خالد منتصر - هل الكتابة عن الجنس عيب وحرام؟!، هل الثقافة الجنسية قلة أدب ونقص حياء؟!

الجنس عندنا فى مصر وبلاد العرب سلوك سيئ السمعة حتى ولو تم بدون ضجيج وفى داخل زنزانات مغلقة وبين بشر يحترمون خصوصيته ويمارسونه فى الإطار الشرعى، ولذلك فالكتابة عنه طيش غير مبرر وخروج عن المألوف وقفز فوق أسوار العادات والتقاليد والأعراف وقلة أدب ونقص حياء وبجاحة، حتى ولو كانت تلك الكتابة بأسلوب علمى وبرغبة حقيقية فى المعرفة لا الإثارة والتهييج، وحتى لو كان المتصدى لها متخصصاً فى علوم الجنس أو ما يطلق عليه السكسولوجى، فأنت طالما كتبت فى الجنس فأنت مدان مدان ياولدى!.
وبرغم أننا نتحدث فيه وعنه وبه ليل نهار، إلا أننا نفعل ذلك فى السر وبمنطق خفافيش الظلام، ولذلك عندما نكون فى العلن ونخرج إلى النور سرعان ما نقلوظ العمامة ونتقمص دور الحكيم العالم القديس الطاهر، ونهاجم كل من يتطرق إلى مناقشته وطرح مشاكله بصراحة فنذبحه بعد أن ندينه، ونجرسه لأنه خرج على النص المعد سلفاً بأن نكذب على أنفسنا ونمثل فى تصرفاتنا وسلوكياتنا حتى نستحق لقب المواطن الصالح، ولأنه غرد خارج السرب الذى لا يغنى لأن الغناء عيب، ولا يبتهج لأن البهجة حرام،
ولذلك فهمت سر خوف وإحجام كبار المفكرين عندنا عن دراسة الجنس والكتابة عنه بوصفه علماً له احترامه وأهميته وتفرده، ولم يسلم من هذا الإحجام والخوف إلا الأدباء الذين كانت مهمتهم فقط الوصف الأدبى، الذى يخدم النص وليس الدراسة التى تمنح القارئ ثقافة وتزيده معرفة ووعياً،
ويحضرنى هنا مثل واضح لهذا الإحجام عندما كتب الصحفى الكبير الراحل صلاح حافظ دراسته المهمة عن تاريخ الجنس، وبعدها شطب كتابه هذا من تاريخه ولم يعد طباعته وطوقه بصمت مريب، لأنه أحس أن هناك تناقضاً بين كونه صحفياً كبيراً وبين كونه مؤلفاً لكتاب فى الجنس حتى ولو كان علمياً،
وهكذا الكل يغسل يديه من هذه المهمة المريبة المحاطة بشبهة القذارة والنجاسة ويتركونها للمرتزقة من كتاب الإثارة والكتب الصفراء التى تعرض بضاعة الجنس البورنو، ولا تتحدث عن الجنس كسلوك إنسانى وأداة تواصل اجتماعى ولغة حوار ومساحة تعبير ومخزون حب ونشاط بيولوجى وفسيولوجى وعالم كامل من الأسرار لابد من مناقشته بمنطق العلم لا بمنطق البيزنس، وبمفردات معامل كليات الطب وأقسام علم النفس والاجتماع لا بمفردات بيوت الدعارة وبائعات الهوى وتجار الليالى الحمراء.
تصديت لكتابة هذا الكتاب وأنا مقدر وراصد لكل ما سبق من مشاكل، ولأننى تعودت على مثل هذه المشاكل فى كتاباتى التى تتعلق بالجنس وغيره من الموضوعات فقد قررت أن أنشره، لأن قليلاً من الصدمة يصلح الحال ويحرك المياه الراكدة، وتحمست إنطلاقاً من بديهية أؤمن بها وهى أن صحة الفكرة لا يحكمها كثرة المعتنقين لها ولا قدمها الزمنى ولا مكانة مروجيها وقائليها، وإنما يحكمها فقط المنطق والعقل.


.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...