نقوس المهدي
كاتب
انتحلت مهنة الدعارة في السنوات الأربع الماضية صفات جديدة، غير التي اكتسبتها وتدارت بها خلال العقد الأخير من وصفة تحرير الاقتصاد، وإعادة تمركز الثروة. لابت كغيرها من مهنٍ في إعادة توثيق بقائها بين التكرارات المقيته ليوميات النزاع العسكري، وبين فصول الانهيار الاقتصادي المدوّي ماثلاً في انهيار قيمة العملة المحليّة، فغادرت معادلة جمع المال من القنوات السريّة لبيع الجنس كسلعة غير مُنْتَجَة وغير قابلة للنفاذ، إلى مجرّد اللحاق بشروط البقاء فقط ولو ببيعه علنا كسلعة تتم مقايضتها حينا بأسطوانة غاز، وحينا بعشرة ليترات من المازوت. فئاتٌ جديدة زلّت أقدامها في هذا الوحل خلال سنوات الحرب، الواقع الموضوعي الجديد نَهَرَ التردد، نشبَ أظافره عميقا في لحم التوصيف الأخلاقي لهذه المهنة، فبرّرها، وأزهق سواها من خيارات.
اقتصاد المهنة
لا يلمع البحث مجددا في هوية وجنسية الأجساد التي تمتهن الدعارة في سوريا، ولا حتى في أعمارها. فلا هذه أو تلك هما أكثر جوانب القصة أهمية. سابقا انتهكت الحرب بآثارها المدوّخة العراق عام 2003 فأرسلت منه آلاف الأجساد النسائية داخل الشقق المفروشة لضواحي برزة وجرمانا وقدسيا ودمّر، وفي الملاهي الليلية على طريق معربا، أو المطار أو الربوة. ثم تسلّطت الحرب في سوريا على آلاف الأجساد النسائية أيضا وقهرتها. وليس طَفَحُ النزوح الداخلي بآثاره العميقة الصعبة الاندمال شرطا وحيدا لفهم مدى اتساع هذه المهنة. وحدهُ العوز من يشير بسبابته إلى الأعداد الجديدة المنتسبة إلى مهنة سريّة، محميّة، تجد متنفّذين يستثمرونها، ويضمنون بقاءها وازدهارها في ظروف الحرب الحالكة كما في سواها، حتى في المناطق المستقرة البريئة من تصدير موجات نزوح، والمحتجبة تحت سماواتٍ لا تتساقط فيها البراميل المتفجّرة.
تَنْدُرْ الأرقام الرسمية هنا، كأنها تحتاط بالخجل. لكن محمد نضال الشعار وزير الاقتصاد السوري السابق ذكر في شهر أيلول / سبتمبر عام 2013 أن عدد الشقق السكنية التي تحتضن مهنة الدعارة في سوريا تبلغ نحو 55 ألف شقة، ولو اعتمدنا أرقام المكتب المركزي للإحصاء بأن عدد السكان بلغ قرابة 21.1 مليونا عام 2011، وأن وسطي تعداد الأسرة الواحدة في سوريا يبلغ خمسة أفراد، فهذا يعني وجود 4.2 مليون عائلة، وبالتالي لا تتجاوز نسبة انتشار الدعارة 1.3 في المئة. وإذا افترضنا أنّ كل شقّة يرتادها وسطيّا زبونان في اليوم، ينفق الواحد منهما وسطيا نحو ألفي ليرة، نستنتج أن إيراد مهنة الدعارة يبلغ وسطيا في سوريا 220 مليون ليرة يوميا، و6.6 مليار ليرة في الشهر، أو 79.2 مليار ليرة سنويا،. وهذا يزيد قليلا عن أرباح شركة الاتصالات الخلوية (سيرياتيل) التي قاربت العام الماضي 70 مليار ليرة، كما ويعادل وسطي إيراد مهنة الدعارة في سوريا ستة أمثال ونصف ما جنتهُ المؤسسة العامة للتبغ من أرباح خلال العام الماضي والمقدّرة بنحو 12.5 مليار ليرة، وهي أكثر مؤسسات القطاع العام ربحية. أيضا يعادل وسطي إيراد هذه المهنة ثلاثة عشر ونصف ضعف الإيرادات العامة لمرفأ اللاذقية العام الماضي والتي بلغت 5.9 مليار ليرة، وسبعين ضعفا إيرادات المؤسسة العامة للطيران المدني التي بلغت عام 2014 نحو 1.13 مليار ليرة.
نهاية التسعينيات، نهاية المرجة
حتى أواخر التسعينيات، بقيت السلطات تداري عمل بعض فنادق المرجة في مهنة الدعارة، مفسحة لها ساعات معدودة في اليوم، مسّتخفّة بالقانون رقم 10 لعام 1961 الذي أزال الغطاء الشرعي عن ممارسة البغاء فصارت بعده مهنة غير قانونيّة.
القوّادون كانوا يصطادون زبائنهم من المارة من هيئاتهم ومن ثيابهم، يهمسون قريبا من مدارات سمعهم "استراحة شباب"، يتفاوضون معهم على السعر، ويرسلونهم إلى إحدى غرف الفندق لإنجاز صفقة بيع وشراء الجنس. ومضات خاطفة من العمل كلّ يوم حتى انطفأت تماما، وانتقلت المهنة بأكملها إلى العتّمة، فلا الدولة تجبي من ورائها ضرائب، ولا تجري فحوصات طبية دورية للعاملات بها. صارت مهنة تحدّها قوانين السوق السوداء من كلّ الجهات، سوق نخاسةٍ رخيصة تبتلع كل الأجساد التي تحوم قريبا من سديمها الظاهر.
بعد زوال الدعارة من فنادق المرّجة، صار القوادون يعملون كسائقي سيارات أجرة يصطادون زبائنهم من الركّاب، يتفاوضون معهم على السعر، ويوصلونهم إلى واحدة من الشقق التي يديرونها. وصاروا يعملون أيضا في المكاتب العقارية التي تؤجّر شققا مفروشة في جرمانا وبرزة وقدسيا ودمر، ويصطادونهم من بين زبائن المكتب.
المهنة صارت مع الألفية الجديدة في سوريا محميّة بقوّة السلطة. الشبكات تنمو وتتسع في العتمة فلا يلحظها أحد في تفاصيل الحياة اليومية، وتكون غالبا مندمجة مع المحيط بينما تظل أبوابها الخلفية مشرعة على المهنة. أما عاملات الجنس عاثرات الحظ اللواتي يعملن بصورة مسّتقلة عن الشبكات المحميّة وعن القوادين، فإنهن يلتقطن زبائنهم من شارع السادات ومن سواه، وهنّ على أي حال يصرّن طرائد لشرطة الآداب ومجرّد أرقام بائسة تعْبر في تصريحاتهم الرسمية كما حدث مع وزارة الداخلية عام 2013 حين ألقت القبض على نحو 80 عصابة تعمل في الدعارة، وأرسلت 250 إمرأة إلى السجن، بينما كانت ألقت القبض عام 2012 على 30 عصابة دعارة فقط. وفي أرقامها هذه إيحاء بأن الدعارة ارتفعت في سوريا ضعفين ونصف الضعف بين العامين 2012 و2013. أو أن تصرّح مصادر قضائية إلى إعلام السلطة بأن عدد حالات الدعارة منذ بداية العام 2013 وحتى شهر أيلول/سبتمبر منه بلغت فقط 600 حالة، منها 200 حالة في دمشق وريفها، و150 حالة في حلب.
حين كانت مهنة قانونية
تأسست بيوت الدعارة في سوريا تباعا منذ العام 1900، وكانت تسمّى "منزول". وبين العامين 1914 و1920 ازدهر هذا العمل أكثر بسبب حوامل الفقر والحاجة التي رافقت الحرب العالمية الأولى. الانتداب الفرنسي جاء ونظّم هذه المهنة، وكانت سوريا تحصي رسميا 271 عاملة فيها عام 1922، يدفعن الضرائب وتُجرى لهنّ فحوصات طبية مرتين في الأسبوع، كما كان لهنّ يوم عطلة، وأوقات عمل محددة ومعلومة وأماكن واضحة لمزاولة المهنة. وكانت السلطات تعتبر ممارسة الدعارة بغير أماكنها مخالفة للقانون.
يذكر المؤرخ السوري سامي المبيّض في تصريح صحافي أن كاباريه "ألفريدو" في شارع بيروت بدمشق كان يجتذب الجنود الفرنسيين أيام الانتداب، وأن بيوت الدعارة في دمشق خلال النصف الأول من القرن العشرين كانت تتمركز في المنطقة المعروفة حاليا بدوّار الجمارك، وأحد أكبر بيوت الدعارة كان يقع مكان البناء الحالي لكلية الهندسة المدنية، بالإضافة إلى دار دعارة كان يقبع في حيّ الحلواني قريبا من باب الجابية خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.
بعد العام 1961 حُرِمَتْ مهنة الدعارة من ممارسة نشاطها بصورة قانونية، وضمن هامش أمان صحي، فهي جنحة تطال عقوبة الحبس فيها القواد حتى ثلاث سنوات مع إغلاق المكان ومصادرة أمتعته وأثاثه، وحال تكراره لعمله تصير عقوبته السجن لخمس سنوات، وعقوبة العاملة بها تتراوح بين الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.
بقيت المهنة، ثم توسعت أفقيا وعموديا دونما اكتراث بقانونٍ يمنعها. صارت هي القانون، قطاعٌ استثماري باذخ الربح معدوم الكلفة يديره متنفّذون في السلطة، والعاملات فيه يتدرّجن أهمية بحسب درجة اقترابهنّ أو ابتعادهنّ عن مراكز النفوذ التي تحمي وتدير هذه المهنة، مندمجات في المجتمع بهذا المقدار أو بذاك، بأعمالٍ علنية. وهذه دعارة VIP ، وهناك اللواتي لا يغادرن الشقق المفروشة حيث يعملنّ، وزبائنهن من الميسورين والمتكتمين، وهناك اللواتي يعملن في النوادي الليلية وفي الدعارة في آن فيخرجن برفقة الزبائن إلى مكان يحدده الزبون، وهناك اللواتي يتم تأجيرهم مع تأجير الشقة ولنفس المدّة كخادمات أو مدبرات منزل، وهناك اللواتي صنعتهنّ الحرب الحالية على مقاس كدمات الفقر والنزوح والعوز. ثم هناك نظام يبتلع بقسوته وفساده كل ذلك، ويقول لا يوجد في سوريا سوى 600 عاملة جنس قبضنا عليهنّ عام 2013 وانتهى الأمر.
* صحافي من سوريا
اقتصاد المهنة
لا يلمع البحث مجددا في هوية وجنسية الأجساد التي تمتهن الدعارة في سوريا، ولا حتى في أعمارها. فلا هذه أو تلك هما أكثر جوانب القصة أهمية. سابقا انتهكت الحرب بآثارها المدوّخة العراق عام 2003 فأرسلت منه آلاف الأجساد النسائية داخل الشقق المفروشة لضواحي برزة وجرمانا وقدسيا ودمّر، وفي الملاهي الليلية على طريق معربا، أو المطار أو الربوة. ثم تسلّطت الحرب في سوريا على آلاف الأجساد النسائية أيضا وقهرتها. وليس طَفَحُ النزوح الداخلي بآثاره العميقة الصعبة الاندمال شرطا وحيدا لفهم مدى اتساع هذه المهنة. وحدهُ العوز من يشير بسبابته إلى الأعداد الجديدة المنتسبة إلى مهنة سريّة، محميّة، تجد متنفّذين يستثمرونها، ويضمنون بقاءها وازدهارها في ظروف الحرب الحالكة كما في سواها، حتى في المناطق المستقرة البريئة من تصدير موجات نزوح، والمحتجبة تحت سماواتٍ لا تتساقط فيها البراميل المتفجّرة.
تَنْدُرْ الأرقام الرسمية هنا، كأنها تحتاط بالخجل. لكن محمد نضال الشعار وزير الاقتصاد السوري السابق ذكر في شهر أيلول / سبتمبر عام 2013 أن عدد الشقق السكنية التي تحتضن مهنة الدعارة في سوريا تبلغ نحو 55 ألف شقة، ولو اعتمدنا أرقام المكتب المركزي للإحصاء بأن عدد السكان بلغ قرابة 21.1 مليونا عام 2011، وأن وسطي تعداد الأسرة الواحدة في سوريا يبلغ خمسة أفراد، فهذا يعني وجود 4.2 مليون عائلة، وبالتالي لا تتجاوز نسبة انتشار الدعارة 1.3 في المئة. وإذا افترضنا أنّ كل شقّة يرتادها وسطيّا زبونان في اليوم، ينفق الواحد منهما وسطيا نحو ألفي ليرة، نستنتج أن إيراد مهنة الدعارة يبلغ وسطيا في سوريا 220 مليون ليرة يوميا، و6.6 مليار ليرة في الشهر، أو 79.2 مليار ليرة سنويا،. وهذا يزيد قليلا عن أرباح شركة الاتصالات الخلوية (سيرياتيل) التي قاربت العام الماضي 70 مليار ليرة، كما ويعادل وسطي إيراد مهنة الدعارة في سوريا ستة أمثال ونصف ما جنتهُ المؤسسة العامة للتبغ من أرباح خلال العام الماضي والمقدّرة بنحو 12.5 مليار ليرة، وهي أكثر مؤسسات القطاع العام ربحية. أيضا يعادل وسطي إيراد هذه المهنة ثلاثة عشر ونصف ضعف الإيرادات العامة لمرفأ اللاذقية العام الماضي والتي بلغت 5.9 مليار ليرة، وسبعين ضعفا إيرادات المؤسسة العامة للطيران المدني التي بلغت عام 2014 نحو 1.13 مليار ليرة.
نهاية التسعينيات، نهاية المرجة
حتى أواخر التسعينيات، بقيت السلطات تداري عمل بعض فنادق المرجة في مهنة الدعارة، مفسحة لها ساعات معدودة في اليوم، مسّتخفّة بالقانون رقم 10 لعام 1961 الذي أزال الغطاء الشرعي عن ممارسة البغاء فصارت بعده مهنة غير قانونيّة.
القوّادون كانوا يصطادون زبائنهم من المارة من هيئاتهم ومن ثيابهم، يهمسون قريبا من مدارات سمعهم "استراحة شباب"، يتفاوضون معهم على السعر، ويرسلونهم إلى إحدى غرف الفندق لإنجاز صفقة بيع وشراء الجنس. ومضات خاطفة من العمل كلّ يوم حتى انطفأت تماما، وانتقلت المهنة بأكملها إلى العتّمة، فلا الدولة تجبي من ورائها ضرائب، ولا تجري فحوصات طبية دورية للعاملات بها. صارت مهنة تحدّها قوانين السوق السوداء من كلّ الجهات، سوق نخاسةٍ رخيصة تبتلع كل الأجساد التي تحوم قريبا من سديمها الظاهر.
بعد زوال الدعارة من فنادق المرّجة، صار القوادون يعملون كسائقي سيارات أجرة يصطادون زبائنهم من الركّاب، يتفاوضون معهم على السعر، ويوصلونهم إلى واحدة من الشقق التي يديرونها. وصاروا يعملون أيضا في المكاتب العقارية التي تؤجّر شققا مفروشة في جرمانا وبرزة وقدسيا ودمر، ويصطادونهم من بين زبائن المكتب.
المهنة صارت مع الألفية الجديدة في سوريا محميّة بقوّة السلطة. الشبكات تنمو وتتسع في العتمة فلا يلحظها أحد في تفاصيل الحياة اليومية، وتكون غالبا مندمجة مع المحيط بينما تظل أبوابها الخلفية مشرعة على المهنة. أما عاملات الجنس عاثرات الحظ اللواتي يعملن بصورة مسّتقلة عن الشبكات المحميّة وعن القوادين، فإنهن يلتقطن زبائنهم من شارع السادات ومن سواه، وهنّ على أي حال يصرّن طرائد لشرطة الآداب ومجرّد أرقام بائسة تعْبر في تصريحاتهم الرسمية كما حدث مع وزارة الداخلية عام 2013 حين ألقت القبض على نحو 80 عصابة تعمل في الدعارة، وأرسلت 250 إمرأة إلى السجن، بينما كانت ألقت القبض عام 2012 على 30 عصابة دعارة فقط. وفي أرقامها هذه إيحاء بأن الدعارة ارتفعت في سوريا ضعفين ونصف الضعف بين العامين 2012 و2013. أو أن تصرّح مصادر قضائية إلى إعلام السلطة بأن عدد حالات الدعارة منذ بداية العام 2013 وحتى شهر أيلول/سبتمبر منه بلغت فقط 600 حالة، منها 200 حالة في دمشق وريفها، و150 حالة في حلب.
حين كانت مهنة قانونية
تأسست بيوت الدعارة في سوريا تباعا منذ العام 1900، وكانت تسمّى "منزول". وبين العامين 1914 و1920 ازدهر هذا العمل أكثر بسبب حوامل الفقر والحاجة التي رافقت الحرب العالمية الأولى. الانتداب الفرنسي جاء ونظّم هذه المهنة، وكانت سوريا تحصي رسميا 271 عاملة فيها عام 1922، يدفعن الضرائب وتُجرى لهنّ فحوصات طبية مرتين في الأسبوع، كما كان لهنّ يوم عطلة، وأوقات عمل محددة ومعلومة وأماكن واضحة لمزاولة المهنة. وكانت السلطات تعتبر ممارسة الدعارة بغير أماكنها مخالفة للقانون.
يذكر المؤرخ السوري سامي المبيّض في تصريح صحافي أن كاباريه "ألفريدو" في شارع بيروت بدمشق كان يجتذب الجنود الفرنسيين أيام الانتداب، وأن بيوت الدعارة في دمشق خلال النصف الأول من القرن العشرين كانت تتمركز في المنطقة المعروفة حاليا بدوّار الجمارك، وأحد أكبر بيوت الدعارة كان يقع مكان البناء الحالي لكلية الهندسة المدنية، بالإضافة إلى دار دعارة كان يقبع في حيّ الحلواني قريبا من باب الجابية خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.
بعد العام 1961 حُرِمَتْ مهنة الدعارة من ممارسة نشاطها بصورة قانونية، وضمن هامش أمان صحي، فهي جنحة تطال عقوبة الحبس فيها القواد حتى ثلاث سنوات مع إغلاق المكان ومصادرة أمتعته وأثاثه، وحال تكراره لعمله تصير عقوبته السجن لخمس سنوات، وعقوبة العاملة بها تتراوح بين الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.
بقيت المهنة، ثم توسعت أفقيا وعموديا دونما اكتراث بقانونٍ يمنعها. صارت هي القانون، قطاعٌ استثماري باذخ الربح معدوم الكلفة يديره متنفّذون في السلطة، والعاملات فيه يتدرّجن أهمية بحسب درجة اقترابهنّ أو ابتعادهنّ عن مراكز النفوذ التي تحمي وتدير هذه المهنة، مندمجات في المجتمع بهذا المقدار أو بذاك، بأعمالٍ علنية. وهذه دعارة VIP ، وهناك اللواتي لا يغادرن الشقق المفروشة حيث يعملنّ، وزبائنهن من الميسورين والمتكتمين، وهناك اللواتي يعملن في النوادي الليلية وفي الدعارة في آن فيخرجن برفقة الزبائن إلى مكان يحدده الزبون، وهناك اللواتي يتم تأجيرهم مع تأجير الشقة ولنفس المدّة كخادمات أو مدبرات منزل، وهناك اللواتي صنعتهنّ الحرب الحالية على مقاس كدمات الفقر والنزوح والعوز. ثم هناك نظام يبتلع بقسوته وفساده كل ذلك، ويقول لا يوجد في سوريا سوى 600 عاملة جنس قبضنا عليهنّ عام 2013 وانتهى الأمر.
* صحافي من سوريا