سميرة لعباس - طاعون الدعارة والنسيج الاجتماعي

منطقي ومألوف أننا أصبحنا نعيش على سطح مجرة اجتماعية مركبة امتزج فيها السلبي والايجابي في ضل صراعات الغرب المتقدم والأقطاب الثالثية ذات الحلة المتخلفة، ولعل هذه الأخيرة اتسمت بصفات لا تمت بصلة إلى تقاليدها وعاداتها وقيمها الدينية ويبرز ذلك جليا من خلال موجات الانحلال الخلقي والمتعلقة بممارسات ذات الصبغة المخلة بقيم المجتمع من قبيل تعاطي المخدرات والسكر العلني، ثم انتشار وتسرب سرطان الدعارة إلى كيان المجتمع عموما، والمجتمعات الثالثية والمغرب على وجه الخصوص لا حصر، والذي حمل في أليافه أضرارا جسيمة فتكت بعذرية هذا المجتمع الخصب، إذن ما الجهات المسؤولة عن إرساء دعائم هذه الظاهرة ذات الأبعاد الفتاكة؟ أهم صناع القرار أو الحاجات البيولوجية للأفراد؟ أم ثمة حلقة مفقودة ما؟.
حقيقة أصبحنا اليوم نعيش فضاءا مجتمعيا مركبا، امتزج فيه الواقعي والوهمي، المستحب والمباح، الجائز والمحرم معا، في ظل الأزمات السياسية، الدينية، الاقتصادية والاجتماعية الحادة، غاب فيها الموضوعي وحضر الذاتي، بمعنى كل يسعى إلى تحقيق ذاته عبر وسائل عدة ومختلفة، وعن طريق السبل اليسيرة، والتي عادة ما تنصهر فيها القيم والأخلاق لتضيع في غياهب الملذات، هذا إضافة إلى التخلص من عبئ الوقار والحشمة وفك أغلال التنشئة الاجتماعية المبنية على احترام قيم وقواعد المجتمع التقليدي، في سوق لترويج اللحوم البشرية بأثمنة بخسة، قوامها السهرات الليلية أو الليالي الحمراء، المنظمة منها أو العشوائية ولما كانت مهمة السوسيولوجي هي الفضح، فأنا بدوري كممارسة للشقاء الفكري في هذه القارة العلمية سأحاول النبش في هذه الظاهرة الاجتماعية بالرجوع إلى مستنقع الممارسات الكولونيالية داخل كيان المجتمع المغربي فيمكن القول أن المستعمر سن ودشن لأوكار العار، وأسدل ستار الوقار عن هيكل المجتمع المغربي التقليدي، وذلك مرده إلى غرس شجرة الدعارة في تربة الدار البيضاء. حين تم تقنين الدعارة وإخضاعها لمعايير ومحددات وضوابط تمت المصادقة عليها في دستور المقاول الطموح "بوسبير" الذي أنشأ "بورديل بوسبير" والذي كان يحتضن كل من ابتسم لها الدهر أو هزأ منها، بإيقاعها في براثن القادة والجنود العاشقين والمتيمين بالأجساد المغربية الفتية والتي عادة ما استعملت كأداة لتفريغ المكبوت الجنسي وكميكانيزم تحفيزي للجنود، لدرجة أن العديد من الممتهنات لحرفة الدعارة في "بورديل بوسبير" نقلن رفقة الجنود الفرنسية إلى حرب الهند الصينية وما دونها، وبالمقابل فقد أنشئت أوكار أخرى في بعض المدن والمراكز، "كالحاجب" قرب مكناس و"كليطو" بسوق أربعاء الغرب و"تغسالين" بخنيفرة و"تفلت""... أما اليوم فقد أصبحنا نعيش واقعا تقشعر له الجلود ويتعلق الأمر بانتشار الدعارة في كل زاوية من أركان البلاد، إذن هل صرنا نعيش على أنقاض "بورديل بوسبير"؟
لقد أصبحت ظاهرة الدعارة شبيهة بالطاعون الذي يعصف بكل الشرائح العمرية والطبقات الاجتماعية، فالدعارة تنتهج اعتمادا على سبل مختلفة، فقد أصبحت محتكرة من طرف "باطرونات" يتحكمن في مصير اللواتي دفعتهن الأقدار الخارجة عن طاقاتهن أو انجرفن إلى بحر الهوى بمحض إرادتهن، هكذا فبمجرد الخروج إلى الشارع مساءا واستخدام العين السوسيولوجية قصد تحليل الظاهرة، حتما ستصادف حالات يعجز اللسان عن وصفها ففي مدينة القنيطرة مثلا وغير بعيد عن الإقامة الجامعية والأحياء الهامشية ستلاحظ فتيات في سن الزهور متبرجات بأبهى تبرج ومرتديات ما لذ وطاب من الثياب الكاشفة عن مكامن الجمال، يمسكن هواتف نقالة متطورة أو واقفات أمام أجهزة الهواتف العمومية يخاطبن عاشقي الليالي الحمراء والمجون ومعظمهن يستقلن سيارات أجرة ويغادرن عالم التهميش والفقر والتخلص من حثالة المجتمع، ليرتمين في حضن ابن مركز المدينة أو le centre . في أوكار للدعارة مثل "نزل لاروطوند" أومقهى "الرولاكس "أو غيره، هذا إن كانت تتضمن على معايير الجودة المطلوبة، أما إن كانت من اللواتي سخر منهن القدر فمصيرها "الباطرونة" فاطنة أو "الموقف" بساحة بئر إنزران، أو صالونات التجميل والتي بدورها أصبحت تروج اللحوم البشرية لمن له القدرة على شرائها.
ومن جانب أخر فقد انتشرت آفة دعارة التلميذات القاصرات اللواتي غالبا ما يجبرن على ذلك سواء بالإغراءات المادية من ذوي السلطة والجاه أو الرغبة في تفجير طاقة سن المراهقة.
إذن كيف يمكن ترقيع هذا الخرم الأخلاقي؟ وهل ثمة ميكانيزمات لمقاومة سرطان الدعارة؟
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...