نادية مبروك - الجنس الحلال

يمثل الإغراء بممارسة الجنس مع الحور العين فى الجنة هو الإغراء الأكثر تسويقًا فى المساجد، وفى الخطب الدينية المسجلة، وحتى فى منازل الإرهابيين قبل تنفيذ العمليات الإرهابية، فالشاب يرتدى حزامه الناسف، وعقله فى مكان آخر فى الجنة، حيث ينتظره 72 من الحور العين.

ويعد أهم الكتب التى تناولت الجنس فى الجنة كتاب "حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح" لابن القيم الجوزية، حيث يصف الكتاب الحور العين بأنهن خلقن من الزعفران، وأن عذوبة فم الواحدة منهن تمحو ملوحة سبعة من البحار إذا بصقت فيها، وأنهن شديدات البياض حتى أن بياض سيقانهن يظهر من خلف 70 ثوبًا من الحرير.

وينقل الكتاب عن ابن عباس أنه قال "إن فى الجنة نهرًا يقال له البيدخ عليه قباب من ياقوت تحته حور ناشئات يقول أهل الجنة: انطلقوا بنا إلى البيدخ، فيتصفحون تلك الجوارى فإذا أعجب رجل بجارية مس معصمها فتتبعه"، ونقل عن ابن مسعود قوله "إن فى الجنة حوراء يقال لها لعبة كل حور الجنات يعجبن بها يضربن بأيديهن على كتفها ويقلن: طوبى لك يالعبة، لو يعلم الطالبون لك لجدوا، بين عينيها مكتوب "من كان يبتغى أن يكون له مثلى فليعمل برضاء ربي".

وشكلت مسألة الجنس فى الجنة خلافًا شديدًا فى العصر الحديث، حيث تنهال الاتهامات على التيار الإسلامي، وعلماء الدين بأنهم بأحاديثهم قصروا متع الجنة على المتع الحسية، وأنهم جعلوا من الجنة بيتًا كبيرًا للدعارة لا شيء فيه سوى ممارسة الجنس فقط، مشيرين إلى أن سيطرة الجنس على عقول الإسلاميين، جعلهم لا يرون فى الجنة سواه.

الخلاف المذكور دفع رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية السعودى د. أنور بن ماجد عشقى إلى كتابة مقال نفى فيه ممارسة الجنس الحسى فى الجنة.

وفى مقاله يرى "عشقي" الجنة تنعدم فيها الدواعى الجنسية، لهذا فإن الأعضاء التناسلية سوف تختفى عند الإنسان فى الدار الآخرة لأن الله عز وجل وصفها بالسوءة، فقال تعالى "فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة"، فالله عز وجل –طبقًا لما قاله عشقي- لم يخرج آدم وزوجه من الجنة إلى الأرض بسبب المعصية التى ارتكباها، بل بسبب ظهور السوءتين بعد أكلهما من الشجرة، لأن الله عز وجل تاب عليهما بعد أن تليا كلمات علمهما الله إياها، فعفا عنهما، لكنهما بسبب ظهور السوءتين لم يعودا مؤهلين للبقاء فى الجنة فأخرجهما عز وجل.

ويتابع عشقي: "إن الجنة لا جنس فيها لأن الأجهزة التناسلية للإنسان تختفى لأنه ليس فى حاجة إليها فى الجنة، كما ليس فى حاجة إلى كل الغرائز التى ابتلى الله بها الإنسان على وجه الأرض لتستقيم الحياة، لكن الله شرع له ما يضبط سلوكه فى الدنيا ليتأهل إلى مقام العندية فى الآخرة، والله عز وجل نهى آدم عن الاقتراب من الشجرة، وعندما أكلا منها بدت لهما سوآتهما عندما حول الشيطان شهوة الطعام التى قادت آدم وزوجته إلى الأكل من الشجرة فانفجرت لديهما الغريزة الجنسية، ثم تبعتها غريزة الخوف فتلقى آدم كلمات من ربه فتاب عليه، وهكذا أخذت الغرائز والدوافع تظهر تباعًا فلم يعد الإنسان صالحًا للجنة؛ لأن الجنة ليس فيها جنس وليس فيها خوف، بل تنعدم فيها معظم الغرائز.

وقال عشقى إن ما دفعه لكتابة هذا المقال هو استغلال الإرهابيين الشباب المراهق بتعميق هذا الادعاء ليقوموا بعمليات انتحارية حيث تستقبلهم الحور العين، كما أن تصوير الجنة على أنها مكان للجنس جعل من الإسلام سخرية على لسان أعدائه.
ويخرج عشقى بنتيجة أن الله قرب لأذهان المسلمين القاصرة عن فهم المتع الروحية والمعنوية التى تتصاغر أمامها المتع الحسية بذكر الحور العين، فكما أن الخمر فى الجنة ليس كخمر الدنيا، فالجنس فى الجنة ليس متعة حسية كما هى فى الدنيا.

ما قاله عشقى أثار حفيظة الإسلاميين، فرد عليه الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم: إن علماء السلف فسروا الآية الكريمة "إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون" بأن الشغل هو افتضاض الأبكار، مستدلًا بقول ابن عباس وابن مسعود ذلك، مشيرًا إلى أن الأحاديث تقول إن الرجل فى الجنة له قوة مائة رجل فى الأكل والشرب والجنس، وأن الجنس يختلف فى الجنة بأنه دون تعب أو ملل، أو جنابة، حيث يعدن الحور العين أبكارًا دون جنابة بعد مجامعتهن، حيث يروى عن سعيد بن جبير "إن شهوته لتجرى فى جسده سبعين عامًا يجد اللذة ولا يلحقهم بذلك جنابة، ولا ضعف ولا انحلال قوة".
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...