نقوس المهدي
كاتب
تُشتق كلمة "البايرة" من البوار. يُطلق الاسم على الأرض العقيمة أو غير المهيأة للزراعة. أرض بكر لم تُحرث بعد، غابات ومستنقعات تنتظر من يتولاها كي يبذرها ويخصبها. أرض جديدة لم تُستكشف، أو أرض استغلت قديماً وأُهملت من دون زراعات أو تُركت للراحة الدورية.
لكنّ هذا المصطلح أشد قسوة في الحقيقة عندما يُطبّق اجتماعياً، ويمكن ملاحظته عند الإحالة إلى خصوبة الأرض. نقول عن الأرض غير المزروعة وغير المستفاد منها، أرضاً ميتة، سواء بالجفاف أو لعدم إبراز قيمتها. وهنا يصبح انعدام الخصوبة مرادفاً لانعدام الحياة، وينسحب استطراداً على الحياة الاجتماعية.
ومصطلح البوار، مرادف أيضاً للأرض ذات الزراعات البعلية أو المطرية، يعني تلك الأرض غير مضمونة المحصول، وبمحصول عشوائي، لأنها تكون غالباً عُرضة للجفاف ونقص الغذاء. وهكذا يوجد في هذا التوصيف إلى جانب العذرية، التي لا تُعدّ عيباً بأي حال، صفات أخرى كالهشاشة والضعف الاجتماعي، أو لنقل انها نقائص. ثمة أرض لا تُزرع لأنها غير صالحة للزراعة، أو لأن الوصول إليها صعب، أو بكل بساطة يمكن ألا يكون ضغط زيادة السكان كافياً ليضفي عليها قيمة ما. أرض بهذه المواصفات تُعتبر على هامش نظام التشغيل الذي تتبناه الجماعة.
هذا التهميش، الذي يعود إلى عوامل طبيعية، ديموغرافية واقتصادية، ينطبق بشكل موازٍ على المصطلحات المستخدمة في السياق الاجتماعي. ومن المؤكد أنّ الكلمة تأتي أكثر وضوحاً عندما تُستخدم لتقييم الناس أو بعض المواقف: يصبح البوار هنا بمعنى الهلاك، الدمار، النهاية، الموت. كما يُستخدم المصطلح للدلالة على سوق مأزوم، تغيب عنه الحركة، ولا نشاط فعلياً لتشغيله. والبور هو الشخص المفتقد للقيمة، المدمَّر، المنتهي. وهذا التوصيف ينطبق على الرجل كما على المرأة بشهادة النص القرآني في سورة "الفتح" (الآية ١٢): "…. وكنتم قوماً بوراً".
نصل الآن الى غرضنا، إلى "البايرة"، وهي الفتاة التي لا يتقدم أحد لطلب الزواج منها، فتكون في موقع لا تُحسد عليه. ولكن وبغض النظر عن الزواج، فهي تلك التي لا نتوقع منها أي خير. ونسمح لأنفسنا أن ننعتها، والحال هذه، بصفة الفاسدة بالمعنى المادي، مثل المعدن الذي لا يصلح لشيء أو الأرض الجرداء. وهكذا تخرج "البايرة" بشكل أو بآخر من المجموعة لأنها خالفت العرف الذي لا يرى المرأة إلا مع زوج وأطفال.
المصطلح نفسه ينطبق على الرجل، واستخدامه غير شائع في الكلام الدارج، وهو لا يُطلق إلا على الرجل الذي لا يصلح لشيء بالمعنى العملي، ولكن من دون أن يتعلق ذلك بجنسه أو خصوبته أو وضعه العائلي. النوع الذكوري هنا ليس موضع مساءلة. وهناك اشتقاق من الكلمة يُستخدم للدلالة على الحصان الفحل الذي يعرف كيف يشتم الناقة ويحدد خصوبتها من عدمها. المذكَّر في هذا الإطار لا يعد غير منتج ، بل بالعكس هي ميزة للحيوان المذكور. أما بالنسبة للمرأة، فإن المعالجة مختلفة، حيث أن الحكم عليها لا يتعلق بفشلها أو نجاحها في مهنة ما، أو مسيرة معينة، ولكن بكل بساطة بعزوف الخطَّاب عنها، وهو العيب بحد ذاته. الإحالة إلى السوق يجعل المعنية بضاعة كاسدة.
الثمار الناضجة لم تقُطف في أوانها، وأوان القطاف قد ولى. الإشارة إلى التين في نَص الخطيئة الأصلية تفرض نفسها هنا، هذه الفاكهة التي لا تُقطف وتُؤكل طازجة تتعفّن أو تجف وتقسى! إذاً فإن لدى الفتاة، شابةً، فترة تبدأ مع أول الحيض، فتكون الثمرة قد نضجت، وتصبح في حالة انتظار لمن يقطفها. مع انقضاء مرحلة العشرينات، تخطو أولى خطواتها في المسيرة الموجعة نحو مسمى "البايرة"، المرشح ليصبح أبدياً في حال لم يظهر زوج ما. وبطبيعة الحال فإن "ثمنها" أو مهرها ينخفض مع مرور الوقت، إذ يصبح المبتغى ليس أكثر من إنقاذ الأثاث/ البضاعة.
لا ينبغي على المرأة بأي حال من الأحوال أن تبقى أرضاً خلاء (terra nihilus)، فهي ليست أرضاً صالحة للاستراحة الدورية المستمرة. المرأة لا بد أن تكون "تحت الرجل" وهو أحد المصطلحات القانونية للقول انها زوجته. وإلا فالويل لها! المرأة الوحيدة، غير المتزوجة، غير المخصَّبة، هي حقل متروك للخراب والزوال. من هنا نفهم الآية الواردة في سورة "البقرة"، "نساؤكم حَرْثٌ لكم... ".
ترجمته عن الفرنسية هيفاء زعيتر
* مؤرّخ وأستاذ السوسيولوجيا الاقتصاديّة في جامعة محمد الخامس، الرباط
.
لكنّ هذا المصطلح أشد قسوة في الحقيقة عندما يُطبّق اجتماعياً، ويمكن ملاحظته عند الإحالة إلى خصوبة الأرض. نقول عن الأرض غير المزروعة وغير المستفاد منها، أرضاً ميتة، سواء بالجفاف أو لعدم إبراز قيمتها. وهنا يصبح انعدام الخصوبة مرادفاً لانعدام الحياة، وينسحب استطراداً على الحياة الاجتماعية.
ومصطلح البوار، مرادف أيضاً للأرض ذات الزراعات البعلية أو المطرية، يعني تلك الأرض غير مضمونة المحصول، وبمحصول عشوائي، لأنها تكون غالباً عُرضة للجفاف ونقص الغذاء. وهكذا يوجد في هذا التوصيف إلى جانب العذرية، التي لا تُعدّ عيباً بأي حال، صفات أخرى كالهشاشة والضعف الاجتماعي، أو لنقل انها نقائص. ثمة أرض لا تُزرع لأنها غير صالحة للزراعة، أو لأن الوصول إليها صعب، أو بكل بساطة يمكن ألا يكون ضغط زيادة السكان كافياً ليضفي عليها قيمة ما. أرض بهذه المواصفات تُعتبر على هامش نظام التشغيل الذي تتبناه الجماعة.
هذا التهميش، الذي يعود إلى عوامل طبيعية، ديموغرافية واقتصادية، ينطبق بشكل موازٍ على المصطلحات المستخدمة في السياق الاجتماعي. ومن المؤكد أنّ الكلمة تأتي أكثر وضوحاً عندما تُستخدم لتقييم الناس أو بعض المواقف: يصبح البوار هنا بمعنى الهلاك، الدمار، النهاية، الموت. كما يُستخدم المصطلح للدلالة على سوق مأزوم، تغيب عنه الحركة، ولا نشاط فعلياً لتشغيله. والبور هو الشخص المفتقد للقيمة، المدمَّر، المنتهي. وهذا التوصيف ينطبق على الرجل كما على المرأة بشهادة النص القرآني في سورة "الفتح" (الآية ١٢): "…. وكنتم قوماً بوراً".
نصل الآن الى غرضنا، إلى "البايرة"، وهي الفتاة التي لا يتقدم أحد لطلب الزواج منها، فتكون في موقع لا تُحسد عليه. ولكن وبغض النظر عن الزواج، فهي تلك التي لا نتوقع منها أي خير. ونسمح لأنفسنا أن ننعتها، والحال هذه، بصفة الفاسدة بالمعنى المادي، مثل المعدن الذي لا يصلح لشيء أو الأرض الجرداء. وهكذا تخرج "البايرة" بشكل أو بآخر من المجموعة لأنها خالفت العرف الذي لا يرى المرأة إلا مع زوج وأطفال.
المصطلح نفسه ينطبق على الرجل، واستخدامه غير شائع في الكلام الدارج، وهو لا يُطلق إلا على الرجل الذي لا يصلح لشيء بالمعنى العملي، ولكن من دون أن يتعلق ذلك بجنسه أو خصوبته أو وضعه العائلي. النوع الذكوري هنا ليس موضع مساءلة. وهناك اشتقاق من الكلمة يُستخدم للدلالة على الحصان الفحل الذي يعرف كيف يشتم الناقة ويحدد خصوبتها من عدمها. المذكَّر في هذا الإطار لا يعد غير منتج ، بل بالعكس هي ميزة للحيوان المذكور. أما بالنسبة للمرأة، فإن المعالجة مختلفة، حيث أن الحكم عليها لا يتعلق بفشلها أو نجاحها في مهنة ما، أو مسيرة معينة، ولكن بكل بساطة بعزوف الخطَّاب عنها، وهو العيب بحد ذاته. الإحالة إلى السوق يجعل المعنية بضاعة كاسدة.
الثمار الناضجة لم تقُطف في أوانها، وأوان القطاف قد ولى. الإشارة إلى التين في نَص الخطيئة الأصلية تفرض نفسها هنا، هذه الفاكهة التي لا تُقطف وتُؤكل طازجة تتعفّن أو تجف وتقسى! إذاً فإن لدى الفتاة، شابةً، فترة تبدأ مع أول الحيض، فتكون الثمرة قد نضجت، وتصبح في حالة انتظار لمن يقطفها. مع انقضاء مرحلة العشرينات، تخطو أولى خطواتها في المسيرة الموجعة نحو مسمى "البايرة"، المرشح ليصبح أبدياً في حال لم يظهر زوج ما. وبطبيعة الحال فإن "ثمنها" أو مهرها ينخفض مع مرور الوقت، إذ يصبح المبتغى ليس أكثر من إنقاذ الأثاث/ البضاعة.
لا ينبغي على المرأة بأي حال من الأحوال أن تبقى أرضاً خلاء (terra nihilus)، فهي ليست أرضاً صالحة للاستراحة الدورية المستمرة. المرأة لا بد أن تكون "تحت الرجل" وهو أحد المصطلحات القانونية للقول انها زوجته. وإلا فالويل لها! المرأة الوحيدة، غير المتزوجة، غير المخصَّبة، هي حقل متروك للخراب والزوال. من هنا نفهم الآية الواردة في سورة "البقرة"، "نساؤكم حَرْثٌ لكم... ".
ترجمته عن الفرنسية هيفاء زعيتر
* مؤرّخ وأستاذ السوسيولوجيا الاقتصاديّة في جامعة محمد الخامس، الرباط
.