نقوس المهدي
كاتب
جاء في "تزيين الأسواق" للأنطاكي أنّ المرقّش (عمرو أو عوف بن سعد) هو الذي يضرب به المثل في العشق: "أتيم من المرقّش".وقد روي في قصّة هذا المثل أنّ المرقّش عشق فاطمة بنت المنذر،وبلغ من وجده أن قطع إبـهامه بأسنانه. وهو في الحقيقة إنّما قطعها ندما لا وجدا، كما يزعم صاحب المثل، أو مفسّره.والقصّة التي يسوقها لا تصلح ـ على ما نبيّنه ـ لتسويغ مثل كهذا.
تقوم هذه القصّة على أربعة شخوص: رجلان (المرقّش وصديقه عمرو بن جناب) وامرأتان (فاطمة بنت المنذر وأمة لها: بنت عجلان).
وهي وحدة فنيّة كاملة تنطوي على مقوّمات القصّ الجاهلي، وتتكشّف عن ملامح قصّة متعدّدة المشاهد أكثر مماّ هي متعدّدة المواضيع،تتظافر فيها ثلاثة أساليب سرديّة هي: الوقفة و الثـّغرة و المشهد. وهي أساليب مطّردة في أكثر هذا القصص، تتّصل ببنية النّص الظّاهرة، ويمكن النّفاذ منها إلى بنيته المضمرة أو العميقة ومعاينة صورة الجسد المخفي ومن ثم الاستحواذ على بعض دلالاتها.
إنّ الوصف هو محور الصّورة السّردية القائمة على "الوقفة" في الجمل المقصورة على وصف حالة المرأة أو أعضاء جسدها، ما عدا بعض الجمل الخاطفة فهي جزء من الصّورة المشهديّة. و الوصف سكون أو زمن واقف، يتجلّى في الصّورة التي يضفيها القاصّ على المعشوقة (فاطمة بنت المنذر): "وكان لها قصر عليه حرس، فلا يطأه إلاّ وليدة لها [أمة] يقال لها بنت عجلان..." وهذه الصّورة تطّرد أو تكاد في مجمل قصص الحبّ عند العرب، حتّى ليمكن القول إنّها صورة لـ"بيضة الخدر"في معلّقة امرئ القيس" وبيضة خدر لا يرام خباؤها..." وهو ما يجعلنا نؤكّد أنّ هذه القصص نصوص مصاحبة للشّعر أو هي متولّدة منه في تأصّل وتفرّع، تفسّره على قدر ما يفسّرها، فلا ضير إن نحن جارينا رواتها وراوحنا بين هذين الفنّين، ما اقتضى الأمر ذلك،خاصّة أنّ أكثر أبطالها من الشّعراء.
تشبّه المعشوقة بالبيضة لصحّتها و صيانتها وصفائها ، كما يذهب إلى ذلك شارحو المعلّقة ، أو ربّما يرجع الأمر ـ وهذا ما نحن أميل إلى الأخذ به ـ إلى أنّ الصّورة الغالبة على قصص الحبّ في الجاهليّة وحتّى صدر الإسلام، إنّما هي صورة المرأة "الحرّة" (خلاف الأمـة .ج. حرائر). غير أنّ التّشبيه يمكن أن يقرأ من زاوية أخرى، قد تكون نفسيّة، فيستبدل وظيفته بوظيفة الاستعارة بحيث يمكن القول إنّ الجسد المضخّم"المثال" إذ يختزل في بيضة، إنـّما يُباشر من حيث هو عضو جنسيّ،فيحتوي الجزء الكلّ ويغدو الجسد المضخّم كلّ شيء مدوّر يشبهه بنية وهيئةووظيفة . و يغدو كلّ شيء مدوّر جسدا مضخّما.
هي إذن صورة تتشابك فيها الخيوط بين الأصل والفرع وتتداخل "حتى يمكن الفرع في النّفس بمداخلة ذلك الأصل والاتّحاد به،وكونه إياّه بتعبير عبد القاهر الجرجاني.
الصّورة إذن ساكنة تصف الأنثى المعشوقة، فهي مصونة محاطة بالأهل و الحرّاس، لا تبرح خباءها، و لا أحد يقرب منها. فهي إذن جسم كالبيضة مستغلق. وبهذا تلتحم أجزاء الصّورة ويتّـحد الجسم بمكانه وساكنه. وفي هذه الصّورة السّردية الوصفيّة أو "الوقفة" تنفتح «الثـّغرة" ومنها يطلّ "جسد" العاشق من خلال الحوار الذي يجري بين بنت عجلان ومولاتها: "وبعد ذلك صودف أن تجرّدت بنت عجلان عندمولاتها [فاطمة]، وإذا بفخذيها عليهما آثار السّياط. فقالت لها مولاتها: ما هذا بفخذيك؟ فقالت لها: هذا عمل ذلك الشّابّ الذي بـات معي ..." والشّابّ ليس إلاّ المرقّش وقد احتـال لـه صاحبه عمرو بن جناب حتّى يبيت عندها. وهذا حوار مشبع بدلالات حسّية، يؤكّد لا شبق المرأة وهي التي "كان لها كلّ ليلة رجل من أهل الماء [البدو الرّحّل] يبيت عندها" وإنّما شبق الرّجل أيضا، أو ما يسمّونه اشتداد الشّهوة الفاسدة. و من ثم فإنّ كلّ الأفعال التي تقوم بها الشّخصيّة إنـّما تصدر عن هذا "الشّبق" و ترتدّ إليه،إذ هو الذي أغرى فاطمة بالمرقّش: "...فقالت لها فاطمة [لتمتحن في المرقّش ـ على ما يبدو ـ طبيعة أهل المدر (الحضر) من طبع أهل الوبر (البدو) أو خشونتهم]:إذا أتاك غدا فأتيه بمجمـر [ عود يتبخّر به] وسواك، فإذا قعد عليه فلا خير فيه، وإن ردّ ذلك فلا خير فيه. فـأتـتـه بنت عجلان بذلك، فأبى أن يجلس على المجمر، وأدناه من لحيته فدخّنها. وأخذ المسواك فقطع رأسه واستاك به. فأخبرت مولاتها بما صنع، فازدادت به عجبا، وقالت لها إيتيني به!" فقد أغراها به "غلمته" (بضمّ الغين، شهوة الضّراب أو الجماع) و لطفه وما اشتهر به من الجمال أو الملاحة " وكان المرقّش من أجمل النّاس وجها وأحسنهم شعرا بعبارة الرّاوي.
يتخطّى العاشق، إلى خدر الأنثى المصون، الحرّاس والأهل، الذين كانوا سيقتلونه خفية أو علنا، لو فطنوا إليه. فتنتظم الصّورة في ثنائيّة هي ثنائيّة المغامرة – المتعة التي يمكن أن تـنـزلق إلى ثنائيّة المغامرة – الموت. . ولكن ليس على نحو ما نجد عند الشّعراء في وصف مغامراتهم الغراميّة (امرؤ القيس مثلا)، وإنّما في صورة تبدو «غريبة" مضحكة، أقرب ما تكون إلى الملحة، تذكّر بتلك التي رسمها المعرّي لابن القارح، وهو في موقف الحشر، يخاطب المرأة:
ســـتّ إن أعياك أمري * فاحمليني زقفونــــــــه
يقول الرّاوي: "وفي اللّيل حملت بنت عجلان مرقّشا على ظهرها، وحزمته إلى بطنها بثوب، وأدخلته معها إليها [فاطمة]..." هذا بالرّغم من أنّ مقصد الرّاوي ليس الإضحاك أو الهزل. وإنّما لأنّ الملحة ، بحكم سياقها المراوغ، واحتكامها إلى "المعنى المزدوج" تتكلّم بلسانين. من ذلك أنّ مرقّشا هذا، في حكايته مع ابنة عمّه أسماء "كان شجاعا مهابا في العرب" واشتهر بهذه الكنية لأنّه صارع أسدا ونمرا وقتلهما. وسلخ النّمر" وأخذ جلده عليه، وأقبل على العرب فسمّوه المرقّش..."
ولا شكّ أنّ صورته هذه، مختلفة كأشدّ ما يكون الاختلاف، عن صورة سميّه في القصّة التي نحن بها حيث هو أشبه بـ"ديّوث" يوطّئ السّبيل لصديقه عمرو بن جنـاب، ويــــــحتال له حتّى يدخله على معشوقته "فاطمة"، بعد أن أخبره بما كان بينهما: "...فانطلق به المرقّش إلى المكان الذي كان يواعد فيه بنت عجلان، وأخبره كيف يصنع، وانصرف. وكانا متشابهين إلاّ أنّ عمرو بن جناب كان أشعر منه [المقصود شعر العانة]..." وتأتي بنت عجلان، وتحمله على ظهرها، وهي لا تدري، وتدخله على فاطمة. "فلمّا أرادالمباشرة، وجدت مسّ شعر فخذيه، فاستنكرتـه، ودفعته بقدمها، وقالت: "قبّح الله سرّا عند المعيدي"، فأرسلته مثلا. ثمّ دعت بنت عجلان، فانطلقت بعمرو إلى موضع صاحبه المرقّش، فلمّا رآه قد أسرع ولم يلبث عند فاطمة إلاّ قليلا، علم أنّه قد افتضح، فعضّ على إصبعه فقطعها.
وهذا يعزّز إشارتنا السّالفة إلى أنّ هذه القصّة لا تصلح لتفسير المثل"أتيم من المرقّش"، فقد قطع إصبعه ندما لا وجدا. وإنّما تفسّره قصّته مع ابنة عمّه أسماء، وهي ذات منحى"عذريّ" أو "بدويّ" .
على أنّ صورة المرقّش في حكايته مع فاطمة بنت المنذر، يمكن أن تحمل على ما أثبتناه سلفا من صورة الجسد المضخّم (جسد المرأة) مثلما يمكن أن تحمل على صورة الجسد النّاحل (جسد العاشق).
ما يعنينا من هذه القصّة أنّ الحبّ في تجربة المرقّش، أو على الأقلّ في هذه القصّة المنسوبة إليه، كما هو عند امرئ القيس جنس خالص، أو هو مطلوب لذاته. والجنس من حيث هو "لذّة خالصة " يتضمّن إنكار الآخر كشخص و لا تعود المرأة في هذا المنظور إلا واحة و راحة للعاشق. فالعاشق هنا يبقى في حدود أناه وفي حدود إرواء نهمه الجنسي" بتعبير أدونيس. وفي إرواء هذا النهم الذي تجسده عبارات ذات إيحاءات و رموز جنسيّة يذهل الشاعر عن جسده، دون أن يعني الذّهول غياب الجسد أو تلاشيه.
تقوم هذه القصّة على أربعة شخوص: رجلان (المرقّش وصديقه عمرو بن جناب) وامرأتان (فاطمة بنت المنذر وأمة لها: بنت عجلان).
وهي وحدة فنيّة كاملة تنطوي على مقوّمات القصّ الجاهلي، وتتكشّف عن ملامح قصّة متعدّدة المشاهد أكثر مماّ هي متعدّدة المواضيع،تتظافر فيها ثلاثة أساليب سرديّة هي: الوقفة و الثـّغرة و المشهد. وهي أساليب مطّردة في أكثر هذا القصص، تتّصل ببنية النّص الظّاهرة، ويمكن النّفاذ منها إلى بنيته المضمرة أو العميقة ومعاينة صورة الجسد المخفي ومن ثم الاستحواذ على بعض دلالاتها.
إنّ الوصف هو محور الصّورة السّردية القائمة على "الوقفة" في الجمل المقصورة على وصف حالة المرأة أو أعضاء جسدها، ما عدا بعض الجمل الخاطفة فهي جزء من الصّورة المشهديّة. و الوصف سكون أو زمن واقف، يتجلّى في الصّورة التي يضفيها القاصّ على المعشوقة (فاطمة بنت المنذر): "وكان لها قصر عليه حرس، فلا يطأه إلاّ وليدة لها [أمة] يقال لها بنت عجلان..." وهذه الصّورة تطّرد أو تكاد في مجمل قصص الحبّ عند العرب، حتّى ليمكن القول إنّها صورة لـ"بيضة الخدر"في معلّقة امرئ القيس" وبيضة خدر لا يرام خباؤها..." وهو ما يجعلنا نؤكّد أنّ هذه القصص نصوص مصاحبة للشّعر أو هي متولّدة منه في تأصّل وتفرّع، تفسّره على قدر ما يفسّرها، فلا ضير إن نحن جارينا رواتها وراوحنا بين هذين الفنّين، ما اقتضى الأمر ذلك،خاصّة أنّ أكثر أبطالها من الشّعراء.
تشبّه المعشوقة بالبيضة لصحّتها و صيانتها وصفائها ، كما يذهب إلى ذلك شارحو المعلّقة ، أو ربّما يرجع الأمر ـ وهذا ما نحن أميل إلى الأخذ به ـ إلى أنّ الصّورة الغالبة على قصص الحبّ في الجاهليّة وحتّى صدر الإسلام، إنّما هي صورة المرأة "الحرّة" (خلاف الأمـة .ج. حرائر). غير أنّ التّشبيه يمكن أن يقرأ من زاوية أخرى، قد تكون نفسيّة، فيستبدل وظيفته بوظيفة الاستعارة بحيث يمكن القول إنّ الجسد المضخّم"المثال" إذ يختزل في بيضة، إنـّما يُباشر من حيث هو عضو جنسيّ،فيحتوي الجزء الكلّ ويغدو الجسد المضخّم كلّ شيء مدوّر يشبهه بنية وهيئةووظيفة . و يغدو كلّ شيء مدوّر جسدا مضخّما.
هي إذن صورة تتشابك فيها الخيوط بين الأصل والفرع وتتداخل "حتى يمكن الفرع في النّفس بمداخلة ذلك الأصل والاتّحاد به،وكونه إياّه بتعبير عبد القاهر الجرجاني.
الصّورة إذن ساكنة تصف الأنثى المعشوقة، فهي مصونة محاطة بالأهل و الحرّاس، لا تبرح خباءها، و لا أحد يقرب منها. فهي إذن جسم كالبيضة مستغلق. وبهذا تلتحم أجزاء الصّورة ويتّـحد الجسم بمكانه وساكنه. وفي هذه الصّورة السّردية الوصفيّة أو "الوقفة" تنفتح «الثـّغرة" ومنها يطلّ "جسد" العاشق من خلال الحوار الذي يجري بين بنت عجلان ومولاتها: "وبعد ذلك صودف أن تجرّدت بنت عجلان عندمولاتها [فاطمة]، وإذا بفخذيها عليهما آثار السّياط. فقالت لها مولاتها: ما هذا بفخذيك؟ فقالت لها: هذا عمل ذلك الشّابّ الذي بـات معي ..." والشّابّ ليس إلاّ المرقّش وقد احتـال لـه صاحبه عمرو بن جناب حتّى يبيت عندها. وهذا حوار مشبع بدلالات حسّية، يؤكّد لا شبق المرأة وهي التي "كان لها كلّ ليلة رجل من أهل الماء [البدو الرّحّل] يبيت عندها" وإنّما شبق الرّجل أيضا، أو ما يسمّونه اشتداد الشّهوة الفاسدة. و من ثم فإنّ كلّ الأفعال التي تقوم بها الشّخصيّة إنـّما تصدر عن هذا "الشّبق" و ترتدّ إليه،إذ هو الذي أغرى فاطمة بالمرقّش: "...فقالت لها فاطمة [لتمتحن في المرقّش ـ على ما يبدو ـ طبيعة أهل المدر (الحضر) من طبع أهل الوبر (البدو) أو خشونتهم]:إذا أتاك غدا فأتيه بمجمـر [ عود يتبخّر به] وسواك، فإذا قعد عليه فلا خير فيه، وإن ردّ ذلك فلا خير فيه. فـأتـتـه بنت عجلان بذلك، فأبى أن يجلس على المجمر، وأدناه من لحيته فدخّنها. وأخذ المسواك فقطع رأسه واستاك به. فأخبرت مولاتها بما صنع، فازدادت به عجبا، وقالت لها إيتيني به!" فقد أغراها به "غلمته" (بضمّ الغين، شهوة الضّراب أو الجماع) و لطفه وما اشتهر به من الجمال أو الملاحة " وكان المرقّش من أجمل النّاس وجها وأحسنهم شعرا بعبارة الرّاوي.
يتخطّى العاشق، إلى خدر الأنثى المصون، الحرّاس والأهل، الذين كانوا سيقتلونه خفية أو علنا، لو فطنوا إليه. فتنتظم الصّورة في ثنائيّة هي ثنائيّة المغامرة – المتعة التي يمكن أن تـنـزلق إلى ثنائيّة المغامرة – الموت. . ولكن ليس على نحو ما نجد عند الشّعراء في وصف مغامراتهم الغراميّة (امرؤ القيس مثلا)، وإنّما في صورة تبدو «غريبة" مضحكة، أقرب ما تكون إلى الملحة، تذكّر بتلك التي رسمها المعرّي لابن القارح، وهو في موقف الحشر، يخاطب المرأة:
ســـتّ إن أعياك أمري * فاحمليني زقفونــــــــه
يقول الرّاوي: "وفي اللّيل حملت بنت عجلان مرقّشا على ظهرها، وحزمته إلى بطنها بثوب، وأدخلته معها إليها [فاطمة]..." هذا بالرّغم من أنّ مقصد الرّاوي ليس الإضحاك أو الهزل. وإنّما لأنّ الملحة ، بحكم سياقها المراوغ، واحتكامها إلى "المعنى المزدوج" تتكلّم بلسانين. من ذلك أنّ مرقّشا هذا، في حكايته مع ابنة عمّه أسماء "كان شجاعا مهابا في العرب" واشتهر بهذه الكنية لأنّه صارع أسدا ونمرا وقتلهما. وسلخ النّمر" وأخذ جلده عليه، وأقبل على العرب فسمّوه المرقّش..."
ولا شكّ أنّ صورته هذه، مختلفة كأشدّ ما يكون الاختلاف، عن صورة سميّه في القصّة التي نحن بها حيث هو أشبه بـ"ديّوث" يوطّئ السّبيل لصديقه عمرو بن جنـاب، ويــــــحتال له حتّى يدخله على معشوقته "فاطمة"، بعد أن أخبره بما كان بينهما: "...فانطلق به المرقّش إلى المكان الذي كان يواعد فيه بنت عجلان، وأخبره كيف يصنع، وانصرف. وكانا متشابهين إلاّ أنّ عمرو بن جناب كان أشعر منه [المقصود شعر العانة]..." وتأتي بنت عجلان، وتحمله على ظهرها، وهي لا تدري، وتدخله على فاطمة. "فلمّا أرادالمباشرة، وجدت مسّ شعر فخذيه، فاستنكرتـه، ودفعته بقدمها، وقالت: "قبّح الله سرّا عند المعيدي"، فأرسلته مثلا. ثمّ دعت بنت عجلان، فانطلقت بعمرو إلى موضع صاحبه المرقّش، فلمّا رآه قد أسرع ولم يلبث عند فاطمة إلاّ قليلا، علم أنّه قد افتضح، فعضّ على إصبعه فقطعها.
وهذا يعزّز إشارتنا السّالفة إلى أنّ هذه القصّة لا تصلح لتفسير المثل"أتيم من المرقّش"، فقد قطع إصبعه ندما لا وجدا. وإنّما تفسّره قصّته مع ابنة عمّه أسماء، وهي ذات منحى"عذريّ" أو "بدويّ" .
على أنّ صورة المرقّش في حكايته مع فاطمة بنت المنذر، يمكن أن تحمل على ما أثبتناه سلفا من صورة الجسد المضخّم (جسد المرأة) مثلما يمكن أن تحمل على صورة الجسد النّاحل (جسد العاشق).
ما يعنينا من هذه القصّة أنّ الحبّ في تجربة المرقّش، أو على الأقلّ في هذه القصّة المنسوبة إليه، كما هو عند امرئ القيس جنس خالص، أو هو مطلوب لذاته. والجنس من حيث هو "لذّة خالصة " يتضمّن إنكار الآخر كشخص و لا تعود المرأة في هذا المنظور إلا واحة و راحة للعاشق. فالعاشق هنا يبقى في حدود أناه وفي حدود إرواء نهمه الجنسي" بتعبير أدونيس. وفي إرواء هذا النهم الذي تجسده عبارات ذات إيحاءات و رموز جنسيّة يذهل الشاعر عن جسده، دون أن يعني الذّهول غياب الجسد أو تلاشيه.