ليس بكاءً كالبكاءْ
والدموعُ أضواءُ شمعةٍ
تمسح وجهَ ليل عجوز
ماسةٌ تشعّ
كقلبٍ يخفق في شُرْفة عشقٍ وليدْ
في خرائب عالمٍ يمضغ الرمادْ
لم يفْلتْ منه سوى بحّار
يقطع البِحارْ
منذ عصور ما قبل التوطّن
يقوده بريقُ عينين بلون البحر والسماء
لمْ يعْرفْ وطناً
نجا من قسوة الأرْضِ
ومن تعاسة المكوث في بقعةٍ متوحّشةٍ
أسْلمَ نفسه إلى جسد الماءْ
وتموّجات الشوق الشهيّة
لمْ يُلْقِ مرْساته في أيّما ميناءْ
فالسحْر كان يُبَثّ من فنارات ليلية بعيدة
باتجاهٍ معاكسٍ لفنارات صيّادي البحارْ
كأنّما ما زال مربوطاً إلى رحِمٍ أبدي
يحاذي السواحل
ويستدير قافلاً إلى أعماق البحارْ
لم يولدْ ليمشي على قدمين
وليس سمكةً لكي يغوصْ
هكذا هو مُعلّقٌ وعالقٌ في المابين
يدورُ ويدور
لم يعْرفْ حرائق اليابسة
يظنّ الدخانَ البعيد
المنبَعث من هناك وليمة عرسٍ أو عيد
فلم يجرّب في حياته
سوى اشتعال وحيدْ
في قلبه
مشدوداً بشعاع سحْرٍغريبْ
يقودهُ من بحْرٍ إلى بحْرِ
لمْ يدخل قارّةً
ولمْ يأْوِ إلى بلدٍ
لمْ يذقْ طعم اليابسة
كان يسافر من قلبه إلى قلبه
يلوح شعاع السحْر بعيداً أحياناً
وأحياناً يسطع في قلبه
لم يرَ في الآفاقْ
إلاّ قلباً كبير
يضبط إيقاع دقّات قلبه الصغير..
مذ كنّا صغاراً
حذّرونا منها ولقّنوننا
لا تقربوا منها
اِحذروا من تفاحة حوّاء الحمراء
اِحذروا من السقوط
اِحذروا من بساتين التيه
لا تتركوا سفينة نوحْ
ولكنْ من يلجم الروحْ؟!
وتيقّنتُ أخيراً
أنّهم يَرْوُونَ القصةَ معكوسةً
فالتفاحةُ تبقى في النهايةِ مُشْتهى البدايةِ
وكان الإنسانُ منذ البدايةِ
أشْطرَ من أنْ يتجنّب السقوط
في الفردوس البشري..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من قصائد ديوان المفارقات/2014
اللوحة: بابلو بيكاسو