محيي الدين اللاذقاني - لماذا لم تنجب حضارتنا مثل مكيافيللي الغرام...؟

لماذا تكثر قصص الموت حبا عند العرب وحدهم ؟ لا الرومان عرفوها ولا الأغريق وباستثناء ابيلارد والواز عند الفرنسيين وحكاية المخيلة الشكسبيرية عن روميو وجولييت لا نجد المصائب الغرامية الا في التراث العربي لذا تختلط مفاهيم الحب عندنا بين من ينكرونه في المطلق وبين من يخجلون من الاعتراف بأنه يمكن أيضا ان يجلب الرغد والسعادة ويطيل العمر بدلا من أن يقصفه
مسكين العباس بن الاحنف فهو ابن حضارته التي تضع العشق في مصاف التراجيديات الكبرى مثل جيرانها الاغريق وابن عصره الذي يرى في الحب موتا وعذابا لذا ما كان يمكن الا ان يقول:
اذا لم يكن للمرء بد من الردى
فأكرم أسباب الردى سبب الحب
هذا رجل يريد أن يموت لا أن يعيش وهنا الفرق بين الحضارة الرومانية والحضارة العربية فالاولى على لسان أوفيد وقلمه في ( فن الهوى ) ترى الحب لذاذة العيش لا قتامة الموت لذا لا نرى عند الرومان من مات حبا فانطونيو نفسه مات غيظا على الاسطول وقهرا من الهزيمة وليس حبا بالسيدة المترهلة كليوباترا
أوفيد مكيافيللي الغرام في التاريخ الانساني ولهذا ما زلنا نطالعه بمتعة الى اليوم كما يطالع السياسيون كتاب الامير فأين نجد عند غيره عاشقا عذريا يسأل فتاته الولهى: لماذا تطمسين عينيك بالدموع وأنا لن أتجاوز ما فعله أبوك بامك .
يا للحنان العاشق الذي يصدر عن رجل لو عاش لما نزل من الباصات المزدحمة في القاهرة أو دمشق أو بيروت طالما ان وصفته في الحب مبنية على المبالغة الفجة في الالتصاق ( اقترب لصقها قدر طاقتك واشكر زحمة الجالسين فوق الدرجات ) أي والله هذه من وصاياه في فن الهوى .
هذا الفيلسوف الساخر العجيب الذي أشك في عشقه لغير نفسه ذات شكي بغزليات نزار قباني هو الذي شجع كاتبات رصينات من عينة الدكتورة منى فياض لتفرد فصلا في كتابها ( فخ الجسد) بعنوان: لماذا لا يحب الرجال ...؟
وطبعا مر الكتاب والحكم مرور الكرام ولم يقف رجل ليسأل الاكاديمية الفصيحة: ماذا ينقصنا ألسنا احفاد ابن حزم اللطيف الرهيف الذي حذرنا أن الحب أوله هزل وآخره جد فأخذنا الاولى حبا بالرومان وتركنا الثانية تقديرا للأغريق الذين لا يحبون أن ينافسهم في التراجيديات أحد .
لقد كفينا وأوفينا فكل الذين ماتوا حبا في كتب مصارع العشاق من البغدادي الى ابو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في الرياض وصولا الى كارين صادرفي بيروت دفعوا الضريبة نيابة عنا وحان لنا أن نهزل قليلا مع مكيافيللي الغرام
أنه ودون تردد اوفيد الذي يلعب على المكشوف كما يليق بكل عاشق عظيم ويؤكد بكل جلال البلاغة الموروثة عن شيشرون انه في سبيل الظفر بمن نحب كل شئ مباح طلع او لم يطلع على شهرزاد الصباح وبسبب عدم قدرتنا على اخراج الحب من دائرة التراجيديا لم يوجد في حضارتنا من يتناول تلك العاطفة بطريقة مكيافيللي الغرام الروماني الذي كان يطفح سعادة وهو يحكي عن الحب .
الحب ليس تراجيديا ولا كوميديا ولا شئ فيه يشبه أي شئ آخر في الوجود لذا ترى البشر يلاحقونه من المهد للحد ويبحثون عنه بالشموع والمصابيح وبكل ما في الروح من ألق وحيوية وحبور فمن لا يحب أو يحب – بضم الياء وفتح الحاء – لا يحس بالاكتمال الانساني لذا ترى البشر بمذكرهم ومؤنثهم ومثلييهم لا حديث لهم الا عن ذاك الغامض الشفيف الذي لا يكتمل دونه موت او حياة .
ان كل ما يمكن فهمه بعد قراءة العشرات من موسوعات الحب انه عاطفة يصعب فهمها وأصعب ما فيها أن تفيق ذات صباح فتجد مفاتيح سعادتك وشقائك بيد شخص واحد يمارس دور الآلهة الاغريقية المشابه لدور المؤلفين والشعراء العرب فيميتك بجملة قاصمة حاسمة ثم ينتقل الى دوره الروماني فيحييك بابتسامة غامضة لم يفهمها حق فهمها غير شيخنا أوفيد .
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...