نرمين كحيلة - مفهوم الحب فى الإسلام

هل يعترف الإسلام بالحب؟ هذا هو السؤال الذى حير كثيرا من الناس، فالبعض يرى أن مجرد التفكير فى الحب يعتبر إثمًا مبينًا، ولكننا إذا تمعنا فى الدين فسنجد أنه دين الحب، فلابد أن نحب الله سبحانه وتعالى أولا، ثم نحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم نحب والدينا وإخوتنا فى الإنسانية، أما حب الرجل للمرأة والمرأة للرجل فلم يحرمه الإسلام، لكنه وضع له ضوابط وشروط.. ونستطيع أن نستنتج ذلك من سير الأنبياء والصالحين، فقد قيل للنبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم أن رجلا ًيحب امرأة وهى تبادله الحب فقال: "لا أرى للمتحابين إلا النكاح".. ومعنى ذلك أنه قد أقر ذلك الحب ولم ينكره، فلم يقل مثلا ًكيف يحب أحد من أمتى؟ إن هذا حرام فى الإسلام! لابد أن يفترقا فورًا" بل كان معنى كلامه أن يتوج هذا الحب بالزواج كى يظل المحبوبان معًا إلى الأبد، أى أنه فكر فى طريقة سليمة وشرعية لكى يحافظ على ذلك الحب ويقويه.. وعندما سأله أب عن رجلين تقدما للزواج من ابنته أحدهما فقير والآخر غنى فقال له: وهواها مع من؟ فقال: مع الفقير.. فقال النبى: "إذن زوجها له". أى أن أهم ما كان يشغل النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه القضية قبل أن يفتى الرجل هو قلب هذه الفتاة إلى أين يتجه؟ ومن تحب؟ وقد فضل الحب على الغنى فكان بإمكانه مثلاً أن يقول: زوجها لمن ترى أنت بنظرتك كأب مصلحتها فيه.. ولكنه على العكس تمامًا رأى أن الحب عاطفة نبيلة لا يمكن إغفالها بل يجب مساندتها وتشجيعها مادامت ليس فيها إثم

بعكس عادة العرب فى الجاهلية إذ كانوا لا يزوجون بناتهم لمن تهوى قلوبهن ولمن هام بهن عشقًا ونظم فيهن شعرًا خوفًا من أن يقال أنها قد مارست الفاحشة مع حبيبها ومن ذلك مثلاً قصة مجنون ليلى حين تزوجت ليلى من آخر حتى لا يعيَّر أبوها، ومن الطريف أن ابن سينا (أبو الطب البشرى) الطبيب العالم العربى المسلم هو أول من قام بتشخيص أعراض الحب، حيث يروى أنه ذات مرة ذهب لعلاج مريض نزل به مرض عجيب، لم يعرف له علاجًا جميع أطباء "همذان" فهذا المريض ملازم للصمت، عازف عن الطعام والكلام، حتى عن الشكوى مما يؤلمه فاكتشف عن طريق تحسس نبضه أن نبضاته أسرعت حين ذكر اسم حبيبته أمامه، فقال أن علاجه أن يتزوج حبيبته، وشهد ابن سينا بنفسه ليلة زفافهما.

وقد اجتهد العلماء والفلاسفة والأدباء والشعراء فى تفسير الحب وسببه، فلماذا يشعر رجل بانجذابه إلى امرأة بعينها ورغبته فى البقاء معها وحبه لها دون بقية الناس؟ وكذلك المرأة لماذا تشعر بانجذاب إلى رجل بعينه وتحبه؟ ما سر ذلك الحب؟ فتصور اليونان أن للحب إلهًا يسمى "كيوبيد"على هيئة طفل يرمى بسهامه قلوب الناس فيصابون بالحب.

وقد ألف الإمام ابن حزم الظاهرى كتابًا فى الحب باسم "الزهرة" روى فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"، ثم حاول تفسير هذا الحديث أن الله عز وجل خلق كل روح مستديرة الشكل على هيئة كرة، ثم قطعها نصفين، فجعل فى كل جسد نصفًا، وكل جسد لقى الجسد الذى فيه نصفه كان بينهما عشق بسبب تعارفهما قبل بدء الخليقة.

وفى كتابه "طوق الحمامة فى الألفة والآلاف" يقول ابن حزم: إن الحب اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخلقة فى أصل عنصرها الرفيع.. وإن كل نفس تبحث عن نصفها الآخر حتى تجده، فتنجذب إليه كالمغناطيس والحديد وكالنار والحجر، فحبه إنما هو تجديد لحب قديم فى النشأة الأولى.

ويقول ابن حزم فى باب "علامات الحب" إن للحب علامات تميز العاشق عن غيره بحيث يستطيع هو أن يعرف العاشق من تلك العلامات التى تظهر عليه ومنها مثلا ًإدمان المحب النظر إلى حبيبه، والإسراع بالسير إلى المكان الذى يكون فيه، ومن علاماته أيضًا حب الوحدة والسهر ونحول الجسم من غير مرض.

وللحب عند العرب مراتب أولها: الهوى وهو الميل إلى المحبوب، ويليه الشوق ثم الحنين ثم الحب ثم الشغف وهو التمنى الدائم لرؤية المحبوب وهو ما حدث لامرأة العزيز مع يوسف عليه السلام "قد شغفها حبا" وقيل إن الشغاف هو غلاف القلب، وقال ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير تلك الآية "دخل حبه تحت الشغاف" ويليه الغرام ثم التتيم ويليه الهيام، ثم الجنون وهو استلاب الحب لعقل المحب مثل مجنون ليلى.

ولا ننس أن كعب بن زهير الصحابى الجليل وشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم استهل قصيدته فى مدح النبى عليه السلام ببيت شعر يصف فيه لوعته فى فراق حبيبته سعاد فقال: بانت سعاد فقلبى اليوم متبول، يعنى لو كان الحب حرامًا كان النبى صلى الله عليه وسلم قال له: كيف تبدأ قصيدة تمدحنى بأبيات غرامية؟ ولكن النبى الكريم تركه يكتب ما يشاء مادام ذلك فى حدود الأخلاق والدين فقد سمح الإسلام بالغزل العفيف ونهى عن الغزل الفاحش الذى يصف مفاتن المحبوبة ويثير الغرائز.. إلى هذا الحد احترم الإسلام المشاعر الإنسانية النبيلة بين العاشقين؟

ولكن ينبغى للمحب أن يتحلى بالعفة ففى قصة "جميل وبثينة" قيل له وهو يموت: هل تظن أنك ستنجو من عذاب الله وأنت تشبب ببثينة منذ عشرين سنة؟ فقال إنه لم يلمسها قط إلا أنه كان يأخذ يدها فيضعها على قلبه ليستريح.

ويقول الإمام ابن حزم فى باب فضل التعفف (فى الحب): "ومن أفضل ما يأتيه الإنسان فى حبه التعفف، وترك ركوب المعصية والفاحشة".


صورة مفقودة



.
 
(الحلقة الثانية)

وقد اجتهد العلماء والفلاسفة والأدباء والشعراء فى تفسير الحب وسببه ، فلماذا يشعر رجل بانجذابه إلى امرأة بعينها ورغبته فى البقاء معها وحبه لها دون بقية الناس ؟ وكذلك المرأة لماذا تشعر بانجذاب إلى رجل بعينه وتحبه؟ ما سر ذلك الحب ؟ فتصور اليونان أن للحب إلهًا يسمى "كيوبيد"على هيئة طفل يرمى بسهامه قلوب الناس فيصابون بالحب.. وكان أول المفسرين للحب هو "أريستوفان" ، الشاعر الكوميدى المشهور حيث يزعم أن الكائنات البشرية لم تكن فى أصل فطرتها كما هى اليوم: ذكرًا وأنثى ، بل كانت ذكرًا وأنثى ، وخنثى تجمع بين خصائص النوعين ، وكان كل فرد من هذه الأنواع الثلاثة مستديرًا على هيئة كرة ، وله أربع أيدى وأربع أرجل يمشى عليها جميعًا ، وله أربع آذان ووجهان ، وهكذا تزدوج فيه بقية الأعضاء. وركب الغرور هذه الكائنات ، فثارت فى وجه الآلهة ، وغضب زيوس ، الإله الأكبر ، فشطر كل فرد فيها شطرين عقابًا ونكالا ًلها ، ومضت هذه الأشطار يبحث كل منها عن شطره رغبة فى الاتحاد به كما كان الشأن فى أصل النشأة ، وهذا هو سبب الحب ، فهو فى حقيقته شوق وتعطش إلى استرجاع السعادة المفقودة.

وقد ألف الإمام ابن حزم الظاهرى كتابًا فى الحب باسم "الزهرة" روى فيه عن الرسول صلى الله عيه وسلم قوله:"الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف". ثم حاول تفسير هذا الحديث (متأثرًا بكلام بعض الفلاسفة اليونان) أن الله عز وجل خلق كل روح مستديرة الشكل على هيئة كرة ، ثم قطعها نصفين ، فجعل فى كل جسد نصفًا ، وكل جسد لقى الجسد الذى فيه نصفه كان بينهما عشق بسبب تعارفهما قبل بدء الخليقة.

وفى كتابه "طوق الحمامة فى الألفة والألاف"يقول ابن حزم: أن الحب اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخلقة فى أصل عنصرها الرفيع... وإن كل نفس تبحث عن نصفها الآخر حتى تجده ، فتنجذب إليه كالمغناطيس والحديد وكالنار والحجر ، فحبه إنما هو تجديد لحب قديم فى النشأة الأولى ، ومن الطريف أن نجد هذه الفكرة عند بعض شعراء الحب العذرى إذ يقول:
تعلق روحى روحها قبل خلقنا = ومن بعد ما كنا نطافًا وفى المهد
فزاد كما زدنا فأصبح ناميًا = وليس إذا متنا بمنتقض العهد

ويقول ابن حزم فى باب "علامات الحب" أن للحب علامات تميز العاشق عن غيره بحيث يستطيع هو أن يعرف العاشق من تلك العلامات التى تظهر عليه ومنها مثلا ًإدمان المحب النظر إلى حبيبه ، والإسراع بالسير إلى المكان الذى يكون فيه ، وبَهْْت (دهشة وحيرة) يقع ، وروعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة ، ومن علاماته أيضًا حب الوحدة والسهر ونحول الجسم من غير مرض.
وقد قال الشاعر واصفًا الحب الذى جمع بينه وبين حبيبته:
ولو أنَّا على حجرٍ ذبحنا = جرى الدميان بالخبر اليقين

أى أنه لو ذبح هو وحبيبته فسوف تتتحد دماءهما وتتلاقى حتى بعد الوفاة لتخبر الناس بما كان بينهما من حب.

وللحب عند العرب مراتب أولها: الهوى وهو الميل إلى المحبوب ، ويليه الشوق وهو نزوع المحب إلى لقائه ، ثم الحنين وهو شوق ممزوج برقة ، ويليه الحب وهو أول الألفة ، ثم الشغف وهو التمنى الدائم لرؤية المحبوب وهو ماحدث لامرأة العزيز مع يوسف عليه السلام "قد شغفها حبًا" وقيل أن الشِغاف هو غلاف القلب.. وقال ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير تلك الأية:"دخل حبه تحت الشغاف" ويليه الغرام وهو التعلق بالمحبوب تعلقًا لا يستطيع المحب الخلاص منه ، ثم العشق وهو إفراط فى الحب ويغلب أن يلتقى فيه المحب والمحبوب ، ثم التتيم وهو استعباد المحبوب للمحب ، يقال قد تيمته حبًا ، ويليه الهيام وهو شدة الحب حتى يكاد يسلب المحب عقله ، ثم الجنون وهو استلاب الحب لعقل المحب مثل مجنون ليلى.

ومن أجمل القصص التى تروى عن الحب قصة جارية لهارون الرشيد ، قد عشقت رجلا ًوكانت تقابله فى قصر هارون الرشيد ليلا ًبعد أن ينام الناس ، ولما علم الخليفة بأمرها عزم على قتل حبيبها فتوسلت إليه ألا يقتله حتى تراه فأجابها إلى طلبها وقبل أن تراه وقفت أمام الخليفة وفقأت عينيها فقال لها هارون الرشيد:"ماذا فعلتِ بنفسك يا مجنونة ؟" فقالت:"فقأت عينى حتى لا أرى حبيبى فأنقذه من الموت" فقال لها هارون الرشيد مشفقًا عليها:"لو كنت أعلم أنكِ تحبينه إلى هذه الدرجة لعفوت عنه" ثم وهبها قصرًا لتعيش فيه مع حبيبها وهى عمياء". ومن هذه القصة يتضح أن المحب المخلص مستعد أن يضحى بأغلى ما عنده وهو عينيه من أجل حبيبه.

وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة

نرمين كحيلة - مفهوم الحب فى الإسلام


.../...
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...