سعيد ياسين - واقع الدعارة في المغرب، بين الاحتراف والهواية

على الرغم من الجدل الذي أثاره الفيلم المغربي "الزين اللي فيك" لمخرجه نبيل عيوش، والذي يحكي قصة حياة أربع مومسات في مدينة مراكش؛ فإن الفيلم أماط اللثام عن موضوع لا زال يؤرق الشارع المغربي وهو الدعارة. وهذه المهنة، التي تعد من أقدم المهن في العالم، تطالب بعض الأصوات بتقنينها، ولو بطريقة غير مباشرة، من خلال المطالبة برفع التجريم عن العلاقات الجنسية التي تتم خارج إطار الزواج.

لم تكن فاطمة (18 عاماً) ترغب في أن تكون في يوم من الأيام واحدة من متمهنات الدعارة في المغرب. ولكن نشأتها في أسرة مفككة بسبب انفصال والديها، وعمل والدتها خادمة في البيوت والمقاهي جعلها عرضة منذ الصغر للتحرش الجنسي.

تروي قصتها قائلة: "في يوم من الأيام، أخبرتني أمي أنها تفكر في الارتباط بشخص ليكون بمثابة والدي". بعد 4 سنوات على زواج والدتها، تقول فاطمة: "ذات يوم كنت نائمة حين أحسست بيد تلمسني، ولما استيقظت، وجدت زوج أمي مخموراً يداعبني، صرخت، فصفعني واغتصبني من الخلف". تضيف: "هربت، وتوجهت إلى محطة المسافرين ولاد زيان، وهناك التقيت أمال التي كانت أيضاً هاربة من التحرش والاغتصاب، فنشأت بيننا علاقة صداقة إلى اليوم".

خديجة، التي تشتهر باسم آمال في عملها، تقول إن حكايتها هي أيضاً قريبة من قصة فاطمة، مع اختلاف في السن، إذ تعرضت للاغتصاب في عمر الـ14. أخفت خديجة الأمر إلى أن بدأ بطنها ينتفخ، فهربت من البيت.

في ممارستهما لمهنتهما، تؤكد الصديقتان أنهما تستغلان المقهى لاصطياد الزبائن، وغالبيتهم مغاربة. وتروي فاطمة أنه مع كثرة الممارسة، كونت شبكة من الزبائن، الذين يتصلون بها لممارسة الجنس والمبيت في بعض الأحيان. وتفضل فاطمة القيام بذلك في شقق الزبائن، موضحة أن هدفها الآن هو جمع المال لشراء شقة.

وعن المقابل الذي تتقاضاه، أشارت فاطمة إلى أن جمالها وصغر سنها يساهمان في رفع الأجر، مشيرة إلى أن السعر يبدأ من 500 درهم (نحو 50 دولار) ويصل إلى 2000 (نحو 200 دولار) في ليلة واحدة. ترفض فاطمة معاشرة الخليجيين، رغم إغداقهم المال، مفسرةً ذلك بميول الكثيرين منهم إلى ممارسات عنيفة.

وما يجمع فاطمة وآمال أيضاً هو قرارهما العمل بمفردهما ورفض الانخراط في شبكات الدعارة، التي غالباً ما تديرها سيدات متقدمات في السن، يكون سبق لهن امتهان الجنس.

مي حليمة، عاملة جنس سابقاً

في أحد الأسواق، تفترش مي حليمة الأرض، عارضةً سلعتها المتمثلة بالأكياس الخاصة بالاستحمام المعروفة بـ"الخرقة".

كانت مي حليمة، من ممتهنات الجنس، وابتعدت عنه بعد دخولها السجن إثر جريمة قتل عن غير قصد لعشيقها، فسجنت 10 سنوات وأفرج عنها قبل نهايتها بأربع سنوات لحسن سلوكها، بحسب حارس يعمل في سوق مجاور. في البداية ترددنا في التوجه مباشرة إليها ومحاورتها عن الماضي الذي ترفض النبش فيه. فكانت الحيلة الاستعانة بإحدى الصديقات، لتستغل عملية شراء بعض الأكياس وتدخل معها في حوار ينساق إلى الموضوع. اقتنت الزميلة منها 5 أكياس وادعت أنها ستسافر بها إلى إحدى دول الخليج؛ أمر كان بوابة لمناقشة موضوع عمل الفتاة في دول الخليج. فعندما ادّعت صديقتنا أنها تمتهن الرقص، شجعتها مي على استغلال هذه الفرصة لجمع المال والعودة بسرعة إلى المغرب، والاستثمار في أحد المشاريع والابتعاد عن "هذه المهنة"، التي وصفتها بالعار.

رقص

وأكدت مي أنه لو عاد بها الزمن إلى الوراء، لما اختارت طريق الدعارة الذي دخلته بسبب سوء الرفقة فقط. وأضافت أن سذاجتها ضيعت عليها مجموعة من فرص العمل. في النهاية، وجدت مي نفسها في دائرة من الفساد والدعارة، ورهينة شبكة يديرها شخص تحبه، وعدها بالزواج، والابتعاد بها عن هذا العمل. لكن كلامه كله كان كذباً، إذ اكتشفت أنه يخونها وتشاجرت معه، ومات نتيجة دفعها له ليرتطم رأسه بالحائط.
طالبة في النهار وبائعة هوى في الليل

حسناء تتحدر من مدينة الداخلة (جنوب المغرب)، وتدرس في كلية الحقوق، وتبلغ 21 من العمر. تحاول في حديثها التبرؤ من "شبهة" الدعارة، وتبرر ما تقوم به بأنه مجرد نزوات مع أصدقاء لإشباع غرائزها معتبرة أن ما تحصل عليه من بعض أصدقائها، أي زبائنها، مجرد هدية أو ثمن سيارة الأجرة، للعودة إلى الحي الجامعي.

تقول حسناء أن هناك عدداً من الطالبات المقيمات في الحي الجامعي، يعرضن أجسادهن لسد حاجاتهن، خصوصاً أن المنحة الجامعية لا تكفي لتلبية أغراضهن الخاصة. وأضافت: "هناك بعض الطالبات اللواتي يفضلن ممارسة الدعارة مع بعض الموظفين في إدارة الكلية، وبعض الأساتذة لمساعدتهن على اجتياز الامتحانات، والحصول على نقاط أعلى".

وعن الأسعار التي تطلبها الطالبات لممارسة الجنس، ذكرت حسناء أن الطالبات لسن كبائعات الهوى المحترفات، فهناك من تمارس الجنس بـ50 درهماً، والأغلى قد تتقاضى 200 درهم.
الدعارة في المغرب بالأرقام

أعلنت وزارة الصحة المغربية في تقرير صادر عام 2015 وجود نحو 19 ألف عاملة جنس في مدن الرباط وأكادير وطنجة وفاس ومراكش. ووفق التقرير، جاءت العاصمة الإدارية في الصدارة بـ7333 امرأة تعمل في الدعارة. وأشارت الإحصاءات نفسها إلى أن المتزوجات يشكلن 2% من أصل 19 ألف عاملة جنس، غالبيتهن من المطلقات والأرامل إضافة إلى المنقطعات عن التعليم.

وكشف التقرير أن نحو 20% من المُستجوَبات، أكدن أن أول اتصال جنسي لهن تم عندما كنّ دون الـ14. وأشار إلى أن غالبية المُستجوَبات أكدن أنهن لا يستعن بوسطاء للوصول إلى الزبائن، بينما 18% في أكادير والرباط، و35% في طنجة، و43% في الرباط، يضطررن للاتصال بوكالات أو وسطاء.

والمفاجأة التي حملها التقرير هي أن غالبية ممتهنات الدعارة أكدن أنهن لا يستعملن العوازل الطبية إلا في بعض الأحيان، بسبب عدم توفرها أو لرفض الزبائن استعمالها، غير أن 58% من عاملات الجنس في مدينة طنجة أكدن العكس. وبناء على التقرير، فإن تعرفة ممارسة الدعارة تراوح بين 100 و500 درهم.
الجدل في المجتمع المدني

تسيّر الشرطة النسائية في شوارع الرباط والدار البيضاء دوريات بحثاً عن عاملات الجنس وتقوم باعتقالهن على اعتبار أن المرأة هي المدانة الأولى والأخيرة، على الرغم من كونها الحلقة الأضعف وأقل المستفيدين. ولكن الجدل حول الدعارة وضرورة إيجاد حلول لها، يبدو شبه غائب على الساحة المغربية. تنحصر مقاربة الموضوع في محاولة مجموعة من المنظمات غير الحكومية الدفاع عن الحق في الممارسة الجنسية التي تتم خارج نطاق الزواج بشكل عام، من دون الحديث عن "الدعارة".

ففي عام 2015 طالب ائتلاف جمعيات مختلفة، ضم 32 منظمة مغربية غير حكومية، الحكومة برفع التجريم عن العلاقات الجنسية التي تتم خارج العلاقة الزوجية. وفي شهر يونيو من العام الجاري، جددت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، وهي عضو في هذا الائتلاف، طلبها برفع التجريم عن العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين من فصول مسودة القانون الجنائي الذي سيتم تعديله.

وفي هذا الصدد قالت سميرة بن كردن، رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، إن المشروع المغربي مطالب بتعديل المادتين 490 و491 من القانون الجنائي، حتى يتمكن المغرب من الاستجابة لتوصيات لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، مبرزة في تصريح لرصيف22 أن رفع التجريم على العلاقات الجنسية خارج إطار رابطة الزواج، ستمكن المغرب من الرقي إلى مصاف الدول التي تشجع على إزالة حاجز التمييز بين المرأة والرجل.

وينص القانون الحالي في الفصل رقم 490، على أن "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة".

وتوضح رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب أن الترسانة القانونية الجنائية في المغرب ما زالت تغلفها العقلية الماضوية والتقليدية، منتقدة مقاومة المشرع المغربي لشرعنة الحريات الفردية، وإخراجها من جلباب الحشمة والتقليدية.

في يوليو من العام الماضي، أكد مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، معارضته الشديدة لتغيير القوانين الرافضة لإباحة العلاقات الجنسية خارج الإطار الزوجي. وقال حينها إنه لن يغير القوانين كي لا يبيح العلاقات الجنسية حتى لو تطلب منه الأمر تقديم استقالته. وبرره موقفه إلى تشبثه بعقيدته الإسلامية التي تحرم ذلك ومبادئها.

وبعد مرور سنة على هذا التصريح، عاد وزير العدل والحريات نفسه ليناقض تصريحه الأول، إذ أكّد مؤخراً في ندوة نظمها حزب التقدم والاشتراكية، المشارك في الحكومة، أنه "ليس هناك ما يمنع من إقامة علاقة بين الرجل والمرأة، بعيداً عن أعين الناس". وأضاف الرميد، خلال اللقاء نفسه، "أن من تستر ستره الله، ومن جهر عاقبه القانون الجنائي".

يشير كلام الوزير إلى أن مسودة القانون الجنائي لن ترفع تجريم العلاقة الجنسية التي تتم خارج مؤسسة الزواج، ولكن التصريح اعتُبر، بحسب المهتمين، تشجيعاً ضمنياً على "ممارسة الدعارة" أو الخيانة، بشرط أن تتم بعيدة عن أعين الناس.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...