نقوس المهدي
كاتب
نشرت صحيفة العرب اللندنية تحقيقا صحفيا ثقافيا حول الأدب الايروتيكي [كتبته حنان عقيل، ونُشر في 29/09/2014، العدد: 9694، ص(14)]، خلصت فيه إلى أن بعض النقاد "يُجمعون على أن الأدب الإيروتيكي غير موجود في ثقافتنا لكن هناك انتقادات يتم توجيهها للجنس في هذه الأعمال وذلك للضرورة الأدبية"، وأوردت في هذا التحقيق مجموعة من الآراء النقدية والأدبية، وتعقيبا على الموضوع أقف عند النقاط الآتية:
تنبغي الإشارة أولا إلى أن الموضوع لفت نظر كتاب كثيرين، فكتبوا في ذلك بعض الأبحاث والمقالات قبل هذا المقال، وسيكون بلا شك موضوع حديث تالٍ كثير مع كل رواية جديدة، وما على القارئ إلا أن يبحث ليجد ما كتب حول حضور موضوع الجنس في أدب نجيب محفوظ أو في الرواية العربية بشكل عام ونشر في صحف ومجلات عربية متعددة.
إن أكثر ما يزعج العقل العربي والنفسية العربية الكبت والحرمان، ونحن شعوب بالمجمل نعيش أوضاعا من التخويف والتضليل فيما يخص الجنس، فيشبّ أحدنا (ذكرا وأنثى) وهو يخاف من جسده وأعضائه الجنسية، فلا نلقي نظرة على هذا الجسد، ولا نتعرف على خصوصياته، حتى إذا ما أتت الفرصة ليؤدي الجسد وظائفه (الأيروتيكية) انحصرت في تلك الإمكانية المعروفة البديهية بالتقاء الأعضاء الجنسية، ونسي الطرفان، أو جهل الطرفان بشكل أدق ما يمنحه الجسد من طاقة كامنة في كل خلية من خلاياه، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى نوع من عدم الإشباع المفضي إلى النشوة والهدوء والاستقرار!
لعل هذه الظروف التي يحياها الشخص بهذه الكيفية، وما ورثه من نصوص دينية غير صحيحة في موضوع العلاقة الجنسية بين الطرفين جعل النفسية تبحث فيما وراء الطبيعي وتخترع كل ما هو في عالم الخيال والميتافيزيا، وصارت الموضوعات الأيروتيكية أكثر قربا واختباء في الوقت ذاته في الوعي عندنا، نخجل من إعلانها، ولكننا ندمنها سرا، وقد كشفت شبكة الإنترنت وإتاحتها هذا المجال للناس، مدى الإقبال على تلك المواقع الإباحية لتعويض بعض نقص، حتى إذا امتلأ الشخص منها وعبّأ حاجته النفسية تركها طواعية دون مراقبة ودون تحذير، ولعلّ الأبحاث الجادة لو تطرقت إلى هذه القضية، ستكتشف أن هناك نكوصا عن تلك المواقع بعد أن لم تعد ممنوعة أمام الشباب العربي، وقد أشار المقال إلى شيء من هذا عن عدم إقبال القراء على تلك الروايات (الجنسية) إلى الروايات السياسية!
لكل ما سبق علاقة بالأدب، وهي علاقة تحكمها، في الأعم الأغلب، الأفكار المسبقة والأفكار الشبقية، وكثير من هوس الشهرة أو المتعة أو ما شابه ذلك، حتى غدوت أتمنى أن أقرأ رواية لكاتب حديث أو قديم دون أن يكون فيها ذلك الولوغ في دماء البكر أو نشوة المرأة الشبقية، وصرت أخاف من كل رواية توهمني أنها تحترمني، وإذا بها تتسلقني ببعض تلك المشاهد التي لا تخدم فكرتها، ولا تتساوق مع أحداثها.
لقد لاحظت شيئا من ذلك مثلا عند روايات حديثة لكتاب جدد منهم على سبيل المثل رواية النزوح نحو القمر، للكاتب المقدسي عيسى قواسمي، وقد كان المشهدان الأيروتيكيان الوحيدان في الرواية غير متصلين ببنية الرواية، ولو تم حذفهما لا يؤثر الحذف بتاتا في بنية الحدث الروائي، ولم تفقد الرواية متعتها وأهميتها!
وثمة روايات وأعمال فنية سردية على وجه الخصوص صُمّمت لتناقش قضية الجنس، أو اعتمدت موضوع الجنس أو أنها وظفت الجنس توظيفا اجتماعيا عاديا في سياق روائي واقعي دون إقحام أو ابتذال كما في بعض روايات نجيب محفوظ أو روايات واسيني الأعرج "أصابع لوليتا" أو "مملكة الفراشة" على سبيل المثال!، ولو أردت الاستقصاء في موضوع الروايات واعتمادها على الجنس لما وسعني مقالات كثيرة، إذ لا تكاد تخلو رواية من الروايات أو سيرة ذاتية من الجنس أو الحديث عن الجنس، والشواهد كثيرة ذكر المقال بعضا منها.
ينبغي علينا إذن النظر إلى الموضوع على أنه موضوع إنساني بحت كغيره من الموضوعات الإنسانية، فليس هناك أدب لأي أمة يخلو من هذا الموضوع ومنه الأدب العربي والثقافة العربية، فقد غاصت كتب التراث في هذا الموضوع لدرجة أنك تكاد لا تصدق ما تقرأ في كثير من الجوانب حتى جوانب من "المتعة المحظورة"، وتحدث القرآن الكريم عن بعض الجوانب في العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة، فالمعول على كل ذلك هو طريقة التناول، ليس في هذا الموضوع وحسب، وإنما في أي موضوع من الموضوعات، إذ لا بد من الابتعاد فيها جميعا عن المبتذل، والارتفاع فيها إلى مصافّ الاحتياج الإنساني الطبيعي بأسلوب وتقنية فنية عالية عبر تلك الأدوات الفنية التي تجعل من الموضوع تحفة فنية تستحق القراءة والتمجيد، وتصلح أن تكون شاهدا حيا على مجتمع بشريٍّ إنساني جميل، بعيدا عن إثارة الغرائز الحيوانية، فكما أنه لا يجوز إثارة النعرات الطائفية والدينية في الأدب ولا يجوز بأي حال تشجيع شهوة التعصب العنصري والتحريض على القتل، يجب أيضا أن نبتعد عن تحويل البشر أو دفعهم ليمارسوا شهوة الفرج دون احترام لذواتهم وإنسانيتهم، ونعلي من قدسية هذه العلاقة الحميمة التي تجعل الطرفين روحا واحدة تحتم أن نحوطها كامل الألق ونحن نكتب عنها حتى لا نتشيأ ونصبح مجرد شهوة تمر بين أصابع الكاتب المهووس بهذا الموضوع لتحقيق رغبة مكتومة لديه!
وعلينا أن تذكر أننا بشر ولسنا ملائكة؛ فاحتياجاتنا العاطفية والنفسية كاحتياجاتنا الفكرية والمادية سواء بسواء، يجب أن نرعاها جميعا بقالب من الأدب الرصين المعبّر عن شخصياتنا الإنسانية المكرمة كبشر أولا وقبل التأطير في أي دين أو ثقافة أو مجتمع، ساعتئذٍ لا يكون غضاضة لو تحدثنا علنا بمثل هذه الموضوعات لأنها ستكون ضمن سياقها الطبيعي دون إثارة لنوازع الشر أو سوء النية، عند ذلك سنقرأ أدبا باحترافية عالية ينمي الذوق الجنسي عبر الموضوعات الأيروتيكية المتصلة بسياقها التي تندرج فيه بكل سلاسة دون نفور أو تمحل أو قصدية عبثية، فماذا عليكم وعلينا لو فهمنا الوضوع بشكل صحيح بعيدا عن ادّعاء المثالية الموهومة؟!
.
تنبغي الإشارة أولا إلى أن الموضوع لفت نظر كتاب كثيرين، فكتبوا في ذلك بعض الأبحاث والمقالات قبل هذا المقال، وسيكون بلا شك موضوع حديث تالٍ كثير مع كل رواية جديدة، وما على القارئ إلا أن يبحث ليجد ما كتب حول حضور موضوع الجنس في أدب نجيب محفوظ أو في الرواية العربية بشكل عام ونشر في صحف ومجلات عربية متعددة.
إن أكثر ما يزعج العقل العربي والنفسية العربية الكبت والحرمان، ونحن شعوب بالمجمل نعيش أوضاعا من التخويف والتضليل فيما يخص الجنس، فيشبّ أحدنا (ذكرا وأنثى) وهو يخاف من جسده وأعضائه الجنسية، فلا نلقي نظرة على هذا الجسد، ولا نتعرف على خصوصياته، حتى إذا ما أتت الفرصة ليؤدي الجسد وظائفه (الأيروتيكية) انحصرت في تلك الإمكانية المعروفة البديهية بالتقاء الأعضاء الجنسية، ونسي الطرفان، أو جهل الطرفان بشكل أدق ما يمنحه الجسد من طاقة كامنة في كل خلية من خلاياه، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى نوع من عدم الإشباع المفضي إلى النشوة والهدوء والاستقرار!
لعل هذه الظروف التي يحياها الشخص بهذه الكيفية، وما ورثه من نصوص دينية غير صحيحة في موضوع العلاقة الجنسية بين الطرفين جعل النفسية تبحث فيما وراء الطبيعي وتخترع كل ما هو في عالم الخيال والميتافيزيا، وصارت الموضوعات الأيروتيكية أكثر قربا واختباء في الوقت ذاته في الوعي عندنا، نخجل من إعلانها، ولكننا ندمنها سرا، وقد كشفت شبكة الإنترنت وإتاحتها هذا المجال للناس، مدى الإقبال على تلك المواقع الإباحية لتعويض بعض نقص، حتى إذا امتلأ الشخص منها وعبّأ حاجته النفسية تركها طواعية دون مراقبة ودون تحذير، ولعلّ الأبحاث الجادة لو تطرقت إلى هذه القضية، ستكتشف أن هناك نكوصا عن تلك المواقع بعد أن لم تعد ممنوعة أمام الشباب العربي، وقد أشار المقال إلى شيء من هذا عن عدم إقبال القراء على تلك الروايات (الجنسية) إلى الروايات السياسية!
لكل ما سبق علاقة بالأدب، وهي علاقة تحكمها، في الأعم الأغلب، الأفكار المسبقة والأفكار الشبقية، وكثير من هوس الشهرة أو المتعة أو ما شابه ذلك، حتى غدوت أتمنى أن أقرأ رواية لكاتب حديث أو قديم دون أن يكون فيها ذلك الولوغ في دماء البكر أو نشوة المرأة الشبقية، وصرت أخاف من كل رواية توهمني أنها تحترمني، وإذا بها تتسلقني ببعض تلك المشاهد التي لا تخدم فكرتها، ولا تتساوق مع أحداثها.
لقد لاحظت شيئا من ذلك مثلا عند روايات حديثة لكتاب جدد منهم على سبيل المثل رواية النزوح نحو القمر، للكاتب المقدسي عيسى قواسمي، وقد كان المشهدان الأيروتيكيان الوحيدان في الرواية غير متصلين ببنية الرواية، ولو تم حذفهما لا يؤثر الحذف بتاتا في بنية الحدث الروائي، ولم تفقد الرواية متعتها وأهميتها!
وثمة روايات وأعمال فنية سردية على وجه الخصوص صُمّمت لتناقش قضية الجنس، أو اعتمدت موضوع الجنس أو أنها وظفت الجنس توظيفا اجتماعيا عاديا في سياق روائي واقعي دون إقحام أو ابتذال كما في بعض روايات نجيب محفوظ أو روايات واسيني الأعرج "أصابع لوليتا" أو "مملكة الفراشة" على سبيل المثال!، ولو أردت الاستقصاء في موضوع الروايات واعتمادها على الجنس لما وسعني مقالات كثيرة، إذ لا تكاد تخلو رواية من الروايات أو سيرة ذاتية من الجنس أو الحديث عن الجنس، والشواهد كثيرة ذكر المقال بعضا منها.
ينبغي علينا إذن النظر إلى الموضوع على أنه موضوع إنساني بحت كغيره من الموضوعات الإنسانية، فليس هناك أدب لأي أمة يخلو من هذا الموضوع ومنه الأدب العربي والثقافة العربية، فقد غاصت كتب التراث في هذا الموضوع لدرجة أنك تكاد لا تصدق ما تقرأ في كثير من الجوانب حتى جوانب من "المتعة المحظورة"، وتحدث القرآن الكريم عن بعض الجوانب في العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة، فالمعول على كل ذلك هو طريقة التناول، ليس في هذا الموضوع وحسب، وإنما في أي موضوع من الموضوعات، إذ لا بد من الابتعاد فيها جميعا عن المبتذل، والارتفاع فيها إلى مصافّ الاحتياج الإنساني الطبيعي بأسلوب وتقنية فنية عالية عبر تلك الأدوات الفنية التي تجعل من الموضوع تحفة فنية تستحق القراءة والتمجيد، وتصلح أن تكون شاهدا حيا على مجتمع بشريٍّ إنساني جميل، بعيدا عن إثارة الغرائز الحيوانية، فكما أنه لا يجوز إثارة النعرات الطائفية والدينية في الأدب ولا يجوز بأي حال تشجيع شهوة التعصب العنصري والتحريض على القتل، يجب أيضا أن نبتعد عن تحويل البشر أو دفعهم ليمارسوا شهوة الفرج دون احترام لذواتهم وإنسانيتهم، ونعلي من قدسية هذه العلاقة الحميمة التي تجعل الطرفين روحا واحدة تحتم أن نحوطها كامل الألق ونحن نكتب عنها حتى لا نتشيأ ونصبح مجرد شهوة تمر بين أصابع الكاتب المهووس بهذا الموضوع لتحقيق رغبة مكتومة لديه!
وعلينا أن تذكر أننا بشر ولسنا ملائكة؛ فاحتياجاتنا العاطفية والنفسية كاحتياجاتنا الفكرية والمادية سواء بسواء، يجب أن نرعاها جميعا بقالب من الأدب الرصين المعبّر عن شخصياتنا الإنسانية المكرمة كبشر أولا وقبل التأطير في أي دين أو ثقافة أو مجتمع، ساعتئذٍ لا يكون غضاضة لو تحدثنا علنا بمثل هذه الموضوعات لأنها ستكون ضمن سياقها الطبيعي دون إثارة لنوازع الشر أو سوء النية، عند ذلك سنقرأ أدبا باحترافية عالية ينمي الذوق الجنسي عبر الموضوعات الأيروتيكية المتصلة بسياقها التي تندرج فيه بكل سلاسة دون نفور أو تمحل أو قصدية عبثية، فماذا عليكم وعلينا لو فهمنا الوضوع بشكل صحيح بعيدا عن ادّعاء المثالية الموهومة؟!
.
صورة مفقودة