ابن عنين - حبيبٌ نأى وهو القريبُ المُصاقِبُ

حبيبٌ نأى وهو القريبُ المُصاقِبُ = وشحطُ نوى ً لم تنضَ فيهِ الركائبُ
وإِنَّ قريباً لا يُرجَّى لِقاؤهُ = بعيدٌ تناءى والمدى متقاربُ
أَلينُ لصعبِ الخُلقِ قاسٍ فؤادُهُ = وأعتبهُ لو يرَ عويَ من يعاتبُ
من التركِ ميّاسُ القوامِ مهفهفٌ = له الدرُّ ثغرٌ والزُّمرُّدُ شارِبُ
يفوّقُ سهماً من كحيلٍ مضيّقٍ = له الهدبُ ريشٌ والقسيُّ الحواجبُ
أسالَ عذاراً في أسيلٍ كأنّهُ = عَبيرٌ على كافورِ خدَّيهِ ذائبُ
وأَنْبَتَ في حِقفِ النَّقَاخِيزُ رانة = تُقِلُّ هلالاً أَطلعتْهُ الذَّوائبُ
سعتْ عقربا صُدغيهِ في صحنِ خدهِ = فهنَّ لقلبي سالباتٌ لواسبُ
عجبتُ لجفنيهِ وقد لجَّ سُقمٌها = فصحَّتْ وجسمي من أذاهنَّ ذائبُ
ومن خصرهِ كيفَ استقلَّ وقد غدتْ = تجاذبهُ أردافهُ والمناكبُ
ضنيتُ به حتى رثتْ لي عواذلي = ورقَّ لما ألقى العدوُّ المُناصبُ
وما كنتُ ممَّنْ يستكينُ لحادثٍ = ولكنَّ سلطانَ الهوى لا يغالبُ
سحائبُ أجفانٍ سوارٍ سواربُ = وأ'باءُ أشواقٍ رواسٍ رواسبُ
فهل ليَ من داءِ الصبابة ِ مَخلصٌ = لعمري لقد ضاعتْ عليَّ المذاهبُ
حلبتُ شطورَ الدهر يُسراً وعُسرة ً = وجرَّبتُ حتى حنكتني التجاربُ
فكم ليلة ٍ قد بتُّ لا البدرُ مشرقٌ = يُضيءُ لِترائبهِ ولا النَّجمُ غارِبُ
شققتُ دجاها لا أرى غيرَ همَّتي = أنيساً ولا لي غيرُ عزميَ صاحبُ
بممغوطة الأنساعِ قَوْدٍ كأنها = على الرملِ من إثرِ الأفاعي مساحبُ
وبحرٍ تبطَّنتُ الجواري بظهره = فجبنَ وهنَّ المقرباتِ المناجبُ
إلى بحرِ جودٍ يخجلُ البحرَ كفُّهُ = فقلْ عن أياديهِ فهنَّ العجائبُ
إِلى ملكٍ ما جادَ إِلاَّوأَقلعتْ = حياءً وخوفاً من يديهِ السحائبُ
إِلى أَبلجٍ كالبدرِ يُشرِقُ وجهُه = سناءً إِذا التفتْ عليهِ المواكبُ
تسنَّمَ من أعلى المراتبِ رتبة ً = تقاصرُ عن أدنى مداها الكواكبُ
لنا مِن نداهُ كلَّ يومٍ رغائبٌ = ومِن فعلهِ في كلّ مدحٍ غرائبُ
فتى ً حصنهُ ظهرُ الحصانِ ونثرة ٌ = تكلُّ لديها المُرهَفاتُ القَواضبُ
مضعافة ٌ حتى كأنَّ قتيرها = حبابٌ حبتهُ بالعيونِ الجنادبُ
يريهِ دقيقُ الفكرِ في كلِّ مشكلٍ = من الأمرِ ما تُفضي إِليه العواقبُ
أتيتُ إليهِ والزمانُ عنادهُ = عنادي وقد سدَّتْ عليّ المذاهبُ
ليرفعَ من قدري ويجزِمَ حاسدي = وأصبحَ في خفضٍ فكم أنا ناصبُ
فلم أرَ كفاً عارضاً غيرَ كفّهِ = بوجهٍ ولم يزوَرَّ للسخط حاجبُ
قطعنا نِياطَ العيسِ نحوَ ابنُ حرَّة ٍ = صفتْ عندهُ للمعتفينَ المشاربُ
إِلى طاهرِ الأنسابِ ما قعدتْ به = عن المجدِمن بعضِ الجدودِ المناسبُ
دعا كوكباناً والنجومُ كأنها = نطاقٌ عليهِ نظَّمتهُ الثواقبُ
فرامَ امتناعاً عنهُ وهو مرادهُ = كما امتنعتْ عن خَلوة البَعل كاعبُ
وليس بِراشٌ منه أقوى قواعداً = وإنْ غرَّ من فيهِ الظُّنونُ الكواذبُ
تقِلُّ على كُثْرالعديدِ عُداتُه = وتكثٌر منهم في النوادي النوادبُ
ونصحي لهم أن يهربوا من عقابه = إليهِ فإنَّ النُّصحَ في الدينِ واجبٌ
بقيتَ فكم شرَّفتَ باسمكَ منبراً = وكم نالَ من فخرٍ بذكركَ خاطبُ
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...