره هي الطبيعة الإيروسية,الرغبة في أن يكون بقرب حبيبته حين تتمدد لتنام,و إنكار هذه الرغبة هو ما يجعل من الحلم كابوسا يقول فرويد في مؤلفه"الهذيان في الأحلام و الفن:"فجميع الاضطرابات المشابهة لهذيان هانولد و التي اعتدنا في العلم تسميتها بالأعصبة(جمع عصاب)النفسية مشروطة بكبت جزء من الحياة الغريزية و نستطيع أن نقول من عن الغريزة الجنسية,و عند كل محاولة لإرجاع علة المرض اللاشعورية و المكبوتة إلى الوعي,يحدد بالضرورة المركب الغريزي المعني بالصراع مع القوى التي تكبته لكي يتوصل عن طريق أعراض ارتكاسية عنيفة في كثير من الأحيان,إلى حالة من التوازن و عن طريق ردة حبية يتم الشفاء,بشرط أن نشمل باسم الحب جميع مركبات الغريزة الجنسية على شديد تنوعها,و هذه الردة لا مناص منها,لأن الأعراض التي نباشر العلاج ضدها ما هي إلا ترسبات مع معارك سابقة ضد الكبت أو ضد عودة المكبوت,و لا سبيل إلى حل هذه الأعراض و كسحها إلا عن طريق مد صاعد جديد للهوى,و كل استقطاب تحليلي نفسي هو تحرير الحب المكبوت,حب مكبوت وجد نوعا من التسوية في عرض من الأعراض كمخرج هزيل,و لعلنا سنفهم على و جه أفضل أيضا التوافق التام مع سيرورات الشفاء التي وصفها الروائي في قصته..." (1)
(1)الهذيان في الأحلام و الفن,سيغموند فرويد,ترجمة جورج طرابيشي الطبعة الأولى دسمبر 1978 دار الطليعة للطباعة و النشر بيروت
.