محمد الصادق الحاج - نَحْوَ قمَرِ الباطِنِ أزْحَف

يا ذاكرةَ الشَّمْسِ المَحْكُوكَةَ برنينِ عربةِ الهُلاس الرَّصاصيَّة إنَّ يديكِ تهشَّان المياهَ التي ألْجَمَتْهَا اللَّهفةُ بحبلٍ مفتولٍ من خيوطِ قميصِها وغيابِها،
والوَجْهُ الذي اْلتفَتَ بحيرةٍ قبالتَك،
ما كان إلاَّ وجهُكِ ذاتُهُ، منقولاً بدقَّةٍ من رقعةِ كينونتِكِ إلى رقِّ الأفق الجلديّ!.
غائماً كانَ، ومتوارياً خلفَ ملكوتٍ مهتَزّ،
ملامحُهُ مَلْصُوقَةٌ بلعابِ المهارةِ الناجزة،
وفي إستدارتِهِ الطَّفيفةِ نحوَكِ لَهْوٌ مبلَّلٌ بالغيابِ وسَرْنَمَةٌ مقصوصةُ الرُّؤْيا،
فكان أنْ تهيَّأ للرَّنين الملفوفِ بعنايةِ حولَ مِبْسَمِ الوَهْلَةِ أنْ يقرأَ - وسط شوائبَ من رغبتِهِ البسيطةِ في تقبيلْ العدم - أُكتُوبَةَ الويلِ المهْرَقةَ كالحُكَاكِ إذْ ينتابُ المطرَ وهو يقاتلُ الرَّحْمَانَ على مفاتيحَ دُودِيِّةٍ مختومةٍ بأبواب المواسمِ أوْفاقاً وتعْمِيَات.
إنَّها الحمامةُ، - يا صوتَكِ المُرَجَّلَ بآثارِ خُطَى الخريفِ على قلبِ الحكايةِ المحترق - تحرثُ - عاقدةً جبينها بهُراء الغيومِ الوسخة -
حقلَ اللَّذَّةِ، روضَتَها، وتبسطُ على النَّأمةِ أرْصادها الزَّمانيَّة الجديدة،
فتقومُ فوق الزِّئْبق حالةٌ مجرَّدةٌ من الغبنِ، تعصفُ كشتاءٍ جنينيٍّ مخبولٍ خاطفٍ ثمَّ تهمد، تاركةً على الزُّلالِ الرَّجراجِ الأبِيِّ بقاءً غامضاً يشفُّ عن إحداثٍ بيانيٍّ مقطوعٍ، يُشْبِهُ جُمَارَ الهندسة في مراحيض أطلانتس، والحمامة، لاهثةً، تنحتُ أقفالاً شمسيَّةً من بازلت الرُّبَّما.
هي العبَّاسيَّةُ، حمامةُ أورانوس، تجرشُ رفيفَها الجافَّ على رَحَى الهواءِِ النَّفيسِ، وتشدو:
( - يا هواءُ
يا مكنوناً داخل اْبتسامة،
يا مُجَوْهَراً بأنياب الهدوءِ الصَّاحب،
وَجِّهْ بذورَ الاسمِ نحو كونةٍ أُخرى،
أمَّا كفّك،
فَسِرْ بها على خيال الحرامات البورِ
واْمْحُ الطبيبات،
أُمْحُ الطحالبَ القياميَّةَ مُوْدَعَةً في جميلٍ يذِلُّهُ الشَّفق،
أُمْحُ الرملَ الرَّاسبَ في جفنِ رحلتنا الباسلةَ نحو أيدينا،
واْجمعْ بأنامل النُّحاس التي لك ما تساقطَ من جوعنا النَّاضج،
أنتَ يا أُمَّنا).
إنَّما الكونُ حصاةُ تتدحرج مع القوافلِ عبرعينٍ مسدَلَةٍ فيَّاضةٍ بالعراءات تصُبُّ في غابةٍ ملفوفةٍ بقوسِ قزحٍ طفلٍ، وتتعرَّجُ بين اصطخارات السناء الهيِّنة، متخلِّلةً دغلَ الفراسةِ الحديديَّةِ المحْتُوتةِ بلَّورةً بلورةً تحت سافَنَّا المدارات الفاخرة، متخطِّيةً حلبةَ الملامح إلى عُضَالٍ مَطْرُوزٍ بالعصافيرِ ومطاعنِ الذَّهَب.
يتزلَّجُ الكونُ ثَمِلاً عبر ذلك كلّه، فَتَلْقَفُهُ يَدُ أَمِّنَا وتُقَشِّرُه
ثُمَّ تَفْقَأُ وَاوَاتِهِ المُسْتَعْصِيَاتِ على مقالةِ الهلال، لينفتحَ في الإثرِ إثنان وخمسون نهراً أسوداً متأهَّباً بعيونِهِ وتَقَرُّحَاتِهِ لِتَلَقِّي ما تحلبه الأمُّ من عُصَاراتِ المَخِيضِ الكونيِّ اليابسِ الذي عجزت الشمسُ المربِّيةُ الشَّديدةُ عن أن تجعلَه لائقاً بخيولِ أمراءِ أورانوس.
أمّا الجلالُ المنحوتُ من نَقَاوَاتِ أخوالِ الفضَّةِ الثَّرثارة،
فعابثاً مُسْتَهْزِئاً في قلة الطيرِ، يتبلَّلُ بالصَّباحاتِ المتناثرةِ من شفاهِ الأبقارِ الطَلِيقَةِ في سَهْلِ الخَاطِرِ الوَعْر،
الأبْقارُ التي تُبَعْثِرُ بأظلافِها الْبُرُوجيَّة هَوَاجسَ الحَجَرِ الأَرْقَانِ، باحِثَةً عَنْ وَقْتٍ طائشٍ غَافلَ الرُّعْيانَ وأنزلَقَ مِنْ على مُتُونِها جارِفَاً مَعَهُ الوَرْدِيَّةَ الأجْنِحَةَ والمَرَاثِيَّ والخَشَب،
ومِنْ وَسْطِ فُتَاتِ الهَوَاجسِ وتَعَرُقَاتِ الحَجَر، كان صَوَتٌ أخْفَى، يَتَسَلَّقُ النُّسغَ السَّرَطَانيَّ المُتَفَتِّقَ في طالعِ المِيَاهِ الفارغة...،
وَلَكنَّ نُشوبَ الصَّخرِ في الحوافِّ المُسْتَدِقَّةِ لِهامةِ العَبَث،
يُعَرِّضَ الوقتَ المُغامرَ في هيأتِهِ المصْنُوعةِ لإخْتِطَافٍ مُبْطَنٍ في ما يُشْتَبَهُ أنَّها أصابِعُه.
لا، فألزُجاجُ الآنَ يَرْفَعُ تُهْمَتهُ الصَّفراءَ التي تَسَتَدِلُّ على بَذَخِها في علاماتٍ فاحِمَةٍ مُسْتَوعَبَةٍ طَيَّ الزَّمنِ الخاصِّ كَعُقْلَةٍ أو كَبُرعمٍ على جذوعِ الأفْكارِ اللّيّنة،
ما في مُسْتَطَاعِ الوقْتِ، برغْمِ حِذْقِهِ وصَلَفِهِ، أنْ يُسَوِّي عمامة الفارس الحمراء،
ولا أنْ يَتَنَاولَ ذاتَهُ الهَضِيمَةَ التي اْنحَلّتْ عَنْ خَيَطِها الباقي خَفِيفاً مُعْلَقاً بحَلَمةِ الأذُن،
وتَرَدَتْ كَرِيمةً كريمةً،
فَإنَّ باباً ما، يَمِيلُ شَرِيفاً، بحَنَانٍ، نَحْوَ الذاكِرَةِ المُقَلَّبَةِ بمحراثِ الرَّنين،
كَأنَّما لِيَلْثُمَها
كَأنَّما لِيُخْبِرها، أنأ قَمِيصُكِ المُموَّهُ بالحَطَب،
كَأنَّما لِيَشْتَغِلَ أنْحَاءها بِحَائِكٍ مِنْ غُرُوب،
كَأنَّما لِيَمْرُقَ عَبْرها، ثُمَّ يَصْرُخُ بفَخْرٍ أحْمَقٍ، يا للعالم!، ها قد عَبَرَتني!...
مُسْتَكْثِراً على الهُلاسِ بَنِيهِ المَاهِدِين جِبِلاتِهِم الخَطَّاءةَ لِرُقَادِ الحَرْبِ ولِلسِفَاحِ المُؤاخى،
يَصيحُ كَجَمْرةٍ بَصِيرة،
أيَّها الْبابُ الضَّاربُ رَمْلَ الرُّوح،
أدِرْ وَجْهَك نَحْو فَنارِ حزْنِي،
أيَّتُها الرُّوحُ الضَّاربةُ رَمْلَ اللّهْفَةِ،
أدِيرِي وَجْهَكِ نَحْوَ البابِ،
نَحْوَ نَفَسِهِ الطَّافِيةِ فوقَ زَبَدِ المقاومة،
وأعْبُرِيني.



أم درمان
يوليو- 97


.


صورة مفقودة



.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...