إبراهيم ناجي - قصة حب

مرت حياتي دون أمنيةٍ = وتقلّبت مَللا على مللِ
حتى لقيتكِ ذات أمسية = فعرفت فيكِ مطالع الأمل
طافت بي الأيامُ واحدة = لم تلقني فرحاً ولا جزعا
وتمرّ فارغة وحاشدة = وقد استوت ضِيْقا ومتسعا
والعمرُ سارَ كأنه العدمُ = سقمي به عندي كعافيتي
فأذقني ما لم يذقه فمُ = من أي كأس كنت ساقيتي؟
ما هذه الدنيا التي اقتربتْ = فيها المنى والظلُّ والثمرُ؟
تجتاز وامضة فمذ وثَبَتْ = وثَبَ الهوى وتمهَّلَ القدرُ!
قدماك ما انتقلا على درج = حاشك بل خطرا على ثبجِ
كسفينة خفّت على اللجج = نشوى بما حملت من الفرَجِ!
في مظلم متعرج كابٍ = والليل تغزوني جحافلهُ
دقّت يدُ النعمى على بابي = والعيش خابي النجم آفلهُ
يا للمقادير الجسام ولي = من ظلمها صرخات مجنون
باكي الفؤاد مشرّد الأمل = وقف الزمان وبابه دوني
مزّقتِ ظلمة كل ديجورِ = وألنت ما قد كان منه عصَى
وفتحتِ مصراعيه للنورِ = ما كنتِ إلا ساحراً وعصا
ماءٌ ضربتُ الصخر فانبجسا = وجرى الغداةَ زلالهُ العذبُ
أيقول دهري إن ما يبسا = هيهات يرجع عودهُ الرطبُ
صيّرت دعواه لتفنيدِ = وحطَّمته وهزمت حجّتهُ
وأعدتِ ما جفّ من عودي = مخضوضراً وأقمت صعدتَهُ!
يا من رأت طلالاً كتمثالِ = يستعرض العمرَ الذي مرَّا
وكأنه في رسمِهِ البالي = ندم الأسيف ودمعة حرَّى
ورد ذوي أو طائر صمتا = العمر مثل الظلّ منتقل
الناس لا يدرون من ومتى = والناس إن علموا فقد جهلوا
ما خطبهم في روضة حالت = أو صوّحت أفنانها الخضُل
نزل الربيع بها فنضّرها = وأحالها بشبابه لحنا
ومشى الشتاءُ لها فغبّرها = وأحالها لفظاً بلا معنى
هذا حديثٌ يشبه السِّحرا = هيهات أفرغ من روايتهِ
شفق المغيب جعلته فجرا = وبدأت عمري من نهايتهِ
إني لطيرٌ حائر باكِ = قد كانتْ الأحزانُ فلسفتي
ذابيت حناناً يوم لقياكِ = وجرت أغاريداً على شفتي
يا من طويت عليه جارحتي = وسألت عنه الأنجمَ الزّهرا
وضربت في الصحراء أجنحتي = أستلهم الكثبانَ والقفرا
والماء أنهَل حيثما كانا = والبرق أتبع حيثما لمعا
فأرى صفاءَ الوردِ غيمانا = والمطلقُ المجهولُ ممتنِعا!
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...