سمر حبيب - المثليّة الجنسيّة عند النساء في الشرق الأوسط .. تاريخها وتصويرها

أود أن أعرفكن على سحاقيات الحضارة العربية كما قدمها بعض رجال المجوﻥ والأدب القديم، ولكي نفعل ذلك علينا أن نتوجه أولاً إلى عهد الخليفة المأمون وتبدأ حكايتنا عند الحسن اليمني المتوفى عام 850 ميلادية. وفي كتاب رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب يقول اليمني التالي:
"السحاق قديم في النساء، ولهن به لذة يهون عندهن الافتضاح به والاشتهار به. قال صلى الله عليه وسلم ((سحاق النساء بينهن زنا)) وأول من سن السحق ابنة الحسن اليمني، وكانت وفدت على النعمان بن المنذر فأنزلها عند امرأته هند، فعشقتها وشغفت بها، وكانت هند أحسن أهل زمانها، وهي التي تسمى المتجردة لحسن متجردتها، فلم تزل ابنه الحسن تخدعها وتزين لها السحق وتقول: في اجتماع المرأتين لذة لم تكن بين المرأة والرجل، وأمنا من الفضيحة، وإدراكا لتمام الشهوة من غير اتهام ولا محاذرة لعاقبة، حتى اجتمعنا، فوجدت من الالتذاذ بها فوق ما قالته، وبلغ من شغف كل واحدة بالأخرى ما لم يكن بين امرأتين قط قبلهن، فلما ماتت ابنة الحسن اعتكفت هند على قبرها حتى ضرب المثل وفي ذلك قال الفرزدق:

وفيت بعهد منك كان تكرما كما لابنة الحسن اليماني وفت هند ( رشد اللبيب ص123-4)

ويعتقد اليمني كما نرى أن هند شغفت ببنت الحسن وان كانت علاقتها قوية ومخلصة وملتزمة وعلاقة جنسية، جسدية بشكل واضح. زوجة المنذر الملك البيزنطي (أي مسيحي) عاشت في القرن الخامس ميلادي، يعني ان هذه القصة حصلت قبل ولادة الإسلام عند العرب. ويضيف اليمني إلى ذلك أن:
"ثم من بعدهما رغوه ونجدة، تعاشقتا واشتهر أمرهما بالسحاق حتى عيّر أخو رغوم بذلك من أخته، فرصد لهما حتى وافهما يوما وهما مضطجعتان، فقتل نجدة وارتحل باخته، فجعلت رغوم تحرض قوم نجدة على قتل أخيها، وشبّت الحرب بينهما. وفي هذا دليل على عظم ما يجدنه من اللذة في السحق وترجيحه عندهن على اللذة من الرجال" (رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب، ص 124)

وتبين هذه القصة أن العلاقة المثلية هذه كانت مرفوضة عند قوم ﺮﻏﻮﻢ وأخيها ولكن ما كانت هذه العلاقة مرفوضة من قبل قوم نجدة لأن عشيقتها استنجدت بهم حيث شبت حرب بين القومين.

ويضيف اليمني إلى ذلك أن السحاقات على ضربين: احدهما من تحب السحق ولا تكره الاير ومن الممكن استخراج هذه من السحق على طريق الرجل "الماهر الموسر من الباه..." ولكن يضيف يمني أن الضرب الثاني من السحاقات هي: "المتذكرة الخلق ويظهر ذلك فيها من صغرها." ( رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب، ص 125) وتلك السحاقات يعتقد اليمني لا يمكن إعادتها إلى الصراط المستقيم.

كما تعرفن تحليل اليمني هذا لا يُريني حقيقة المثليات العربيات بل وأنه يُرينا جهله في الموضوع وهذا النوع من الجهل يشاركه به العديد من الباحثون الغربيون في متوسط القرن العشرين حيث كان الباحثون في هذا المجال غيراً عن الفريد كنسي يعتقدون أن كل المثليات هم شبه رجال أو رجال بلا الأعضاء الجنسية الأساسية وأن الرجال المثليين هم كالنساء ولا تزال المجتمعات العربية على هذا الاعتقاد لحد اليوم. وإضافةً إلى ذلك أن المثليات الفائقات بالأنثوية لسن ﻳﻌﺗﺒﺮﻦ مثليات حقيقيات و أﻥ يمكن تحويلهن لغيريات من خلال ممارسة جنسية مع الرجل الماهر بالباه!
ويجب علينا أن نقرأ هذه الكتابات القديمة بحراصة وان لا ننسى أنها كتابات تحاول أن تضعنا في قواليب الجنسية الغيرية السائدة التي تفرض علينا أن الرجل يحصل على رجولته من خلال تذكره وان المرأة لا تستطيع ان تكون امرأة من غير الأنوثة وان كان هناك شاب مخنث متكسرا في مشيته يفرض مجتمعنا علينا أن نراه كامرأة ولكن لحسن الحظ مفاهيم نظرية تحرر الجنس Queer theory)) التي بدأت في أواخر القرن الماضي علمتنا أن لا يوجد هناك سبب بان نربط جنسية الجسد بالعقل وعكسها.

وأصبح بوسعي أن أكون امرأة فائقة الأنوثة وان أكون مثلية وحصرية أيضاً ومن الممكن أن أكون مثلية بتصرفاتي وردائي ولا يعني هذا أنني مسترجلة أو أن يكون بيني وبين الرجولة أي علاقة، خاصةً علاقة الصورة بالشيء الأصل. ومن الممكن أيضاً أن أكون رجلاً بلا قضيب أو أن أكون امرأة متجسدة بجسد رجل. وحتى كيف ما كان تكويني الجسدي أستطيع أن أرفض أن أكون امرأة أو رجل وأن أﺷﻌﺭ حقاً أن هويتي الجنسية هي شيء غير محدد أو على الأقل غير عن مفهوم المجتمع للرجل والمرأة.

نظرية تحرر الجنس تُساعدنا على تحليل هذه النصوص البطرياركية التي ترى أن كل ما يتعلق بالجنس يبدأ وينتهي عند الرجل، ولكن يعترف اليمني وبمضضٍ شديد أن هناك لذة جنسية لدى تلك السحاقيات أن لا يمكن لهن أن يجدن نفس اللذة مع الرجال، وهذا اعتراف مهم وهو اعتراف بوجود المثلية عند النساء منذ ذلك الوقت وحتى من قبل ذلك.

يدل هذا الاعتراف على وجود المثليات العربيات عبر التاريخ وثقافات وحضارات مختلفة- ومن أظرف ما نقله اليمني من كتابات سحاقية يوجد في أبيات الشعر التي تتبع:

"وصورت مُتَقية صورة غلام قد رفع رجلي امرأة وهو ينيكها: وأرسلت به الى سحاقة، وكتبت عند الصورة تقول:
هذا وحقك حالي ما للسحاق وما لي
يرمي القلوب بلحظ كإصابات النبالِ
ذو طرة كظلام وغرة كهلالي
وقامة كقضيب تزهو بحسن اعتدال
فذاك انسى رسولي يفديه روحي ومالي
عسى يشقيك هذا فلا يغنيني فعالي
فصورت السحاقية صورة جارية تساحقها وأرسلتها الى متقية وكتبت عندها:
لكن كسي يجود يزهو بخد وخال
كمثل نقطة مسك تلوح فوق هلال
تريك ثغرا نقيا ومبسما ملآلي
فيه رضاب شهي عذب المذاق حالي
وحسن جيد بهي كمثل جيد الغزال
أقول لما بدا لي من حسنها يا ما بدا لي
سبحتن من صاغ الجمال من صلصال
فصار خلقا سوياً مكوناً من جمال
أتيت أرشف فيها وصادها عند دال
ان كان هذا حرام فذاك غير حلال
( رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب، ص 131-2)

حقاً هذه القصيدة الأخيرة تمثل لي من أهم وأجمل المكتوبات القديمة في هذا الموضوع لأننا نسمع صوت سحاقية عربية من خلال القرون ولا نزال نستطيع أن نفهم أحاسيسها ومعاناتها معاً: من وصف عملية جنسية شفهية ووصف الظمأ للاكتفاء الجسدي عند إنسانة من خلال إنسانة أخرى، إلى ما تقوله الشاعرة بالنسبة لتحريم روي العطش الجنسي وقولها السياسي والواضح أن هذا التحريم بنفسه حرام. وألاحظ أن الشاعرة تستعمل رموز دينية كنقطة المسك التي تلوح فوق الهلال، وأعرف حينها أنني أقرأ لشاعرة عربية مثقفة وقوية الشخصية ومثلية وحصرية، ومن الممكن أن تكون مسلمة التربية والثقافة. هذه المرأة المجهولة التي خاطبت المتقية الغيرية ترينا أن المثلية ليست على اختلاف مع العروبة لا بل أن هناك تضامن أدبي وتاريخي بين هاتين الهويتين ومع أن اليمني كان يرى أن المثلية هي شيء آثم ومحرم بالحديث ﺍﻠﻣﻗطﻭﻉ " السحاق زنا النساء بينهن" كان لا يزال يتقبل وجودهن ولا نرى في كلامه تحريض على إبادة المثليات أو عقابهن.
أما أحمد بن يوسف التيفاشي (عالم عربي مسلم تونسي) المتوفى عام 1253 ميلادية، فهو كان يعامل الموضوع بشكل ايجابي ومدهش وهو الوحيد من قال أن بعض الحكماء كانوا يرون السحاق كرغبة طبيعية عند النساء.

ولكن سوف أعود إلى التيفاشي بعد أن نلتقي بمثلية عربية أخرى من القرن التاسع وهذه المرأة كان اسمها بذل وكانت بذل مطربة وجارية على عهد المأمون، وما نعرف عن هذه المملوكة المدنية يأتي في كتاب أبو فرﺝ الأصفهاني المشهور: كتاب الأغاني. ويعلمنا الأصفهاني أن بذل كانت هي مؤلفة لأكثر من 1200 أغنية وكانت تستطيع أن تغني أكثر من 30000 لحناً. ويقول الأصفهاني أيضاً أن بذل كانت محبوبة من قبل العديد من المعجبين وانه تقدم لها أكثر من رجل واحد، ولكنها قضت حياتها بلا زواج.

في مجلس المأمون ذكر أحمد بن أبي طاهر أن محمد بن علي بن طاهر بن الحسين حدثه أن المأمون كان يوما قاعدا يشرب وبيده قدح إذ غنت بذل:

ألا لا أرى شيئاً ألذ من الوعد

فجعلته:

ألا لا أرى شيئاً ألذ من السحق

فوضع المأمون القدح من يده والتفت إليها، وقال: بلى يا بذل، النيك ألذ من السحق، فتشورت وخافت غضبه، فأخذ قدحه، ثم قال: أتمي صوتك وزيدي فيه:

ومن غفلة الواشي إذا ما أتيتها ومن زورتي أبياتها خاليا وحدي
ومن صيحة في الملتقى ثم سكته وكلتاهما عندي ألذ من الخلد

نسبة هذا الصوت:

ألا لا أرى شيئاً ألذ من الوعد ومن أملي فيه وإن كان لا يجدي
(نزهة الألباب ص242)

وفي يومٍ من الأيام كانت بذل تثير فضولنا في هذا العمل. ما معنى جرأتها هذه التي تثيرها على فتح موضوع السحاق أمام المأمون؟ وما هي علاقتها بالسحاق؟ هل كان لديها علاقة مستمرة مع إنسانة مجهولة؟ هل كانت هي من الساحقات الظاهرات المتذكرات، أو هل هي من اللواتي يصعب علينا أن نعثر عليهن بسبب أنوثتهن وتجاهل الأدباء وجودهن؟

أنا أعتقد أن بذل كانت مثليّة، ليس لأنني أريدها هكذا وليس لأنني أفرض قيم ومفاهيم عصرنا هذا على القرون الغابرة، بل لأن الأصفهاني يشير إليها بأنها "ظريفة"، والظرف كانت كلمة متداولة في بعض المدن العربية القديمة بين السحاقيات العربيات لتعني "السحاق".

ويضيف التفاشي في القرن الثالث عشر "إن ﻗﻴﻝ أن فلانة "ظريفة" عُلِمَ بينهن أنها سحاقية". كما تقول المثليات اﻠﻐربيات كلمة "gay"- المثليات العربيات المدنيات كان لديهن كلمة "ظريفة" التي بصدفة حلوة تُشابه معنى "gay" الأصلي بأن الإنسانة مبسوطة.

وسأنتقل الآن إلى فصل من كتاب التيفاشي "نزهة الألباب في ما لا يوجد في كتاب"، هناك فصل يتعلق بالسحاقيات وأنا أظن أن هذا الفصل يُشكِل توثيق للمثلية عند النساء العربيات بشكل ايجابي. وبالإضافة إلى ذكره لإمكانية المثلية أن تكون شهوة طبيعية هو أيضاً لا يذكر كتاباً أو أحاديث قامعة أو استياءً أخلاقياً من الموضوع. ويُعطينا التيفاشي نص منقول من سحاقية اسمها وردة وما هي المرأة العربية المثلية الأخرى التي تكلمت عن نفسها من خلال سطور قليلة. وتقول وردة:

"نحن معاشر السحاقات تجمع الواحد منا مع الناعمة البيضاء، الغنجة، الغضّة، البضّة، التي كأنها قضيب الخيزران، بثغر كالأقحوان، وذوائب كالأرنباني، وخد كشقائق النعمان وتفاح لبنان، وثدي كالرمان، وبطن باربعة أعكان، وكس كامن فيه النيران، بشفرين أغلظ من شفتي بقرة بني اسرائيل، وحدية كأنها سنام ناقة ثمود، ووطأ كأنها ألية كبش اسماعيل، في لون العاج، ولين الديباج، محلوق مخلق، مضمّخ بالمسك والزعفران، كأنه كسرى أنو شروان وسط الايوان، بالاصداغ المزرفنه، والنحور المزيّنة بالدّر والياقوت والغلائل اليمنيّة والمعاجر المصريّة. فنخلو بهن بمعاتبات شجيّة ونغمة عدنيّة، وجفون ساحرة، سالبة لتامور القلب، ثم اذا تطابقنا بالصدور على الصدور، وانضمت النحور على النحور، وتراكبت الشفران على الشفرين، واختلج كل منهما على اللآخر، حتى اذا تعالت الانفاس، وتشاغلت الحواس، وارتفعت الحرارة عن الرأس وبطل عند ذلك كل قياس، نظرت إلى الحركات الحسيّة، والضمائر الوهميّة، والصنائع الغريزيّة، والأخلاق العشقيّة، بين مص وقرص، ورهز ونهز، وشهيق وخفيق، وشخير وخرير، ونخير لو سمعه أهل ملطيّة لصاحوا: النقيرا مع رفع ووضع، وغمز ولمز، وضم وشم والتزام، وقٌبل وطيّب عمل، وانقلاب حرف مغير قلق."

كل ذلك بأدب ملوكي وأنين زاكي، حتى اذا حان الفراغ، وخفّ المصاغ، شممت كنسيم الأنوار، في آذار، وروائح الراح في حانوت خمار، ونظرت إلى اهتزاز خصن البان من الامطار، فلو نظر الفلاسفة إلى ما نحن فيه لحاروا، وأرباب اللهو والطرب لطاروا.
(نزهة الألباب، ص 242-3)

الست وردة لا تريدني أن أعلق على كلامها، تتكلم بوضوح وإثارة جنسية ساطعة، ولكنها أيضاً مثقفة لأنها تقتبس من القصص القرآنية: من ناقة ﺛمود إلى آلية كبش إسماعيل أو بقرة بني إسرائيل. وتتكلم بالعلمانية أيضاً بذكر كسرى أنو شروان (الملك الفارسي) واﻠﻗﺒﺍئل اليمنية وأهل الملطية أيضاً.

هذه ليست مجرد قصيدة ساخنة سببها الإثارة فقط بل هي أيضاً شعر عربي عميق بمعناه وتقنيته الأدبية. مع أنه هائل بصراحته وتصويره الجنسي بقلم امرأة عربية مثليّة (سحاقية) من القرن الثالث عشر في بلاد المغرب أو مصر أو سوريا.

أود أن أثير انتباهكن لقصتين أخرتين في هذا الباب في كتاب التيفاشي، أود أن أعرفكن على قصائد كتبت لأجل مدح المثلية عند النساء:

شربت النبيذ لحب الغزل وملت إلى السحق خوف الحبل
فضاجعت في خلو حبتي وفقت الرجال بطيب العمل
إذا كان سحقي مقنعاًَ غنيت به ورفضت الرجل
(نزهة الألباب، ص 244)

تقول الشاعرة أن حين فاقت الرجل بطيب العمل الجنسي مع حبيبتها وجدت قناعة واكتفاء بهذه العلاقة ولهذا السبب هي ترفض الرجل. هناك بساطة في التعبير ولكن نشعر باقتراب من تجربة الشاعرة هذه التي بدأت علاقة مع امرأة واكتشفت ميولها.
وهناك قصيدة أخرى على هذا النمط:

قنعت بحبتي ورفضتُ أيراً عواقبه بذات القدر تذري
اذا ما قيل قد حبلت فسحقاً لاولاد الزنا يضيق صدري
فما عذري إلى الأبوين فيه؟ فقد قطع الزناء حبال ظهري
(نزهة الألباب، ص 244)

أولاُ تقول الشاعرة أن من محاسن العلاقات المثلية الحصرية هو عدم الحبل وأيضاً اجتناب جزية الزنا التي كانت تُعاقب بقسوة. وهذا الكلام من الممكن أن يعني أن الكاتبة كانت في إحدى المناطق العربية التي ﻣﺍ كانت تعاقب المثلية كبغداد في القرن التاسع تحت تقنين قاضي المسلمين يحيى بن أكثم.
والقصيدة الأخرى:

وكم قد سحقنا، أخت تسعين حجّة اسّر وأخفى من دخول الفياشل
ومن حبل يرضى العدو ظهوره وأعظم من هذا ملام العواذل
وليس علينا الحد في السحق كالزنا وان كان أشهى منه عند القوابل
(نزهة الألباب، ص 244)

هذه القصيدة تردد ما قيل قبلها وبعدها بأن الشاعرة ترى نفسها مقتنعة ومرتوية بعلاقتها المثلية التي تفضلها على علاقة مع رجل وما يتبع هذه العلاقة من مشاكل اجتماعية وتناسلية.

وأخيراً في هذا المقطف أود أن أعرفكن على قاضٍ مصري متحفظ في أوائل القرن الثالث عشر، وهو وجد ﻨﻔﺴﻪ يوماً في قرافة في الصعيد المصري وخلال تجوله على بغله وقال يحدث:
"فبينما أنا أسير بين اﻠﺠﺒﺍنات سمعت في تربة من التُرَب شخيراً ونخيراً وشهيقاً يسلب العقول ويأخذ بمجامع القلوب، لم أسمع بقط مثله ولا ظننت أحد يفعله. بحركات موزونة ونغمات مطبوعة وألفاظ مسجوعة يّنسى لها نغمات الأوتار وتستخفي لديها ربات المزمار.

فسقت دابتي إلى حائط التربة ثم تطاولت وأشرفت وإذا بامرأتين، السفلى جارية تركية تُخجل البدر كمالا والغصن اعتدالا، بيضاء، غضّة، ناهد. وعليها امرأة نصيفة، بدينة، حسنة، نظيفة الزي، شكلة الا انها ليس كالسفلى، وهي تساحقها وتطارحها ذلك الكلام والسفلى تجيبها جواي مقصر كأنها متعلمة لها: (مكانك كما انت)، فبقيت مستلقية على ظهرها ثم كشفت عن بطنها وسرتها وصدرها ثوبا ازرق كان عليها، فبان لها صدر كالمرمر ونهدان كالماتان وبطن كأنه عرمة ثلج فيه سرّة كمدهن بلور إلى حرف راب ، ابيض ، مشرب بحمرة لم اشاهد قط عظمة ولا نقتة، ثم قالت لي: (ويحك يا وحش يا ثقيل، رايت قط مثل هذا؟) فقلت لها: (لا والله )، قالت لي: (فدونك غنيمة نادرة هيأها الله لك، وانصرف بحال سبيلك).
(قال): فلما شاهدت ذلك وسمعته سلب مني العقل والدين ولم املك نفسي، فقلت لها: (ويحك معي هذا البغل)، قالت: (فأنا أمسكه).
فنزلت ويشهد الله اني خالفت سجيتي في ذلك ، ثم دفعت لها عنان البغل والسوط ودخلت التربة فحللت عقد الرايات وألقيتها على ساقي ثم حللت السراويل وألقيت طرف الطيلسان من وراء كتفي وأدخلت يدي فشلت ذيولي وقربت من الجارية وانحنيت عليها، فعندما أقضيت برأس ذكري إلى شفري فرجها وجدت نعومته وحرارته لم أشعر إلا بحوافر البغل غاديا والمرأة تصرخ وتقول : ( أفلت البغل)، فقمت أنا واله العقل وخرجت فإذا البغل غاد بين الجبانات في اختلاط الظلام، لا اعلم أن غاب عن بصري حين ذهب، فعدوت وراءه وانأ في تلك الحالة، منعظ الذكر، محلول السروال، ملقى الرايات عاى وجوه أقدامي، مختل الطيلسان، أقوم مرّة وأقع أخرى." ( نزهة الالباب، ص، 240)

ما يثير إعجابي في هذه القصة هو انتصار البطلتان المجهولتان وبهدلة القاضي وتأديبه، وما يثير انتباهي أيضاً هو وصف الكلام بين الجارية التركية والمرأة التي تضاجعها. القاضي يوصف هذا الكلام ولكنه لا يردده ويترك التخايل لمستمعي قصته الطريفة. ومن هذه القصة نتعلم شيئاً آخر مهم، إذ نلاحظ أن نساء ذلك العصر الممنوعات عن التجول والحرية الفردية كانوا يجتمعون مع صديقاتهن من النساء في الجبّانات التي " لا يُحرج عليهن في المبيت قيها". وأعلم حينها أن المثليات العربيات القدماء ما كُنّ يختلفن عنّا كثيراً بأن الاختباء لا بل الاختفاء فُرِضَ على المرأة العربية بشكل عام وكبت المرأة العربية المثلية وأقربائنا القدماء هؤلاء ما كُنَّ دائماً مختبئات أو مضطهدات أو خائفات أو فقراء أو بؤساء أو جواري حُسناء.

وأحب أن أختم هذه الفقرة بمقطعٍ أخير من عند التيفاشي:
"وقد شاهدت امرأة منهن بالمغرب، كان لها مال كثير وعقار واسع، فأنفقت على عشيقتها المال الناضر. فلما فرغ وأكثر الناس عليها من العتب والملامة، سوّغت لها جميع العقار فحصلت على نحو خمسة آلاف دينار." (نزهة الألباب، ص 237)

لاحظوا هنا أن المعاتبة ليست بسبب جنس العشيق المؤنث بل بسبب إفراطها على عشيقتها بالمال الناضر. ولاحظن أيضاً أن هذه المرأة كانت مشاهدة – كانت خارجة وظاهرة وكان لها استقرار مادي بشكل العقار الواسع الذي تبرعت ﺒﻪ لعشيقتها.

وتعرفون الآن لماذا قلت في البداية أن "أصوات" تنتج أدباً مثيراً الذي يحيي تراث عربي قديم، حين قرأت كتاب "أصوات" "حقي أن أعيش أن أختار أن أكون" سررت بما وجدت من تقنية التعبير وإنسانية المؤﻠﻔات التي برزت من خلال الصفحات، و الترابط بين المتكلمات القدماء وتجاربهن والكاتبات المعاصرات. وعلى هذا الترابط من الممكن أن نبني سياسة تحريرية متماسكة أكثر وسياسة تزيدنا بالثقة والفخر بأنفسنا.
أشكركن جميعاً على حضوركن وانتباهكن ووقتكن. أحب أن أقدم لكن ثلاث أفلام قصيرة، يسترق عرضهم حوالي عشرين دقيقة. أحببت أن أعرض هذه الأفلام للمخرجة اللبنانية- الاسترالية فاديا عبود التي تقيم في سيدني والتي حصلت على جائزة لأحسن فيلم قصير في معرض الأفلام المثلية السنوي في مهرجان Mardi Gras للأفلام في عام 2006."



1 - في مساء 27.7.1969، في مدينة نيويورك داهمت قوة الشرطة بار لمثليي الجنس يدعى ببار ستون وول في قرية غرينتش في الولايات المتحدة. في عام 1969 لم تكن هذه الغارات غريبة؛ في الواقع كانت هذه الغارات تجري بشكل دائم ولكن دون أي مقاومة تذكر. ولكن في تلك الليلة اندلعت في الشارع احتجاجات عنيفة حيث ان الحشود بجرائه قاومت غرة الشرطة. ردود الفعل وعدة ليال من الاحتجاجات التي أعقبت ذلك، عُرفت فيما بعد كمظاهرات ستون وول. (The Stonewall Riot)
2 - المصطلحات بالعربيّة مأخوذة عن قاموس مصطلحات أصوات الثاني 2008
3 - أكبر مرجع غربي متخصص في تاريخ المثليّة الجنسيّة في المسيحيّة، وهو بروفسور ومؤرخ المعروف بجامعة ييل الأمريكية العريقة وأستاذ قسم التاريخ سابقاً بها.


- دة. سمر حبيب
المثليّة الجنسيّة عند النساء في الشرق الأوسط
تاريخها وتصويرها

المصادر:
رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب
نزهة الألباب ما لا يوجد في أي كتاب


صورة مفقودة
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...