أحمد الخليل - الإغراء العربي في صوره.. الممثلة إغراء "عارية بلا خطيئة"

شكلت الفنانة السورية إغراء (اسمها الحقيقي ناهد علاء الدين) في النصف الثاني من الستينيات من القرن الماضي وطوال عقدي السبعينيات والثمانينات رمزاً للإغراء في السينما السورية، ولقبت "بريجيت باردو العرب"، وكانت الأكثر جرأة في السينما العربية في تجسيد المشاهد الساخنة والإباحية(للكبار فقط) على الشاشة الكبيرة.

نضجت إغراء كممثلة في زمن "الميني جيب" العربي الذي ترافق من النهوض القومي وموجة أحلام الستينات، المطعّم بقليل من العلمانية والمصاحب لشعارات "التحرر" البراقة، وبعض الأفلام المصرية والسورية المشتركة في ذلك الزمن حوت العديد من مشاهد التعري والجنس والقبل السينمائية الطويلة، كما كان البحر أحد مواقع التصوير المفضلة لدى بعض المخرجين، لذلك كان لا بد من جذب المشاهد الى الأفلام الرومانسية بهذه المشاهد بغض النظر إن كانت ضمن سياق منطقي للأحداث والقصة أم لا، فحتى فيلم كـ"الفهد" إخراج نبيل المالح عن قصة حيدر حيدر، تضمن مشاهد تعرٍ لإغراء رغم أن القصة عن مناضل سوري (أبو علي شاهين) ضد الاستعمار الفرنسي، وكلنا يذكر مشهد إغراء وهي تستحم عارية تماماً قرب أحد شلالات الماء في منطقة الربوة بدمشق، في مشهد اباحي مع الممثل أديب قدورة، عندما يتمدد فوق جسدها وهي عارية تماماً، وفي فيلم "عروس في دمشق" كشفت اغراء صدرها أمام الكاميرا ليقوم الممثل خالد تاجا بدهنها بالكريم وهي مسترخية على الفراش...

ومشاهد الإغراء والعري كانت جزءا من "تقاليد" السينما العربية والبهارات التي لا يكتمل الفيلم إلا بها، وسبق للفنانة إغراء في بدايتها السينمائية إن قدمت مشاهد جريئة في فيلم "عاريات بلا خطيئة" وكان معها في بطولة الفيلم المطرب السوري فهد بلان، دلال الشمالي، محمد خير حلواني... وفي هذا الفيلم شهدنا أول مشهد تعرٍ جريء في السينما السورية... وصرحت إغراء للصحافة بعد انتهاء تصوير "الفهد" (1972): "عندما انتهينا من تصوير الفيلم حضر إلي في ذلك الوقت مخرج الفيلم ومدير إنتاجه من المؤسسة العامة للسينما منتجة الفيلم، وطلبوا مني تصوير هذا المشهد إنقاذاً للفيلم، ويومها لم أجد من مناص لإنقاذ هذا الفيلم، وقبلت بالتعري كاملاً...". ومن أبلغ تصريحات إغراء وأقواها قولها الشهير: "ليكن جسدي جسراً تعبرُ عليه السينما السورية..."، إذا كان الإغراء في السينما السورية وخاصة الأفلام التي عملت فيها ناهد علاء الدين (إغراء) صريحا غير موارب.

أفلام إغراء وزميلاتها المصريات مديحة كامل، نجلاء فتحي، ميرفت أمين، ناهد شريف وناهد يسري... جاءت في سياق اجتماعي وسياسي، يشجع السينما والرومانسية ومشاهد الحب وحتى العري، فقد كانت الأحزاب القومية واليسارية لها اليد الطولى في شؤون الحكم، والاستبداد السياسي الذي أنتجته الحركات اليسارية والقومية حين وصولها للحكم توازى مع "تساهل" اجتماعي وفني لا بل وتشجيع للفنون عامة كونها تدعم بشكل غير مباشر العدة الايديولوجية للسلطات التي هيمنت في بعض الدول العربية كمصر وسورية والعراق. لذلك ليس غريبا أن يكون جسد إغراء جسرا "تحرريا" لرواد صناعة الفيلم السوري المحمي بالورم الشعاراتي القومي...

ومع تراجع بريق زمن الستينات والسبعينات وانكشاف زيف شعارات التنموية والحداثة ومناهضة الاستعمار وذوبان الثلج القومي وظهور خراب الأرض وهشاشة المجتمعات، بدأت السينما تنحو نحو المحافظة والتقية و"الخجل"، وبخاصة بعد أن امتلك التيار الديني زمام المبادرة بعد انهيار الأحلام الاشتراكية والقومية وفشل المشاريع الحداثية، حيث بدأت فتاوى التكفير والتحريم تشكل العصا المؤدبة لكل من تسول له نفسه الخروج عن "أخلاق الأمة" وطاعة أئمتها، فالفضائيات التي حلت محل البث الأرضي المحدود، شكلت منبرا للتهديد والوعي، فكان لابد للسينما من أن تتحجب بعد بضع عقود من زمن التعري (القومي) والساداتي(نسبة إلى أنور السادات)... كل ذلك ترافق مع هيمنة النمط الإسلامي وتجلياته المتعددة والذي أفرزته ثورة الخميني والتأثير الكبير المفروض على كل الفنون، ما أدى إلى تغير في الذائقة الفنية والمزاج الشعبي العام، فالانكماش المحافظ والانغلاق المعرفي والثقافي أمام الآخر المختلف و(المخيف) صار هو العنوان الأبرز في الفنون عامة والسينما خاصة. مع تكريس دور التلفزيون كحامل وكمنبر إعلامي للأيديولوجيات السائدة ونظمها السياسية... وفي حين كانت الأسرة في الستينات والسبعينات تخرج للسينما كسيران جماعي طقسي فيه دهشة ومغامرة ومتعة. أصبح مع الألفية الثالثة (الطقس) الجلوس في غرفة مغلقة أمام التلفزيون لمتابعة مسلسل "باب الحارة" وبطولات معتز وأبو عصام البهلوانية في الحي المغلق المتشح بسواد الملاية والعنتريات الماضوية.

الأعمال التركية وبعكس الأفلام السورية المعتمدة على الإغراء العاري نحت باتجاه الإيحاء الجنسي المغلف بالرومانسية والعواطف الملتهبة، حيث تكثر فيها مشاهد المقاهي على بحر مرمرة اللازوردي مع النوارس البيضاء والتأوهات والانتظار وصدمات العشاق، كما تكثر مشاهد غرف النوم والعناقات الحارة في أحضان طبيعة خلابة ساحرة، ورغم كل الفتاوى التي تحرض ضد المسلسلات التركي (فتاوى مفتي السعودية وفتاوى السيستاني...) وتعتبره كفرا وخروجا عن تقاليد المجتمع الاسلامي تهديدا لأخلاقه إلا أنه (المسلسل) بقي الوجبة الأشهى في مائدة المساء التلفزيونية، فأبطال المشاهد المفضلين وبطلاته الجميلات يأخذونه في رحلة مشوقة تؤجج المشاعر والرغبات بعيدا من مشاهد الدم والقتل ونشرات الأخبار المتحالفة مع الكوارث. وبعيدا من مسلسلات التقاليد الشعبية وبطولاتها السوبر مانية ونسائها المتلفعات بالسواد.



(*)هنا الحلقة الثالثة من ملف "الاغراء العربي في صوره المتعدّدة"، بعد حلقتي "سعاد حسني" و"نساء السينما أول العشيقات"، الحلقة المقبلة عن الاغراء في اليمن.

عن موقع المدن
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...