ايزيس خليل - فرسان الغواية وأحلام النساء

ان تكتب امرأة عن غواية الرجال فهذا أمر معقد بعض الشيء، فليس للمرأة مقياس محدد، ترسمه في خيالها لرجل أحلامها أو لرؤيتها لفكرة الفتى الأول. فالموضوع متغير على مدار المراحل العمرية، فقد تبدأ رحلتها من سن المراهقة مع نجوم السينما وينتهي الأمر في سن الثلاثين مع رجل عادي لا يمت لأحلامها القديمة بصلة، لكنها تراه أكثر وسامة من روبرت دي نيرو في فيلم "Falling in love .

محمود شاب لديه محل أشرطة اسمه "نادي فيديو السعادة"، في بداية التسعينات لم يكن يؤجر الأفلام الحديثة فقط، لكنه كان يملك مكتبة ضخمة من شرائط الفيديو القديمة التي يسجلها من التلفزيون ويجمعها من بعض الأصدقاء، وتمتد على مراحل الخمسينات مروراً بالستينات والسبعينات. أتذكر ان الرف المخصص لأفلام عمر الشريف، طالما كان فارغاً بسبب تهافت الفتيات على أفلامه... هكذا نلاحظ في الأفلام العربية نعومة عمر الشريف وجاذبيته، دنجوانية رشدي أباظة، رزانة أحمد مظهر، حميمية عبد الحليم حافظ... صفاتهم خلقت لهم جمهورا من النساء منهن المعجبات من الجمهور ومنهن الزوجات من النجمات كصباح وسامية جمال وفاتن حمامة وتحية كاريوكا وحبيبات كسعاد حسني ومريم فخر الدين ونادية لطفي...

في الاسكندرية، بالقرب من شاطيء ميامي... كنت أمضي وصديقاتي وقتاً في غرفة إيمان، لم نكن نتجاوز الثامنة عشر من عمرنا، حيث دار بيننا اتفاق ضمني ان كل ليلة الخميس ستكون سينمائية، نسهر معا لمشاهدة أفلام بالأبيض والأسود. كانت إيمان تحاول اقناعي انه لا رجل يضاهي جاذبية رشدي أباظة، أما أنا فكنت اعتبر صلاح ذو الفقار الفارس الأول برقصته على أغنية "يا مصطفى يا مصطفى" في فيلم "الحب كده" سنة 1961. ويلفت انتباهي صالح سليم الذي عرف طريقا ناعما للغواية، تمثل تجسيده شخصية حسين في رواية "الباب المفتوح" للروائية لطيفة الزيات، هذا الفيلم الذي هوجم من النقاد، اذ كتب لويس جريس في مجلة "صباح الخير" سنة 1963: "نجم الكرة اللامع أصابته الخيبة في مجال السينما، المسكين جذبته الأضواء حتى صرعته وتركته للجمهور. فالذي استرعى انتباهي ليلة الإفتتاح أن الجمهور من معجبيه الكرويين لم يحاسبه على هفوته، بل استقبله بالهتاف والتصفيق ولكنهم همسوا لبعضهم بإنه ممثل فاشل". وبالفعل، كان فيلم "الباب المفتوح" آخر بطولات صالح سليم في السينما المصرية وتفرغ بعدها لكرة القدم مرة آخرى. فشل الفيلم أمام النقاد ونجح نجاحاً ساحقاً بين الفتيات وطالبات الجامعة في هذا الوقت وحتى الآن، فقد جسد صالح سليم نموذجا للرجل التحرري الذي فتح لحبيبته مساحة للحياة دون قيود أو ضغوط عاطفية تؤثر على اختياراتها تجاهه، وتزامن ظهور الفيلم والرواية مع تحديات عديدة كانت تواجهها المرأة في المجتمع المصري في ذات الوقت وحتى نكون صادقين فهي تواجهها حتى الآن، وكانت كلماته الشهيرة لليلى (فاتن حمامة في الفيلم): "وأنا أحبك وأريد منك أن تحبيني، ولكني لا أريد منك أن تفني كيانك فى كياني ولا في كيان أي انسان. ولا أريد لك أن تستمدي ثقتك في نفسك وفي الحياة مني أو من أي انسان. أريد لك كيانك الخاص المستقل، والثقة التي تنبعث من النفس لا من الاخرين".

هكذا خلدت بين الفتيات أيقونة لصالح سليم في هذا الدور الذي لعب فيه مزيجا مرعبا ما بين فارس الأحلام الوسيم والرجل التحرري والحبيب المخلص، على عكس شخصية الطبيب حسني التي جسدها رشدي أباظة في فيلم "آه من حواء" سنة 1962 في معالجة مصرية لرواية ترويض النمرة والسيطرة على شخصية الفتاة المتمردة بسقوطها في حب هذا الرجل الوسيم الطبيب البيطري خفيف الظل الطيب والقاسي والحنون والمجنون أحياناً.

برغم اختلاف النموذجين إلا ان عاشق السينما أو عاشقة فرسان الأحلام لن تستطيع ان تحب واحدا وتلفظ الآخر، نختلف في تقديرهما ونتفق في السقوط في بحر غوايتهما.
المفارقة أن صديقتي إيمان صاحبة الغرفة، تزوجت في ما بعد من محمود، صاحب "نادي فيديو السعادة". لم يكن محمود يشبه رشدي أباظة ولا يتمتع بالمواصفات الجسدية لنجوم السينما، لكن إيمان كانت تقول إنه يملك ابتسامة أحمد زكي بتلك الغمازات السمراء المعهودة... والحال أن العديد من النقاد ذكروا عن أحمد زكي انه غيّر معايير وسامة البطل السينمائي بملامحه السمراء التي تشبه الكثير من الشباب المصري العادي، الذي قد تصادفه في الاوتوبيس او داخل أي مصلحة حكومية أو يكون زميلك في الجامعة. فاختلت معايير اختيار النجم وأصبح هناك فتيات يتفوقن على حقيقة عشقهن لمعايير رجل كأحمد زكي عن أحلامهن الآخرى نحو رجل كعمر الشريف الذي قد لا نصادفه كثيراً.
سحر الرجال يكمن في كلامهم المعسول، هكذا قالت الفنانة الراحلة صباح، وفي رواية آخرى عندما تحدت صباح رشدي أباظة وقالت له "انت خايف تتجوزني علشان خايف من سامية"، حينها كان رشدي متزوجاً سامية، فتزوج صباح لمدة قصيرة ثم عاد إلى مصر، وتروي ابنته ان سامية جمال عرفت في أمر زواجه ولم تحدثه فيه مطلقاً وقررت أن تغلق هذة الصفحة كي تحتفظ به، ودامت علاقتهما لمدة تزيد عن عقد ونصف العقد.

الادوار أيضا تصنع الغواية، لنتذكر عادل أمام في فيلم "خلي بالك من عقلك" مع الفنانة شريهان. وائل الطبيب الذي ينتصر لحبيبته في ظل مجتمع عنصري وجائر على كل حقوقها في الحياة، من هي الفتاة التي تشاهد هذا الفيلم ولن تقع في حب وائل؟ برغم ان عادل أمام لا يتمتع بمواصفات فارس الاحلام. وهنا أتذكر سؤالي لماذا لم تحب شويكار أوسم الرجال وأحبت فؤاد المهندس؟ لان فؤاد المهندس كما قالت عنه "أكتر انسان كان يعرف كيف يضحكني ويعاملني كأميرة".
كل هذه الصراعات والقصص وحكايات الحب لا تنفي إنه يوجد حتى الآن معيار لفارس الأحلام، خلقه الروائيون والسينمائيون، على أن المرأة تسقط في الحب رغم كل الأحلام والصور والأفلام. ولكن ستظل في ذاكرة غرفتها الصغيرة القديمة بعض الصور المعلقة لعمر الشريف وأحمد مظهر وكلينت إيستوود…


.

* حلقة من سلسلة مقالات عن الاغراء ونجومه في العالم العربي، سواء في السينما أو في المجتمع، وحتى سنتطرق الى اللاغراء في بعض البلدان.
- عن موقع المدن
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...