عبد الله أموش - الحب في الاسلام ولدى السلف الصالح

اعتبر محمد خروبات، أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن الحب في الثقافة الإسلامية يحيل على المودة والأخوة، موضحا بأن الحب تناوله مجموعة من أهل العلم في الحضارة الإسلامية ضاربا المثال بكتاب : "طوق الحمامة" للإمام محمد بن حزم الأندلسي وفقهاء آخرين. من جهته انتقد أحمد الشقيري الديني عدم مراعاة العديد من الفنانين والمبدعين خلال تناولهم لموضوع الحب والهوى وأخبار العشاق، حدودا شرعية ولا تأثر العزاب والمراهقين لكلامهم، مضيفا في مقال توصلت "التجديد" بنسخة منه، تحت عنوان "الحب عند الفقهاء" أن ما عبر عنه بالصخب الذي يصاحب تناول موضوع الحب يلغي معانيه الجميلة والعشق العذري الذي شاع زمان العفة والحياء والوفاء. ولأهمية موضوع الحب وراهنيته جمعت "التجديد" بين مداخلة خروبات في برنامج يسألونك" الذي أذيع في إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم حول الحب وبين ما جاء في مقال الشقري الديني تحت عنوان "الحب عند الفقهاء".

أكد محمد خروبات أن الحب في الثقافة الإسلامية يحيل على المودة والأخوة، موضحا بأن الحب تناوله مجموعة من أهل العلم في الحضارة الإسلامية ضاربا المثال بكتاب: "طوق الحمامة" للإمام محمد بن حزم الأندلسي وفقهاء آخرين.

وأضاف خروبات في "برنامج يسألونك" الذي أذيع في إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، مساء أول أمس، في حلقة بعنوان: "الحب في ثقافة الإسلام وفي ثقافة الغرب" بأن الإسلام يطلب لمن أحب أخاه أن يعلمه بحبه له، مستدلا بحديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه"، ويرد عليه الآخر بقوله: "أحبك الله الذي أحببتني فيه"، ومعزز ذلك بحديث آخر "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، ومنهم "رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" وأحاديث عدة.

وقسم خروبات الحب في التاريخ الإسلامي إلى عدة تقسيمات منها حب الله، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وحب الوالدين، والحب في الله، وأشكالا أخرى متعددة. مضيفا بأن في الإسلام الحب والبغض يكون لله ومن أجل الله. فيما ورأى أن الحب في الثقافة الغربية كثيرا ما يطغى عليه الجانب المادي والشهواني، وكثيرا ما يفقد قيمة الإنسانية. وتساءل خروبات حول حب الرسول الكريم قائلا: لماذا يحب الجميع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى المخالفين والأعداء؟ ليجيب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم استجمع كل الصفات التي تجعل الكل يحبه، حيث رأى أنه صلى الله عليه وسلم كان رؤوف رحيم، وكان يحب الناس ويشفق عليهم جميعا، مؤكدا بأن منتهى الكمال ولد مع رسول الله، معززا موقفه بقوله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم".

عشق السلف

أكد الشقيري أن كبار الأئمة ألفوا رسائل في الحب والعشق، منها على سبيل المثال كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" للإمام ابن القيم وكذا كتابه "الداء والدواء"، وأصله جواب عن سؤال من ابتلي بعشق الصور، أما فتاواهم في هذا الشأن فأكثر من أن تحصى، موضحا أنهم عرفوا الحب وذكروا المذموم منه والمحمود والمباح، ضاربا المثل بمن اشتهر منهم بعشقه مثل الإمام داوود الظاهري صاحب مذهب في الفقه، وله مؤلفات في الحديث والتفسير والأدب؛ قال نفطويه : دخلت عليه في مرضه الذي مات فيه، فقلت كيف تجدك؟ فقال : "حب من تعلم أورثني ما ترى"، فقلت وما يمنعك أن تستمتع به مع القدرة عليه؟ فقال: "الاستمتاع على وجهين: أحدهما النظر المباح، والآخر اللذة المحظورة، فأما النظر المباح فهو الذي أورثني ما ترى، وأما اللذة المحظورة فيمنعني منها ما روي عن ابن عباس: (من عشق وكتم وكفّ وصبر غفر الله له وأدخله الجنّة)، وبسبب معشوقه صنف كتاب الزهرة.

وأورد الشقيري قصة عمر بن عبد العزيز وعشقه المشهور لجارية زوجته فاطمة بنت عبد الملك، قائلا إنها كانت جارية بارعة الجمال، وكان يطلبها من امرأته ويحرص لتهبها له فتأبى، فلما ولي الخلافة أمرت فاطمة بالجارية فأصلحت ثمّ أدخلتها عليه وقالت : يا أمير المومنين الآن طابت نفسي لك بها، فسأل عمر الجارية وقد ألقت ثيابها: من أين صرت لفاطمة؟ فقالت أغرم الحجاج عاملا له بالكوفة مالا، وكنت في رقيق ذلك العامل، فأخذني وبعث بي إلى عبد الملك فوهبني لفاطمة، فقال : شدي عليك ثيابك واذهبي إلى مكانك، فلما أتى أهلها وعزموا على الانصراف، قالت: وأين وجدك بي يا أمير المومنين؟ قال على حاله، بل قد زاد، ولم تزل الجارية في نفس عمر حتى مات رضي الله عنه.

وقال الشقيري إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة معروف وكانت تسمى "حبيبة رسول الله"، ولما سئل : أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة، قيل ومن الرجال، فقال أبوها.


كيف تعامل السلف مع العشاق

قال الشقيري إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشفع للعشاق ويقول "لم ير للمتحابين مثل النكاح"، بمعنى دواء العشق الزواج لمن استطاعه، أما الزنا فيفسد الحب ؛ وقصة الصحابي مغيث الذي كان يعشق زوجته لكنها لم تكن تبادله نفس الإحساس، فلما تحررت من الأسر فارقته، فكان يتبعها في الأزقة ودموعه تسيل على خديه.

وحسب الشقيري روى البخاري في صحيحه من قصة بريرة "أن زوجها كان يمشي خلفها بعد فراقها له وقد صارت أجنبية منه ودموعه تسيل على خديه، فقال النبي يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟ ثم قال لها: لو راجعتيه، فقالت أتأمرني؟ فقال إنما أنا شافـع، قالـت لا حاجة لي فيه ".

قال ابن القيم : ولم ينهه عن عشقها في هذه الحال إذ ذلك شيء لا يملك ولا يدخل تحت الاختيار؛ ثم قال :"فهذه شفاعة من سيد الشفعاء لمحب إلى محبوبه، وهي من أفضل الشفاعات وأعظمها أجرا عند الله، فإنها تتضمن اجتماع محبوبين على ما يحبه الله ورسوله، ولهذا كان أحب ما لإبليس وجنوده التفريق بين هذين المحبوبين" .

و حسب نفس المقال للشقيري سار خلفاء الرسول بعده على هذه السنّة مع المتحابين، موردا أمثلة لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في ذلك.

في دواء العشق

علق الشقيري على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ير للمتحابين مثل النكاح"، بالقول إنه صلى الله عليه وسلم حث الشباب على الزواج، فقال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"، وعلى هذا سار الفقهاء، قال ابن القيم عند قول الله تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها } :" فإنها لا تكمل لذة حتى يأخذ كل جزء من البدن بقسطه من اللذة، فتلتذ العين بالنظر إلى المحبوب، والأذن بسماع كلامه، والأنف بشم رائحته، والفم بتقبيله، واليد بلمسه، وتعتكف كل جارحة على ما تطلبه من لذتها وتقابله من المحبوب، فإن فقد من ذلك شيء لم تزل النفس متطلعة إليه متقاضية له فلا تسكن كل السكون، ولذلك تسمى المرأة سكنا لسكون النفس إليها ".

وأضاف الشقيري في مقاله أن هؤلاء لم يعتبروا الزنا دواء للعشق، لأن الشعور بالإثم قد يأتي بنتائج عكسية على المتحابين فتنقلب المحبة إلى بغض وكراهية، بل أرشدوا العاشق في مثل هذه الظروف إلى الصبر والاحتساب.

في عفة العشاق

أورد الشقيري الديني في مقاله عدة أمثلة عن عفة العشاق، تبين كيف أنه رغم ما مستوى العشق الذي يكون عليه هؤلاء فإنهم لا يتخطون حدود الشرع إلى السقوط في المحرمات. ونكتفي في هذا السياق بقصة جاءت، حسب الشقيري، في الصحيح من حديث الثلاثة الذين أطبقت على باب غارهم الصخرة، فدعوا الله بأرجى أعمالهم، فقال بعضهم : " اللهم إنه كانت لي ابنة عم فأحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت إليها نفسها فأبت حتى أصابتها فاقة وجاءت تقترض مني، فراودتها عن نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فسعيت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها، فلما قعدت بين رجليها قالت يا عبد الله: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فا فرج لنا من هذه الصخرة، ففرج الله لهم فرجة".


عبد الله أموش
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...