منقول - كاتبة وكاتب.. وثالثهما الحب

يحفل الوسط الأدبي بثنائيات أدبية عديدة وعلاقات عاطفية دامت سنوات طويلة، بعضها استمر مراسلات أدبية ووجدانية ولم تتوج بلقاء أبدا، وبعضها انتهى نهاية مأساوية بالانتحار، وكثير من القصص انتهت بالانفصال والغياب والفشل، ولم يكتب النجاح لغالبية هذه العلاقات.

غير أنها وإن فشلت اجتماعيا وعاطفيا لكنها أنتجت مادة إبداعية شغلت النقاد والقراء وكانت تتنوع بين أكثر من جنس أدبي كالمراسلات التي دارت بين مي زيادة وجبران خليل جبران، وبين غادة السمان وغسان كنفاني، وكنتاج شعري كالذي كتبته سيلفيا بلاث وزوجها تيد هيوز، والكتابات الفلسفية التي أنتجتها علاقة جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار.

علاقات عاطفية كثيرة دخلت مساحة التواصل من باب واسع هو الإبداع واستندت إلى جدار الحب، تكسرت المشاعر على ذلك الجدار وتهاوت مثل نجم يائس لكن الباب ظل مفتوحا، مات الحب وظل الإبداع شاهدا يسجل كل تفاصيل الحالات النفسية التي مر بها الثنائي الأدبي.

الكاتب المسرحي المصري رشاد رشدي والكاتبة المصرية لطيفة الزيات ارتبطا بعلاقة زواج دامت ثلاثة عشر عاما، وكانا مثالا على قمة التناقض في الارتباط بين اليسار واليمين بزواجهما، فالدكتور رشاد رشدي يميني المنشأ والفكر والسلوك ولطيفة الزيات ماركسية التوجه والفكر وقد كان زواجها الثاني من أول رجل يعتقل في مصر ويسجن بتهمة الانخراط في الحركة الشيوعية وتم انفصالهما على إثر الحكم عليه بسبع سنوات.

ولم تتردد لطيفة الزيات أن تقول لمعارضي هذا الزواج: “إنه أول رجل يوقظ الأنثى في”، وحين لاقت استهجانا ولوما من قبل الكثيرين من أتباع الاتجاهين قالت “الجنس أسقط الإمبراطورية الرومانية” دلالة على أن زواجهما اخترق أسس الايدلوجيات جميعها.

أما الكاتب المسرحي القصصي رشاد رشدي (1912-1983) الذي أصدر عددا من الكتب الأدبية بين القصة والنقد والمسرح فلم يترك مناسبة إلا وذكر فيها عن تحقيقه مستوى مرفها من العيش لزوجته وقال في أكثر من حديث بأنه ساعدها في حياتها ووقف إلى جانبها وأن له الفضل في نجاحها واستقرارها ماديا وإبداعيا.

على الرغم من نجاح لطيفة الزيات (1923-1996) في حياتها ككاتبة ألفت العديد من الإصدارات في الأدب والنقد والمسرح وكناشطة في الحركة اليسارية إلا أنها دفعت الثمن وسجنت أكثر من مرة، ولم تكن موفقة في زواجها مع رشدي، وقد قالت عن تضحياتها من أجل ما تؤمن به “إن الإنسان لا يجد نفسه إلا إذا ضحى بها في عمل يهدف لمصلحة الجميع، فيختبر حقيقة أخرى غير الحقيقة التي كانت تؤمن بها نفسه، ألا وهي أن الواقع يختلف كثيرًا عما تظن”.

وقد روت الناقد زينب العسال في كتابتها قصة معاناة لطيفة مع رشاد على مدار فترة زواجهما التي استمرت نحو ثلاثة عشر عاما، ووصل فيها ألمها وتأزمها في علاقتهما أنها أهدته روايتها “الباب المفتوح” تحت الضغط، وأنه كان دائما يذكرها بأنها من غيره عديمة القيمة والجدوى ولا أهمية لها، ولولا وجوده في حياتها لما لاقت كل التميز والنجاح في مسيرتها العملية والعلمية، ولا يفتأ يذكرها بأفضاله عليها في كل وقت.

وقد لمحت لطيفة الزيات إلى ارتباط زوجها بعلاقات كثيرة في قصتها “الرحلة إليه” وألمحت في قصة أخرى بعنوان “الشيخوخة” أنها تعيش مع رجل ميت عاطفيا وإنسانيا، فقد قالت في هذه القصة “في يوم من أيام يونية 1965، وأخي والمأذون يجلسان في الغرفة المجاورة، قال لي زوجي في محاولة أخيرة لإثنائي عن إتمام إجراءات الطلاق، وهو يستدير يواجهني على مقعدٍ متحرك: ولكني صنعتك.

اعترفت أيضا في الكثير من كتاباتها بأنها عاشت حياة تعيسة معه على الرغم من أن رشدي حقق لها مستوى متميزا من المعيشة، وقدم لها أفضل ما يمكن أن تحظى به زوجة من متطلبات العيش اللائق بها.وقد تحدثت الزيات في كتابها “حملة تفتيش أوراق شخصية” عن علاقتها برشاد رشدي، ليتضح للقارىء أن العلاقة بينهما لم تكن على ما يرام وأن حياتهما الخاصة كانت مليئة بالأزمات، فقد هاجمت في كتابها حياته معه بعنف وشراسة ولم تكن توضح بمباشرة طبيعة هذه العلاقة فقد كان زواجها منه ردة فعل عاطفية على انفصالها من زوجها الماركسي التوجه أحمد رشدي وقد اعترفت لطيفة الزيات بأن سبب ارتباطها برشاد رشدي هو الجنس فقط.

وقد برعت لطيفة الزيات في كتاباتها في وصف البيت وربما تكون الأكثر تميزا وبراعة في هذا في الأدب العربي الحديث، ذلك لأنها عاشت عدم الاستقرار والحرمان العاطفي في بيت الزوجية الذي كان إحساسها الدائم به أنه كان في مهب الريح.


عن ميديل أست أونلاين
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...