زكية الضيفاوي
العرس
قصة قصيرة
جهّزت أمّ العرائس فتياتها للزفاف، ثلاث فتيات سمراوات بلون العسل بشرتّهن والقلوب تطفو محبّة والعيون تفيض أملا.
الرّديف العروس الكبرى ،تسابق نحوها العرسان فلم تختر سوى الحرية عشيقا ،ولأنها هي الكرامة ذاتها قررت إكمال مراسم الزفاف بأن جعلت من الصدق والإخلاص والعدل مدعوين.
المتلوي في ثوب الحريّة اختالت واليها الكرامة مالت فانجذبت إليها عروس العفاف.
المضيلة أصغر العرائس عانقت العدل فحلا وتناسق تاج العدالة مع سمرتها الخاطفة .
فرحت أمّ العرائس لاختيارات بناتها وقررّت أن تنجز لهم عرسا موحدا ودعت كلّ الفقراء يشربون نخب الفرح.
اغتاظ العرسان المرفوضون، رغم ثرائهم ومكانتهم المرموقة ، تجمعوا في قصر كبير يتصيّدون الحيل لإبطال الزفاف .لكنّ المفاجئة كانت رهيبة واستفقنا جميعا ذات صباح على رقص العرائس وأمهنّ تدق كل واحدة منهن أبواب الفقراء تدعوهم إلى الحفل فتغمر بيوتهم دفئا ويهزّ وقع رقصهنّ قصور الأثرياء .
تطوف أم العرائس وبناتها بالأكواخ صيفا تبعث فيها عبير نسمة نديّة باردة تنعش الأجساد المنهكة تبث فيها الحياة فيرتفع قيظ القصور حتّى يختنق أهلها بغبار الفسفاط المتطاير من تحت أقداح الراقصات ...
ومن عرق العرائس تتطاير رائحة العطر والفرح لامس رذاذها أهل فريانة والقصرين وسيدي بوزيد فاستعدّ الجميع لمشاركة الجنوب عرسه واستعد أحرار القيروان والساحل وتونس وبنزرت ....لحماية العرس من المفسدين .
هزّت المفاجأة الأثرياء فحاولوا اختطاف سمرة الجنوب يقايضون بها أمّ العرائس لكنهم لخيبتهم اتشحوا بسواد الغضب أعلنوا حالة الاستنفار وكثفوا اجتماعاتهم ليلا نهارا يناقشون سرّ اعتناق السمرة للفرح.
غريب أمر هذه القرى الفاجرة فتياتها يسبحن ضدّ التيار، شبّانها فرسان لا يرتادون سوى الطرق الوعرة أقدام أهلها تزلزل الأرض إذا رقصوا .....ماذا يريد أهل الجنوب .....؟
صوتهم واحد ...عرسهم واحد ...فجرهم صاعد...هل أخطأنا أن فرضنا عليهم حالة الحرب الكل ضدّ الكل في زمن الكلّ فيه يشي بالكلّ...في زمن الكلّ فيه يسرق ارتفعت أيادي الجنوب سياجا في وجه محاولات النهب والابتزاز....في جنوب طوّقته شركات الفسفاط بغبارها الخانق تنفث أمّ العرائس وبناتها هواء نقيا يحي العظام وهي رميم...
أي عرس هذا الذي لم تباركه القصور ولم يرقص فيه الملوك ولم تشرب نخبه رؤوس الأموال...
وبعد نقاش طويل جاء القرار لنزيد صيفهم قيضا لنجعل تلوّث هوائهم اختناقا ..لنحوّل عرسهم إلى مأتم ...أين القنابل تسيل الدموع فتخلط الألوان فوق وجوه العرائس تفسد زينتهنّ...؟
أين الرصاص يجعل من الدخان ستائر تفصل بين كلّ عريسين...وعبثا حاولت الأسلحة على اختلافها إخماد صوت الفرح الزغاريد ترتفع فوق صوت الرصاص ...زغاريد أمهات لاستشهاد أبنائهنّ فرسانا يفدون الفرح بالحياة...زغاريد أمّ العرائس لانتصار بناتها على الحزن والرصاص ....
زغاريد تهزّ جبروت حرّاس القصور فيرتعدون ينادون السجون ...لكنّ العرائس وأمهنّ العجوز يواصلن الرقص..........فأين أحرارك خضراء يدّقون لهنّ طبول النصر يعزفون لهم نشيد الحياة في انتظار عودة الفرسان يباركون الزفاف.