نقوس المهدي
كاتب
في غالب قصص العشق المشهورة جاءت النهايات مفجعة سواء بموت العاشق (الرجل) أو جنونه، لكن ماذا عن حال المعشوقة؟ لماذا لم نسمع أن إحداهن جنّت أو ماتت بسبب العشق؟ هل يعود ذلك لتطرف الرجل في مشاعره مثلاً؟ أم أن ثمة أسباباً أخرى جعلت حواء بمنأى عن تلك النهايات المأساوية؟
حملنا هذه التساؤلات إلى عدد من الأدباء والمثقفين فجاءت مداخلاتهم على هذا النحو:
في البدء تحدثت الدكتورة منى حسين القحطاني (الأستاذ المساعد بقسم التاريخ والحضارة بجامعة نورة) بقولها: من وجهة نظري وحسب ما استقرأته بين السطور في بعض المصادر والكتب الأدبية أن المرأة لا تستطيع البوح بمشاعرها أو التعبير عنها إلا للمقربين الخاصين منها وهذا فيما ندر أيضاً، وقد تعشق المرأة في صمت لا تبوح بحبها حتي لمن تحب.
لذلك نجد أن المرأة العربية خاصة حريصة ألا تظهر عليها بوادر الحب والعشق بسبب المجتمع الذي تعيش فيه الذي لا يسمح للمرأة بالتعبير عن الحب جهاراً، وتعتبر المرأة التي تفعل ذلك خارجة عن العرف والتقاليد وأنها من الفاسقات، كذلك الأعراف والتقاليد العربية القديمة والتي ما زالت إلى يومنا هذا تحرم على الفتاة أن تحب وأن تعلن حبها للملأ.
لذلك نجد الرجل عاش في المجتمع منذ القدم حراً طليقاً في التعبير عن مشاعره سواء بالسعادة أو الحزن والشقاء ولا شيء يعيبه في ذلك، وأن ينظم الأشعار في حب معشوقته ويتفاخر بذلك، فلم نسمع قط عن فتاة تنظم الشعر وتبوح به وباسم حبيبها صراحة في الأسواق أو المجالس أو أن تسافر من مكان إلى آخر بحثاً عن المحبوب.
وتضيف الدكتورة منى القحطاني قائلة: خلاصة ذلك يمكن أن نقول إن المرأة أكثر رصانة وعقلانية واستحياء في مشاعرها أكثر من الرجل، وأقدر على كبت مشاعرها وتطويعها وفق أهوائها.
فيما يرى الروائي إبراهيم محمد النملة أن كل ما يصلنا من غالب قصص العشق العربي بالذات يصلنا من راوٍ ذكر الذي يقيس نفسه من خلال الرواية؛ وبذا تصلنا كل القصص وهي تصف عشق الرجل، أما الأنثى فالتقاليد والعادات تمنعها من سرد ذاتها في العشق؛ ولأنها مرتبطة بكل الأحوال بولي أمرها ويعتبر بوحها جريمة بحق نفسها وأهلها وقد تصل لقبيلتها، لذا ترد لنا قصص العشق كما كان راويها، ولو نظرنا إلى شعر المرأة لوجدنا شيئاً من بوحها الدفين، فالعشق متماثل لدى المرأة والرجل لا فرق بينهما والذي يميز عشق الرجل عن المرأة في السرد قوة مجاهرة العاشق بعشقه عكس حياء المرأة وقلة حيلتها، فالمرأة في تاريخها الثقافي لا تستطيع البوح ويحول بينها وبين ذلك التقاليد والأعراف الاجتماعية كما يقول الباحث المغربي الدكتور مصطفى الغرافي عن عشق المرأة، والذي أتصوره صائباً فيه. وعدم قدرتها على رفع الصوت للتعبير فقد قيس صوتها بالعورة بعكس الرجل الذي قيس صوته بالرجولة.
وفي السرد الغربي نجد حكايات كثيرة يتفوق فيها عشق المرأة عن الرجل في التصرف هيمنة الرجل على المرأة أتى من زمن بعيد سيطر فيها على حياتها ومستقبلها وشعورها وعلى النقل الزمني الروائي، ولا يخلو التاريخ من حكايات عشق المرأة التي نراها في الأدب الغربي جاهراً وفي الأدب العربي صامتاً.
وتمسك الكاتبة سمر المقرن بخيط الحديث حيث تقول: لو لم تكن نهاية العشق مفجعة لما اشتهرت القصة، والنهاية المأساوية في الغالب تطول الطرفين إ? أن التواتر «الذكوري» في سرد هذه القصص يغفل جانب العاشقة لتكون البطولة من نصيب العاشق فقط.
ولو عدنا لأشهر قصص الحب وهي قصة (روميو وجولييت) لوليم شكسبير نجد أن الرائج هو موت روميو لكن في حقيقة القصة أن جولييت ماتت بعده فوراً بعد أن غرست الخنجر في جسدها.
الحب هو حالة متبادلة بين طرفين ولو لم يكونا غارقين في هذا العشق لما وصل إلى هذه النهاية.. المرأة بشكل عام أكثر إخلاصاً في الحب؛ وقد أشرت إلى هذا في عدة مقا?ت إ? أن الإعلام الذكوري المسيطر في العالم العربي يعمد إلى إغفال هذه الحقيقة وغيرها.. وهذه مشكلة الإعلام الذي ما زال يصور المرأة والرجل إما في حلبة مصارعة أو حالة ذل وخنوع للمرأة!!
الأديب علي مغاوي: منذ أن قررت المجتمعات العربية أن المرأة عورة أو عار كان عليها أن تتبنى موت التعبير عن مشاعرها حتى لا تعلق نفسها وأهلها وقبيلتها بأهداب عتمة العار في الوقت الذي تعمد العشاق الشعراء التشبيب بحبيباتهم حتى يعطل حياتها ويبقيها وقفاً حزيناً وعاشقة مفطورة القلب..
أما العشاق فكان عليهم تبني التعبير عن حبيباتهم وتوصيف جمالهن وتفاصيل اللقاءات بتفاصيل مؤذية ومنها.. وصف امرئ القيس لليلته الحميمة الفخمة مع صاحبته (فمالت بشقٍ) ووصف توبة لليلى الأخيلية التي يقول (فقد رعاني منها الغداة سفورها..)
وما زالت المرأة تتكتم على غبنها الحياتي حد الموت غير المعلن إلى عصرنا هذا الذي يُعَرِّفُ علاقات النساء بالرجال على أنها (علاقات إنسانية تؤسس لمشاريع جنسية مؤجلة) المرأة العربية التي غيبتها مراسم العار ووأد القلوب وأصبحت في أيامنا هذه أكثر بشاعة وأكثر إيلاماً حتى للأمهات والأخوات.. حتى قتلوا بوحها عن مشاعرها وما زالوا يتبدعون في وصف صوتها بالعورة ويحيكون حولها حكايات ظالمة مزورة توصف حبها وجسدها وأفعالها وأقوالها ليقدموها ضحية سهلة لعقدة الذكورة العربية البائسة..
.
حملنا هذه التساؤلات إلى عدد من الأدباء والمثقفين فجاءت مداخلاتهم على هذا النحو:
في البدء تحدثت الدكتورة منى حسين القحطاني (الأستاذ المساعد بقسم التاريخ والحضارة بجامعة نورة) بقولها: من وجهة نظري وحسب ما استقرأته بين السطور في بعض المصادر والكتب الأدبية أن المرأة لا تستطيع البوح بمشاعرها أو التعبير عنها إلا للمقربين الخاصين منها وهذا فيما ندر أيضاً، وقد تعشق المرأة في صمت لا تبوح بحبها حتي لمن تحب.
لذلك نجد أن المرأة العربية خاصة حريصة ألا تظهر عليها بوادر الحب والعشق بسبب المجتمع الذي تعيش فيه الذي لا يسمح للمرأة بالتعبير عن الحب جهاراً، وتعتبر المرأة التي تفعل ذلك خارجة عن العرف والتقاليد وأنها من الفاسقات، كذلك الأعراف والتقاليد العربية القديمة والتي ما زالت إلى يومنا هذا تحرم على الفتاة أن تحب وأن تعلن حبها للملأ.
لذلك نجد الرجل عاش في المجتمع منذ القدم حراً طليقاً في التعبير عن مشاعره سواء بالسعادة أو الحزن والشقاء ولا شيء يعيبه في ذلك، وأن ينظم الأشعار في حب معشوقته ويتفاخر بذلك، فلم نسمع قط عن فتاة تنظم الشعر وتبوح به وباسم حبيبها صراحة في الأسواق أو المجالس أو أن تسافر من مكان إلى آخر بحثاً عن المحبوب.
وتضيف الدكتورة منى القحطاني قائلة: خلاصة ذلك يمكن أن نقول إن المرأة أكثر رصانة وعقلانية واستحياء في مشاعرها أكثر من الرجل، وأقدر على كبت مشاعرها وتطويعها وفق أهوائها.
فيما يرى الروائي إبراهيم محمد النملة أن كل ما يصلنا من غالب قصص العشق العربي بالذات يصلنا من راوٍ ذكر الذي يقيس نفسه من خلال الرواية؛ وبذا تصلنا كل القصص وهي تصف عشق الرجل، أما الأنثى فالتقاليد والعادات تمنعها من سرد ذاتها في العشق؛ ولأنها مرتبطة بكل الأحوال بولي أمرها ويعتبر بوحها جريمة بحق نفسها وأهلها وقد تصل لقبيلتها، لذا ترد لنا قصص العشق كما كان راويها، ولو نظرنا إلى شعر المرأة لوجدنا شيئاً من بوحها الدفين، فالعشق متماثل لدى المرأة والرجل لا فرق بينهما والذي يميز عشق الرجل عن المرأة في السرد قوة مجاهرة العاشق بعشقه عكس حياء المرأة وقلة حيلتها، فالمرأة في تاريخها الثقافي لا تستطيع البوح ويحول بينها وبين ذلك التقاليد والأعراف الاجتماعية كما يقول الباحث المغربي الدكتور مصطفى الغرافي عن عشق المرأة، والذي أتصوره صائباً فيه. وعدم قدرتها على رفع الصوت للتعبير فقد قيس صوتها بالعورة بعكس الرجل الذي قيس صوته بالرجولة.
وفي السرد الغربي نجد حكايات كثيرة يتفوق فيها عشق المرأة عن الرجل في التصرف هيمنة الرجل على المرأة أتى من زمن بعيد سيطر فيها على حياتها ومستقبلها وشعورها وعلى النقل الزمني الروائي، ولا يخلو التاريخ من حكايات عشق المرأة التي نراها في الأدب الغربي جاهراً وفي الأدب العربي صامتاً.
وتمسك الكاتبة سمر المقرن بخيط الحديث حيث تقول: لو لم تكن نهاية العشق مفجعة لما اشتهرت القصة، والنهاية المأساوية في الغالب تطول الطرفين إ? أن التواتر «الذكوري» في سرد هذه القصص يغفل جانب العاشقة لتكون البطولة من نصيب العاشق فقط.
ولو عدنا لأشهر قصص الحب وهي قصة (روميو وجولييت) لوليم شكسبير نجد أن الرائج هو موت روميو لكن في حقيقة القصة أن جولييت ماتت بعده فوراً بعد أن غرست الخنجر في جسدها.
الحب هو حالة متبادلة بين طرفين ولو لم يكونا غارقين في هذا العشق لما وصل إلى هذه النهاية.. المرأة بشكل عام أكثر إخلاصاً في الحب؛ وقد أشرت إلى هذا في عدة مقا?ت إ? أن الإعلام الذكوري المسيطر في العالم العربي يعمد إلى إغفال هذه الحقيقة وغيرها.. وهذه مشكلة الإعلام الذي ما زال يصور المرأة والرجل إما في حلبة مصارعة أو حالة ذل وخنوع للمرأة!!
الأديب علي مغاوي: منذ أن قررت المجتمعات العربية أن المرأة عورة أو عار كان عليها أن تتبنى موت التعبير عن مشاعرها حتى لا تعلق نفسها وأهلها وقبيلتها بأهداب عتمة العار في الوقت الذي تعمد العشاق الشعراء التشبيب بحبيباتهم حتى يعطل حياتها ويبقيها وقفاً حزيناً وعاشقة مفطورة القلب..
أما العشاق فكان عليهم تبني التعبير عن حبيباتهم وتوصيف جمالهن وتفاصيل اللقاءات بتفاصيل مؤذية ومنها.. وصف امرئ القيس لليلته الحميمة الفخمة مع صاحبته (فمالت بشقٍ) ووصف توبة لليلى الأخيلية التي يقول (فقد رعاني منها الغداة سفورها..)
وما زالت المرأة تتكتم على غبنها الحياتي حد الموت غير المعلن إلى عصرنا هذا الذي يُعَرِّفُ علاقات النساء بالرجال على أنها (علاقات إنسانية تؤسس لمشاريع جنسية مؤجلة) المرأة العربية التي غيبتها مراسم العار ووأد القلوب وأصبحت في أيامنا هذه أكثر بشاعة وأكثر إيلاماً حتى للأمهات والأخوات.. حتى قتلوا بوحها عن مشاعرها وما زالوا يتبدعون في وصف صوتها بالعورة ويحيكون حولها حكايات ظالمة مزورة توصف حبها وجسدها وأفعالها وأقوالها ليقدموها ضحية سهلة لعقدة الذكورة العربية البائسة..
.