نقوس المهدي
كاتب
(1- 2)
كبشرٍ علينا أن نّخوض حروبًا جمّة للمطالبة بحقوقنا ولننال ما نستحق على هذه الأرض، لكن الحرب تغدو شعواء حين تكون من تخوضها امرأة لتطالب بحقّ العمل، والميراث، والأمومة والمساواة في الأحكام، وحق التّرشح والانتخاب... إلخ.
فكما تقول إليانور روزفلت: "لا أحد يستطيع أن يجعلك تشعر بالنّقص؛ دون موافقتك"، فإنّني عن الضّلع الأعوج؛ أكتب في هذا المقام، أكتب عن العورة المتوارثة في مختلف العُصور والأديان، أو للدّقة حقًا عن الفهم الأعوج لخلق المرأة في الأساطير ولمعتنقي الدّيانات بنصوصها أو دون نصوصها أحيانًا.
اختلفت مكانة المرأة باختلاف الإيديولوجيا والأديان، أو حتى على مستوى التّربية والثّقافة المتفاوتة من شخص لآخر، لكن ما لا يختلف عليه الأغلبية أن وجود التّفاوت الثّقافي لم يكن أبدًا ليصبّ في مصلحة الجنس اللطيف، والعنصريّة سواء الظّاهرة على الأفراد في تصرفاتهم وتفكيرهم أو ما يجب التّمحيص لاكتشافها في بعض الظواهر إذ يخفونها تحت إطار هش من التّحرر والتقدم؛ لابد موجودة بنسبة ما.
هنا في هذا المقال لن أتحدّث بالضّرورة عن الدّور الاجتماعي للمرأة أو الحقوق السياسيّة الممنوحة أو الممنوعة، بل عن الغاية الرّئيسية من خلقها من الأساس، ما هو الدّافع أو الانطباع العام أو المكانة التي تقوْلبت لها فيها.
الأساطير
يعرّف جوستاين غاردنر الأساطير بأنّها التّوازن الهشّ بين قوى الشّر وقوى الخير، إذ منذ بدء الخلق، كان على الإنسان أن يعرف الأشياء بنقيضها بحسب بارميندس؛ الخير والشّر، الجميل والقبيح، الرّجل والمرأة. إلا أنّ التّناقض الحقيقي كان في بعض الميثولوجيا التي لم ترتق المرأة لأن تكون فيها ندًّا للرّجل أو حتّى برتبة الكائن الحي، كما لدى شعوب الجيلياك، وهم السّكان الأصليين لجزيرة سخالين؛ شرق روسيا. فقد كانت النّساء يعاملن فيها معاملةً سيئةً جدًا، كمعاملة الحيوانات أو الأمتعة، فيمكن التّخلص منها بأي أسلوب سواء بالبيع، أو بأي طريقةٍ أخرى.
في أغلب الأساطير تكون بداية خلق الكون -ما يوازي نظريّة الانفجار العظيم- متشابهة إلى حدٍّ ما، فالآلهة الأم (الأنثى) وهي غالبًا ممّثلة بالأرض أو مصدر مائي ينبثق عنها كل المخلوقات، والعنصر (الذّكري) كإله السّماء في الأساطير البابليّة، وينتج عن تزاوجه مع الأنثى الكائنات والتّضاريس وغيرها، وعند اكتمال الخلق تدرك الآلهة حاجتها إلى البشر، بعد فشل الكائنات الحيّة الأخرى في عبادتهم، أو شعورهم بالتّعب كما في ميثولوجيا خلق الإنسان السّومرية: "الآلهة تعبون.. ولا جدوى من جهدهم، لقد تحوَّل الآلهة فجأة إلى عبيد الأرض التي صنعوها، وصار الحمل ثقيلًا لا يُطاق، حتى أتى يوم اجتمعوا فيه وقرَّروا أن يذهبوا إلى إنكى فيشتكون له من هذا العناء، ورأوا أن يخلق لهم الإله إنكى خدمًا يقومون مكانهم في حرث وسقي الأرض وبرعي الماشية وبكل الأعمال، لقد تعب الأرباب وأصبح الوجود عبئًا".
وتعد الميثولوجيا الإغريقية من أكثر الأساطير وضوحًا لسبب خلق المرأة، بعيدًا عن التّكاثر أو مؤانسة الرجل في وحدته.
كالون كاكون "الشّر الجميل"
من أكثر الأساطير تشويقًا، هي الأساطير الإغريقية، حيث تتدرّج ما بين قصص الانقلاب على الآلهة والخديعة كقصّة زيوس وأبيه كرونوس، وقصص الانتقام والتّطهير النّفسي بالمهام الاثني عشر كهِرَقل (هيركوليس)، وقصص الحب والانتظار والتّضحية كبينلوبي وزوجها أدوسيوس الذي ضاع لعشر سنوات في طريق عودته من حرب طروادة، وتعج هذه القصة بالذات بالنساء.
وتتدرّج قصة الخلق بحسب القصائد في الثيوجوني لهيسود، من وجود كرونوس كبير الآلهة وزواجه من شقيقته وابتلاعه أبنائه خوفًا من انقلاب أحدهم محاولًا الاستيلاء على العرش، إلا أنّه بالحيلة وخداع زيوس وأمّه تمكن من تحرير إخوته من بطن والدهم والاستيلاء على العرش ليصير كبير الآلهة.
وينتقل بعدها لذكر أسطورة الخلق والنّشوء للإنسان، تصف مراحل خلق الذّكور على أربعة مراحل من الذّهب والفضّة والبرونز إلى صورته الحاليّة من طين، إذ بدأ بالإنسان المخلوق من الذّهب وكان برتبة الآلهة بما يعرف بالعصر الذّهبي على عصر كرونوس، لذا لم يكن من المجدي أن يستمر، فاندثروا بسلام. ليتبعه الإنسان المخلوق من الفضّة أو العصر الفضّي، والذين كان لهم متوسط عمر قصير جدًا، وقد قام زيوس بالقضاء عليهم لرفضهم تقديس الآلهة، ثم البرونزي وقضوا على أنفسهم بالحروب، ثم الحديدي والذي اختفى من دون أي تفسير وأوجد بعده أنصاف الآلهة التي قضت عليهم الحروب.
أما فيما يخص المرأة، فكانت الرواية مختلفة تمامًا؛ إذ إن الإله برميثيوس إله الخلق قام بسرقة النار من كبير الآلهة زيوس وأعادها إلى بني البشر، والعقاب الذي ترتّب عن هذا الفعل تمثّل بخلق أول امرأة في ميثولوجيا اليونان القديمة.
كالون كاكون هو اللّقب الذي أطلق على أول امرأة خلقت أو ما أطلق عليها لقب "الشّر الجميل"؛ وسميت بهذا الاسم كرمز لخوف الرّجل من الغواية، إذ إنها الشّيء الجميل الذي يؤدي إلى التّهلكة.
المرأة الأولى؛ العقاب، باندورا الاسم المشتق من الكلمتين اليونايتين "بان" والتي تعني جميع، و"دورا" التي تعني النّعم أو الهدايا، اسم يمثل التناقض والمعضلات التي كانت من مقوّمات الحضارة الإغريقية، إذ إن الإله زيوس زودها بصندوق يحتوي على شرور الأرض قاطبة، والبلاء والمرض والمعاناة والألم، وأخيرًا وليس آخر الأمل الذي بقي في الصّندوق بعد أن أخرجت باندورا كل شيء عداه. الأمل أيضًا هنا أعطى معنى متضاربًا إذ جاء كشر.
ساهيز "الموت"
في رواية الخلق الهندوسية في الحضارة الهندية تتعدّد الروايات والمصادر وحتى الآلهة، من منطقة لأخرى ومن قبيلة لأخرى، لكن ما يمكن أن يعد عاملًا مشتركًا بين عدد منها هو خلق الرجل أولًا، وبسبب الإيمان بإعادة التّجسيد (عودة الرّوح بعد خروجها من الجسد بهيئة أخرى)، ازداد الاكتظاظ السّكاني بسبب عدم وجود مفهوم الموت. وتعدّدت الروايات في نشوء وإيجاد الموت؛ ففي بعض الرّوايات قامت الآلهة بخداع زوجين من البشر لالتهام أبنائهم ومنها وُجد مفهوم الموت.
في منطقة "كولي كاكار" الهنديّة، تقول الأسطورة بأن إلهين هما ذكر وأنثى حكما هذه المنطقة بهدوء، إلى أن جاءت الآلهة "بيهي ماتا" في يومٍ من الأيام ورأت أن لا أحد من البشر في هذه البلدة يموت، فشعرت بالقلق والاضطراب، من القاذورات المتساقطة من جسدها قامت بخلق المرأة "ساهيز"، وأرسلتها إلى الإله حاكم المنطقة قائلة: "اصنعي طبلًا من الأرض وارقصي أمام الإله"، وعندما قامت بالرّقص أمامه لم يتمالك نفسه ووقع في حبها، وعندما قابلها وحيدًا في الغابة، نتج عن هذا اللقاء هزة للآلهة الأم "الأرض" فارتجّت وقتل الإله الحاكم على الفور ومنها وجد الموت على البسيطة.
الأنثى هي الغواية أصل الفتن في مختلف الأساطير الهندوسية، وأينما وجدت ارتبط بها ظهور الموت، لكن السبب الحقيقي لارتباط كلا الأمرين هو أمر خفي لم يكن له أي مبرّر واضح.
أنيويت "المتعة"
أو القبائل المعروفة لدينا بالإسكيمو، والتي استوطنت المناطق القطبية الشمالية، بالأخص في كندا، وتعني بلغتهم "الناس"، تبدأ أسطور الخلق لديهم من الغراب الأسود الذي قام بخلق الأرض والكون من ضربات أجنحته، الغراب كان لديه قدرة الطيور والإنسان وقادر على اتخاذ هيئة كلاهما من خلال رفع منقاره فوق رأسه كما القناع.
كانت الأرض بعد خلقها في ظلام وصمت، قام بخلق المياه والجبال وقام بزراعة الأرض كافة بالبازلاء، وبعد خمسة أيام خرج من قرن البازلاء الكائن البشري الأول الذي يسكن الأرض، وعندما كان الغراب يحلق في السّماء لمح حركة خفية على سطح الأرض، فهبط ووقفا وجهًا لوجه يحدّقان في بعضهما البعض دون أن ينطقا، إلى أن سأل الغراب الرجل عن ماهيّته؛ ومن أين جاء؟ فأجابه.
رغم خلقه للبازلاء لكن حتى هو نفسه لم يتوقّع هذا المخلوق. عندها بدأ الإله الغراب بخلق نباتات أخرى وحيوانات وطيور وسمك من الطّين يمرّر جناحه فدبّت بهم الرّوح. بعد أيام لاحظ الوحدة التي كان بها الرجل، فاتخذ زاوية لا يستطيع الرجل رؤيته فيها وبدأ بتشكيل جسد من الطين كان شبيهًا للرّجل لكن أصغر وأنعم ولوح بجناحه وبث فيه الروح وأشار للرّجل بأن هذا الكائن هو رفيقته وشريكته.
كبشرٍ علينا أن نّخوض حروبًا جمّة للمطالبة بحقوقنا ولننال ما نستحق على هذه الأرض، لكن الحرب تغدو شعواء حين تكون من تخوضها امرأة لتطالب بحقّ العمل، والميراث، والأمومة والمساواة في الأحكام، وحق التّرشح والانتخاب... إلخ.
فكما تقول إليانور روزفلت: "لا أحد يستطيع أن يجعلك تشعر بالنّقص؛ دون موافقتك"، فإنّني عن الضّلع الأعوج؛ أكتب في هذا المقام، أكتب عن العورة المتوارثة في مختلف العُصور والأديان، أو للدّقة حقًا عن الفهم الأعوج لخلق المرأة في الأساطير ولمعتنقي الدّيانات بنصوصها أو دون نصوصها أحيانًا.
اختلفت مكانة المرأة باختلاف الإيديولوجيا والأديان، أو حتى على مستوى التّربية والثّقافة المتفاوتة من شخص لآخر، لكن ما لا يختلف عليه الأغلبية أن وجود التّفاوت الثّقافي لم يكن أبدًا ليصبّ في مصلحة الجنس اللطيف، والعنصريّة سواء الظّاهرة على الأفراد في تصرفاتهم وتفكيرهم أو ما يجب التّمحيص لاكتشافها في بعض الظواهر إذ يخفونها تحت إطار هش من التّحرر والتقدم؛ لابد موجودة بنسبة ما.
هنا في هذا المقال لن أتحدّث بالضّرورة عن الدّور الاجتماعي للمرأة أو الحقوق السياسيّة الممنوحة أو الممنوعة، بل عن الغاية الرّئيسية من خلقها من الأساس، ما هو الدّافع أو الانطباع العام أو المكانة التي تقوْلبت لها فيها.
الأساطير
يعرّف جوستاين غاردنر الأساطير بأنّها التّوازن الهشّ بين قوى الشّر وقوى الخير، إذ منذ بدء الخلق، كان على الإنسان أن يعرف الأشياء بنقيضها بحسب بارميندس؛ الخير والشّر، الجميل والقبيح، الرّجل والمرأة. إلا أنّ التّناقض الحقيقي كان في بعض الميثولوجيا التي لم ترتق المرأة لأن تكون فيها ندًّا للرّجل أو حتّى برتبة الكائن الحي، كما لدى شعوب الجيلياك، وهم السّكان الأصليين لجزيرة سخالين؛ شرق روسيا. فقد كانت النّساء يعاملن فيها معاملةً سيئةً جدًا، كمعاملة الحيوانات أو الأمتعة، فيمكن التّخلص منها بأي أسلوب سواء بالبيع، أو بأي طريقةٍ أخرى.
في أغلب الأساطير تكون بداية خلق الكون -ما يوازي نظريّة الانفجار العظيم- متشابهة إلى حدٍّ ما، فالآلهة الأم (الأنثى) وهي غالبًا ممّثلة بالأرض أو مصدر مائي ينبثق عنها كل المخلوقات، والعنصر (الذّكري) كإله السّماء في الأساطير البابليّة، وينتج عن تزاوجه مع الأنثى الكائنات والتّضاريس وغيرها، وعند اكتمال الخلق تدرك الآلهة حاجتها إلى البشر، بعد فشل الكائنات الحيّة الأخرى في عبادتهم، أو شعورهم بالتّعب كما في ميثولوجيا خلق الإنسان السّومرية: "الآلهة تعبون.. ولا جدوى من جهدهم، لقد تحوَّل الآلهة فجأة إلى عبيد الأرض التي صنعوها، وصار الحمل ثقيلًا لا يُطاق، حتى أتى يوم اجتمعوا فيه وقرَّروا أن يذهبوا إلى إنكى فيشتكون له من هذا العناء، ورأوا أن يخلق لهم الإله إنكى خدمًا يقومون مكانهم في حرث وسقي الأرض وبرعي الماشية وبكل الأعمال، لقد تعب الأرباب وأصبح الوجود عبئًا".
وتعد الميثولوجيا الإغريقية من أكثر الأساطير وضوحًا لسبب خلق المرأة، بعيدًا عن التّكاثر أو مؤانسة الرجل في وحدته.
كالون كاكون "الشّر الجميل"
من أكثر الأساطير تشويقًا، هي الأساطير الإغريقية، حيث تتدرّج ما بين قصص الانقلاب على الآلهة والخديعة كقصّة زيوس وأبيه كرونوس، وقصص الانتقام والتّطهير النّفسي بالمهام الاثني عشر كهِرَقل (هيركوليس)، وقصص الحب والانتظار والتّضحية كبينلوبي وزوجها أدوسيوس الذي ضاع لعشر سنوات في طريق عودته من حرب طروادة، وتعج هذه القصة بالذات بالنساء.
وتتدرّج قصة الخلق بحسب القصائد في الثيوجوني لهيسود، من وجود كرونوس كبير الآلهة وزواجه من شقيقته وابتلاعه أبنائه خوفًا من انقلاب أحدهم محاولًا الاستيلاء على العرش، إلا أنّه بالحيلة وخداع زيوس وأمّه تمكن من تحرير إخوته من بطن والدهم والاستيلاء على العرش ليصير كبير الآلهة.
وينتقل بعدها لذكر أسطورة الخلق والنّشوء للإنسان، تصف مراحل خلق الذّكور على أربعة مراحل من الذّهب والفضّة والبرونز إلى صورته الحاليّة من طين، إذ بدأ بالإنسان المخلوق من الذّهب وكان برتبة الآلهة بما يعرف بالعصر الذّهبي على عصر كرونوس، لذا لم يكن من المجدي أن يستمر، فاندثروا بسلام. ليتبعه الإنسان المخلوق من الفضّة أو العصر الفضّي، والذين كان لهم متوسط عمر قصير جدًا، وقد قام زيوس بالقضاء عليهم لرفضهم تقديس الآلهة، ثم البرونزي وقضوا على أنفسهم بالحروب، ثم الحديدي والذي اختفى من دون أي تفسير وأوجد بعده أنصاف الآلهة التي قضت عليهم الحروب.
أما فيما يخص المرأة، فكانت الرواية مختلفة تمامًا؛ إذ إن الإله برميثيوس إله الخلق قام بسرقة النار من كبير الآلهة زيوس وأعادها إلى بني البشر، والعقاب الذي ترتّب عن هذا الفعل تمثّل بخلق أول امرأة في ميثولوجيا اليونان القديمة.
كالون كاكون هو اللّقب الذي أطلق على أول امرأة خلقت أو ما أطلق عليها لقب "الشّر الجميل"؛ وسميت بهذا الاسم كرمز لخوف الرّجل من الغواية، إذ إنها الشّيء الجميل الذي يؤدي إلى التّهلكة.
المرأة الأولى؛ العقاب، باندورا الاسم المشتق من الكلمتين اليونايتين "بان" والتي تعني جميع، و"دورا" التي تعني النّعم أو الهدايا، اسم يمثل التناقض والمعضلات التي كانت من مقوّمات الحضارة الإغريقية، إذ إن الإله زيوس زودها بصندوق يحتوي على شرور الأرض قاطبة، والبلاء والمرض والمعاناة والألم، وأخيرًا وليس آخر الأمل الذي بقي في الصّندوق بعد أن أخرجت باندورا كل شيء عداه. الأمل أيضًا هنا أعطى معنى متضاربًا إذ جاء كشر.
ساهيز "الموت"
في رواية الخلق الهندوسية في الحضارة الهندية تتعدّد الروايات والمصادر وحتى الآلهة، من منطقة لأخرى ومن قبيلة لأخرى، لكن ما يمكن أن يعد عاملًا مشتركًا بين عدد منها هو خلق الرجل أولًا، وبسبب الإيمان بإعادة التّجسيد (عودة الرّوح بعد خروجها من الجسد بهيئة أخرى)، ازداد الاكتظاظ السّكاني بسبب عدم وجود مفهوم الموت. وتعدّدت الروايات في نشوء وإيجاد الموت؛ ففي بعض الرّوايات قامت الآلهة بخداع زوجين من البشر لالتهام أبنائهم ومنها وُجد مفهوم الموت.
في منطقة "كولي كاكار" الهنديّة، تقول الأسطورة بأن إلهين هما ذكر وأنثى حكما هذه المنطقة بهدوء، إلى أن جاءت الآلهة "بيهي ماتا" في يومٍ من الأيام ورأت أن لا أحد من البشر في هذه البلدة يموت، فشعرت بالقلق والاضطراب، من القاذورات المتساقطة من جسدها قامت بخلق المرأة "ساهيز"، وأرسلتها إلى الإله حاكم المنطقة قائلة: "اصنعي طبلًا من الأرض وارقصي أمام الإله"، وعندما قامت بالرّقص أمامه لم يتمالك نفسه ووقع في حبها، وعندما قابلها وحيدًا في الغابة، نتج عن هذا اللقاء هزة للآلهة الأم "الأرض" فارتجّت وقتل الإله الحاكم على الفور ومنها وجد الموت على البسيطة.
الأنثى هي الغواية أصل الفتن في مختلف الأساطير الهندوسية، وأينما وجدت ارتبط بها ظهور الموت، لكن السبب الحقيقي لارتباط كلا الأمرين هو أمر خفي لم يكن له أي مبرّر واضح.
أنيويت "المتعة"
أو القبائل المعروفة لدينا بالإسكيمو، والتي استوطنت المناطق القطبية الشمالية، بالأخص في كندا، وتعني بلغتهم "الناس"، تبدأ أسطور الخلق لديهم من الغراب الأسود الذي قام بخلق الأرض والكون من ضربات أجنحته، الغراب كان لديه قدرة الطيور والإنسان وقادر على اتخاذ هيئة كلاهما من خلال رفع منقاره فوق رأسه كما القناع.
كانت الأرض بعد خلقها في ظلام وصمت، قام بخلق المياه والجبال وقام بزراعة الأرض كافة بالبازلاء، وبعد خمسة أيام خرج من قرن البازلاء الكائن البشري الأول الذي يسكن الأرض، وعندما كان الغراب يحلق في السّماء لمح حركة خفية على سطح الأرض، فهبط ووقفا وجهًا لوجه يحدّقان في بعضهما البعض دون أن ينطقا، إلى أن سأل الغراب الرجل عن ماهيّته؛ ومن أين جاء؟ فأجابه.
رغم خلقه للبازلاء لكن حتى هو نفسه لم يتوقّع هذا المخلوق. عندها بدأ الإله الغراب بخلق نباتات أخرى وحيوانات وطيور وسمك من الطّين يمرّر جناحه فدبّت بهم الرّوح. بعد أيام لاحظ الوحدة التي كان بها الرجل، فاتخذ زاوية لا يستطيع الرجل رؤيته فيها وبدأ بتشكيل جسد من الطين كان شبيهًا للرّجل لكن أصغر وأنعم ولوح بجناحه وبث فيه الروح وأشار للرّجل بأن هذا الكائن هو رفيقته وشريكته.