- هالة شركس - المثقف والعلاقات الجنسية

أنا مبدع ..
إذن يحقّ لي ما لا يحقّ لغيري ..و ليغفر الناس لي زلّاتي ..لكي أستمرّ في عطاءاتي .. و ليتنعموا بثمار عبقرّيتي .. و تحف مواهبي ..!
***
الإبداع .. تعبير جذاب ..جميل ..
و الحديث عن المبدعين ، يحلقّ بنا في سماء الخيال العذب .. لكنني فكّرت كثيرا" قبل أن أمّد يدي إلى قلمي لأكتب عن هذا " الهرم المنحوت من حجارة الأعين ، و من ورق الورد ، و رفيف الأحلام " على حد تعبير الراحل الحبيب نزار قباني ..
هل يحق للمبدعين ما لا يحق لغيرهم ؟!.. هل نعاملهم كأطفالنا المدللين ؟؟ فنغفر أخطاءهم و نتجاهل هفواتهم ، و نبّرر تجاوزاتهم ؟!
هل نضعهم في خانة الخصوصيّة ، و نمنحهم الحصانة و نتيح لهم التمتع بما يُدعى : الأسباب المخففة ، فلا نحاكمهم كما يحاكم غيرهم من البشر الفانين ..!
هل تمنحهم مواهبهم بل و حتى عبقرياتهم تمّيزا" عن البشر ؟ فلا يقفون في قفص الاتهام القاسي و يعانون من كلمة القانون الباردة و نظرة الأعراف المتعالية .. بل ننظر إلى أخطائهم بابتسامة متسامحة كما ننظر إلى طفل مرّغ نفسه و ثيابه بالشوكولاتة و نضحك إذ نراه قد قصّ شارب أبيه و هو نائم أو كسر زهريّة و هو يحاول التقاط علبة الحلوى ؟
لطالما خطر لي هذا السؤال و أنا أقرأ عن تجاوزات الفنّانين ، لدى سماعي عبارات مثل : شطحات العباقرة ، و نزوات الفنّانين و تجاوزات المبدعين ..و لطالما سألت نفسي هل من المبرر أن نقيس أخطاء الناس بمقياس مزدوج ؟؟
***
عادت تلك الفكرة تغزو رأسي بلا هوادة بعد حوار دار بيني و بين أحد الأصدقاء من الفنّانين المبدعين..
و كانت الفكرة التي طرحها هي سقوطه في حالة اكتئاب و حزن شديد إن لم يكن يعيش حالة حبّ ..
و قال أنه يحرص أن يفرض على حبيبته حجابا" من السِّرّية لأنّ شعور زوجته يأتي في الدرجة الأولى ... سيّما أنه كان قد تزوجها بعد حبّ عاصف .. و لكن الحياة -على حدّ تعبيره - مع امرأة واحدة طوال العمر هو مأساة ..و عذاب لا طاقة له بتحمّله ..
ما فهمته من كلامه - دون تزويق - هو أنه يسمح لنفسه بخيانة زوجته التي يحبها و يخشى جرح مشاعرها ، لأنه يجب أن يكون في حالة حبّ ليبقى سعيدا" و مستمرا" في حياته و إبداعه ..و طالما الزوجة لا تدري بما يحدث .. فالأمور تسير على ما يرام ..!
***
و السؤال الذي يطرح نفسه بإصرار .. هل خطر لهذا الفنّان أن زوجته قد يكون لها نفس الشعور ؟؟و هل ترى تبرّر لنفسها خيانتها له -حتّى و لو لم تكن من المبدعات - بأنّ الحياة مع رجل واحد -تكنّ له المودّة و الحبّ سابقا" و تخشى أن تجرح شعوره- عذاب لا يطاق ؟!
و هل هذا ما اتفق عامة الناس على تسميته بصيانة العشرة و حفظ المودة ؟
أليس هذا نوع من النفاق ؟
إذا كان الزوج يعلم تماما" ان لزوجته الحق مثله في أن تبقى في حالة حّب - حتى لو لم تكن فنّانة - و هي تعلم أنّ لديه الحق في ذلك ..و أّنه فعلا" يخفي عنها حياة في الظلال ..و تفضّل هي أن تخفي رأسها في الرّمال كالنّعامة ..و هو يفعل الشئ ذاته ؟؟
***
في سياق الحديث عن الصراحة و الديمقراطيّة.. و حريّة الفكر و الحوار و إبداء المشاعر و تسمية الأشياء بمسمّياتها الحقيقيّة و التمتّع بالجرأة الادبيّة ، و مواجهة النفس و عدم الاختباء وراء ستائر النفاق و المجاملة الاجتماعيّة ....
لماذا لا يطرح الأمر بصراحة بين الزوجين ؟ و ماذا عن العلاقة المتينة التي ربطت جان بول سارتر بسيمون دوبوفوار و كل منهما كان يعلم ان للآخر علاقاته الخاصة ..لكنهما بنفس الوقت تابعا الحياة معا" لأن أيّا" منهما لا يستطيع الاستغناء عن الآخر .. و كان بينهما الميثاق المعروف !!الذي حافظا عليه حتى النهاية ..

إذا كان الرجل يظنّ انّه يحمي زوجته من إيذاء مشاعرها بإخفاء أمر علاقاته السّريّة عنها ، فهل يقبل بالميزان نفسه لو اكتشف أمر علاقة سرّية لها و قدّمت له المبرّر نفسه ؟... ( أنت تعني لي الكثير ..لكنّ الحياة مع رجل واحد طوال العمر مأساة ..و أنا لم أكن أريد أن أجرحك ..!أ
و ماذا عن هذا الرجل يجلس بين أناس يعلمون أنّ زوجته تخونه ، لكنها لا تريد أن تجرحه ؟؟
و ماذا عن الطرف المقابل ؟.. هو يجلس مع زوجته في حفلة عشاء و أصدقاؤه و المقرّبون إليه يعلمون أنّ هذه التي تجلس إلى جانبه -حبيبته سابقا"، و زوجته و أم أطفاله حاليّا"- تبتسم لهم ببلاهة ، و هي فخورة بحبّ زوجها و عنايته بها ؟؟و هل يمكن ان تتحقق السرّية المطلقة حتّى عن أعز الأصدقاء ؟؟ و ماذا عن القول المعروف : " الزوج دائما آخر من يعلم ؟؟"..
جميعنا يعلم أن هذه الصورة منتشرة إلى حد مثير للسخرية في مجتمعاتنا .. و لا سيّما المخمليّة منها ..و لا أدري بأي معيار يكون حفظ مشاعر الطرفين في إقامة علاقات في الخفاء و إبداء صورة مزيّفة الكل يرى حقيقتها ..
***
سؤال آخر أطرحه ..هل كانت العلاقة التي جعلت أراغون يؤلف " مجنون إلسا " عن زوجته ، و علاقة بابلو نيرودا بماتيلدا خرافة ؟؟ أم أن علاقات كهذه تبقى في حيّز الاستثناءات ؟؟
هي مجرد أسئلة أطرحها ..و أظن ان للزوجة أو الزوج الحق في أن يختار إذا كان يقبل بمتابعة حياته مع شريك يحفظ له المودّة لكنه لا يقبل ان يضعه في موضع الأبله السعيد ..
لا أدّعي انّه يحق لي أن أنصب نفسي قاضيا" .. لكنني كثيرا ما سمعت هذه النغمة ..و لم أطرب لسماعها .. وأظن أن هذا حال معظم الأزواج و الزوجات ..و في النهاية فإن ما أود أن أعرفه هو هل يبرر الحفاظ على المركز الاجتماعي أو الشهرة أو الفن أو حتى العبقريات ..ما يدعوه الناس بنزوات العباقرة و يحرّم على البشر العاديين ؟ أم أن الأمر سيّان بالنسبة للجميع ؟؟
و هل يبرر عدم جرح الآخر أو الحفاظ على الاستقرار النفسيّ للأولاد و المظهر الاجتماعي المحترم للعائلة السعيدة أمام المجتمع و الأصدقاء الإبقاء على الهيكل الهشّ لعلاقة انتهت منذ سنوات طويلة ؟؟ لماذا لا تكون المواجهة هي الحل ؟
هل أجد لديكم الجواب ؟؟


.
- عن موقع ألف لحرية الكشف في الكتابة والانسان
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...