نقوس المهدي
كاتب
- هلو مرحبا استاذ ؟ كيف حالك ؟
- من معي على الهاتف ؟
- تستطيع القول , انا متابعة لك
ولكل ما تكتبه من قصص وروايات.
- حقا انا سعيد بهذه المكالمة , اتقرأين القصص عادة ؟
- نعم . هل اسألك . ماذا تكتب هذه الايام ؟
واضح جدا ان الصوت يحاول ان يكون هادئا او ناعم النبرة قنوعا راضيا عن نفسه :
- نعم, اكتب مشهدا وصفيا عن ممثلة اجنبية شاهدتها عارية في احد مشاهد السينما , تمكنتُ ذات يوم من الحصول على الصورة العارية عينها ومازلت احتفظ بها منذ اربعين عاما , لم افقدها ولم تغب صورة الممثلة عارية عن ذاكرتي , اريد القول : ــــ ان الانسان يمكن ان يكون وفيا للاشياء التي يحبها اذا اراد ذلك دون خلط الاوراق مع بعضها وان يعطي للقلب نصيبه وللعقل حقه , ولا اخفي حبي لهذه الممثلة بالذات , هل سمعت باسم ممثلة فرنسية ـــــ : صوفي ميرسو؟
بعدها تأملتُ محتويات غرفتي وما تحويه من اثاث قديم هو خلطة غريبة بمزيد من لمسات المودرن السائدة هذه الايام حيث تنتشر تقليعة الديكور الهجين , يُؤتى به من مناشئ عديدة , ديكور ياباني مختلط بآخر ماليزي او كنبة مصرية .
- هل اعجبتكِ الفكرة ؟
كنت اقف عند النافذة , كانت الحركة شبه ميتة في الشارع لكن الشمس صافية نقية تماما , عدت ثانية الى وسط الغرفة اصغي لترددات الصوت الأنثوي عبر الهاتف , صوت فتاة ربما في الثلاثين من العمر .
قالت :
- أي فكرة ؟ فكرة الممثلة العارية ؟
قلت : نعم .
قالت بصوت متشنج ومتوتر :
- كلا أبدا . ليست فكرة موفقة وغير مناسبة لحياة نعيشها كما يعيش المطرود من الجنة .
- انت تبالغين في كلامك هذا ياعزيزتي ما علاقة ممثلة اجنبية بحياتنا هنا في بغداد؟
واضح ان سؤالي والعبارات المنتقاة التي خاطبتها بها كانت كافية للأطاحة بهدوئها المفترض .. جاء صوتها هذه المرة جافا ناشفا رغم انها كانت تتحدث بمزيد من العقلانية:
- ما علاقتك انت سيدي بممثلة كان عمرها سبعة عشر عاما عندما احببتها واليوم عمرها خمسون , خمسون مرة يقتل فيها ضحايانا ثم خمسون اخرى ينسفون المنازل والبنايات والمدينة تحترق بالموت المستمر, كيف ترتضي الكتابة بهذه الروح اللامبالية بحياة الناس ؟ اليست صاحبتك هي التي رفضت الوسام الرئاسي وامتنعت ان يقلدها رئيس الجمهورية الفرنسية لأنه منح هذا الوسام الى احد ملوك القرن الافريقي وهو ملك احدى الدول الغاطسة في التخلف والعنف وموت حقوق الانسان , في تلك الدولة الهمجية استطاع ملكها الفوز بالوسام الوطني الفرنسي هو الوسام عينه الذي رفضته صاحبتك صوفي ميرسو أليس كذلك ؟؟؟
ثم ما لبثتْ ان اردفت :
- قل لي يا استاذ ألهذا السبب عاد حبك لها ؟
قلت وانا في حيرة وعجب من امر الناس :
- لا علم لي بكل هذه الترهات !!
كيف استطاعت هذه المخبولة من جمع كل هذه المعلومات عن صوفي وانا لا علم لي بالأمر ؟ اي ملك افريقي واي وسام فرنسي رفضت صوفي قبوله من هولاند الذي تعلو وجهه مسحة من سذاجة وغباء يجعل منه شخصا مثيرا للشفقة.
عندما نشرتُ كلمتي عن الممثلة الفرنسية صوفي ميرسو على صفحتي في شبكة التواصل عاتبني العديد من الاصدقاء بعضهم اعرفه عن قرب وادرك ابعاد تفكيره وطبيعته التي قد تتسم بالحرص عليّ والخوف على سمعتي ليس كمتعاطي هواية الأدب والقصص فقط بل كأنسان صديق لهم وانا من الاشخاص الذين يولون اهمية خاصة للصداقة الحقة , اذ لا اعتراض لديّ على ما حدثوني به من عبارات العتاب اوالكلام الرقيق الحريص . اما البعض الآخر فلا علم لي بنواياهم تجاهي , وانا اعلم علم اليقين ان لي من الخصوم والاعداء او اولئك المصابين بالغيرة العمياء لا لشيء الا لأني اتمتع ببعض المزايا التي قد تغيضهم , نعم لا علم لي بما يخفونه تجاهي او تجاه الممثلة التي سحرتني بصورتها العارية منذ عام (1985 ايام تأديتي للخدمة الالزامية في الجيش ) وظلت تزورني في اليقظة والاحلام معا ما دمت احمل صورتها في احد جيوبي اوانقلها من مكان الى اخر , متلذذا بابتسامتها المشرقة ووجهها الصبوح وتلك النظرة المدهشة لفتاة تدرك معنى ان تكون جميلة , هذا الجمال الساحر الاخّاذ وجسدها الباذخ تم ترشيحه اكثر من مرة ليلعب دورا حاسما في افلام ذات طبيعة سكسية فاضحة .. لم تنفع صروف الدهر مع الصورة كما يعتقد المرء في حالة كهذه , فقد ظلت صورة ميرسو ناصعة كما حصلتُ عليها اول مرة , وذات مرة وقعت عينا آمر الكتيبة على الصورة أصيب بالدهشة , ولما اراد الاستيلاء عليها رفضتُ تسليمها له بحجج تعب ( هو ) من مناقشتها معي . كانت صوفي تقوم بزيارات خاطفة واخرى تستقر فيها بين جانحيّ او في عقلي , تهدأ ثم تبدأ حوارها معي , وكان بعض كلامها محيرا تخوض غمار السياسة العالمية في اللحظة التي ابث فيها لواعجي ورغبتي التي تعتمل بين اضلعي , اتلظى وهي تتخذ جلستها امامي كتمثال من الفضة التي احترمها كمعدن نقي , غالبا ما اصغي الى صوتها الرقيق الذي يذكرني بصوت طائر يحسن التغريد في الصباح مازجا تغريده بنسائم عذبة , كانت نغمة صوتها تدهشني بل تلجمني وتعطل رغبتي في الكلام , والحق لم يكن الصوت وحده يترك في نفسي هذا السحر المهيمن , بل الجسد الرشيق الممتلئ عافية وحضورا , كان الجسد سخيا بما ملكت منه صوفي بل قل انها مهما حاولت ان تكبح لجام شهوتها لن يتأتى لها ما تريد , انما ها انا اتمتع واستمتع بكنوزها وهي امامي تفيض حنوا وسخاءً وترقية لمجد الجسد الفتي , ناضج الأنوثة , يا للجسد المتسيد على قطيعه من البشر المنشغلين عن مصائرهم , دائما امسك يدها الطرية الناعمة امسكها بحنو ورهافة , رغبة تتجسد امامها بطواعية واستلاب روح وجسد , ترى ماذا ستقول صوفي وهي تنظر حالة رجل في عزلة ؟ ها هي ترى كيف طوقني الآخرون بفيض دعواهم في الا اتجنى على الواجب المقدس وانشغل بأمور اخرى حتى لو كانت ممثلة اجنبية عارية تجلس معي الآن والوطن يحترق بشراسة الاعداء ومن خونة الأمة وعملاء الأجنبي , كان هذا المنطق يحيرني ويملأ عقلي بالحيرة مما اسمعه من الآخرين , ترى هل انا انسان مجنون لا يبالي بما يدور من حوله من خراب ودمار؟..
كانت موسيقى هادئة تنساب من حولنا وانا اتأمل الوجه الساحر الجميل الذي يتخذ جلسته معي كأنه يغيب ويأتي مسحورا بما رأى , هل هي تحلم ام انا الحالم ابدا , هل الحلم خطيئة ؟ كم من الناس يحلمون في الليل كما في النهار ؟ مثلا , امس رأيت حلما , لم اتوقع اني سأقع في حبائله , اعترف انه بطريقة ما اغراني في السير على هدى ايقاع خطواته الثقيلة لكنها شديدة الحذر , خطوات تتسم بمزيد من التوجس وربما الخوف من اكتشاف خططه التدميرية الموغلة بالظلام والصوت البعيد يتردد صداه في الأرجاء , ليس صحيحا اتركه يعبث بي على هذه الشاكلة , وليست الأحلام طريقتي الوحيدة لفسح المجال امام صوفي ميرسو لزيارتي وتمتعي بجمالها المهيمن على روحي وجسدي بل اكتشفت طرقا عديدة للاستماع والاستمتاع بأحاديثها المؤثرة في النفس , غير ان ما ادهشني في الحكاية كلها التي اسميتها مشهد وصفي لممثلة عارية ليس صورة صوفي وهي عارية في العام ــــ 1985ــــ اعوام الحرب التي خضت غمارها لسنين عدة دون ان اطلق من بندقيتي رصاصة واحدة حتى لو كانت اطلاقة من اجل صيد طائر او حيوان هارب , الحرب التي اسمتها الصحافة العالمية بالحرب المنسية واطلقنا عليها تندرا حرب بلا معنى , لأن القتال لم يفض الى شيء طيلة تلك السنين , الحرب العراقية الايرانية . ما حيرني في الامر كله , ليس صورتها عارية على الشاطئ تستمتع بدفء الشمس الباريسية الناعمة , بل ما ادعى به الاصدقاء والخلان من تقولات لا تليق بشخص من شاكلتي او كما يفهمني اولئك الاصدقاء والمعارف , بعضهم لجأ الى لغة السباب والشتائم التي لا تليق بنا , لكن البعض الآخر تكلم بلغة العتاب والتحذير والسؤال الذي باطنه باطل وظاهره حق واي حق يرتجى من رجال أكلت الغيرة قلوبهم لانهم عرفوا ان شخصا مثلي ينعم بصداقة ممثلة فرنسية جميلة وتمتد صداقته معها قرابة الثلاثين عاما وعليكم ان تتخيلوا الصور والمشاهد المنحرفة التي وضعوني بها مع صوفي ميرسو ذات الجسد الباذخ . جسد ممثلة لاتضيّع الوقت سدى فقد حدثتني عن اهتمامها بجسدها وعدم اهمالها له , كانت دائما تتمتع بذلك الحس الشهير المعروف لدى عمالقة السينما ــــ الاحساس العالي بالزمن ــــ أي لايمكن اضاعة دقيقة واحدة هباءً , كانت صوفي حريصة في تعاملها مع الوقت والمواعيد , ويلعب الزمن كمعطىً تراكمي لا يربح المرء معه أي معركة او الدخول معه في صراع , وحده يجيد تراكم الايام والسنين على اكتافنا ولا نشعر بخسارتنا امامه , كانت تقول ضاحكة من بين اسنان ناصعه :ــــ هذا الوحش سوف يأتي يوم ويعترف بخسارته امامي , وكنت اقول لها مستجيبا لضحكتها العذبه : ــــ الجمال الذي انت عليه الآن هو مكمن خسارته , وظلت تحدثني عن بعض هفواتها حين كانت تنغمر في احد ادوارها فانها تظل مستغرقة في تفكير عميق وطويل بخصوص ابطال الرواية التي تحولت الى فلم , كانت تقول لي : عليك ان تؤمن بمصائر تلك الشخوص , انها حياة قابلة للعيش كما نحن الآن بل ارجو ان تضع في الحسبان انها شخصيات من الجدية بحيث نتوقع انفجارها في أي لحظة تأتي للانفجار والتشظي ... وكانت توصلاتها الغريبة تلك تثير دهشتي . اتراها درست الفلسفة او علم الاجتماع قبل التمثيل ؟ واتفقت مع صوفي ان تلك المصائر يتحكم بها شخصان لا غير الاول هو كاتب السيناريو او الرواية والثاني مخرج الفلم , لكنها لم ترد على كلامي ,ومن الواضح انها لم تصدق حرفا واحدا مما قلته امامها . ما دفعني ذلك الى التركيز على جسدها العاري الذي اكتوى بنار الغواية الذي القتني به بلا رحمة وهي تراني هائما في دنيا الجسد الباذخ , كانت تبتسم لي وتمد يدها نحوي بل كل ذراعها العاري, عندها يموت تطاولي على النعمة التي الفيتُ نفسي غارقا في لجتها الفضية الملمس . كان اغلب مارويته الآن لها حدث في ملجأي في جبهة الموت المحقق هناك حيث لا يعرف المرء متى يموت ومتى يحيا او يعيش الى الابد .. غير ان صوفي كانت تزورني خلسة ودون معرفة الآخرين الذين كان الكثير منهم يتحينون الفرص للأطاحة بعرش الملكة امام ناظري وهم يعلمون ان لاحول لي ولا قوة على من هو اقوى مني ولديه الحرس المدجج بالسلاح القاهر الفتاك للدفاع عن جبهة (( العزة والكرامة )) .
كنت قد تلقيت سيلا من رسائل الاصدقاء والمعارف يعاتبني البعض منهم على تورطي في الكتابة عن ممثلة اجنبية . غير اني شعرت بخيبة كبيرة من تلك العبارات غير المسؤولة فقد كتب لي اديب مشهور اصر على عدم ذكر اسمه امام الملأ اذا ما قررت نشر مذكراتي مع صوفي ميرسو , كتب لي على البريد الخاص يقول : لقد ادخلت نفسك في طريق التهلكة : الا تعلم انه لا يمكن الجمع بين الحمامة والصقر ؟ وحين طالبته بتوضيح من هي الحمامة ومن هو الصقر ؟ لم يرد على سؤالي قط , عندها كتبت له عبارة لا تقل عن عبارته غموضا : ترى أي مجنون يتجرأ على الجمع بين الشاة والذئب ؟ .. رسالة واحدة اراحت البال حالما تلقيتها من الكاتب عبد الرحمن الربيعي تقول : من ذكّرك بفتيات احلام جيلنا ؟ آه يا أحمد كم كان الجمال يصرعنا بسطوته وجبروته اتذكر صوفيا لورين وافا كاردنر وبرجيت باردو واخريات كنا نستضيفهن في مقاهينا في بغداد , اتذكر تلك الممثلة العراقية التي كانت تقلد ادري هيبرون وكيف كنا نسخر منها حالما تظهر تلك الممثلة المقلدة على الشاشة ؟ انا مطمئن لذاكرتك القوية .. ولما قررت الرد عليه كتبت رسالتي له على هيئة سؤال : عبد الرحمن اصدقني القول هل الكتابة عن ممثلة فرنسية في وقت تنفجر كل يوم عشرات المفخخات والاحزمة الناسفة في بغداد ؟ هل هذا خطا يصل مستوى الجريمة كما كتبت لي احداهن ؟
كان عبد الرحمن الذي اعرفه من قبل خمسين عاما ينسل من السؤال انسلال الشعرة من العجين ولا يعطيك الا نصف الجواب , أي يتركك في حيرة من الامر او يدخل الريبة الى عقلك وهكذا يفعل مع شخوص رواياته , كان محمد علوان هو الوحيد الذي تلطف معي لما اتصل بي هاتفيا : ـــــ الا ترى العنوان صارخا مشهد وصفي لممثلة عارية ؟ ايها العزيز احمد الا يمكن القول لممثلة فرنسية وكفى , اعني هكذا يكون العنوان؟ الا تعلم ان الناس يموتون في الكرادة والثورة بالعشرات ولا احد يفكر بإنقاذ حياتهم ؟ والحكومة تغط في النوم .. استاذ لماذا لاتغير االعنوان ؟ .. حقا أثارني كلام محمد علوان وجعل الحيرة من نصيبي .. ولما علمتْ احدى الفنانات بما تلقيته من ردود افعال على ما نشرته على صفحتي عن صوفي ميرسو قالت غاضبة : كل هذا بسسبب ممثلة فرنسية ؟ وماذا سيفعلون لو كانت عراقية ؟ قلت لها لو كانت عراقية كما تقولين لسخروا منها ومني واعتبروا الامر مجرد طرفة ادعيتها وصنعتها لنفسي كي اتسلى بها لبعض الوقت.
- من معي على الهاتف ؟
- تستطيع القول , انا متابعة لك
ولكل ما تكتبه من قصص وروايات.
- حقا انا سعيد بهذه المكالمة , اتقرأين القصص عادة ؟
- نعم . هل اسألك . ماذا تكتب هذه الايام ؟
واضح جدا ان الصوت يحاول ان يكون هادئا او ناعم النبرة قنوعا راضيا عن نفسه :
- نعم, اكتب مشهدا وصفيا عن ممثلة اجنبية شاهدتها عارية في احد مشاهد السينما , تمكنتُ ذات يوم من الحصول على الصورة العارية عينها ومازلت احتفظ بها منذ اربعين عاما , لم افقدها ولم تغب صورة الممثلة عارية عن ذاكرتي , اريد القول : ــــ ان الانسان يمكن ان يكون وفيا للاشياء التي يحبها اذا اراد ذلك دون خلط الاوراق مع بعضها وان يعطي للقلب نصيبه وللعقل حقه , ولا اخفي حبي لهذه الممثلة بالذات , هل سمعت باسم ممثلة فرنسية ـــــ : صوفي ميرسو؟
بعدها تأملتُ محتويات غرفتي وما تحويه من اثاث قديم هو خلطة غريبة بمزيد من لمسات المودرن السائدة هذه الايام حيث تنتشر تقليعة الديكور الهجين , يُؤتى به من مناشئ عديدة , ديكور ياباني مختلط بآخر ماليزي او كنبة مصرية .
- هل اعجبتكِ الفكرة ؟
كنت اقف عند النافذة , كانت الحركة شبه ميتة في الشارع لكن الشمس صافية نقية تماما , عدت ثانية الى وسط الغرفة اصغي لترددات الصوت الأنثوي عبر الهاتف , صوت فتاة ربما في الثلاثين من العمر .
قالت :
- أي فكرة ؟ فكرة الممثلة العارية ؟
قلت : نعم .
قالت بصوت متشنج ومتوتر :
- كلا أبدا . ليست فكرة موفقة وغير مناسبة لحياة نعيشها كما يعيش المطرود من الجنة .
- انت تبالغين في كلامك هذا ياعزيزتي ما علاقة ممثلة اجنبية بحياتنا هنا في بغداد؟
واضح ان سؤالي والعبارات المنتقاة التي خاطبتها بها كانت كافية للأطاحة بهدوئها المفترض .. جاء صوتها هذه المرة جافا ناشفا رغم انها كانت تتحدث بمزيد من العقلانية:
- ما علاقتك انت سيدي بممثلة كان عمرها سبعة عشر عاما عندما احببتها واليوم عمرها خمسون , خمسون مرة يقتل فيها ضحايانا ثم خمسون اخرى ينسفون المنازل والبنايات والمدينة تحترق بالموت المستمر, كيف ترتضي الكتابة بهذه الروح اللامبالية بحياة الناس ؟ اليست صاحبتك هي التي رفضت الوسام الرئاسي وامتنعت ان يقلدها رئيس الجمهورية الفرنسية لأنه منح هذا الوسام الى احد ملوك القرن الافريقي وهو ملك احدى الدول الغاطسة في التخلف والعنف وموت حقوق الانسان , في تلك الدولة الهمجية استطاع ملكها الفوز بالوسام الوطني الفرنسي هو الوسام عينه الذي رفضته صاحبتك صوفي ميرسو أليس كذلك ؟؟؟
ثم ما لبثتْ ان اردفت :
- قل لي يا استاذ ألهذا السبب عاد حبك لها ؟
قلت وانا في حيرة وعجب من امر الناس :
- لا علم لي بكل هذه الترهات !!
كيف استطاعت هذه المخبولة من جمع كل هذه المعلومات عن صوفي وانا لا علم لي بالأمر ؟ اي ملك افريقي واي وسام فرنسي رفضت صوفي قبوله من هولاند الذي تعلو وجهه مسحة من سذاجة وغباء يجعل منه شخصا مثيرا للشفقة.
عندما نشرتُ كلمتي عن الممثلة الفرنسية صوفي ميرسو على صفحتي في شبكة التواصل عاتبني العديد من الاصدقاء بعضهم اعرفه عن قرب وادرك ابعاد تفكيره وطبيعته التي قد تتسم بالحرص عليّ والخوف على سمعتي ليس كمتعاطي هواية الأدب والقصص فقط بل كأنسان صديق لهم وانا من الاشخاص الذين يولون اهمية خاصة للصداقة الحقة , اذ لا اعتراض لديّ على ما حدثوني به من عبارات العتاب اوالكلام الرقيق الحريص . اما البعض الآخر فلا علم لي بنواياهم تجاهي , وانا اعلم علم اليقين ان لي من الخصوم والاعداء او اولئك المصابين بالغيرة العمياء لا لشيء الا لأني اتمتع ببعض المزايا التي قد تغيضهم , نعم لا علم لي بما يخفونه تجاهي او تجاه الممثلة التي سحرتني بصورتها العارية منذ عام (1985 ايام تأديتي للخدمة الالزامية في الجيش ) وظلت تزورني في اليقظة والاحلام معا ما دمت احمل صورتها في احد جيوبي اوانقلها من مكان الى اخر , متلذذا بابتسامتها المشرقة ووجهها الصبوح وتلك النظرة المدهشة لفتاة تدرك معنى ان تكون جميلة , هذا الجمال الساحر الاخّاذ وجسدها الباذخ تم ترشيحه اكثر من مرة ليلعب دورا حاسما في افلام ذات طبيعة سكسية فاضحة .. لم تنفع صروف الدهر مع الصورة كما يعتقد المرء في حالة كهذه , فقد ظلت صورة ميرسو ناصعة كما حصلتُ عليها اول مرة , وذات مرة وقعت عينا آمر الكتيبة على الصورة أصيب بالدهشة , ولما اراد الاستيلاء عليها رفضتُ تسليمها له بحجج تعب ( هو ) من مناقشتها معي . كانت صوفي تقوم بزيارات خاطفة واخرى تستقر فيها بين جانحيّ او في عقلي , تهدأ ثم تبدأ حوارها معي , وكان بعض كلامها محيرا تخوض غمار السياسة العالمية في اللحظة التي ابث فيها لواعجي ورغبتي التي تعتمل بين اضلعي , اتلظى وهي تتخذ جلستها امامي كتمثال من الفضة التي احترمها كمعدن نقي , غالبا ما اصغي الى صوتها الرقيق الذي يذكرني بصوت طائر يحسن التغريد في الصباح مازجا تغريده بنسائم عذبة , كانت نغمة صوتها تدهشني بل تلجمني وتعطل رغبتي في الكلام , والحق لم يكن الصوت وحده يترك في نفسي هذا السحر المهيمن , بل الجسد الرشيق الممتلئ عافية وحضورا , كان الجسد سخيا بما ملكت منه صوفي بل قل انها مهما حاولت ان تكبح لجام شهوتها لن يتأتى لها ما تريد , انما ها انا اتمتع واستمتع بكنوزها وهي امامي تفيض حنوا وسخاءً وترقية لمجد الجسد الفتي , ناضج الأنوثة , يا للجسد المتسيد على قطيعه من البشر المنشغلين عن مصائرهم , دائما امسك يدها الطرية الناعمة امسكها بحنو ورهافة , رغبة تتجسد امامها بطواعية واستلاب روح وجسد , ترى ماذا ستقول صوفي وهي تنظر حالة رجل في عزلة ؟ ها هي ترى كيف طوقني الآخرون بفيض دعواهم في الا اتجنى على الواجب المقدس وانشغل بأمور اخرى حتى لو كانت ممثلة اجنبية عارية تجلس معي الآن والوطن يحترق بشراسة الاعداء ومن خونة الأمة وعملاء الأجنبي , كان هذا المنطق يحيرني ويملأ عقلي بالحيرة مما اسمعه من الآخرين , ترى هل انا انسان مجنون لا يبالي بما يدور من حوله من خراب ودمار؟..
كانت موسيقى هادئة تنساب من حولنا وانا اتأمل الوجه الساحر الجميل الذي يتخذ جلسته معي كأنه يغيب ويأتي مسحورا بما رأى , هل هي تحلم ام انا الحالم ابدا , هل الحلم خطيئة ؟ كم من الناس يحلمون في الليل كما في النهار ؟ مثلا , امس رأيت حلما , لم اتوقع اني سأقع في حبائله , اعترف انه بطريقة ما اغراني في السير على هدى ايقاع خطواته الثقيلة لكنها شديدة الحذر , خطوات تتسم بمزيد من التوجس وربما الخوف من اكتشاف خططه التدميرية الموغلة بالظلام والصوت البعيد يتردد صداه في الأرجاء , ليس صحيحا اتركه يعبث بي على هذه الشاكلة , وليست الأحلام طريقتي الوحيدة لفسح المجال امام صوفي ميرسو لزيارتي وتمتعي بجمالها المهيمن على روحي وجسدي بل اكتشفت طرقا عديدة للاستماع والاستمتاع بأحاديثها المؤثرة في النفس , غير ان ما ادهشني في الحكاية كلها التي اسميتها مشهد وصفي لممثلة عارية ليس صورة صوفي وهي عارية في العام ــــ 1985ــــ اعوام الحرب التي خضت غمارها لسنين عدة دون ان اطلق من بندقيتي رصاصة واحدة حتى لو كانت اطلاقة من اجل صيد طائر او حيوان هارب , الحرب التي اسمتها الصحافة العالمية بالحرب المنسية واطلقنا عليها تندرا حرب بلا معنى , لأن القتال لم يفض الى شيء طيلة تلك السنين , الحرب العراقية الايرانية . ما حيرني في الامر كله , ليس صورتها عارية على الشاطئ تستمتع بدفء الشمس الباريسية الناعمة , بل ما ادعى به الاصدقاء والخلان من تقولات لا تليق بشخص من شاكلتي او كما يفهمني اولئك الاصدقاء والمعارف , بعضهم لجأ الى لغة السباب والشتائم التي لا تليق بنا , لكن البعض الآخر تكلم بلغة العتاب والتحذير والسؤال الذي باطنه باطل وظاهره حق واي حق يرتجى من رجال أكلت الغيرة قلوبهم لانهم عرفوا ان شخصا مثلي ينعم بصداقة ممثلة فرنسية جميلة وتمتد صداقته معها قرابة الثلاثين عاما وعليكم ان تتخيلوا الصور والمشاهد المنحرفة التي وضعوني بها مع صوفي ميرسو ذات الجسد الباذخ . جسد ممثلة لاتضيّع الوقت سدى فقد حدثتني عن اهتمامها بجسدها وعدم اهمالها له , كانت دائما تتمتع بذلك الحس الشهير المعروف لدى عمالقة السينما ــــ الاحساس العالي بالزمن ــــ أي لايمكن اضاعة دقيقة واحدة هباءً , كانت صوفي حريصة في تعاملها مع الوقت والمواعيد , ويلعب الزمن كمعطىً تراكمي لا يربح المرء معه أي معركة او الدخول معه في صراع , وحده يجيد تراكم الايام والسنين على اكتافنا ولا نشعر بخسارتنا امامه , كانت تقول ضاحكة من بين اسنان ناصعه :ــــ هذا الوحش سوف يأتي يوم ويعترف بخسارته امامي , وكنت اقول لها مستجيبا لضحكتها العذبه : ــــ الجمال الذي انت عليه الآن هو مكمن خسارته , وظلت تحدثني عن بعض هفواتها حين كانت تنغمر في احد ادوارها فانها تظل مستغرقة في تفكير عميق وطويل بخصوص ابطال الرواية التي تحولت الى فلم , كانت تقول لي : عليك ان تؤمن بمصائر تلك الشخوص , انها حياة قابلة للعيش كما نحن الآن بل ارجو ان تضع في الحسبان انها شخصيات من الجدية بحيث نتوقع انفجارها في أي لحظة تأتي للانفجار والتشظي ... وكانت توصلاتها الغريبة تلك تثير دهشتي . اتراها درست الفلسفة او علم الاجتماع قبل التمثيل ؟ واتفقت مع صوفي ان تلك المصائر يتحكم بها شخصان لا غير الاول هو كاتب السيناريو او الرواية والثاني مخرج الفلم , لكنها لم ترد على كلامي ,ومن الواضح انها لم تصدق حرفا واحدا مما قلته امامها . ما دفعني ذلك الى التركيز على جسدها العاري الذي اكتوى بنار الغواية الذي القتني به بلا رحمة وهي تراني هائما في دنيا الجسد الباذخ , كانت تبتسم لي وتمد يدها نحوي بل كل ذراعها العاري, عندها يموت تطاولي على النعمة التي الفيتُ نفسي غارقا في لجتها الفضية الملمس . كان اغلب مارويته الآن لها حدث في ملجأي في جبهة الموت المحقق هناك حيث لا يعرف المرء متى يموت ومتى يحيا او يعيش الى الابد .. غير ان صوفي كانت تزورني خلسة ودون معرفة الآخرين الذين كان الكثير منهم يتحينون الفرص للأطاحة بعرش الملكة امام ناظري وهم يعلمون ان لاحول لي ولا قوة على من هو اقوى مني ولديه الحرس المدجج بالسلاح القاهر الفتاك للدفاع عن جبهة (( العزة والكرامة )) .
كنت قد تلقيت سيلا من رسائل الاصدقاء والمعارف يعاتبني البعض منهم على تورطي في الكتابة عن ممثلة اجنبية . غير اني شعرت بخيبة كبيرة من تلك العبارات غير المسؤولة فقد كتب لي اديب مشهور اصر على عدم ذكر اسمه امام الملأ اذا ما قررت نشر مذكراتي مع صوفي ميرسو , كتب لي على البريد الخاص يقول : لقد ادخلت نفسك في طريق التهلكة : الا تعلم انه لا يمكن الجمع بين الحمامة والصقر ؟ وحين طالبته بتوضيح من هي الحمامة ومن هو الصقر ؟ لم يرد على سؤالي قط , عندها كتبت له عبارة لا تقل عن عبارته غموضا : ترى أي مجنون يتجرأ على الجمع بين الشاة والذئب ؟ .. رسالة واحدة اراحت البال حالما تلقيتها من الكاتب عبد الرحمن الربيعي تقول : من ذكّرك بفتيات احلام جيلنا ؟ آه يا أحمد كم كان الجمال يصرعنا بسطوته وجبروته اتذكر صوفيا لورين وافا كاردنر وبرجيت باردو واخريات كنا نستضيفهن في مقاهينا في بغداد , اتذكر تلك الممثلة العراقية التي كانت تقلد ادري هيبرون وكيف كنا نسخر منها حالما تظهر تلك الممثلة المقلدة على الشاشة ؟ انا مطمئن لذاكرتك القوية .. ولما قررت الرد عليه كتبت رسالتي له على هيئة سؤال : عبد الرحمن اصدقني القول هل الكتابة عن ممثلة فرنسية في وقت تنفجر كل يوم عشرات المفخخات والاحزمة الناسفة في بغداد ؟ هل هذا خطا يصل مستوى الجريمة كما كتبت لي احداهن ؟
كان عبد الرحمن الذي اعرفه من قبل خمسين عاما ينسل من السؤال انسلال الشعرة من العجين ولا يعطيك الا نصف الجواب , أي يتركك في حيرة من الامر او يدخل الريبة الى عقلك وهكذا يفعل مع شخوص رواياته , كان محمد علوان هو الوحيد الذي تلطف معي لما اتصل بي هاتفيا : ـــــ الا ترى العنوان صارخا مشهد وصفي لممثلة عارية ؟ ايها العزيز احمد الا يمكن القول لممثلة فرنسية وكفى , اعني هكذا يكون العنوان؟ الا تعلم ان الناس يموتون في الكرادة والثورة بالعشرات ولا احد يفكر بإنقاذ حياتهم ؟ والحكومة تغط في النوم .. استاذ لماذا لاتغير االعنوان ؟ .. حقا أثارني كلام محمد علوان وجعل الحيرة من نصيبي .. ولما علمتْ احدى الفنانات بما تلقيته من ردود افعال على ما نشرته على صفحتي عن صوفي ميرسو قالت غاضبة : كل هذا بسسبب ممثلة فرنسية ؟ وماذا سيفعلون لو كانت عراقية ؟ قلت لها لو كانت عراقية كما تقولين لسخروا منها ومني واعتبروا الامر مجرد طرفة ادعيتها وصنعتها لنفسي كي اتسلى بها لبعض الوقت.