نقوس المهدي
كاتب
حسب ما يذكر كامبل في كتاب قوة الأسطورة، يقول: "الزواج هو التعرف الرمزي لهويتنا، وجهان لوجود واحد". ثم يروي حكاية العراف الأعمى تيريسياس، فيقول:
ذات يوم كان تيريسياس يمشي في الغابة، فرأى زوجًا من الأفاعي في حالَةِ جماع. وقد وضع عكّازه بينهما فتحوَّلَ من فوره إلى امرأة، وعاش كامرأة عددًا من السنين، وكانت تيريسياس المرأة تمشي ذات يوم في الغابة فرأت زوجًا من الأفاعي في حالَة جماع ، فما كان منها إلا أن وضعت عكازها بينهما فتحوَّلَت إلى رجل.
وفي يوم جميل على جبل الكابيتول، جبل زيوس، جبل الأولمب. كان زيوس وزوجته يتجادلان حول من يستمتِع بالجماع أكثر، الرجل أم المرأة. بطبيعة الحال لم يستطع أحدهما أن يقرِّر لأنهما كانا على جانب واحد من الشبكة، كما يمكن أن تقول، عند ذلك قال أحدهما: "دعنا نسأل تيريسياس". فيذهبان إلى تيريسياس ويطرحان عليه السؤال، فيقول: "المرأة تستمتع تسع مرات أكثر من الرجل". ولسبب ما لا يمكنني أن أفهمه تغضب هيرا فتسلب منه نظره.
[هذا ما يقوله كامبل لكن من خلال السياق نستطيع أن نفهم أن استلاب النظر هو انفتاح البصيرة] ما كان من زيوس إلا أن شعر بالمسؤولية على ما حل به، فمنحه قدرة التنبؤ بالرغم من عماه. وهنا توجد نقطة جيدة، فعندما تكون عيناك مغلقتين عن الظواهر المذهلة فإنك تتصرف بحدسك، وتستطيع أن تكون على اتصال مع الموروفولوجيا التي هي الشكل الأساسي لكل الأشياء.
يستنتِج محاوِر كامبل ويُدعَى مويرز ما يلي:
المغزى من أن تيريسياس تحول بواسطة الأفاعي من رجل إلى إمرأة، ومن ثم من إمرأة إلى رجل أنه استحوذ على تجارب كل من الذكر والأنثى وعرف أكثر مما عرفه الإله أو الإلهة، كل على حدة.
يجيب كامبل:
هو مثّل رمزيًا حقيقة وحدة الاثنين. وعندما أُرسِلَ اوديسيوس إلى العالَم السفلي من قِبَلِ سيرس حصل على معرفته الحقيقية عندما قابل تيريسياس وتعرّف على وحدة الذكر والأنثى.
في حين أن الكاتبة البرازيلية بيبي غارو baby Garoux ترى في شخصيَّتيْ تريسياس وهيفيستوس مظهرين لتجاوز الإنسان نفسه من خلال وحدة الأضداد، فعرفا توحيد الأقطاب بطريقة خلاَّقَة، وتقول إن كليهما استعمل هيئة من نار.
فالأول تريسياس حوَّل نار الشهوات والليبيدو إلى نور الحدس والمعرفة والوعي.
الثاني هيفيستوس فترى الكاتبة رؤية رائعة حول معنى عمله في أعماق بركان إتنا، ومعانيه السرانية، لكن ما يهمنا في الموضوع هو زواجه من أفروديت، وبالتالي تم اتحاد قطبا الجمال والقباحة، الإعاقة والفعالية، (لعلنا نتذكر أن هيفيستوس كان أكثر الآلهة قباحة، كما كان أعرج الساق في حين أفروديت كانت رمزًا للكمال)، وهكذا أستنتِج أن الإرمافروديتوس هو عبارة عن نموذج بدئي كائن في لاوعي كل شخص منا، ويستطيع من خلاله أن يتجاوز الإنسان ذاته نحو الكوني، والحصول على نور الحدس والوعي والمعرفة، وذلك لا يكون إلا من خلال اتحاد الأضداد التي يحملها في ذاته
الإرمافروديتوس نفسه.
وأما أسطورته الأكثر رواجًا التي بحثت عنها في بعض المراجع فلسوف أذكرها، وهي التالي:
كان إرمافروديتوس ابنًا لهرمس، رسول الآلِهَة ولإفروديت إلهة الحب والجمال. وتروي الأسطورة قصة هذا اليافع الذي اقترب، ذات يوم من الينبوع الذي كان يخص إلهة الماء سلماكيس في بلدة كاري الواقعة في آسيا الصغرى، ولما كان إرمافروديتوس يبغي تبريد جسده، غطس في الينبوع الذي وجد مياهه الصافية الرائعة عذبة وممتعة. وأخذ يتردد على هذا الينبوع كل يوم ليستحم في مياهه العذبة. وإذ رأته إلهة الماء، فُتِنَت به، وأحبَّت هذا الزائر الذي سَحَرَها برشاقته وجماله. ومن أجله توسَّلَت إلى الآلِهَة لكي يمنحوها نعمة الاتحاد به. وبالفعل، استجابت الآلِهَة لدعائها، وفي يوم من الأيام، بينما كان إرمافروديتوس خارجًا من الماء، وجد نفسه وقد تحول إلى أحادي الجنس. وكانت أحاديته هذه حصيلة اتحاد الإله الشاب مع إلهة الماء في شخص واحد.
ولعل هذا يذكرنا بمعمودية يسوع في مياه نهر الأردن، ذلك أنه حين خرج حط عليه الروح القدس بهيئة حمامة، لاشك أنه في هذه المعمودية قد تحول إلى أحادي جنس مقدس، وهذا ما سوف نراه لاحقًا على الصليب، سوف يظهر هويته الحقيقية على الصليب بكونه إرمافروديتوس مقدس.
وبعبارة أخرى فإن الإرمافروديتوس يشار إليه في المراجع اليونانية بالإندروجين وكلا الكلمتين تعنيان أحادي الجنس، أي مزدوج الجنس ولكن في شخص واحد!!
كما تذكر الدراسات أن إله التوراة يهوه نفسه كما يذكر جورج أدوم – وله مقالة جميلة على الإنترنيت بالبرتغالية تحمل عنوان أسرار الجنس وقمت بترجمتها إلى إلى العربية –، هذا الروحاني، أن إله التوراة Yeova يتكون من مقطعين هما الـ Yod ويعني القضيب الذكوري متحدًا بالمقطع الثاني من الكلمة وهي Eva أي العضو الأنثوي، وكلاهما يكوِّنان قدرة الخلق في الديانات القديمة. وهنالك أمثلة لا تحصى حول أحادي الجنس الذي يحمل الجنسين معًا في شخص واحد لدى كل الشعوب والديانات تقريبًا.
كما تقول بلافاتسكي في كتابها العقيدة السرية، وهي مؤسسة الثيوزوفية، أن آلِهَة اليونان الأقدمين كانوا أحاديي الجنس. وفي نشأتهم كان الآلِهَة الأصليون يتمثلون بأشكال يتحد فيها الجنسان، فمثلاً زيوس نفسه كان يُدعى بـ"العذراء الملتحية". وكان أبولو مزدوج الجنس، أما في الأناشيد الأورفية التي كانت تُنشَد أثناء أعياد الأسرار، تُقرأ العبارة التالية: "زيوس ذكر، وزيوس عذراء خالدة". وفينوس ملتحية في بعض رسومها.
والمفكر ندره اليازجي يذكر في بحثه حول هذا الموضوع عن مؤرِّخ يُدعَى ماكروب وهو مؤلف لاتيني عاش في القرن الخامس الميلادي يتحدث عن سكان قبرص الذين كانوا يكرِّمون تمثالاً لأفروديت الملتحية وكان أريستوفان يدعوها أفروديتوس... إلخ. والأمثلة تكاد لا تنتهي..!!
كما لستُ أدري إذا كنتُ أبالِغ إذا قلتُ إن المسيحيين فَهِموا المسيح من حيث بتوليته وعفته على نحوٍ خاطئ، فهو لاشك كان إرمافروديتوس بامتياز، ومظهره الأنثوي تجلَّى بكامل رقَّته وحنانه على الصليب، فالصليب أولاً هو وحدة الأضداد كلها، وبالتالي، لم يكن ممكنًا إظهار هويته الإرمافروديتية إلا على الصليب هذا من جهة، ومن جهة أخرى، عندما تلقى على الصليب الطعنة من الحربة المقدسة، فقد تلقى فتحتَه الأنثوية، ولاشك أن الحربة هنا تمثِّل كل القوى الإيجابية، في حين الفتحة الأنثوية في جنب يسوع كما يذكر الإنجيلي يوحنا تدفق منها وكان قد مات، ماءٌ ودمٌ، وهما يمثلان الكنيسة. إذن، وُلِدَت الكنيسة من جنب يسوع وهذا مظهره الأمومي أيضًا للكنيسة وللعالَم أجمَع.
فعلى الصليب ويعتبرها كامبل شجرة الحياة التي ثمرتها يسوع التي تعود بالإنسان إلى ما كان عليه قبل سقوطه، إذن، على الصليب الإنسان يتألَّم ولا يفكر إلا في ألمه وعذاباته وموته، أما هو فكان يفكر في الآخرين أولاً اللص عن يمينه أخذه معه إلى الفردوس، ثانيًا قال لأمه: "يا امرأة هو ذا ابنك" ثم قال للتلميذ، أي يوحنا الحبيب: "هي ذي أمك"، ومنذئذ أخذها التلميذ إلى بيته الخاص، ثالثًا وأخيرًا، فكر في قاتليه، فصرخ صرخة ارتعدت لها السماء وزلزلت الأرض "إغفر لهم يا أبتِ فهم لا يدرون ما يفعلون"، وللأسف شوَّه المسيحيون مسيحهم إلى درجة كبيرة وجعلوا منه ذلك الديان الذي لا يرحم وهو مبدأ كل رحمة..!!
ولعلنا إن شئنا أن نحدِّدَ تمامًا الوجه الأنثوي للإرمافروديتوس يسوع، من منظور الأساطير اليونانية، فخير تمثيل لهذا الوجه هو الإلهة ديميتر ربة القمح، وهي التي ترأس أسرار الانبعاث ضمن مساررات الأسرار الإليوسية أسرار الانعتاق وتحرر النفس، أما الوجه الذكوري فخير تمثيل هو الإله ديونيسيوس إله النبيذ، وكلاهما متكاملان في سر القربان المقدس، خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يكسر لأجلكم، وخذوا اشربوا هذا هو دمي الذي يهراق عنكم وعن الكثيرين لمغفرة الخطايا.
نعود إلى الإرمافروديتوس في عالَم الأعداد. يرى فيثاغورس أن إرمافروديتوس الأعداد هو العدد عشرة، فالواحد هو رمز الذكورة والصفر رمز الكمون والأنوثة. وبالفعل فإننا نرى كل الأعداد إما فردية أو زوجية وهي أحادية 1، 2، 3،... إلخ حتى نصل إلى العدد عشرة فنراه قد ازدوج وحمل صفتي الفردية والزوجية من خلال الصفر والواحد عن يساره على خلاف الأعداد المنفردة الأخرى.
ولعل الجميع يدرك أن خلق حواء من ضلع آدم ليست أكثر من رمز انفصال الجنسين بعدما كانا متحدين في كيان واحد مزدوج الجنس.
أخيرًا وليس آخرًا، من الجدير ذكره ما يورده المفكر ندره اليازجي في هذا الخصوص بمثال جميل عن الإرمافروديتوس ألا وهو الوردة ملكة الزهور وشعار الحب والجمال والمعروفة بشذاها الممتع، تتميز بكمالها لأنها تحمل أعضاء ذكرية وأنثوية: سداة، وهو عضو التذكير، ومدقة وهي طرف التأنيث...
عسى بركات الإرمافروديتوس تملأ حياتنا ألوانًا بهية جميلة وعطرًا وشذى وجمالاً... مع المحبة دائمًا.
ذات يوم كان تيريسياس يمشي في الغابة، فرأى زوجًا من الأفاعي في حالَةِ جماع. وقد وضع عكّازه بينهما فتحوَّلَ من فوره إلى امرأة، وعاش كامرأة عددًا من السنين، وكانت تيريسياس المرأة تمشي ذات يوم في الغابة فرأت زوجًا من الأفاعي في حالَة جماع ، فما كان منها إلا أن وضعت عكازها بينهما فتحوَّلَت إلى رجل.
وفي يوم جميل على جبل الكابيتول، جبل زيوس، جبل الأولمب. كان زيوس وزوجته يتجادلان حول من يستمتِع بالجماع أكثر، الرجل أم المرأة. بطبيعة الحال لم يستطع أحدهما أن يقرِّر لأنهما كانا على جانب واحد من الشبكة، كما يمكن أن تقول، عند ذلك قال أحدهما: "دعنا نسأل تيريسياس". فيذهبان إلى تيريسياس ويطرحان عليه السؤال، فيقول: "المرأة تستمتع تسع مرات أكثر من الرجل". ولسبب ما لا يمكنني أن أفهمه تغضب هيرا فتسلب منه نظره.
[هذا ما يقوله كامبل لكن من خلال السياق نستطيع أن نفهم أن استلاب النظر هو انفتاح البصيرة] ما كان من زيوس إلا أن شعر بالمسؤولية على ما حل به، فمنحه قدرة التنبؤ بالرغم من عماه. وهنا توجد نقطة جيدة، فعندما تكون عيناك مغلقتين عن الظواهر المذهلة فإنك تتصرف بحدسك، وتستطيع أن تكون على اتصال مع الموروفولوجيا التي هي الشكل الأساسي لكل الأشياء.
يستنتِج محاوِر كامبل ويُدعَى مويرز ما يلي:
المغزى من أن تيريسياس تحول بواسطة الأفاعي من رجل إلى إمرأة، ومن ثم من إمرأة إلى رجل أنه استحوذ على تجارب كل من الذكر والأنثى وعرف أكثر مما عرفه الإله أو الإلهة، كل على حدة.
يجيب كامبل:
هو مثّل رمزيًا حقيقة وحدة الاثنين. وعندما أُرسِلَ اوديسيوس إلى العالَم السفلي من قِبَلِ سيرس حصل على معرفته الحقيقية عندما قابل تيريسياس وتعرّف على وحدة الذكر والأنثى.
في حين أن الكاتبة البرازيلية بيبي غارو baby Garoux ترى في شخصيَّتيْ تريسياس وهيفيستوس مظهرين لتجاوز الإنسان نفسه من خلال وحدة الأضداد، فعرفا توحيد الأقطاب بطريقة خلاَّقَة، وتقول إن كليهما استعمل هيئة من نار.
فالأول تريسياس حوَّل نار الشهوات والليبيدو إلى نور الحدس والمعرفة والوعي.
الثاني هيفيستوس فترى الكاتبة رؤية رائعة حول معنى عمله في أعماق بركان إتنا، ومعانيه السرانية، لكن ما يهمنا في الموضوع هو زواجه من أفروديت، وبالتالي تم اتحاد قطبا الجمال والقباحة، الإعاقة والفعالية، (لعلنا نتذكر أن هيفيستوس كان أكثر الآلهة قباحة، كما كان أعرج الساق في حين أفروديت كانت رمزًا للكمال)، وهكذا أستنتِج أن الإرمافروديتوس هو عبارة عن نموذج بدئي كائن في لاوعي كل شخص منا، ويستطيع من خلاله أن يتجاوز الإنسان ذاته نحو الكوني، والحصول على نور الحدس والوعي والمعرفة، وذلك لا يكون إلا من خلال اتحاد الأضداد التي يحملها في ذاته
الإرمافروديتوس نفسه.
وأما أسطورته الأكثر رواجًا التي بحثت عنها في بعض المراجع فلسوف أذكرها، وهي التالي:
كان إرمافروديتوس ابنًا لهرمس، رسول الآلِهَة ولإفروديت إلهة الحب والجمال. وتروي الأسطورة قصة هذا اليافع الذي اقترب، ذات يوم من الينبوع الذي كان يخص إلهة الماء سلماكيس في بلدة كاري الواقعة في آسيا الصغرى، ولما كان إرمافروديتوس يبغي تبريد جسده، غطس في الينبوع الذي وجد مياهه الصافية الرائعة عذبة وممتعة. وأخذ يتردد على هذا الينبوع كل يوم ليستحم في مياهه العذبة. وإذ رأته إلهة الماء، فُتِنَت به، وأحبَّت هذا الزائر الذي سَحَرَها برشاقته وجماله. ومن أجله توسَّلَت إلى الآلِهَة لكي يمنحوها نعمة الاتحاد به. وبالفعل، استجابت الآلِهَة لدعائها، وفي يوم من الأيام، بينما كان إرمافروديتوس خارجًا من الماء، وجد نفسه وقد تحول إلى أحادي الجنس. وكانت أحاديته هذه حصيلة اتحاد الإله الشاب مع إلهة الماء في شخص واحد.
ولعل هذا يذكرنا بمعمودية يسوع في مياه نهر الأردن، ذلك أنه حين خرج حط عليه الروح القدس بهيئة حمامة، لاشك أنه في هذه المعمودية قد تحول إلى أحادي جنس مقدس، وهذا ما سوف نراه لاحقًا على الصليب، سوف يظهر هويته الحقيقية على الصليب بكونه إرمافروديتوس مقدس.
وبعبارة أخرى فإن الإرمافروديتوس يشار إليه في المراجع اليونانية بالإندروجين وكلا الكلمتين تعنيان أحادي الجنس، أي مزدوج الجنس ولكن في شخص واحد!!
كما تذكر الدراسات أن إله التوراة يهوه نفسه كما يذكر جورج أدوم – وله مقالة جميلة على الإنترنيت بالبرتغالية تحمل عنوان أسرار الجنس وقمت بترجمتها إلى إلى العربية –، هذا الروحاني، أن إله التوراة Yeova يتكون من مقطعين هما الـ Yod ويعني القضيب الذكوري متحدًا بالمقطع الثاني من الكلمة وهي Eva أي العضو الأنثوي، وكلاهما يكوِّنان قدرة الخلق في الديانات القديمة. وهنالك أمثلة لا تحصى حول أحادي الجنس الذي يحمل الجنسين معًا في شخص واحد لدى كل الشعوب والديانات تقريبًا.
كما تقول بلافاتسكي في كتابها العقيدة السرية، وهي مؤسسة الثيوزوفية، أن آلِهَة اليونان الأقدمين كانوا أحاديي الجنس. وفي نشأتهم كان الآلِهَة الأصليون يتمثلون بأشكال يتحد فيها الجنسان، فمثلاً زيوس نفسه كان يُدعى بـ"العذراء الملتحية". وكان أبولو مزدوج الجنس، أما في الأناشيد الأورفية التي كانت تُنشَد أثناء أعياد الأسرار، تُقرأ العبارة التالية: "زيوس ذكر، وزيوس عذراء خالدة". وفينوس ملتحية في بعض رسومها.
والمفكر ندره اليازجي يذكر في بحثه حول هذا الموضوع عن مؤرِّخ يُدعَى ماكروب وهو مؤلف لاتيني عاش في القرن الخامس الميلادي يتحدث عن سكان قبرص الذين كانوا يكرِّمون تمثالاً لأفروديت الملتحية وكان أريستوفان يدعوها أفروديتوس... إلخ. والأمثلة تكاد لا تنتهي..!!
كما لستُ أدري إذا كنتُ أبالِغ إذا قلتُ إن المسيحيين فَهِموا المسيح من حيث بتوليته وعفته على نحوٍ خاطئ، فهو لاشك كان إرمافروديتوس بامتياز، ومظهره الأنثوي تجلَّى بكامل رقَّته وحنانه على الصليب، فالصليب أولاً هو وحدة الأضداد كلها، وبالتالي، لم يكن ممكنًا إظهار هويته الإرمافروديتية إلا على الصليب هذا من جهة، ومن جهة أخرى، عندما تلقى على الصليب الطعنة من الحربة المقدسة، فقد تلقى فتحتَه الأنثوية، ولاشك أن الحربة هنا تمثِّل كل القوى الإيجابية، في حين الفتحة الأنثوية في جنب يسوع كما يذكر الإنجيلي يوحنا تدفق منها وكان قد مات، ماءٌ ودمٌ، وهما يمثلان الكنيسة. إذن، وُلِدَت الكنيسة من جنب يسوع وهذا مظهره الأمومي أيضًا للكنيسة وللعالَم أجمَع.
فعلى الصليب ويعتبرها كامبل شجرة الحياة التي ثمرتها يسوع التي تعود بالإنسان إلى ما كان عليه قبل سقوطه، إذن، على الصليب الإنسان يتألَّم ولا يفكر إلا في ألمه وعذاباته وموته، أما هو فكان يفكر في الآخرين أولاً اللص عن يمينه أخذه معه إلى الفردوس، ثانيًا قال لأمه: "يا امرأة هو ذا ابنك" ثم قال للتلميذ، أي يوحنا الحبيب: "هي ذي أمك"، ومنذئذ أخذها التلميذ إلى بيته الخاص، ثالثًا وأخيرًا، فكر في قاتليه، فصرخ صرخة ارتعدت لها السماء وزلزلت الأرض "إغفر لهم يا أبتِ فهم لا يدرون ما يفعلون"، وللأسف شوَّه المسيحيون مسيحهم إلى درجة كبيرة وجعلوا منه ذلك الديان الذي لا يرحم وهو مبدأ كل رحمة..!!
ولعلنا إن شئنا أن نحدِّدَ تمامًا الوجه الأنثوي للإرمافروديتوس يسوع، من منظور الأساطير اليونانية، فخير تمثيل لهذا الوجه هو الإلهة ديميتر ربة القمح، وهي التي ترأس أسرار الانبعاث ضمن مساررات الأسرار الإليوسية أسرار الانعتاق وتحرر النفس، أما الوجه الذكوري فخير تمثيل هو الإله ديونيسيوس إله النبيذ، وكلاهما متكاملان في سر القربان المقدس، خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يكسر لأجلكم، وخذوا اشربوا هذا هو دمي الذي يهراق عنكم وعن الكثيرين لمغفرة الخطايا.
نعود إلى الإرمافروديتوس في عالَم الأعداد. يرى فيثاغورس أن إرمافروديتوس الأعداد هو العدد عشرة، فالواحد هو رمز الذكورة والصفر رمز الكمون والأنوثة. وبالفعل فإننا نرى كل الأعداد إما فردية أو زوجية وهي أحادية 1، 2، 3،... إلخ حتى نصل إلى العدد عشرة فنراه قد ازدوج وحمل صفتي الفردية والزوجية من خلال الصفر والواحد عن يساره على خلاف الأعداد المنفردة الأخرى.
ولعل الجميع يدرك أن خلق حواء من ضلع آدم ليست أكثر من رمز انفصال الجنسين بعدما كانا متحدين في كيان واحد مزدوج الجنس.
أخيرًا وليس آخرًا، من الجدير ذكره ما يورده المفكر ندره اليازجي في هذا الخصوص بمثال جميل عن الإرمافروديتوس ألا وهو الوردة ملكة الزهور وشعار الحب والجمال والمعروفة بشذاها الممتع، تتميز بكمالها لأنها تحمل أعضاء ذكرية وأنثوية: سداة، وهو عضو التذكير، ومدقة وهي طرف التأنيث...
عسى بركات الإرمافروديتوس تملأ حياتنا ألوانًا بهية جميلة وعطرًا وشذى وجمالاً... مع المحبة دائمًا.
التعديل الأخير: