نقوس المهدي
كاتب
-1-
ثقافة السرير في الرواية العربية
من يقوم بمعاينةٍ، أو يجري إحصائية للأعمال الأدبية في العالم العربي ولاسيما الأعمال الروائية، سوف يعثر على إسراف في الخوض في موضوعات الجنس بصورة مستمرة، حتى أننا لا نتوانى في نعت الرواية العربية الآن بـ: الرواية الجنسية. ولم يكن هذا قدحاً بهذه الأعمال مطلقاً، إنما هي في ظني وثيقة مهمة على مستوى تمرد المجتمع العربي المتمادي في كبته، ووثيقة نقدية لأساليب الاستبداد السياسي، وأخيراً وثيقة على تبدل الحساسية الجمالية لدى القارئ العربي، الذي صُقلَتْ حساسيته عبر التغييرات التكنولوجية الهائلة – في مجال الاتصالات تحديداً - التي استبدلت طرائق المعرفة والثقافة بمختلف وجوههما.
إذن، ليس من المناسب أن نقارب للموضوع من فوق؛ أي بفهم ومفاهيم ورؤى وفرضيات مسبقة. عندما تعيش في المجتمع العربي، تلحظ العطش الجنسي للذكر والأنثى في العيون وسائر الحركات، وهذه الروايات تنطلق من ذلك الواقع، تنهمك في سرد الواقع الجنسي العربي، لتضع بين يدي: عالم الاجتماع، والسياسيّ، ورجل الدين، والاسرة، وعالم النفس، والطبيب، و... صورة متحركة وحيوية ونابضة لما يجري في واقع المجتمع العربي.
مداعبات السرير، وتأوهات الجنون الأخير للشهوة، والحوارات الساخنة غير المؤدبة التي تضاعف اللذة، وأوضاع الجماع، والملابس المثيرة، والممارسات الجنسية الشاذة للذكر والأنثى معاً، وسوى ذلك من ثقافة السرير التي تنبثق من لحظات التهتك الشرعي وغير الشرعي على حدّ سواء، أقول إن لغة المداعبة والمغازلة والمضاجعة، وغواية الأعضاء الداخلية الأشد اختباءً وراء الكبت الاجتماعي، أصبحت هي لغة الرواية العربية الحديثة. ولن تستطيع الرقابة بعد اليوم، مهما كان نوعها أن توقف تدفق هذه الأعمال؛ لأن منافذ الوصول إلى القارئ أصبحت خارج سيطرة مؤسسات الرقابة. وعادةً يدافع الروائيون والروائيات وكذلك الشعراء عن حقهم في طرق هذه الموضوعة، بأن التراث العربي ينطوي على متن واسع من الحديث المكشوف عن الجنس، ويأتي في مقدمة هؤلاء جلال الدين السيوطي الذي اشتهر باعتباره مفسراً للقرآن الكريم.
القارئ العربي، وجد نفسه لأول مرة لا يتماهى مع جماليات النسيج وحبكة الفعل الروائي والخلفية الثقافية والواقعية التي يطرحها العمل الروائي، والنسج الرمزي الذي يجهد الروائي نفسه في غزل خيوطه الدقيقة، فقد أصبح ذلك من كلاسيكيات القراءة وأنماطها العتيقة، إنما أصبح القارئ يقلب الصفحات سريعاً ليفتّش عن مشهد البورنو السردي.
تقود هذا التيار في الرواية العربية، كاتبات روائيات جريئات وفي مقدمتهن الروائيات السعوديات، اللواتي اقتحمن بجرأة متناهية ذلك العالم السرّي، وخضن فيه بجوار واحدة من أشرس الثقافات العربية وأكثرها بطشاً وتقليدية وهي الثقافة الدينية المهيمنة في المملكة العربية السعودية. تلك الثقافة التي تصادر إلى الأبد كل عمل أدبي أو فكري أو علمي بمجرد أن تضعه في هكذا عنوان: الحداثة في ميزان الإسلام، أو الليبرالية أو العلمانية أو الاستشراق أو....، ذلك أن عبارة: في ميزان، التي تعقب المفهوم الذي يراد تدميره وتكفيره وتسفيهه والقضاء عليه إلى الأبد، هي العبارة التي تتربص بكل عمل يختلف مع وجهة النظر السلفية والتقليدية والأصولية. وهكذا أصبح الكتّاب العرب وغير العرب يخشون أن يوضعوا في ذلك الميزان الذي لم ينصفهم قط.
من المؤكد، أن هذه الموضوعة اشتغلت عليها بمهارة عالية عدد من الروائيات اللبنانيات ولاسيما حنان الشيخ وهدى بركات، واشتغل عليها عدد من الروائيين العرب وفي مقدمتهم الروائي السوداني الطيب صالح، وهؤلاء جميعاً انحدروا من الفهم الجمالي للعمل الروائي، وراحوا يُدخلون موضوعة الجنس مدخلاً رمزياً. بمعنى أن الجنس، أصبح ذا وظيفة أوسع من كونه ممارسة قد جرت أحداثها على السرير الشرعي أو غير الشرعي، بشكل طبيعي أو شاذ، وبات الجنس يخضع لتحميل دلالي جديد، ووجهة نظر سردية جديدة، وموقف يتبناه السارد طيلة أحداث العمل الروائي، واجداً فيه قدرة هائلة على استيعاب المضمون الرمزي.
قرأتُ معظم ما كتبت الروائيات السعوديات فوجدهن يحملن لواء النقد القاسي للحياة السرية للمجتمع السعودي. هي مبادرة ريادية، أن تقوم المرأة الكاتبة أو بالأحرى من الأفضل أن نقول: تثور بدلاً من تقوم، بوجه التقاليد المتزمتة العتيقة التي لا تصلح لهذا العصر، وهي التي ساهمت في خلق الحياة المتهتكة في الجنس. مفهوم الجنس، عند الروائيات السعوديات [ وطبعاً عند الروائيات العربيات أيضاً لكن أهمية الحديث عن السعوديات يأتي من جرأة الطرح بجوار ثقافة مقدسة لعلها لا تقل قداسة من الكعبة ذاتها] هو مفهوم نقدي مهم بصرف النظر عن القيمة الجمالية لتلك الأعمال الروائية. وفي ظني، أن القيمة الجمالية تصبح لا قيمة لها عندما تكون محجوزة عن اقتحام عالم الحياة الواقعية، ومشاكسة الأمناء على سرّ القيم في المجتمع العربي. الروائية السعودية، وضعت السحاق مثلاً ولأول مرة على طاولة – أكاد أنتقي كلمة أخرى غير الطاولة لكن مازلت لم أتمتع بالحرية كاملة لأقول ذلك- رجل الدين بكامل قيافته الدينية المتجهمة. وفي إحدى الروايات – وأنا هنا لست بصدد دراسة تحليلية محضة – تصف لنا البطلة كيف كان أحد شخوص الرواية يسبّ الله. طبعاً، هذا الواقع الموجود في عموم العالم الإسلامي لا يرضى رجل الدين في السعودية – بلد هذه الرواية- أن يستمع إليه، إنه يريد أن يشنف أسماعه بتلك الكلمات العطرات وإن كانت منافقة وبعيدة عن تصوير الواقع. ومن هنا، تعرضت الروائيات اللواتي كتبن هذا اللون من السرد إلى مضايقات قاسية اضطرت بعضهن – زينب حفني- إلى المغادرة القسرية من بلادها والعيش في الغربة. وبعضهن كتبن بأسماء مستعارة خشية بطش المؤسسة الدينية. وقد منعت هذه الروايات من معرض الكتاب الأخير الذي جرى في السعودية تحت ضغط المؤسسة الدينية المتزمتة في التعامل مع موضوعات تتعلق بطرح موضوعة الجنس طرحاً واقعياً.
ثقافة السرير في الرواية العربية
من يقوم بمعاينةٍ، أو يجري إحصائية للأعمال الأدبية في العالم العربي ولاسيما الأعمال الروائية، سوف يعثر على إسراف في الخوض في موضوعات الجنس بصورة مستمرة، حتى أننا لا نتوانى في نعت الرواية العربية الآن بـ: الرواية الجنسية. ولم يكن هذا قدحاً بهذه الأعمال مطلقاً، إنما هي في ظني وثيقة مهمة على مستوى تمرد المجتمع العربي المتمادي في كبته، ووثيقة نقدية لأساليب الاستبداد السياسي، وأخيراً وثيقة على تبدل الحساسية الجمالية لدى القارئ العربي، الذي صُقلَتْ حساسيته عبر التغييرات التكنولوجية الهائلة – في مجال الاتصالات تحديداً - التي استبدلت طرائق المعرفة والثقافة بمختلف وجوههما.
إذن، ليس من المناسب أن نقارب للموضوع من فوق؛ أي بفهم ومفاهيم ورؤى وفرضيات مسبقة. عندما تعيش في المجتمع العربي، تلحظ العطش الجنسي للذكر والأنثى في العيون وسائر الحركات، وهذه الروايات تنطلق من ذلك الواقع، تنهمك في سرد الواقع الجنسي العربي، لتضع بين يدي: عالم الاجتماع، والسياسيّ، ورجل الدين، والاسرة، وعالم النفس، والطبيب، و... صورة متحركة وحيوية ونابضة لما يجري في واقع المجتمع العربي.
مداعبات السرير، وتأوهات الجنون الأخير للشهوة، والحوارات الساخنة غير المؤدبة التي تضاعف اللذة، وأوضاع الجماع، والملابس المثيرة، والممارسات الجنسية الشاذة للذكر والأنثى معاً، وسوى ذلك من ثقافة السرير التي تنبثق من لحظات التهتك الشرعي وغير الشرعي على حدّ سواء، أقول إن لغة المداعبة والمغازلة والمضاجعة، وغواية الأعضاء الداخلية الأشد اختباءً وراء الكبت الاجتماعي، أصبحت هي لغة الرواية العربية الحديثة. ولن تستطيع الرقابة بعد اليوم، مهما كان نوعها أن توقف تدفق هذه الأعمال؛ لأن منافذ الوصول إلى القارئ أصبحت خارج سيطرة مؤسسات الرقابة. وعادةً يدافع الروائيون والروائيات وكذلك الشعراء عن حقهم في طرق هذه الموضوعة، بأن التراث العربي ينطوي على متن واسع من الحديث المكشوف عن الجنس، ويأتي في مقدمة هؤلاء جلال الدين السيوطي الذي اشتهر باعتباره مفسراً للقرآن الكريم.
القارئ العربي، وجد نفسه لأول مرة لا يتماهى مع جماليات النسيج وحبكة الفعل الروائي والخلفية الثقافية والواقعية التي يطرحها العمل الروائي، والنسج الرمزي الذي يجهد الروائي نفسه في غزل خيوطه الدقيقة، فقد أصبح ذلك من كلاسيكيات القراءة وأنماطها العتيقة، إنما أصبح القارئ يقلب الصفحات سريعاً ليفتّش عن مشهد البورنو السردي.
تقود هذا التيار في الرواية العربية، كاتبات روائيات جريئات وفي مقدمتهن الروائيات السعوديات، اللواتي اقتحمن بجرأة متناهية ذلك العالم السرّي، وخضن فيه بجوار واحدة من أشرس الثقافات العربية وأكثرها بطشاً وتقليدية وهي الثقافة الدينية المهيمنة في المملكة العربية السعودية. تلك الثقافة التي تصادر إلى الأبد كل عمل أدبي أو فكري أو علمي بمجرد أن تضعه في هكذا عنوان: الحداثة في ميزان الإسلام، أو الليبرالية أو العلمانية أو الاستشراق أو....، ذلك أن عبارة: في ميزان، التي تعقب المفهوم الذي يراد تدميره وتكفيره وتسفيهه والقضاء عليه إلى الأبد، هي العبارة التي تتربص بكل عمل يختلف مع وجهة النظر السلفية والتقليدية والأصولية. وهكذا أصبح الكتّاب العرب وغير العرب يخشون أن يوضعوا في ذلك الميزان الذي لم ينصفهم قط.
من المؤكد، أن هذه الموضوعة اشتغلت عليها بمهارة عالية عدد من الروائيات اللبنانيات ولاسيما حنان الشيخ وهدى بركات، واشتغل عليها عدد من الروائيين العرب وفي مقدمتهم الروائي السوداني الطيب صالح، وهؤلاء جميعاً انحدروا من الفهم الجمالي للعمل الروائي، وراحوا يُدخلون موضوعة الجنس مدخلاً رمزياً. بمعنى أن الجنس، أصبح ذا وظيفة أوسع من كونه ممارسة قد جرت أحداثها على السرير الشرعي أو غير الشرعي، بشكل طبيعي أو شاذ، وبات الجنس يخضع لتحميل دلالي جديد، ووجهة نظر سردية جديدة، وموقف يتبناه السارد طيلة أحداث العمل الروائي، واجداً فيه قدرة هائلة على استيعاب المضمون الرمزي.
قرأتُ معظم ما كتبت الروائيات السعوديات فوجدهن يحملن لواء النقد القاسي للحياة السرية للمجتمع السعودي. هي مبادرة ريادية، أن تقوم المرأة الكاتبة أو بالأحرى من الأفضل أن نقول: تثور بدلاً من تقوم، بوجه التقاليد المتزمتة العتيقة التي لا تصلح لهذا العصر، وهي التي ساهمت في خلق الحياة المتهتكة في الجنس. مفهوم الجنس، عند الروائيات السعوديات [ وطبعاً عند الروائيات العربيات أيضاً لكن أهمية الحديث عن السعوديات يأتي من جرأة الطرح بجوار ثقافة مقدسة لعلها لا تقل قداسة من الكعبة ذاتها] هو مفهوم نقدي مهم بصرف النظر عن القيمة الجمالية لتلك الأعمال الروائية. وفي ظني، أن القيمة الجمالية تصبح لا قيمة لها عندما تكون محجوزة عن اقتحام عالم الحياة الواقعية، ومشاكسة الأمناء على سرّ القيم في المجتمع العربي. الروائية السعودية، وضعت السحاق مثلاً ولأول مرة على طاولة – أكاد أنتقي كلمة أخرى غير الطاولة لكن مازلت لم أتمتع بالحرية كاملة لأقول ذلك- رجل الدين بكامل قيافته الدينية المتجهمة. وفي إحدى الروايات – وأنا هنا لست بصدد دراسة تحليلية محضة – تصف لنا البطلة كيف كان أحد شخوص الرواية يسبّ الله. طبعاً، هذا الواقع الموجود في عموم العالم الإسلامي لا يرضى رجل الدين في السعودية – بلد هذه الرواية- أن يستمع إليه، إنه يريد أن يشنف أسماعه بتلك الكلمات العطرات وإن كانت منافقة وبعيدة عن تصوير الواقع. ومن هنا، تعرضت الروائيات اللواتي كتبن هذا اللون من السرد إلى مضايقات قاسية اضطرت بعضهن – زينب حفني- إلى المغادرة القسرية من بلادها والعيش في الغربة. وبعضهن كتبن بأسماء مستعارة خشية بطش المؤسسة الدينية. وقد منعت هذه الروايات من معرض الكتاب الأخير الذي جرى في السعودية تحت ضغط المؤسسة الدينية المتزمتة في التعامل مع موضوعات تتعلق بطرح موضوعة الجنس طرحاً واقعياً.
صورة مفقودة