غادة الأغزاوي - الفياجرا، حياةٌ أخرى

استيقظتُ صباحاً، دخَّنتُ سيجارةً قبل أن أبتلعَ أيّ شيءٍ. بدأتُ قراءةَ رواية «أنا دورا مار». على سريري تصَفّحتُ بريديَ الإلكترونيّ. وجدتُ «إيميلاً» منكِ يذكِّرني بلقاءِ هذا المساء: «الشّاعرات ينقذنَ الرجال». لنْ أشاركَ ولنْ أذهبَ. بعيدةٌ عن ذهني فكرة أنْ أكونَ أنانيّة، لكنَّني صَراحةً أحبّذُ فكرة أنْ أنقذَ نفسي، قبلَ أنْ تتاحَ لي فُرصة إنقاذ أيِّ رجلٍ على هذا الكوكب. وجدتُ كذلكَ «إيميلاً» منْ شَركةٍ للأدوية، تسوِّق مُنتجات مختبرٍ جديدٍ. «الفياجرا، حياةٌ أخرى». تقنيّا (بيولوجيا) أنا لستُ رَجلا. لكن، حينما يَقرأ أيُّ شخصٍ، كيفما كانَ جِنسه، عنواناً مُحفِّزا مثلَ هذا، في علبةِ بريدِه، صباحاً، صَدِّقيني... باستطاعَتِه أنْ يفكِّر، بجدِّية تامة، في ابتلاعِ أيِّ شيءٍ!.
قضيتُ هذا النّهار بينَ القراءةِ وشربِ الشّاي الأخضر. فكّرتُ، أيضا، ً فيكِ وفي رفيقاتك الشّاعرات، أنتنَّ ساذجات فعلاً. صوتكُن الجميل لنْ ينقذَ أيَّ رجلٍ عاقلٍ، ما دامَ هذا المُجتمعُ الاستهلاكيّ الذي نَعيشُ فيهِ، يناضلُ منْ أجلِ الفياجرا. الشِّعر حماقةٌ كبيرةٌ لا يصدِّقها منْ يطمحُ في حياةٍ أخرى. حماقةٌ يعترفُ بها المجانينُ والسكّيرون. هؤلاء على الأقلّ يدركونَ جيِّدا بأنّ حياتَهم حقيقيّةٌ جدّا. واضحةٌ جدّا. قصيرةٌ جدّا.
منذُ وقتٍ لا بأسَ به، ابْتعَدتُ عنْ كتابةِ الشِّعر. أخذتُ أترجِمُ ما أحبُّ منْ حماقات غيري. استعدتُ بعضَ كتاباتي القصصيّة. أعيشُ داخلَ رأسي معَ رجلٍ أعشقُه يُدعى بيكاسو. ثمَّ أنسى منْ حينٍ لآخر أنّني بلا أمٍّ وبلا أبٍ، وحدي في مدينةٍ يلتفتُ العالمُ بأسرهِ إلى أنوارِها. أخبريني كمْ رجُلاً أنقذتِ في حياتكِ؟ لحظَة، لا تفكّري. أحببتُ أن أقولَ لكِ إنَّه بإمكاننا أنْ ننقذ قطّا في الشارعِ بسهولةٍ. أنْ ننقذَ كذلكَ شجرةً منَ الموتِ. كتاباً من التلفِ. باباً حديديا منَ الصّدأ. لكنْ أنْ ننقذَ رَجلا! فهذا أمرٌ مستحيلٌ. لا يمكنُنا ذلكَ مهما كَتبنا منْ شِعرٍ. يبدو لي شيئاً صعباً جدّا. حتّى وإنْ استخدمنا عقلَنا وعاطِفتنا معاً، نحنُ لنْ نفهمَ الرّجالَ أبداً. أحياناً أقولُ معَ نفسي، إذا حدثَ وأحببتُ رجلاً، سأكتفي بشيءٍ واحدٍ. أنْ أمسكَ بيدهِ، فقط.. لا شيءَ أكثر!
عزيزتي الشاعرة،
شربتُ اليومَ كثيراً من الشايِ الأخضر. إنَّه مُهدِّئ جيّدٌ للأعصاب. ها أنتِ ترين، كتبتُ لكِ رسالةً جميلةً، لا يوجدُ بها أيُّ تحامُلٍ أو نبرةُ غضبٍ كالّتي عهدتِها منّي. أذَكِّرُك بأنَّ التدخينَ مضرٌّ بالصحة. آه نسيت، أنت لا تدخنين. أتمنّى أنْ يكونَ لقاءُ هذا المَساءِ ناجحاً، ولمَ لا، أنْ تنقذنَ عدداً كبيراً منَ الرّجال. إذا لم تَسرِ الأمورُ كما يجِب، اعلميني حتّى نفكّر في تنظيمِ لقاءٍ آخر الشّهر المُقبل بعنوان «الفياجرا، حياةٌ أخرى».


كاتبة مغربية تعيش في باريس
السفير
.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...