نقوس المهدي
كاتب
شمس المرأة لا تغيب.. عنوان جميل ينطوي على إشراقات أدبية تسبح في فضاء اللغة، تصدّر الكتاب الذي صاغه اليراع الفقهي للدكتور آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، واعده القلم الأكاديمي للكاتبة العراقية سهام جواد القزويني الحسني. هذه الإشراقات التي تؤطر العنوان، توحي للناظر أن الكتاب يبحث في شؤون أدبية ترتبط ذؤاباتها بخصال المرأة، لكن الكتاب في حقيقته، يبحث في عناوين كثيرة متوزعة على صفحات الكتاب، شؤون المرأة ودورها في داخل الأسرة كبنت ودورها كزوجة وأم، ودورها في المجتمع بوصفها تمثل الشقيقة للرجل، وأحد قباني ميزان الحياة، ولا تستقيم الدنيا ولا توصف بالعدل من دونها، كفرد لها هويتها الشخصية، وكفرد لها هويتها الاجتماعية، لها ما للرجل من حقوق وواجبات وأدوار في عالم الحياة اليومية.
فالمرأة ليست سقط المتاع كما كان الفهم القديم المندك في قعر الجهل والجاهلية، وهي ليست بضاعة تشترى وتباع، كما المفهوم السائد لدى عقليات قديمة وحديثة، تتعامل معها على انها مفردة حياتية عديمة الإحساس، وهي في الوقت نفسه ليست قهرمانة كما يريدها البعض أن تكون، فهي ريحانة ووعاء، وهي النصف الآخر لعالم الحياة، وهي كما يقول الناشر: "المرأة نصف المجتمع.. وأرادها البعض كل المجتمع.. بحجة تحرير المرأة.. فحرروها من حجابها وسترها وإنسانيتها وكرامتها، حتى غدت أمَةً تُشترى وتُباع، وسلعة تعرض على شاشات التلفاز.. وأرادها الإسلام إنسانة مصانة الكرامة، محفوظة الهيبة، عليها مسحة الوقار ".
ويشكل الكتاب المقدمة التمهيدية للقسم الخاص بالنساء من معجم الأنصار من دائرة المعارف الحسينية الكبرى، للمحقق الدكتور الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، التي تفوق أجزاؤها الستمائة جزء، استلتها الكاتبة سهام القزويني وتركت عليها بصماتها في أربعة عشر عنوانا مستقلا، بحثت الموضوعات التالية: بلوغ الأنثى، نقصان العقل، فرض الحجاب، الاختلاط، التعليم، المرأة والعمل، ولاية المرأة، قيمومة الرجل، تعدد الزوجات، الحضانة، حق الطلاق، نصيبها من الإرث، الحِداد، وإعفائها من القتال، فضلا عن موضوعات مختلفة، صنفت في خاتمة الكتاب مثلت كشكولا لطيفا حمل في جعبته ثمار الأدب والشعر والقصة.
مهّدت القزويني، للكتاب، بمقدمة عن شأن المرأة ودورها عبر التاريخ، وتعامل بعض الجاهليات معها على إنها من متاع الرجل يورث بعد موته أو تدفن معه حية أو تحرق معه، ورغم أن الإسلام أسبغ على المرأة شخصيتها وأكسبها هويتها الى جانب هوية عالم الرجال، لكن الفكر الجاهلي ظلت له امتداداته الى يومنا هذا، فالمرأة وفي بعض البلدان تعاني الأمرين تطحن تحت سندان الجاهلية الأولى ومطرقة الجاهلية الثانية.
يشخص المصنف وتحت عنوان (بلوغ المرأة) السَّنة التي تصل بها الصبية سن البلوغ، بلحاظات الشريعة والعرف والحالة الجسمانية التي عليها المرأة في مراحل عمرها، حيث حدد الشرع سن البلوغ بإكمال الصبية السنة التاسعة القمرية، فتكون مؤهلة لتحمل مسؤولياتها وكامل صلاحياتها في الحياة، وليس بمستغرب، فالعلم الحديث قد: "وصل بعد تجارب مضنية الى ان الأنثى تسبق الذكر في تكميل قدراتها الفكرية من جهة وغرائزها البدنية من جهة أخرى"، ولا يظنن البعض ان سن التكليف هو تحميل المرأة بما لا تطيق، بل العكس هو الصحيح، إنما هو من باب إكرام الإسلام للمرأة، من حيث انه: "جعلها بمستوى البالغين ليؤخذ برأيها في جميع المجالات، وتأخذ مجراها في الحياة نحو الاستقلال، بل من العدالة أن يتعامل معها حسب تلك القدرات التي تمتلكها وأن تجاهل مثل هذه القدرات يعد ظلما وتضييعا لحقها".
ويناقش الفقيه الكرباسي، وتحت عنوان (نقصان العقل) شبهة النقص في عقل المرأة، ويرى ان هذه الشبهة أخطأ الباحثون مرادها حين ردوها الى بضعة أحاديث مروية عن النبي محمد (ص) والإمام علي (ع)، لأنهم تعاملوا معها على طريقة (لا تقربوا الصلاة) وتركوا (وانتم سكارى)، بتروا الحديث فجاء المراد كما يرغبون لا كما هو مراد نص الرواية، ويعتقد ان المراد بنقصان العقل كما في بعض الأحاديث هو النسيان، أي ان النقصان هو في قوة الذاكرة لا في القوة المدركة التي تمثلها العقل، وقد دلت التجارب العلمية التي أجريت على الدماغ إن قوة الذاكرة لدى الرجل هي أكثر لدى المرأة، من هنا يفهم لماذا عادل الله في آية الدَين شهادة الرجل بشهادتي امرأتين معللا ذلك بقوله: (أن تضل احداهما فتُذكر احداهما الأخرى) البقرة:282، على أن للعقل معانِ أخر لا تقتصر على القوة المدركة، ومنها العلم بالشيء.
وخلاصة الأمر: "إن المراد بنقصان العقل هو قلة الذاكرة وليس كما ذهب اليه المغرضون الذين أرادوا التلاعب بالألفاظ ليس لصالح الرجل بل لضرب الإسلام والانتقاص من المرأة، وإلا فان في النساء منهن راجحات العقول على الرجال كما يشهد بذلك التاريخ".
وقد يعتبر البعض ان حجاب المرأة خلاف لحريتها ويتعارض مع مفهوم المساواة بين المرأة والرجل، لكن الشيخ الكرباسي وبناءا على مفهومه للحجاب الذي يدور مدار: "حجب نظر الرجل عن جسم المرأة بحيث يصد من الوقوع فيما ينافي العفة التي هي جزء لا يتجزأ من كرامة المرأة"، يرى ان نوعية الحجاب متروك للعرف، ولا عبرة للباس دون آخر مادام يتحقق فيه مفهوم الستر الذي فرضه الإسلام، بلحاظ أن الستر إجراء عملي لإخماد جذوة الفساد الجنسي، كما انه ليس من العدل والإنصاف، أن يؤمر الرجل بأن يغض بصره دون أن تؤمر المرأة بأن تستر ما يثير الرجل، فالعملية مزدوجة، على إن الحجاب في مفهومه العام لا يقتصر على المرأة فحسب، فان على الرجل أن يستر جوانب من جسده، لان جسد المرأة والرجل، في مقام الإثارة سيان.
ويقدم المصنف تعليلا جميلا لبيان علة الحجاب، فالذي يملك مؤهلات وخصائص تفوق أقرانه، يتوجب عليه الحفاظ عليها من عبث العابثين، والمرأة بفعل التكوين الفطري الخلقي، تتملك على جوانب عالية من الجمال والافتتان، فهي جوهرة، والجوهرة ينبغي أن تصان لا أن تهان بعرضها على القريب والغريب، مع القطع بان الحجاب يقلل من فرص نمو الأمراض الاجتماعية.
ولا يذهبن الظن بأحد، بان الحجاب من مبتكرات الإسلام، بل هو خُلق إنساني عام، مارسته كل المدنيات والحضارات وأقرته الديانات السماوية جمعاء، فكان الحجاب عند اليونانيين وعند البراهمة وعند الزرادشت وعند اليهود وعند المسيح.
ومن لطائف الحكم في بيان الحجاب قول الشاعر الشيخ حسين العاملي، من بحر الكامل:
ما الدر وهو مجرد عن حرزه = بمقدّر كالدرّ في الأصداف
وتصان بالستر الثمار وتغتدي = ببروزها في معرض الإتلاف
ولكن هل يعني إلزامية الحجاب، لزوم المرأة بيتها فحسب؟
الإجابة يقدمها المصنف تحت عنوان (الاختلاط)، إذ لم يمنع الإسلام عموم الاختلاط، وحظر ما يؤدي الى الفساد، فهو في الوقت الذي يمنع خلوة الأجنبي بالأجنبية، لم يمنع من عرض المريضة على الطبيب فيما إذا لم تتمكن من مراجعة الطبيبة.
ومن لطيف ما قيل عن الاختلاط غير المشروع، قول الشاعر الجاهلي أبو شمر الغساني، من بحر الكامل:
لا تأمنين على النساء أخا أخ = ما في الرجال على النساء أمين
حر الرجال وإن تعفف جهده = لابد أن بنظرة سيخون
وينتقل المصنف من الاختلاط الى موضوعة (المرأة والتعليم)، ويفند شبهة ان الإسلام يمنع المرأة من التعليم، ويهاجم: "بعض المتزمتين من ذوي العقول المتحجرة ممن لا صلة لهم بالفقه الاسلامي، وليس لهم باع في النصوص القرآنية والروائية" الذين كانوا وراء تدعيم مثل هذه الشبهة، في حين ان دعوة القلم التي أطلقها القران الكريم ورفع لواءها النبي الأكرم شملت الرجل والمرأة، وحديث النبي دال على ذلك حيث يقول (ص): (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
ويرد المصنف على أولئك الذين يأخذون بالظاهر من الحديث مثل قول النبي (ص): (اطلبوا العلم ولو في الصين)، فيرى ان حمل الرواية وغيرها من الروايات العامة في هذا الباب على إرادة الذكور دون الإناث، تخرص لم يدعم بدليل، وإذا كان الأمر كذلك، فان الكثير من الواجبات تسقط عن المرأة لان القرآن خاطب بها المسلمين بصيغة المذكر مثل: (يا أيها الذين آمنوا) أو (كتب عليكم)، ويؤكد المصنف أن فاطمة الزهراء (ع) كانت ممن دوّن وكتب وأملى.
والى جانب التعليم، يرفع بعض المتزمتين راية الرفض أمام عمل المرأة، معتبرين أن المطبخ مملكة المرأة عليها أن تقاتل فيه من اجل بطن الرجل، باعتبار أن معدة الرجل اقصر الطرق الى نيل رضاه، بيد أن المصنف، يدحض مثل هذه الشبهة التي لازمت الإسلام بفعل تخبط الحاطبين بليل من قصّار النظر الفقهي، فلا حرمة على عمل المرأة ودليل الحلية هو الأصل، فضلا عن ورود أحاديث تحث المرأة على تعلم بعض الصناعات مثل صناعة النسيج، التي تشكل في ايران وعلى سبيل المثال، أحد أهم موارد الدخل القومي الى جانب النفط والسياحة، ولا يمنع الحجاب من عمل المرأة، والكثير من المسلمات العاملات في أوروبا حيث الحرية المفرطة، يتشحن بالحجاب، على أن الغرب المتحضر مدنيا، راعى من جانب آخر وضع المرأة الجسماني، فمنحها إجازة مفتوحة قبل وبعد الولادة، فلا الحجاب يمنعها من النزول الى العمل، ولا العمل طابو قاصر على الرجل أو المرأة غير المحجبة.
ومن الطبيعي أن يشمل عمل المرأة تولي المراكز العالية في الدولة، ولذلك أفرد المصنف مبحثا مستقلا تحت عنوان (ولاية المرأة) ذكر فيه الروايات التي اعتمدها عدد من الفقهاء للقول بحرمة تولى المرأة المناصب العالية من قبيل ما روي عن الرسول (ص): (لن يفلح قوم تملكهم امرأة) أو ما روي عن الامام محمد بن علي الباقر (ع): (إن المرأة لا تولى القضاء ولا تولى الإمارة).
ويقدم الفقيه الكرباسي رأيه في الروايات، مؤكدا: "ومن الواضح أنها لا تصلح للنهوض في حجب المرأة من تبوء المناصب العليا من المرجعية الدينية أو السياسية من الولاية والإمارة أو القضاء والتقليد، وذلك لأن معظمها مرسلة أو ضعيفة السند، ومن جهة أخرى فانها لا تفي بالغرض لوحدها.."، ويحتمل المصنف، إن الإجماع المدعى من قبل مجموعة من الفقهاء، منع المرأة من تولى القضاء أو الإمارة: "معقده هذه الروايات التي لا تصلح للاستدلال بها، أو يكون معقده الاستحسان أي أن المرأة لم تتول منصباً من هذه المناصب على عهد الرسول (ص) والحاكمين بعده، وهذا أمر مخدوش فيه، نعم لا تكلف المرأة بما لا طاقة لها عادة، وكما في الحديث إنها ريحانة وليست بقهرمانة، فلا يفرض عليها أمثال تلك المناصب، وهذا لا يعني منعها منها أو حرمة توليها".
ولابد أن تثار عند الحديث عن المرأة شبهة تفضيل الرجل على المرأة من باب القيمومة المشار اليها في الآية 34 من سورة النساء، ويحاول المصنف وتحت عنوان (قيمومة الرجل) توضيح معنى القيمومة، فالقوامة مشروطة بالإنفاق، أي انها محصورة في الأسرة فقط، ولا تتعداها الى محيط آخر، وهي من قبيل توزيع الأدوار حسب المقومات الجسمية والنفسية، فليس في الأمر تفضيل، فعلى الرجل تحصيل المال لإدارة عائلته، ومن هنا جاءت القيمومة، ولهذا يستشعر الشيخ محمد جواد مغنية (1904- 1979م) عند تفسيره لقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء:34، جواز طلب المرأة الطلاق من زوجها إذا امتنع عن الإنفاق لعجز أو لعناد.
وقد يثار اللغط من جديد، بلحاظ نهاية آية القوامة، حيث أشار القرآن الى نشوز المرأة وعدم طاعة زوجها في الأمور التي فرضها الله عليها والتي من اجلها عقدت هذه الشراكة والتي محورها الحقوق الزوجية المعروفة، أي التمكين في الفراش، فوضع ثلاث مراحل تراتبية لجعل المرأة تحافظ على حق زوجها ضمن عقد الزواج، وهي الوعظ والإرشاد ثم الهجران في المضاجع وأخيرا الضرب، ولان المرحلة الأخيرة توحي بالقسوة، كما هو منطوق اللفظ، فان البعض راح يشنع على الإسلام من حيث يدري أو لا يدري، كما إن بعض الأزواج ومن غير معرفة راح يمارس الضرب ويرمي ذلك على الإسلام بهتانا، كما إن البعض أفرط في تفسير الآيات ما أساء الى الإسلام.
لكن الفقيه الكرباسي له فهمه، فهو يرى ان الآية هي في مقام التربية وليس في مقام التأديب، لأن الحدث لم يقع، والقرآن يشير الى خوف الوقوع في النشوز، على ان النشوز لا يقتصر على المرأة، وإنما يصدر من الرجل أيضا، كما إن هجر المضاجع، لا يعنى الانفصال المكاني، بل أن يحوّل الرجل ظهره الى زوجته في الفراش، أما الضرب المشار اليه في الآية فيكون في المنديل أو المسواك، من باب تذكيرها بحقوقه عليها، على ان لفظ الضرب كما يقول المصنف له معاني أخرى وردت في اللغة منها الإعراض، أي الإعراض عن الزوجة سواء في العمل الجنسي أو عن النوم معها في فراش واحد، وهذا التفسير يذهب اليه المصنف، لان الأقوال الأخرى فيها قسوة تتنافى مع روح التسامح التي بشّر بها النبي محمد (ص) وأهل بيته الكرام (ع)، والروايات في هذا المجال قليلة، وفي الوقت نفسه: "أكثرها ضعيفة السند، فلا يمكن الركون اليها، فيبقى أن تفسر الآية بالمعقول وبروح التسامح الاسلامي السامي مادامت العموميات واللغة ومضامين بعض الروايات وسياق الآية تساعدنا على ذلك".
وعلى خلاف المسيحية التي حددت الزواج بواحدة، فان الإسلام وعلى خلاف ما يثار بالضد منه، فانه جاء وحدد عدد الزوجات، وأطرها في أربعة ضمن شروط لا تتوفر بالقطع عند كثير من الرجال، على ان التعدد، كما يقول المصنف وتحت عنوان (تعدد الزوجات): "ليس فرضا اسلاميا أو خيارا مفضلا، أو منهاجا عاما كما يشيعه أعداء الإسلام، بل هو قانون غير ملزم مباح، لمعالجة حالات اجتماعية مستعصية لا تحل إلا بها فيما إذا افترض وجود أغلبية أنثوية في قطر من الأقطار".
كما إن التعدد ليس من خصوصيات الإسلام، إذ كان يعمل بنظامه في المدنيات والأديان التي سبقته، فضلا عن وجود التعدد المفتوح لدى بعض طوائف النصارى، وحصوله بكثرة في بلدان افريقية وآسيوية عدة، حتى يومنا هذا، بطريقة تجعل الأب يصعب عليه ذكر أسماء زوجاته فضلا عن أولاده. فعلى سبيل المثال، فان زعيم كنيسة يسوع المسيح الأصولية للقديسين العصربين (طائفة المورمون) رولون جيفز (Rulon T. Jeffs) الذي مات في سبتمبر- أيلول من العام 2002 عن 93 عاما، ترك وراءه عشرين زوجة وستين ولدا، فهذه الطائفة التي زحفت من بريطانيا وانتشرت في أميركا، تؤمن بتعدد الزوجات المفتوح، ووجهة نظرها الفقهية في ذلك، أن أنبياء العهد القديم تزوجوا بأكثر من واحدة، وإنجيلهم (كتاب مورمون شهادة ثانية ليسوع المسيح) دال على ذلك.
في الواقع إن التعدد مع وجود نسبة ولادات أنثوية اكبر، وضمن شروط العدالة والتكافل والقدرة، يمثل الحل الأنسب للقضاء على العنوسة، ومنع استشراء الأمراض الاجتماعية، وخلق نسيج من العلاقات الاجتماعية والأسرية داخل المجتمع الواحد، على ان الواقع الفسيولوجي يثبت ان الهرمون الجنسي الذكري (تستوستيرون) أكثر منه لدى الرجل من الهرمون الجنسي الأنثوي (ستراديول). ويرى رائد علم الاجتماع لوبون غوستاف (Lebon Gustave) (1841-1931م)، إن: "مبدأ تعدد الزوجات الشرقي نظام يطيب يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تقوم به ويزيد الأسرة ارتباطا، ويمنح المرأة احتراما وسعادة لا تراها في أوروبا، ولا أرى سببا لجعل مبدأ تعدد الزوجات الشرعي عند الشرقيين أدنى مرتبة من مبدأ تعدد الزوجات السري عند الأوروبيين، مع إنني أبصر بالعكس ما يجعله أسنى منه"، يؤيده في ذلك، دراسة نشرتها المجلة الطبية البريطانية في الثاني من أكتوبر – تشرين الأول من العام الجاري 2006، قالت فيها أن خبراء اجروا مسحا جنسيا على (2665) شخصا في غلاسكو بمقاطعة اسكتلندا، كشف ان نصف المتزوجين يمارسون الجنس مع بائعات الهوى، 60 في المئة خارج بريطانيا والبقية في الداخل.
ولما كان الحديث عن الأسرة، فان المصنف وتحت عنوان (الحضانة) تطرق الى أهمية إرضاع الطفل، للفوائد البدنية والنفسية التي تطال الطفل والأم معا، على إن الرضاعة مع كونها من حق الطفل، ولكن للزوجة الحق مطالبة الزوج بالأجرة، إذ: "لا تنافي بين كون ألام أحق بالحضانة وبين أن لها الحق في أن تقبض الأجر على حضانتها للطفل، وذلك حفظا على حقوقها المادية والمعنوية، وحقوق الطفل أيضا، وهذا دليل أيضا على ان الإسلام قد حافظ على الطفل والأم ولم يترك جانبا من جوانب المٍسألة إلا وبينها ورعاها".
ومن حقوق المرأة، هو (حق الطلاق)، بوصفه آخر العلاج الكي، وتحت هذا العنوان يتناول المصنف، الطلاق، وبيان سبب وضع عقد الطلاق بيد الرجل، لكون تسليم زمام أمر الطلاق بيد الزوج أقل فسادا مما إذا كان بيدها، لأمور عدة، منها تقديمه للعقل على العاطفة والغضب، ثم: "إذا أنيط الطلاق اليها لابد من التغيير الجذري في عدد من المسائل النفسية والجسدية والاجتماعية والقانونية والتي منها مسألة المهر والنفقة. وبقية المسؤوليات الملقاة على عاتق الرجل لتتحول كل هذه المسؤوليات الى المرأة، وهذا يعني تحويل المرأة الى الرجل والعكس بالعكس" وهذا ما لا يصح خلقيا ولا اجتماعيا. نعم، ترك الإسلام للمرأة حق الطلاق ضمن شرط عقد الزواج، كما لها حق الخلع، ولها حق الفسخ لعيوب في الرجل لا تستديم معها مسيرة الحياة الزوجية.
ومن مسائل المرأة كبنت أو زوجة (الإرث)، وتحت هذا العنوان، يتناول المصنف ارث المرأة، وبيان علة زيادة ارث الذكر على الأنثى، بلحاظات عدة، منها مسؤولية الرجل على الإنفاق وسقوطه عن المرأة، وليس في تفاوت الإرث، تفضيل للذكر على الأنثى، وإنما هو من باب توسع المسؤوليات المالية عند الرجل وتضييقها عند المرأة.
وتحت عنوان (الحداد) يبين المصنف علة وقوع الحداد على المرأة عند وفاة زوجها، ولا يقع على الرجل عند وفاة زوجته، ويرى ان الحداد هو نوع من التكريم الرباني لقمة الهرم الأسري وهو رب البيت عندما يغيب شمسه عن داره، فضلا عن أمور أخرى متعلقة بالحمل إذا كانت الزوجة المتوفى عنها زوجها دون سن اليأس.
ويتناول المصنف وتحت عنوان (إعفاء المرأة عن القتال) دور المرأة في المعركة، ويرى ان الجهاد في حالة الهجوم ليس فرضا واجبا على المرأة، أما: "في حالة الدفاع فلا خلاف بان الجهاد فرض عليها كما على الرجل، وعليه فقهاء الفريقين" على أن الإسلام: "لم يمنع المرأة من الجهاد حيث لم تذكر في المستثنيات في قوله تعالى: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى وعلى الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله) التوبة:91". مشيرا في نهاية المبحث الى بعض الشخصيات النسوية المجاهدة مثل أم عطية نسيبة بنت الحارث الأنصارية وأم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية والخنساء تماضر بنت عمرو السليمية، وغيرهن.
وتحت عنوان (المرأة والحب) يتطرق المصنف الى الحب بوصفه غريزة ربانية فطرية مودعة في الانسان، ولولا الحب لما استدامت الحياة، ولولا الحب لما ترسخ بناء الأسرة والحياة الزوجية، وإذا نظرنا بعمق الى مغزى قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) البقرة:187، لما تجاوزت الآية: "من معنى الحب العميق الذي يلف الطرفين ليجعل منهما نفسا واحدة وهي حالة لا يشعرها الانسان إلا عندما يرتقي به الحب الى مرقاه الأخير ويضم حبيبه الى نفسه ليتلابسا دون تمييز بينهما، فلا يعرف حينها مَن الزوج ومَن الزوجة".
ومما ينسب الى الامام الحسين (ع) في زوجته الرباب وابنته سكينة، من بحر الوافر:
لعمرك إنني لأحبُّ دارا = تحلُّ بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جُلَّ مالي = وليس لعاتب عندي حساب
ولست لهم وإن عتبوا = مطيعا حياتي أو يغيبني التراب
ويفرد المصنف بابا تحت عنوان (الفوارق) يشير فيها الى الاختلافات الجسدية بين الرجل والمرأة، كما أفرد أبوابا عدة، تناولت لطائف وحكم، ومراحل نمو الجنسين الذكر والأنثى، والمعاني الأخرى للفظ المرأة، والمرأة والإسلام وبيان التشريعات الخاصة بها، وبيان أوصاف الزوجة المفضلة من الناحية الخلقية والخُلقية، وتخليد القرآن لعدد من النساء مثل زوجة فرعون آسية بنت مزاحم الإسرائيلية والعذراء البتول مريم بنت عمران (ع)، وبيان مواقف بطولية لبعض النسوة في معسكر الامام الحسين (ع)، مثل أم وهب النصرانية، والسيدة زينب بنت علي (ع)، والإشارة الى مواقف نساء خالدات في التاريخ والإسلام مثل السيدة خديجة بنت خويلد زوجة الرسول الأكرم محمد (ص) وابنتها فاطمة الزهراء (ع). وينقل المصنف في مبحث مستقل أقوال بعض المفكرين الغربيين ونظرتهم الى المرأة في إطار الإسلام. وفي الختام نقرأ عددا من الإحصاءات بما يخص المرأة قديما وحديثا.
صدر الكتاب في بيروت، عن بيت العلم للنابهين، في 210 صفحات من القطع المتوسط، تطرزه لوحة جميلة من الفن التشكيلي الحديث.
فالمرأة ليست سقط المتاع كما كان الفهم القديم المندك في قعر الجهل والجاهلية، وهي ليست بضاعة تشترى وتباع، كما المفهوم السائد لدى عقليات قديمة وحديثة، تتعامل معها على انها مفردة حياتية عديمة الإحساس، وهي في الوقت نفسه ليست قهرمانة كما يريدها البعض أن تكون، فهي ريحانة ووعاء، وهي النصف الآخر لعالم الحياة، وهي كما يقول الناشر: "المرأة نصف المجتمع.. وأرادها البعض كل المجتمع.. بحجة تحرير المرأة.. فحرروها من حجابها وسترها وإنسانيتها وكرامتها، حتى غدت أمَةً تُشترى وتُباع، وسلعة تعرض على شاشات التلفاز.. وأرادها الإسلام إنسانة مصانة الكرامة، محفوظة الهيبة، عليها مسحة الوقار ".
ويشكل الكتاب المقدمة التمهيدية للقسم الخاص بالنساء من معجم الأنصار من دائرة المعارف الحسينية الكبرى، للمحقق الدكتور الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، التي تفوق أجزاؤها الستمائة جزء، استلتها الكاتبة سهام القزويني وتركت عليها بصماتها في أربعة عشر عنوانا مستقلا، بحثت الموضوعات التالية: بلوغ الأنثى، نقصان العقل، فرض الحجاب، الاختلاط، التعليم، المرأة والعمل، ولاية المرأة، قيمومة الرجل، تعدد الزوجات، الحضانة، حق الطلاق، نصيبها من الإرث، الحِداد، وإعفائها من القتال، فضلا عن موضوعات مختلفة، صنفت في خاتمة الكتاب مثلت كشكولا لطيفا حمل في جعبته ثمار الأدب والشعر والقصة.
مهّدت القزويني، للكتاب، بمقدمة عن شأن المرأة ودورها عبر التاريخ، وتعامل بعض الجاهليات معها على إنها من متاع الرجل يورث بعد موته أو تدفن معه حية أو تحرق معه، ورغم أن الإسلام أسبغ على المرأة شخصيتها وأكسبها هويتها الى جانب هوية عالم الرجال، لكن الفكر الجاهلي ظلت له امتداداته الى يومنا هذا، فالمرأة وفي بعض البلدان تعاني الأمرين تطحن تحت سندان الجاهلية الأولى ومطرقة الجاهلية الثانية.
يشخص المصنف وتحت عنوان (بلوغ المرأة) السَّنة التي تصل بها الصبية سن البلوغ، بلحاظات الشريعة والعرف والحالة الجسمانية التي عليها المرأة في مراحل عمرها، حيث حدد الشرع سن البلوغ بإكمال الصبية السنة التاسعة القمرية، فتكون مؤهلة لتحمل مسؤولياتها وكامل صلاحياتها في الحياة، وليس بمستغرب، فالعلم الحديث قد: "وصل بعد تجارب مضنية الى ان الأنثى تسبق الذكر في تكميل قدراتها الفكرية من جهة وغرائزها البدنية من جهة أخرى"، ولا يظنن البعض ان سن التكليف هو تحميل المرأة بما لا تطيق، بل العكس هو الصحيح، إنما هو من باب إكرام الإسلام للمرأة، من حيث انه: "جعلها بمستوى البالغين ليؤخذ برأيها في جميع المجالات، وتأخذ مجراها في الحياة نحو الاستقلال، بل من العدالة أن يتعامل معها حسب تلك القدرات التي تمتلكها وأن تجاهل مثل هذه القدرات يعد ظلما وتضييعا لحقها".
ويناقش الفقيه الكرباسي، وتحت عنوان (نقصان العقل) شبهة النقص في عقل المرأة، ويرى ان هذه الشبهة أخطأ الباحثون مرادها حين ردوها الى بضعة أحاديث مروية عن النبي محمد (ص) والإمام علي (ع)، لأنهم تعاملوا معها على طريقة (لا تقربوا الصلاة) وتركوا (وانتم سكارى)، بتروا الحديث فجاء المراد كما يرغبون لا كما هو مراد نص الرواية، ويعتقد ان المراد بنقصان العقل كما في بعض الأحاديث هو النسيان، أي ان النقصان هو في قوة الذاكرة لا في القوة المدركة التي تمثلها العقل، وقد دلت التجارب العلمية التي أجريت على الدماغ إن قوة الذاكرة لدى الرجل هي أكثر لدى المرأة، من هنا يفهم لماذا عادل الله في آية الدَين شهادة الرجل بشهادتي امرأتين معللا ذلك بقوله: (أن تضل احداهما فتُذكر احداهما الأخرى) البقرة:282، على أن للعقل معانِ أخر لا تقتصر على القوة المدركة، ومنها العلم بالشيء.
وخلاصة الأمر: "إن المراد بنقصان العقل هو قلة الذاكرة وليس كما ذهب اليه المغرضون الذين أرادوا التلاعب بالألفاظ ليس لصالح الرجل بل لضرب الإسلام والانتقاص من المرأة، وإلا فان في النساء منهن راجحات العقول على الرجال كما يشهد بذلك التاريخ".
وقد يعتبر البعض ان حجاب المرأة خلاف لحريتها ويتعارض مع مفهوم المساواة بين المرأة والرجل، لكن الشيخ الكرباسي وبناءا على مفهومه للحجاب الذي يدور مدار: "حجب نظر الرجل عن جسم المرأة بحيث يصد من الوقوع فيما ينافي العفة التي هي جزء لا يتجزأ من كرامة المرأة"، يرى ان نوعية الحجاب متروك للعرف، ولا عبرة للباس دون آخر مادام يتحقق فيه مفهوم الستر الذي فرضه الإسلام، بلحاظ أن الستر إجراء عملي لإخماد جذوة الفساد الجنسي، كما انه ليس من العدل والإنصاف، أن يؤمر الرجل بأن يغض بصره دون أن تؤمر المرأة بأن تستر ما يثير الرجل، فالعملية مزدوجة، على إن الحجاب في مفهومه العام لا يقتصر على المرأة فحسب، فان على الرجل أن يستر جوانب من جسده، لان جسد المرأة والرجل، في مقام الإثارة سيان.
ويقدم المصنف تعليلا جميلا لبيان علة الحجاب، فالذي يملك مؤهلات وخصائص تفوق أقرانه، يتوجب عليه الحفاظ عليها من عبث العابثين، والمرأة بفعل التكوين الفطري الخلقي، تتملك على جوانب عالية من الجمال والافتتان، فهي جوهرة، والجوهرة ينبغي أن تصان لا أن تهان بعرضها على القريب والغريب، مع القطع بان الحجاب يقلل من فرص نمو الأمراض الاجتماعية.
ولا يذهبن الظن بأحد، بان الحجاب من مبتكرات الإسلام، بل هو خُلق إنساني عام، مارسته كل المدنيات والحضارات وأقرته الديانات السماوية جمعاء، فكان الحجاب عند اليونانيين وعند البراهمة وعند الزرادشت وعند اليهود وعند المسيح.
ومن لطائف الحكم في بيان الحجاب قول الشاعر الشيخ حسين العاملي، من بحر الكامل:
ما الدر وهو مجرد عن حرزه = بمقدّر كالدرّ في الأصداف
وتصان بالستر الثمار وتغتدي = ببروزها في معرض الإتلاف
ولكن هل يعني إلزامية الحجاب، لزوم المرأة بيتها فحسب؟
الإجابة يقدمها المصنف تحت عنوان (الاختلاط)، إذ لم يمنع الإسلام عموم الاختلاط، وحظر ما يؤدي الى الفساد، فهو في الوقت الذي يمنع خلوة الأجنبي بالأجنبية، لم يمنع من عرض المريضة على الطبيب فيما إذا لم تتمكن من مراجعة الطبيبة.
ومن لطيف ما قيل عن الاختلاط غير المشروع، قول الشاعر الجاهلي أبو شمر الغساني، من بحر الكامل:
لا تأمنين على النساء أخا أخ = ما في الرجال على النساء أمين
حر الرجال وإن تعفف جهده = لابد أن بنظرة سيخون
وينتقل المصنف من الاختلاط الى موضوعة (المرأة والتعليم)، ويفند شبهة ان الإسلام يمنع المرأة من التعليم، ويهاجم: "بعض المتزمتين من ذوي العقول المتحجرة ممن لا صلة لهم بالفقه الاسلامي، وليس لهم باع في النصوص القرآنية والروائية" الذين كانوا وراء تدعيم مثل هذه الشبهة، في حين ان دعوة القلم التي أطلقها القران الكريم ورفع لواءها النبي الأكرم شملت الرجل والمرأة، وحديث النبي دال على ذلك حيث يقول (ص): (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
ويرد المصنف على أولئك الذين يأخذون بالظاهر من الحديث مثل قول النبي (ص): (اطلبوا العلم ولو في الصين)، فيرى ان حمل الرواية وغيرها من الروايات العامة في هذا الباب على إرادة الذكور دون الإناث، تخرص لم يدعم بدليل، وإذا كان الأمر كذلك، فان الكثير من الواجبات تسقط عن المرأة لان القرآن خاطب بها المسلمين بصيغة المذكر مثل: (يا أيها الذين آمنوا) أو (كتب عليكم)، ويؤكد المصنف أن فاطمة الزهراء (ع) كانت ممن دوّن وكتب وأملى.
والى جانب التعليم، يرفع بعض المتزمتين راية الرفض أمام عمل المرأة، معتبرين أن المطبخ مملكة المرأة عليها أن تقاتل فيه من اجل بطن الرجل، باعتبار أن معدة الرجل اقصر الطرق الى نيل رضاه، بيد أن المصنف، يدحض مثل هذه الشبهة التي لازمت الإسلام بفعل تخبط الحاطبين بليل من قصّار النظر الفقهي، فلا حرمة على عمل المرأة ودليل الحلية هو الأصل، فضلا عن ورود أحاديث تحث المرأة على تعلم بعض الصناعات مثل صناعة النسيج، التي تشكل في ايران وعلى سبيل المثال، أحد أهم موارد الدخل القومي الى جانب النفط والسياحة، ولا يمنع الحجاب من عمل المرأة، والكثير من المسلمات العاملات في أوروبا حيث الحرية المفرطة، يتشحن بالحجاب، على أن الغرب المتحضر مدنيا، راعى من جانب آخر وضع المرأة الجسماني، فمنحها إجازة مفتوحة قبل وبعد الولادة، فلا الحجاب يمنعها من النزول الى العمل، ولا العمل طابو قاصر على الرجل أو المرأة غير المحجبة.
ومن الطبيعي أن يشمل عمل المرأة تولي المراكز العالية في الدولة، ولذلك أفرد المصنف مبحثا مستقلا تحت عنوان (ولاية المرأة) ذكر فيه الروايات التي اعتمدها عدد من الفقهاء للقول بحرمة تولى المرأة المناصب العالية من قبيل ما روي عن الرسول (ص): (لن يفلح قوم تملكهم امرأة) أو ما روي عن الامام محمد بن علي الباقر (ع): (إن المرأة لا تولى القضاء ولا تولى الإمارة).
ويقدم الفقيه الكرباسي رأيه في الروايات، مؤكدا: "ومن الواضح أنها لا تصلح للنهوض في حجب المرأة من تبوء المناصب العليا من المرجعية الدينية أو السياسية من الولاية والإمارة أو القضاء والتقليد، وذلك لأن معظمها مرسلة أو ضعيفة السند، ومن جهة أخرى فانها لا تفي بالغرض لوحدها.."، ويحتمل المصنف، إن الإجماع المدعى من قبل مجموعة من الفقهاء، منع المرأة من تولى القضاء أو الإمارة: "معقده هذه الروايات التي لا تصلح للاستدلال بها، أو يكون معقده الاستحسان أي أن المرأة لم تتول منصباً من هذه المناصب على عهد الرسول (ص) والحاكمين بعده، وهذا أمر مخدوش فيه، نعم لا تكلف المرأة بما لا طاقة لها عادة، وكما في الحديث إنها ريحانة وليست بقهرمانة، فلا يفرض عليها أمثال تلك المناصب، وهذا لا يعني منعها منها أو حرمة توليها".
ولابد أن تثار عند الحديث عن المرأة شبهة تفضيل الرجل على المرأة من باب القيمومة المشار اليها في الآية 34 من سورة النساء، ويحاول المصنف وتحت عنوان (قيمومة الرجل) توضيح معنى القيمومة، فالقوامة مشروطة بالإنفاق، أي انها محصورة في الأسرة فقط، ولا تتعداها الى محيط آخر، وهي من قبيل توزيع الأدوار حسب المقومات الجسمية والنفسية، فليس في الأمر تفضيل، فعلى الرجل تحصيل المال لإدارة عائلته، ومن هنا جاءت القيمومة، ولهذا يستشعر الشيخ محمد جواد مغنية (1904- 1979م) عند تفسيره لقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء:34، جواز طلب المرأة الطلاق من زوجها إذا امتنع عن الإنفاق لعجز أو لعناد.
وقد يثار اللغط من جديد، بلحاظ نهاية آية القوامة، حيث أشار القرآن الى نشوز المرأة وعدم طاعة زوجها في الأمور التي فرضها الله عليها والتي من اجلها عقدت هذه الشراكة والتي محورها الحقوق الزوجية المعروفة، أي التمكين في الفراش، فوضع ثلاث مراحل تراتبية لجعل المرأة تحافظ على حق زوجها ضمن عقد الزواج، وهي الوعظ والإرشاد ثم الهجران في المضاجع وأخيرا الضرب، ولان المرحلة الأخيرة توحي بالقسوة، كما هو منطوق اللفظ، فان البعض راح يشنع على الإسلام من حيث يدري أو لا يدري، كما إن بعض الأزواج ومن غير معرفة راح يمارس الضرب ويرمي ذلك على الإسلام بهتانا، كما إن البعض أفرط في تفسير الآيات ما أساء الى الإسلام.
لكن الفقيه الكرباسي له فهمه، فهو يرى ان الآية هي في مقام التربية وليس في مقام التأديب، لأن الحدث لم يقع، والقرآن يشير الى خوف الوقوع في النشوز، على ان النشوز لا يقتصر على المرأة، وإنما يصدر من الرجل أيضا، كما إن هجر المضاجع، لا يعنى الانفصال المكاني، بل أن يحوّل الرجل ظهره الى زوجته في الفراش، أما الضرب المشار اليه في الآية فيكون في المنديل أو المسواك، من باب تذكيرها بحقوقه عليها، على ان لفظ الضرب كما يقول المصنف له معاني أخرى وردت في اللغة منها الإعراض، أي الإعراض عن الزوجة سواء في العمل الجنسي أو عن النوم معها في فراش واحد، وهذا التفسير يذهب اليه المصنف، لان الأقوال الأخرى فيها قسوة تتنافى مع روح التسامح التي بشّر بها النبي محمد (ص) وأهل بيته الكرام (ع)، والروايات في هذا المجال قليلة، وفي الوقت نفسه: "أكثرها ضعيفة السند، فلا يمكن الركون اليها، فيبقى أن تفسر الآية بالمعقول وبروح التسامح الاسلامي السامي مادامت العموميات واللغة ومضامين بعض الروايات وسياق الآية تساعدنا على ذلك".
وعلى خلاف المسيحية التي حددت الزواج بواحدة، فان الإسلام وعلى خلاف ما يثار بالضد منه، فانه جاء وحدد عدد الزوجات، وأطرها في أربعة ضمن شروط لا تتوفر بالقطع عند كثير من الرجال، على ان التعدد، كما يقول المصنف وتحت عنوان (تعدد الزوجات): "ليس فرضا اسلاميا أو خيارا مفضلا، أو منهاجا عاما كما يشيعه أعداء الإسلام، بل هو قانون غير ملزم مباح، لمعالجة حالات اجتماعية مستعصية لا تحل إلا بها فيما إذا افترض وجود أغلبية أنثوية في قطر من الأقطار".
كما إن التعدد ليس من خصوصيات الإسلام، إذ كان يعمل بنظامه في المدنيات والأديان التي سبقته، فضلا عن وجود التعدد المفتوح لدى بعض طوائف النصارى، وحصوله بكثرة في بلدان افريقية وآسيوية عدة، حتى يومنا هذا، بطريقة تجعل الأب يصعب عليه ذكر أسماء زوجاته فضلا عن أولاده. فعلى سبيل المثال، فان زعيم كنيسة يسوع المسيح الأصولية للقديسين العصربين (طائفة المورمون) رولون جيفز (Rulon T. Jeffs) الذي مات في سبتمبر- أيلول من العام 2002 عن 93 عاما، ترك وراءه عشرين زوجة وستين ولدا، فهذه الطائفة التي زحفت من بريطانيا وانتشرت في أميركا، تؤمن بتعدد الزوجات المفتوح، ووجهة نظرها الفقهية في ذلك، أن أنبياء العهد القديم تزوجوا بأكثر من واحدة، وإنجيلهم (كتاب مورمون شهادة ثانية ليسوع المسيح) دال على ذلك.
في الواقع إن التعدد مع وجود نسبة ولادات أنثوية اكبر، وضمن شروط العدالة والتكافل والقدرة، يمثل الحل الأنسب للقضاء على العنوسة، ومنع استشراء الأمراض الاجتماعية، وخلق نسيج من العلاقات الاجتماعية والأسرية داخل المجتمع الواحد، على ان الواقع الفسيولوجي يثبت ان الهرمون الجنسي الذكري (تستوستيرون) أكثر منه لدى الرجل من الهرمون الجنسي الأنثوي (ستراديول). ويرى رائد علم الاجتماع لوبون غوستاف (Lebon Gustave) (1841-1931م)، إن: "مبدأ تعدد الزوجات الشرقي نظام يطيب يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تقوم به ويزيد الأسرة ارتباطا، ويمنح المرأة احتراما وسعادة لا تراها في أوروبا، ولا أرى سببا لجعل مبدأ تعدد الزوجات الشرعي عند الشرقيين أدنى مرتبة من مبدأ تعدد الزوجات السري عند الأوروبيين، مع إنني أبصر بالعكس ما يجعله أسنى منه"، يؤيده في ذلك، دراسة نشرتها المجلة الطبية البريطانية في الثاني من أكتوبر – تشرين الأول من العام الجاري 2006، قالت فيها أن خبراء اجروا مسحا جنسيا على (2665) شخصا في غلاسكو بمقاطعة اسكتلندا، كشف ان نصف المتزوجين يمارسون الجنس مع بائعات الهوى، 60 في المئة خارج بريطانيا والبقية في الداخل.
ولما كان الحديث عن الأسرة، فان المصنف وتحت عنوان (الحضانة) تطرق الى أهمية إرضاع الطفل، للفوائد البدنية والنفسية التي تطال الطفل والأم معا، على إن الرضاعة مع كونها من حق الطفل، ولكن للزوجة الحق مطالبة الزوج بالأجرة، إذ: "لا تنافي بين كون ألام أحق بالحضانة وبين أن لها الحق في أن تقبض الأجر على حضانتها للطفل، وذلك حفظا على حقوقها المادية والمعنوية، وحقوق الطفل أيضا، وهذا دليل أيضا على ان الإسلام قد حافظ على الطفل والأم ولم يترك جانبا من جوانب المٍسألة إلا وبينها ورعاها".
ومن حقوق المرأة، هو (حق الطلاق)، بوصفه آخر العلاج الكي، وتحت هذا العنوان يتناول المصنف، الطلاق، وبيان سبب وضع عقد الطلاق بيد الرجل، لكون تسليم زمام أمر الطلاق بيد الزوج أقل فسادا مما إذا كان بيدها، لأمور عدة، منها تقديمه للعقل على العاطفة والغضب، ثم: "إذا أنيط الطلاق اليها لابد من التغيير الجذري في عدد من المسائل النفسية والجسدية والاجتماعية والقانونية والتي منها مسألة المهر والنفقة. وبقية المسؤوليات الملقاة على عاتق الرجل لتتحول كل هذه المسؤوليات الى المرأة، وهذا يعني تحويل المرأة الى الرجل والعكس بالعكس" وهذا ما لا يصح خلقيا ولا اجتماعيا. نعم، ترك الإسلام للمرأة حق الطلاق ضمن شرط عقد الزواج، كما لها حق الخلع، ولها حق الفسخ لعيوب في الرجل لا تستديم معها مسيرة الحياة الزوجية.
ومن مسائل المرأة كبنت أو زوجة (الإرث)، وتحت هذا العنوان، يتناول المصنف ارث المرأة، وبيان علة زيادة ارث الذكر على الأنثى، بلحاظات عدة، منها مسؤولية الرجل على الإنفاق وسقوطه عن المرأة، وليس في تفاوت الإرث، تفضيل للذكر على الأنثى، وإنما هو من باب توسع المسؤوليات المالية عند الرجل وتضييقها عند المرأة.
وتحت عنوان (الحداد) يبين المصنف علة وقوع الحداد على المرأة عند وفاة زوجها، ولا يقع على الرجل عند وفاة زوجته، ويرى ان الحداد هو نوع من التكريم الرباني لقمة الهرم الأسري وهو رب البيت عندما يغيب شمسه عن داره، فضلا عن أمور أخرى متعلقة بالحمل إذا كانت الزوجة المتوفى عنها زوجها دون سن اليأس.
ويتناول المصنف وتحت عنوان (إعفاء المرأة عن القتال) دور المرأة في المعركة، ويرى ان الجهاد في حالة الهجوم ليس فرضا واجبا على المرأة، أما: "في حالة الدفاع فلا خلاف بان الجهاد فرض عليها كما على الرجل، وعليه فقهاء الفريقين" على أن الإسلام: "لم يمنع المرأة من الجهاد حيث لم تذكر في المستثنيات في قوله تعالى: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى وعلى الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله) التوبة:91". مشيرا في نهاية المبحث الى بعض الشخصيات النسوية المجاهدة مثل أم عطية نسيبة بنت الحارث الأنصارية وأم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية والخنساء تماضر بنت عمرو السليمية، وغيرهن.
وتحت عنوان (المرأة والحب) يتطرق المصنف الى الحب بوصفه غريزة ربانية فطرية مودعة في الانسان، ولولا الحب لما استدامت الحياة، ولولا الحب لما ترسخ بناء الأسرة والحياة الزوجية، وإذا نظرنا بعمق الى مغزى قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) البقرة:187، لما تجاوزت الآية: "من معنى الحب العميق الذي يلف الطرفين ليجعل منهما نفسا واحدة وهي حالة لا يشعرها الانسان إلا عندما يرتقي به الحب الى مرقاه الأخير ويضم حبيبه الى نفسه ليتلابسا دون تمييز بينهما، فلا يعرف حينها مَن الزوج ومَن الزوجة".
ومما ينسب الى الامام الحسين (ع) في زوجته الرباب وابنته سكينة، من بحر الوافر:
لعمرك إنني لأحبُّ دارا = تحلُّ بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جُلَّ مالي = وليس لعاتب عندي حساب
ولست لهم وإن عتبوا = مطيعا حياتي أو يغيبني التراب
ويفرد المصنف بابا تحت عنوان (الفوارق) يشير فيها الى الاختلافات الجسدية بين الرجل والمرأة، كما أفرد أبوابا عدة، تناولت لطائف وحكم، ومراحل نمو الجنسين الذكر والأنثى، والمعاني الأخرى للفظ المرأة، والمرأة والإسلام وبيان التشريعات الخاصة بها، وبيان أوصاف الزوجة المفضلة من الناحية الخلقية والخُلقية، وتخليد القرآن لعدد من النساء مثل زوجة فرعون آسية بنت مزاحم الإسرائيلية والعذراء البتول مريم بنت عمران (ع)، وبيان مواقف بطولية لبعض النسوة في معسكر الامام الحسين (ع)، مثل أم وهب النصرانية، والسيدة زينب بنت علي (ع)، والإشارة الى مواقف نساء خالدات في التاريخ والإسلام مثل السيدة خديجة بنت خويلد زوجة الرسول الأكرم محمد (ص) وابنتها فاطمة الزهراء (ع). وينقل المصنف في مبحث مستقل أقوال بعض المفكرين الغربيين ونظرتهم الى المرأة في إطار الإسلام. وفي الختام نقرأ عددا من الإحصاءات بما يخص المرأة قديما وحديثا.
صدر الكتاب في بيروت، عن بيت العلم للنابهين، في 210 صفحات من القطع المتوسط، تطرزه لوحة جميلة من الفن التشكيلي الحديث.