نورة بنت عفش - أن تقرأ لوليتا في الرياض

ممنوع، وكفى. لا يمكنك أن تناقش، يُمنع عليك حتى أن تبدي رأيك بالموضوع. تُعمّم ثقافةٌ من الممنوع في أرجاء المملكة، تضع خلف قضبانها كلّ ما لا يناسب الأفكار والقيم والمنظور الشامل الذي تتبناه اليد المسيطرة. لا يستطيع أيّ كان منعها، فهي صاحب السلطة، والمخوّلة تحديد ما يمكن للرعية أن تقرأه أو تشاهده. وحدها من يستطيع الاطلاع على الأمور كاملةً دون رقابة، وحدها لا يلاحقها مقصّ الفصول والمشاهد الذي يحوّل زبدة الموضوع إلى مهزلة.
كلّ ممنوعٍ مرغوب، يكبر معناه بمنعه، يصبح مثقلًا بدوافع تحضّ على خرق ستائر سميكة أرختها عليه عيون الدولة الساهرة على عقول مواطنيها. ترفض الدولة أن تلوّث أفكارهم بإبداعٍ مجهول، تمنع شغفهم من أن يصل إلى طرقٍ لا تريدهم أن يعبروها. تحاجج بروح المجتمع، وبتأثير ذلك على روابط العلاقة بين شرائحه، وبضرورة احترام أركان المعتقد دون استثناء، الصغيرة منها والكبيرة.
الهيئة تقرر ما على أهل البلد امتصاصه من هذا العالم، تحدد الخيارات المتاحة أمامهم حفاظاً على... تماسكها! تخاف من أي شيءٍ يحمل بين ثناياه غمزات لجماعة دون أخرى. تمنع، تحذف ما تراه غير مناسب، تمحي تماما ما يعتقده أولو أمرها إساءةً وإهانة. قد لا يكون بمجمله خطر، لكن عبارة واحدة، فكرة واحدة، كفيلة بإقصائه بعيدا عن أعين «العامة».
العامة لا يملكون المقدار المطلوب من الوعي الذي يخولهم معرفة عواقب الأمور. الشعب لا يدري كيف أنّ كلمة ما في رواية ما من المفترض أن تكون شخصياتها محض خيالٍ أنجبته أفكار الكاتب، وأيّ تشابه في الأسماء والأحداث بينها وبين الواقع غير مقصود... كيف لها أن تشعل ناراً لفتنة أو تفسد العقول الجامدة.
في السعودية يطال المنع مختلف الأشياء، تتسابق الجهات المختصة على الإبداع في هذا المجال، تمنع بعض الأسماء والكتب والمواقع والمظاهر. يطال المقص أي شيء يشعر أصحاب الرؤية الثاقبة التي تقود المملكة أنّه قد يؤثر في نفسية الشعب. لا أحد يعرف ما المعايير، يكفي كلمة واحدة «مخالفة لشرع الله» أو «الثوابت الوطنية»، حتى توصف بالزندقة والكفر.
معرض الكتاب الذي اختتمت فعالياته في الرياض قبل أيامٍ قليلة كان كارثيا. يد المنع طالت كتبا كان تداولها يُعد أمرا طبيعيا، ربّما لتأخر المحتسبين في قراءتها. كتب محمود درويش وبدر شاكر السياب اعتبرت أعمالا إلحادية. كتب تتحدث عن الإخوان المسلمين والإسلام السياسي أدّت إلى تطيير الدور الملتزمة ببيعها خارج المعرض، مصادرة آلاف من الكتب التي قد تعرض عقل المواطن لخطر التفكير.
لم ترفض المملكة الكتاب الآتي من الخارج فقط، بوصفه عامل إفساد هي بغنى عنه في ربوع المجتمع، بل حاربت حتّى كتّابها أيضا. العديد من الكتّاب السعوديين المخضرمين ما زالت أعمالهم محجوبة بوصفها خرقا للمحظور وتوصيفا يشوّه الصورة التي ترسمها عن نفسها للعالم وعن الوضع في البلاد. «مدن الملح» لعبد الرحمن منيف وكتب عبده خال الحائز على جائزة البوكر العربية (2010) لا تجد لها مكانا على الرفوف.
ليست المرة الأولى التي يواجه فيها الكتاب حربا شعواء في المملكة. العديد من العناوين ظلّت تفشل في اختراق حاجز الحجب في السعودية. لثلاثين عاما كانت كتب غازي القصيبي، وزير العمل السعودي، ممنوعة من التداول في المكتبات والمعارض، إلى أن جاء وزير الثقافة والإعلام الحالي عبد العزيز خوجة ورفع الحجب عنها.
ليس هنالك معايير واضحة تحدّد الخطوط العريضة التي يجب أن يتمتع بها الكتاب حتّى يُسمح أو يمنع. ثالوث السياسة والدين والجنس حجّة فضفاضة تمارس على الكتب العربية دونا عن الكتب المكتوبة بلغات غربية. فعلى الكتاب أن لا يناقش بالنظام السياسي القائم في المملكة ولا يتجرأ على انتقاده، وعليه أن لا يسرف في التفكير في الأمور الغيبية ويحاول تفسيرها، ولا يناقش المشاكل ولا المظاهر الاجتماعية الخفية التي تعاني منها المملكة.
المحتسبون، أو أعضاء هيئة الأمر بالمعروف، هم المخولون بت سلامة الأمور. التحالف الوثيق بين النظام والهيئة أنتج الثقافة التي تتبناها السعودية اليوم. الممنوع الذي يتمدد من الكتب إلى المظهر الشخصي، ويلف المجتمع السعودي بطبقة عازلة توهمه بأنّه محمي. ممنوع على الفتيات ركوب الأراجيح، ممنوع قراءة درويش، ممنوع على الفتيات والفتية أن يحملن أسماء بسيطة كيارا أو ملاك، ممنوع وهذا كل ما في الأمر.


* باحثة اجتماعية من السعودية
السفير العربي
19-03-2014
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...