لا.. لم يكن وهما هواك
ولم يكن وهما هواي..
إن الذي حسبته روحك
قد تبعثر في خطاي..
ما زال طفلا صارخا
جوعان يرضع من دماي!
* * *
وترددين..
وأنت ذاهلة..
مطأطئة الجبين!
كيف استحلت على يديه
تراب تمثال مهين..
كيف اختفت أيامه البيضاء
من عمري الحزين!
* * *
وترددين..
وملء جسمك
رعشة متندمة..
كم كان يهواني..!
ويعبد روحي المتأملة
ويود لو يلقى ضياه
على سمائي المظلمة
* * *
وتضج في دمك الشهي
مجاعة الشوق الدفين
فأراك في جدران غرفتك الحزينة
تركضين..
كالنور في قيد الدجى..
كالدمع في عين السجين..!
* * *
وأراك مطرقة على الأوراق
في صمت ضجر..
وهمومك السوداء
حولك مطرقات تنتظر..
كعجائز متجمعات
حول ميت يحتضر..
* * *
ويمر يومك ميت الخطوات
كالشيخ الضرير..
اسوان يثقله الدجى..
والرعب، والمطر الغزير
وتطل خلف زجاجه
أطياف شاعرك الأثير.
* * *
وتجئ مركبة المساء
بصوتها القلق الكئيب
سوداء تجثم فوقها
أقدام عملاق رهيب
وتجرها خيل محدبة
كألسنة اللهيب
* * *
وتروح واقفة ببابك
في عناد تنتظر..
فأراك هابطة
تشد خطاك أغلال القدر
حتى إذا ضمتك..
غابت في الظلام المعتكر
* * *
وتظل توغل في المسير
تشق أستار الغيوب
وتظل تقذفها الدروب النائيات..
إلى الدروب..
ويظل قلبك..
مغلقا فوق المواجع والندوب
* * *
وهناك خلف جزيرة مجهولة
خلف البحار..
تنمو على شطآنها السوداء
أحزان النهار
وتشب أشجار الخطايا
مثقلات بالثمار
* * *
ستكف مركبة العواصف
عن موالاة المسير
وستهبطين غريبة..
خرساء، جامدة الشعور
تتكلمين بلا صدى
وتقهقهين بلا سرور
* * *
ولسوف يزحف ألف وجه
ألف عبد مارد..
من ألف كهف مظلم
من ألف قبو بارد
ولسوف يستبقون نحوك
في عويل حاقد..
ولسوف تضطربين
في ذعر عميق النظرة
وتموت صرختك الرهيبة
في ضجيج الزحمة
وكأنما حملتك رجلا آدمي ميت
* * *
لكن أجنحة محلقة
ستقبل من بعيد
في لهفة مجنونة
تطوي انتفاضتها الحدود
وتضم رعبك في أسى
وتعود في وله شديد
* * *
وستطبقين جفونك
المسحورة المتبسمة
والحب يوقد في سراديب الكآبة أنجمه
وعلى شفاه الكائنات قصيدة مترنمة
لا.. لم يكن وهما هواي
إن الذي حسبته روحك
قد تبعثر في خطاي
مازال طفلا صارخا
جوعان يرضع من دماي