منقول - التابو في الأدب.. ضرورة بنائية أم مراهقة إبداعية؟

لعل توظيف الأعمال الأدبية للمحظورات الثلاثة: الدين والجنس والسياسة والثيمات المتعلقة بها تشغل بال الكثيرين من الكتاب والنقاد والمتابعين؛ فكثير من المعنيين بالأدب والمهتمين به يتساءلون عن وظيفة موضوعة الجنس مثلا كواحدة من التابوهات في الأعمال الأدبية شعراً ونثراً، ويستفسرون عن جدارة وجوده فيها، سواء أكان ذلك من الناحية الاجتماعية أو الأخلاقية، أم من الناحية الفنية.

ومن المهم الإشارة إلى أن الجنس في الكتابة السردية العربية لم يكن أبدا من التابوهات قديما، فألف ليلة باعتبارها واحدة من أهم روافد السرد العالمي حافلة بأحاديث الجنس بشكل سافر وصريح، بالإضافة إلى كتابي الأغاني والعقد الفريد، والتراث العربي برمته لا يكاد يخلو مصدر من مصادره من الحديث عن الجنس حتى الكتب الوقورة أحيانا.

وربما يكون السؤال الملح الذي يطرحه المشتغلون بالأدب أيضاً حول إذا ما كان وجوده عنصراً فنيا وبنائياً في العمل الأدبي أم لا، إذ إن كثيراً من القراء يرون أن هناك تعبيراتٍ أو صوراً أو مفردات جنسية خادشة للحياء وينفر منها الذوق ولا تقرها الأعراف والتقاليد، وفق ما تربى عليه وتعلمه القارىء العربي ضمن منظومته المكونة من الدين والتربية والتعاليم والتقاليد والذوق الخاص والعام.

وقد تراوحت آراء النقاد والكتاب في نظرتهم إلى جدوى توظيف التابو وبالتحديد الجنس في العمل الإبداعي، فمنهم من رأى أن العمل الذي يخلو من الجنس هو عمل مقموع في حين اعتبر آخرون عملية التوظيف الإباحي للمفردات والوصف الجنسي عملية تجارية بحتة.

أوضح الناقد المغربي عبد الجليل الازدي في حديث لموقع جزايرس "أن مسألة الجنس والسلطة السياسية والطبقات الاجتماعية والاعتقاد السياسي من الموضوعات المحظورة في المجتمع العربي وهي تشكل الثالوث المحرم محرمات، وحينما يستثمر كاتب ما الجنس بمختلف أشكاله في الكتابة الإبداعية فهذا يعني اختراقه المحرمات، وأعتقد أن اختراق الطابوهات من مهام المثقف لكن يجب أن يحافظ على واجبه النقدي وهنا أنا مع الكتابات الجنسية التي تكون وفق سياق معين ولكن ليس من أجل الحديث عن الجنس فقط".

وإذا كان البحث يظل متواصلا حول طبيعة هذا الاستثمار وجدواه وصيغته، فإن كثيراً من النقاد والمتلقين يحارون في اختبار وظيفة الجنس حين يستمعون إلى فتاوى نقدية كثيرة ربما تحمل تهماً مبطنة للمتلقين حول مدى قدرتهم على تلقي العمل المتضمن توظيفا جنسيا وتحليل المغزى المتعلق بالمفردة والبناء الجنسي في العمل الأدبي.

يتصور الكاتب الكويتي الفائز بجائزة البوكر سعود السنعوسي في استطلاع لموقع بوابة إفريقيا الإخبارية "بأن الجنس سوف يستمر في كونه أمرا محرّما طالما نتعامل معه، كما في أغلب الأعمال السردية، كجنس من أجل الجنس وحسب، قليل من يوظف الجنس في الرواية من دون إقحام أو مشاهد مبتذلة لا تضيف إلى العمل".

ويضيف السنعوسي "لا مشكلة لدي قراءة وكتابة مع الجنس أو أي من التابوهات، شريطة ألا يكون مجانيا وأن يوظف بما يخدم سياق العمل، إن كان الجنس ضرورة ملحة تكمل العمل ما المانع من وجوده؟".

وفي سياق الحديث عن تسطيح موضوعة الجنس في الكتابات العربية الجديدة يقول الكاتب المصري أحمد مجدي همام لجريدة الأهرام "بعض الكتّاب ممن يبحثون عن أرقام توزيع بغض النظر عن فنية أعمالهم، يطعّمون نصوصهم بجرعات جنسية بشكل مجاني زخرفي، حيث يوقن أولئك أن القارئ العربي قد يبحث عن تحقيق ذاته المكبوتة في سطور الكتب، بينما يبحث الغربي عن صورة نمطية راسخة ومقولبة للمشرق عن طريق تلك الأعمال الغارقة في الجنس، إذ تدعم تلك الأعمال الصورة الذهنية المكونة عن العرب بوصفهم كائنات بشرية تعاني هياجاً جنسياً مزمناً".

لكن السؤال هل الوعي الثقافي تطور بما فيه الكفاية ليدرك أن الإبداع مساحة حرة يتحرك فيها المبدع بلا قيود بحيث يستطيع أن يتناول فيها كل الممنوعات؟ مدركا بوعيه الثقافي أن الأدب فن قبل كل شيء ويحمل رسالة جمالية أيضا.

وهذا يعني أن استهداف الجنس لمجرد الاستهداف يعد تأليفا لا يضيف شيئا للأدب كقيمة جمالية وفنية بالأساس، بل سيكون محاولة للشهرة أو لفت الانتباه وقد يعتبر البعض الجنس مادة سهلة للشهرة مرتكزا في اعتقاده على عقلية المتلقي العربي الذي يصدمه كسر التابو بأي شكل حتى وإن كان ببذاءة ومباشرة وتسطيح.

لكن وفي ظل كل التطورات والإبدالات التي تشهدها مجتمعاتنا العربية فما زالت الكتابة عن الجنس تعد خروجا عن المألوف عند الكثير من الدارسين والقراء وأن النصوص التي تستثمر المحرمات وتستهدفها هي نصوص تعيش مراهقة إبداعية، وأن متلقيها يشبه متلصصا على بيت فيه الكثير من النساء يدفعه الفضول والرغبات إلى استراق النظر فقط.

ميدل ايست أونلاين
دبي
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...