عمر محمود سالم - يوميات قضيب مهزوم

لقضيبي وشمه الخاصّ. علامته النادرة أنه خُتن على طريقةٍ تقليديّةٍ جداً، دون مُخدّرٍ أو خياطة. قطعوا عرفه الأمامي وتركوه أصلعاً يسرُّ لنفسه وعد الانتقام في قادم الأيّام. حين فكّرتُ في معاشرة إحداهن بعد ذلك مُخبراً إيّاها أنني قد حزت جوازي وأصبحتُ قادراً على السفر إلى قارتها، رحبّت بي فاتحةً حدود أرضها الباذجة، قائلة لي: “الآن تفضّل. لقد أصبحتَ رجلاً أخيراً”.

يومها كان قضيبي يسعى للتعرف على نفسه لأوّل مرة بخجلٍ بالغ. فيما بعد أصبحتُ واعياً به كمساهمٍ في بناء مايسمونه المجتمع. بعد التعرّف الجديد ذاك عليه أصبح قضيبي غريباً عليَّ، وأصبحتُ غريباً عليه، ومازلنا غرباء على بعضنا البعض حتى الآن: أريدُ تحريره من وسم المجتمع لأمتلكه من جديد. أريده فقط أن يصبح لي. يردونه لي حرّاً وأردُّ لهم صفة الرجولة تلك المرهقة التي أرغموني على حملها باكراً.
***
الوشمُ يحملُ جرحه كنهايةً سعيدة لن تكون أبديّة في حياة العلامات النّائمة، التي تمضي بنفسها إلى مصير ستطالُه ممحاة التحوّل المشاغبة وقت تقديم نفسه كغريبٍ إلى هالة الزمن. وسعياً إلى حفظ العلامات، لأشكالها المألوفة، لابدّ من إعادة خلقٍ نافيّة لاحتمال الوقوع فريسةً للتناص المُهوّس بتكدير صفو الوجود الفريد في اعتزازه بنفسه.

كل إعادة في الخلق هي بمثابة الخجل في حضرة النفس. أشياء يصعبُ تصوّرها دون الرغبة في النظر إلى الروح من طابق الذكريات الخمسين، الشبيه في فراغه بالندّم على ماهو ليس بتافهٍ أبداً. حالٌ مُصاب بعقدة الحيلولة بينه وبين الأشياء. حالٌ صفة الانتماء إليه تُتعبه كثيراً: حين يتحدّث لايتحدث إلاّ زفيراً. الحالُ ذلك حالنا المشدود إلى النيل من نفسه عبثاً عبر حيّلٍ موشومة تأتي لتبث قلقاً خفيّاً في بنيان القائم بخياراته المُوازيّة للنقص في حوّاس الشبهة. الشبهة في الأصل علامة خيانةٍ، بالتوّقع، والخيانة منذ الأزل لزومٌ للجسد عند تأكيد نفسه تفاحة رغبة.
***

قضيبي الآن عاطلٌ عن العمل، موُاصلاً احتجاجه الملحميّ من أجل استرداد نفسه من المجتمع الذي سرقه. قبل سنوات كنتُ أفكِّرْ في استخدامه بطريقة ترضيني تكون مختلفة كثيراً عن الاستخدامات الشائعة: أن أجعله وسيلةً في نقد البورنو كمعيار خاص له القدرة على العطاء الدائم.
وهكذا فإني إذاً ما أردتُ أن أكون ناقداً بورنوياً مرموقاً فإنّ الإنتصاب من عدمه سيكون معيار نقدي، وذلك يُطابق تقريباً اعتقادي أن النقد هو عمليّةٍ لعبٍ استفزازيّة على هامش النص الذي أتخيّله دائماً على شاكلة الجسد العاري. في تلك الحالة فإنني حين أنتصبُ فإنّ البورنو/النص ذاك سيكون جيداً، والعكس هنا صحيح. أقولُ هذا من وحي ذكرياتي البعيدة عن زمن مرحلة الإعداديّة قبل سنوات عديدة من الآن. في ذلك الزّمن المنتصب كان البورنو في حالة مُراهقتنا الباكرة جداً غير مُتوفرٍ إلاّ بخاصية البيع. كنتُ وأصدقائي الصغار حينذاك نذهبُ نهاية كل أسبوعٍ إلى محل وحيد في المدينة لأحدهم يبيع فيه الصوتيات وأشرطة الفيديو. كُنّا نأتيه في المساء تحديداً حين تقلّ حركة الناس، فنحنُ وإيّاهُ على تفاهم حول الأمر. نأتيه خفيّةً مع أجرة المشاهدة الذي نجمعها من أمهاتنا، ثم نقتعد الأرض و نأخذ سيديهات البورنو ونبدأ بعرضها واحداً واحداً في التلفاز المعلّق بالجدار. كنتُ مثل أصدقائي الصغار لا أمعنُ كثيراً في مشاهد فيديوهٍ إباحيّ لم أنتصب عليه. كان ذلك عندنا نوعاً من الصدق مع القضيب لاينبغي إطلاقاً الإخلال به كشرط عند المُشاهدة: فالقضيب الصادق هو ذلك الذي لايقوم إلاّ لأمرٍ جلْل. فعلى الرغم من وجود حالات انتصاب اسثنائيّة بيننا كُنّا لانختار أحد تلك السيدهات للمُشاهدة إلا حين ننتصبُ جميعاً. عدالة خيالِ الرغبة تجلّتْ في حالتنا تلك من خلال خلعنا سراويلنا جميعاً أمام بعضنا البعض حتى يتأكّد كُلُّ واحدٍ منّا أنّ الجميع قد انتصبوا، مايعني أنهم أصبحوا جاهزين للمُشاهدة الشغوفة دون أن يُظلم قضيب أيّ واحدٍ منهم. كان ذلك الاتفاق الانتصابي عندنا يحدثُ عادةً بعد تجريب شريطيْن أو ثلاث فخيال الرغبةٍ فينا مُتساوٍ نظراً للقواسم الكثيرة التي نتشارك بالتربيّة في محيطٍ واحد. لازلتُ حتّى هذه اللّحظة أتذكر سخريّتنا الحادّة في يومٍ من الأيّام من صديقٍ لنا، جئنا به معنا، ولكنه لم ينتصبْ أبداً على الرّغم من مُشاهدة عشرات أشرطة الفيديو. لقد كان ذلك الصديق مُعقداً نفسياً وهو مامنعه من الانتصاب في تلك المرة. فيما بعد حدث أني دافعتُ عن ذلك الصديق حين قلتُ أنه صادق جداً في حالته. فالانتصاب أساساً، عمليّة تكون على مستوى الخيال، لا القضيب. كلامي ذاك لم يعجب غالبيّة الأصدقاء واستيقظت فيهم إثره نزعة الفحولة حين قالوا أنّ كلامي تبريرٌ لعنينيّته الفاضحة كذكرٍ ناقص. لم أرّد عليهم يومذاك، فقد كانوا منتصبين، مثلي تماماً في تلك الحالة. والمنتصب معذورٌ في كلامه وتصرفه حتى آخر المطاف. الانتصاب ممارسة غير قابلةٍ للثقة خاصةً حين تُتقاسم بالتساوي كما في حالتنا المُضحكة.

في تلك المرحلة البعيدة تأسّست تقاليدي الانتصابيّة، حين أشرفتُ عليها بالتربيّة والمُمارسة الدؤوبة. وقد كان قضيبي كيّساً في ردّات فعله مع بعضٍ من الارتجال المُغامر أحياناً، وهو ما أكسبَ رأيه ثقة خالصة بحيث أنه أصبح محلّ استشارةٍ عند قضيبات أصدقائيّ في لحظات الحسم القلقة. فقد كانت كلِّ مشاهدةٍ متمرسة لأشرطة البورنو من قبل أصدقائي مقرونة بانتصاب قضيبي السديد في رأيه دائماً. هذا ما جعلني اليوم أفكّر، في حالة أصبحت ناقداً بورنوياً، في الاعتماد على الانتصاب من عدمه عند معالجة المادة البورنويّة. فالانتصاب، كمعيار نقدي مُؤسس هنا، سيقدم فتحاً كبيراً في ميدان الرغبة وخيالها، ليس بصفته زيادةً في الطول نحو الأمام، كمافي الحصر الذكوريّ، ولكن بصفته استثارةً خارقة لسياجات تدجين الرغبة التي تنعدم معها خيارات التجول بحريّة على منعرجات اللذة.

| نواكشوط– عمر محمود سالم |
- عن انبوب
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...