منذر المصري - سَاقا الشَّهوة

( زَهرٌ وثَمَر ، نَشوَةٌ وحَياة ، هَذِهِ
أَيضاً أَعمالُ الجَسَد ) من رَدِّ أَحَدِ
أَهالي غلاطِيَة عَلى رِسالةِ بُولَس لرَّسول
ـــــــــــــــ

1- قَمَيصُ الصَّدأ
ـــــــــ

مِثلَ قَضيبٍ مِن حَديد
مَشلوحٍ على الشَّاطىء
فأَنتِ لا تَرينَ سِوى شِبرٍ مِنهُ
أَمَّا البَاقي
فَقَد طَمَرَتهُ
الرِّمال .
/
إنَّهُ يَغتَسِلُ كُلَّ حينٍ بالأَمواج
وبَدَلَ أَن يَتَعرى
فإنَّ البَحرَ
يَوماً بَعدَ يوم
يُلقي عَليهِ
قَميصاً بَعدَ قَميص
مِنَ الصَّدأ .
/
ولأَنَّكِ لَمَحتِهِ
ولأَنَّكِ صَوَّبتِ عَليهِ قَوسَ عَينَيكِ
وأَطلَقتِ سَهمَ نَظرَتِك
ولأَنَّكِ زَحَفتِ إليهِ بِظِلِّكِ
ولَمَستِ رَأسَهُ بإبهامِ
قَدَمِكِ
ولأَنَّكِ انحنَيتِ
وَنَفَختِ في وَجهِه
ولأَنَّكِ أَسمَعتِهِ حَفيفَكِ
أَرادَ أَن يَسمِعَكِ
خَريرَه
ولأَنَّكِ أَسمَعتِهِ هَسيسَكِ
أَرادَ أَن يُسمِعَكِ
حَشرَجَتَه
أَن يُخرِجَ مِن فُوَّهَتِهِ بَعضَ الرَّغوة
بَعضَ الأَسماكِ الجافِلَة
ولأَنَّكِ بِيِدَيكِ الزَّبَديَّتَين
نَزَعتِهِ مِنَ الرِّمال
كَخَنجَرٍ من غِمد
لا بَل
كَخَنجَرٍ مَن جُثَّة
لا بَل
كَجُثَّةٍ مِن قَبر
ولأَنَّكِ بأصدافِكِ
قَضَمتِ صَدَأَه
وبلآلِئكِ نَهَشتِ
قِشرَتَه
ولأَنَّكِ زَلَقتِهِ بينَ نَهدَيكِ
وَسَحَبتِهِ نُزولاً
على خَيطِ بَطنِكِ
مُروراً بزِرِّ سُرَّتِكِ
حَتَّى أَولَجتِهِ فَمَ زَهرَتِكِ
وبِشِفَتَيكِ الوَرديَّتين
وَحشائشِكِ السَّوداء
أَطبَقتِ عَليهِ وعَصَصتِهِ
ولأَنَّكِ في فُرنِكِ اللاَّهِب
شَويتِهِ إلى أَن أَضاءَ
مَرَّتَينِ وثَلاث
ولأَنَّكِ بِحُلوِ رُضابِكِ
مَرَّتَينِ وثَلاث
سَقَيتِهِ
ولأَنَّكِ بِزَيتِكِ الثَّقيل
دَهَنتِهِ
وبلِسانِكِ الأَخرَس
مَسَحتِهِ وَمَسَّدتِهِ
فَقَد عادَ لَهُ
عُريُهُ ولَمَعانُه
دَمُهُ وَقَسوَتُه
نَصلُهُ وحِدَّتُه
وَانغَرَزَ فيكِ
عَميقاً
في جُرحِ فَخذَيكِ
شَهوةً مُقَدَّسَة
وَقَرنَ رَبّ ..
ـــــــــــــــــــ
2- إغفاءَةُ الجُنون
ــــــــــ

كانَت إغفاءَةً قَصيرَة
لا أَكثَرَ رُبَّما مِن
رَفَّةِ جَفنٍ
حَلِمتُ بِها أَنِّي
رَأَيتُ
هَذِهِ القَصيدَة .
/
يالجِنونِ ما سَأَقول
أُقسِمُ إنِّي حَضَنتُها
وكانَت
عانَةَ اِمرَأَةٍ عارِيَة ..

ـــــــــــــــــــ

3- عَينا أَليعازر
ــــــــ

كانَ مَيِّتاً كَغيرِهِ منَ
الموتى الَّذينَ لَم
يَتَكتَّفوا ويَنزِلوا
بِأَجسادِهِم التَّعِبَةِ
إلى القَبرِ ... بَعد .
/
كانَ مَيِّتاً مِن أُولَئِكَ
الَّذينَ يَفتَحُ لَهُم وَهجُ
الصَّباحِ
غَصباً عَنهُم كُوَّاتِ
أَعيُنِهِم
ثُمَّ يَجِدونَ أَنفُسَهُم
يُؤَرجِحونَ أَقدامَهُم
إلى هُنا وهُناك
لِتَدبيرِ غَرَضٍ ما
أَو
قَضاءِ حاجَة .
/
كانَ مَيِّتاً كَغيرِهِ مِنَ
المُوتى الَّذينَ لَم
يَجِدوا ما يَفعَلونَهُ بِحياتِهم
شَيئاً أَفضَلَ مَن أَن
يَتَّخِّذوا اِمرأَةً
ثُمَّ يُنجِبوا أَطفالاً
ثُمَّ يَقضوا على الباقي مِن أَعمارِهِم
وَهُم يلهَثونَ خَلفَ
لا يدرونَ ... ماذا .
/
كانَ مَيِّتاً مِن أُولَئكَ الَّذينَ
يَئسوا مِن عَنادِهِم
وَهُم يَشُدُّونَ
حَبلاً غَليظاً
قالَ لَهُم آباؤهُم
بِأَن نِهايتَهُ الَّتي لَم
يَرَها أَحَدٌ قَطّ
قَد عُقِدَت حَولَ عُنقِ جَبَلٍ ثَقيل
اِسمُهُ السَّعادَة
فَطَووا صَفَحاتِ أَحلامِهِم وَأَطماعِهِم
وَاصطَفُّوا في طابور
يَنتَظِرون ... لا شَيء .
/
أَو قُولي ... كانَ مَيِّتاً
كَبَقيةِ المَوتى
المَوتى المَوتى
الَّذينَ تَوَسَّدوا
أَسرَّةَ المَوتِ المُغَبَّرَة
عِندَما
كَريحٍ لَفَحتِ قَبرَهُ
عِندَما
كَعاصِفَةٍ كَسَرتِ شاهِدَتَهُ
وَهَدَمتِ جُدرانَه
عِندَما
كَقَدَرٍ وَطَأتِ جُثَّتَه
وَدُستِ عَلى أَحشائه
عِندَما
كَقيامَةٍ
سَقَطَت نُقطَةٌ مِن رُضابِكِ
عَلى صَفحَةِ خَدِّه
وانسَلَت بِبُطء
إلى زاويَةِ فَمِه
ثُمَّ إلى رَأسِ لِسانِه
ثُمَّ إلى قَلبِه
وفَجأَةً
فَتَّحَ عَينَيهِ ورَآكِ
رآك بِعَينَيهِ العَمياوَينِ الدَّفينَتين
اللَتين رَأَتا كُلَّ شَيء
رآكِ بِعَينيهِ الَمَيِّتَتين
اللَتين رَأتا تَحتَ التُّراب
ما لَم تَرَهُ عَينا حَيّ
فَأَحَسَّ في أَعماقِهِ
مِن قاعِ مَوتِهِ
شَيئاً يَنتُش
شَيئاً يَتَفَتَّق
شَيئاً يَشُقُّ قِشرَتَهِ
وَيبزُغُ بِرأسِهِ وَيَنبُت
ثُمَّ رآهُ يَنمو وَيكبَر
كعَمودٍ مِن دَم
كَجِذعٍ مِن لَحم
كَنَخلَةٍ مِن شَهوة
وراحَ يَرمي ثِمارَهُ عَلى
بَطنِكِ .
/
أَيُّ رُوحٍ أَنتِ
أَيُّ رَبّ
...
أَحيَيتِهِ ..
ــــــــــــــــــ

17-5-1985
* تضمن كتابي ( مزهرية على هيئة قبضة يد ) الصادر عن شركة رياض الريس للكتب/ بيروت/ 1997 قصيدة ( ساقا الشهوة ) كاملة .
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...