نقوس المهدي
كاتب
على مدى العامين الماضيين نقلت وكالات الأنباء والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي مئات التقارير تداولت فيها مصطلحات وكلمات من مثل "اغتصاب"، "سبي"، "رق"، وغيرها مما تعبر مدلولاتها عن علاقات جنسية تتم بالعنف، أو بقهر طرف لآخر؛ أيا كانت المبررات التي تتخذ لتبريرها، على يد أفراد يعلنون أنهم ينتمون لتنظيم داعش مثلا، وغيره من التنظيمات التي تلصق توجهاتها بالإسلام.
لدينا إذن ممارسات ليست قليلة، مثل ما تعرضت له الإيزيديات مثلا، في العراق، وبعض النساء في سوريا، وكذلك في مصر حين سادت لفترة ظاهرة تحرش عنيف بدا المقصود منها إرهاب المصريات من المشاركة في التظاهرات، وهي جميعا في جوهرها، ممارسات عنيفة تعبر عن محاولة طرف لإذلال طرف آخر وإخضاعه بدنيا، باستخدام الجنس.
وفي تصفح سريع لأي موقع تواصل اجتماعي يمكنك أن تمر على عدد لا يستهان به من فيديوهات يبثها المستخدمين لفتاوي دينية تقول بإباحة التمتع بأجساد النساء من أديان أخرى وإذلالها جسديا.
والحقيقة أنني مشغول بهذا التناقض الشديد بين فكرة "المتعة" والإذلال، أو المتعة عن طريق قهر طرف لطرف آخر عن طريق الجسد، كيف يمكن أن يحقق طرف بشري متعته على حساب نقيض هذا الإحساس لدى الطرف الآخر، وكيف يمكن أن نتأمل هذا التناقض السلوكي إلا بوصفه سلوكا جنسيا غير سوي، أو غير طبييعي؟
لكن المفارقة هنا أن هذا السلوك غير الطبيعي يحظى بالتوافق الجماعي باسم الدين، على الرغم من تعارضه مع المبادئ الأولية البسيطة لحقوق الإنسان، التي يفترض أيضا أن تكون جوهر كل الأديان وليس الدين الإسلامي فقط.
فهل ثمة علاقة بين انتشار هذه المفاهيم المشوهة عن الجسد البشري، والمتعة، واحتقار جسد المرأة على هذا النحو والتصرف في جسدها باعتبارها فاقدة الأهلية له أو غير قادرة على امتلاكه، وبين غياب الكتابة الإيروتيكية في ثقافتنا العربية المعاصرة؟
هل ترتبط الإيروتيكا أساسا بشيوع نظرة إنسانية للجسد الإنساني في المجتمع؟ أم أن السبب يعود لكونها تابو يخشى الكتاب الاقتراب منه؟
أيا كانت الأسباب، وهي عديدة، فالثابت هو قلة الإنتاج الأدبي المهتم بموضوع الإيروتيكا، ولو أجرينا إحصاء للكتب الأدبية العربية التي ركزت مضمونها على الإيروتيكا فربما سنكون قادرين على إحصائها على أصابع أيدينا على أقصى تقدير، بسبب ندرتها.
في العرف الثقافي الاجتماعي السائد في المجتمعات العربية أيضا لا تزال فكرة المطابقة بين خبرات الكاتب الشخصية والكتابة الجنسية فكرة شائعة، وخصوصا إذا كانت الكاتبة امرأة، وقد يكون ذلك أحد اسباب تجنب العديد من الكاتبات التطرق للموضوع الإيروتيكي في كتاباتهن، إضافة إلى أن العديد من الكتاب لا يرون في تناول الموضوع الجنسي أهمية، وقد يعتبرونه ترفا فنيا لا تحتاج إليه الكتابة من الأساس.
وأيضا وبسبب اعتبار الموضوع الجنسي تابو لا يفضل الكثير من الكتاب الاقتراب منه، وإذ يقترب بعض الكتاب العرب من تناول موضوع الجنس فقد يكون الهدف لدى البعض منهم هو تحقيق نوع من الإثارة والدهشة من أجل الشهرة، بسبب شيوع نزعة فضائحية لدى قطاع واسع من القراء العرب، ويتمتع بنزعة فضول كبيرة في الاطلاع على المادة الإباحية، سرا في غالب الأحيان، في مجتمعات تعرف بإقبالها الشديد على هذا النوع من المواد في ظل ثقافة مكبوتة ومزدوجة تمارس في السر عكس ما تعلنه.
ثم تأتي المفارقات الكبرى في مجتمعاتنا العربية ممثلة في ملاحقة السلطات الاجتماعية والسياسية والأدبية للفكر والأدب، ولا تتورع هذه السلطات عن منع النصوص الأدبية والفكرية فقط، بل وملاحقة كتابها أحيانا كما حدث في مصر مؤخرا بسجن الكاتب أحمد ناجي لنشره نصا في صحيفة أخبار الأدب في القاهرة.
وهكذا يبدو موضوع تناول الجنس في العالم العربي إشكاليا ومحاطا بعناصر عديدة يبدو في التحليل الأخير أنها جميعا تؤدي إلى غياب هذا النوع الأدبي، وإن وجد فسيعامل بوصفه جنسا إباحيا في المقام الأول.
وهذه الخارطة المشوشة التي يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي والثقافي بالقانوني، تروح ضحيتها في النهاية النصوص السردية والقيم الأدبية المتعلقة بها لأنها تأتي في آخر صفحات الأولويات والنقاش.
وبهذا تختلط الأمور بدء من المفاهيم والتحديد الدقيق للمصطلحات الخاصة بمفهوم الأدب الإيروتيكي، وهو بالمناسبة مصطلح شبه مجهول أساسا لدى الغالبية العظمى من القراء العرب، مرورا بالمعايير الدقيقة التي يمكن للقارئ بل والكاتب العربي نفسه في أحيان كثيرة بين المادة الإيروتيكية وتلك البورنوغرافية التي تندرج في إطار الإثارة الجنسية من دون وضع أي اعتبار للقيمة الأدبية والمعايير الفنية، ووصولا لغياب تراكم سردي يجعل من هذه الكتابة لونا أدبيا له معاييره، ويمكن بالتالي أن يخلق حركة نقدية متخصصة ، خصوصا في ظل أزمة نقد عامة لكل ألوان السرد وربما الفنون وليس الأدب فقط.
من أهم وأشهر الكتب التي تناولت الموضوع على سبيل المثال كتاب الجنس في القصة العربية للدكتور غالي شكري، وهو كتاب مهم، يتناول الموضوع بالتأصيل النظري أولا ثم بالتطبيق على مجموعة من النصوص السردية لعدد من أبرز كتاب الرواية عدد من الظواهر الفنية وتحليل سياقاتها في تناولها للعلاقة بين الجنسين. كما أنه قدم مقدمة نظرية تاريخية في بداية الكتاب أوضح فيها الكيفية التي تطور فيها مفهوم العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة بناء على التطورات الفكرية والاقتصادية ومفاهيم الملكية وتأثيرها بالتالي على الظروف الاجتماعية التي مرت بها البشرية، كما تأمل تغيرات دور المرأة في المجتمع على هذه العلاقة أيضا، متتبعا الكيفية التي دون بها الجنس البشري معتقداته حول مفاهيم العلاقة الجنسية في التراث الأدبي بدء بالأسطورة والشعر ووصولا لوسائل السرد المعاصر. ومرورا حتى بالكتب المقدسة نفسها التي تناولت موضوع الجنس في مواضع عديدة؛ قصا أو أحكاما شرعية. أو حتى على مستوى الدلالة المقصودة من قصة مثل قصة يوسف في القرآن الكريم وهي تظهر قوة إرادة شخص في عدم الانسياق لرغباته الجسدية مع امرأة لا تربطه بها علاقة.
ما يهمني هنا على أي حال هو تأمل العلاقة بين شيوع المفاهيم التي تربط الجنس بالحب وبالكرامة الإنسانية وبالندية بين الرجل والمرأة والكيفية التي تتواجد بها الكتابة الإيروتيكية في هذه المجتمعات، التي لا ترى ما ينفرها من الجسد، ولا يخجلها منه أيضا. ولعل هذا ما يفسر شيوع الكتابات الإيروتيكية في أوربا إما كنوع أدبي منفصل يركز على موضوع الجسد والعلاقات بين أطرافها رجالا ونساء أو مثليين، حيث يدرك القارئ طبيعة الكتاب الذي يقرأ، ويعرف الفارق جيدا بين هذا الطابع الإيروتيكي وبين الجانب البورنوغرافي المباشر لألوان أخرى تتناول الجنس بشكل صريح وفج وتركز فقط على موضوع تفاصيل الممارسة الجنسية مثلا.
أقول أنه يبدو أن ثمة علاقة كبيرة بين انتشار هذا الأدب في مجتمع ما أو شيوعه بين ألوان الفنون والسرد وسواها وبين اتسام هذه المجتمعات بعلاقات متحررة من عقد امتلاك الرجل لجسد المرأة، أو لشيوع ممارسات القهر سواء بين الأفراد في المجتمع أو بين السلطة وهذا المجتمع. بل يمكن أن يتم ربما تحليل أدبي اجتماعي لهذه العلاقات من خلال تحليل هذه النصوص على سبيل المثال؟
بمعنى آخر ثمة علاقة مباشرة فيما يبدو على شيوع الأدب الإيروتيكي كلما انعدمت مفاهيم الفحولة الذكورية القمعية، وهو بالتالي ما قد يبرر بشكل كبير غياب الأدب الإيروتيكي في مجتمعاتنا العربية. ولعل هذه الفكرة تحتاج للكثير من التأمل لإعادة تتبع دور المرأة العربية في المجتمع خلال الفترة التي شاعت فيها نصوص عربية إيروسية بالغة القوة.
فكيف يمكن لنا اليوم أن نتأمل مجتمعاتنا العربية، وهل ثمة كتابات إيروتيكية عربية معاصرة تعبر أو ترصد تغيرا في مفاهيم التحولات التي مر بها دور المرأة العربية خلال العقود الخمسين الأخيرة على سبيل المثال، وهل أسهم الحراك العربي خلال فترة ما أطلق عليه الربيع العربي في إثارة موضوع الجسد والعلاقات الجسدية أدبيا وفنيا؟
وكيف يمكن حقا أن نتأمل وجود أي تغير في دور المرأة في ظل تصاعد موجات الانتقام الاجتماعي من جسد المرأة كما رأينا خلال الحراك، في صورة مشاهد مستحضرة على عربة الزمن من ما قبل التاريخ من مظاهر الاغتصاب الوحشي على يد داعش وسبي النساء كأننا نعود لزمن العصور الوسطى، أو اغتصابها على يد أطراف من السلطة وأنصارها في وقائع عديدة في مصر وسوريا؟
ربما يحتاج ذلك للمزيد من التأمل والنقاش
لدينا إذن ممارسات ليست قليلة، مثل ما تعرضت له الإيزيديات مثلا، في العراق، وبعض النساء في سوريا، وكذلك في مصر حين سادت لفترة ظاهرة تحرش عنيف بدا المقصود منها إرهاب المصريات من المشاركة في التظاهرات، وهي جميعا في جوهرها، ممارسات عنيفة تعبر عن محاولة طرف لإذلال طرف آخر وإخضاعه بدنيا، باستخدام الجنس.
وفي تصفح سريع لأي موقع تواصل اجتماعي يمكنك أن تمر على عدد لا يستهان به من فيديوهات يبثها المستخدمين لفتاوي دينية تقول بإباحة التمتع بأجساد النساء من أديان أخرى وإذلالها جسديا.
والحقيقة أنني مشغول بهذا التناقض الشديد بين فكرة "المتعة" والإذلال، أو المتعة عن طريق قهر طرف لطرف آخر عن طريق الجسد، كيف يمكن أن يحقق طرف بشري متعته على حساب نقيض هذا الإحساس لدى الطرف الآخر، وكيف يمكن أن نتأمل هذا التناقض السلوكي إلا بوصفه سلوكا جنسيا غير سوي، أو غير طبييعي؟
لكن المفارقة هنا أن هذا السلوك غير الطبيعي يحظى بالتوافق الجماعي باسم الدين، على الرغم من تعارضه مع المبادئ الأولية البسيطة لحقوق الإنسان، التي يفترض أيضا أن تكون جوهر كل الأديان وليس الدين الإسلامي فقط.
فهل ثمة علاقة بين انتشار هذه المفاهيم المشوهة عن الجسد البشري، والمتعة، واحتقار جسد المرأة على هذا النحو والتصرف في جسدها باعتبارها فاقدة الأهلية له أو غير قادرة على امتلاكه، وبين غياب الكتابة الإيروتيكية في ثقافتنا العربية المعاصرة؟
هل ترتبط الإيروتيكا أساسا بشيوع نظرة إنسانية للجسد الإنساني في المجتمع؟ أم أن السبب يعود لكونها تابو يخشى الكتاب الاقتراب منه؟
أيا كانت الأسباب، وهي عديدة، فالثابت هو قلة الإنتاج الأدبي المهتم بموضوع الإيروتيكا، ولو أجرينا إحصاء للكتب الأدبية العربية التي ركزت مضمونها على الإيروتيكا فربما سنكون قادرين على إحصائها على أصابع أيدينا على أقصى تقدير، بسبب ندرتها.
في العرف الثقافي الاجتماعي السائد في المجتمعات العربية أيضا لا تزال فكرة المطابقة بين خبرات الكاتب الشخصية والكتابة الجنسية فكرة شائعة، وخصوصا إذا كانت الكاتبة امرأة، وقد يكون ذلك أحد اسباب تجنب العديد من الكاتبات التطرق للموضوع الإيروتيكي في كتاباتهن، إضافة إلى أن العديد من الكتاب لا يرون في تناول الموضوع الجنسي أهمية، وقد يعتبرونه ترفا فنيا لا تحتاج إليه الكتابة من الأساس.
وأيضا وبسبب اعتبار الموضوع الجنسي تابو لا يفضل الكثير من الكتاب الاقتراب منه، وإذ يقترب بعض الكتاب العرب من تناول موضوع الجنس فقد يكون الهدف لدى البعض منهم هو تحقيق نوع من الإثارة والدهشة من أجل الشهرة، بسبب شيوع نزعة فضائحية لدى قطاع واسع من القراء العرب، ويتمتع بنزعة فضول كبيرة في الاطلاع على المادة الإباحية، سرا في غالب الأحيان، في مجتمعات تعرف بإقبالها الشديد على هذا النوع من المواد في ظل ثقافة مكبوتة ومزدوجة تمارس في السر عكس ما تعلنه.
ثم تأتي المفارقات الكبرى في مجتمعاتنا العربية ممثلة في ملاحقة السلطات الاجتماعية والسياسية والأدبية للفكر والأدب، ولا تتورع هذه السلطات عن منع النصوص الأدبية والفكرية فقط، بل وملاحقة كتابها أحيانا كما حدث في مصر مؤخرا بسجن الكاتب أحمد ناجي لنشره نصا في صحيفة أخبار الأدب في القاهرة.
وهكذا يبدو موضوع تناول الجنس في العالم العربي إشكاليا ومحاطا بعناصر عديدة يبدو في التحليل الأخير أنها جميعا تؤدي إلى غياب هذا النوع الأدبي، وإن وجد فسيعامل بوصفه جنسا إباحيا في المقام الأول.
وهذه الخارطة المشوشة التي يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي والثقافي بالقانوني، تروح ضحيتها في النهاية النصوص السردية والقيم الأدبية المتعلقة بها لأنها تأتي في آخر صفحات الأولويات والنقاش.
وبهذا تختلط الأمور بدء من المفاهيم والتحديد الدقيق للمصطلحات الخاصة بمفهوم الأدب الإيروتيكي، وهو بالمناسبة مصطلح شبه مجهول أساسا لدى الغالبية العظمى من القراء العرب، مرورا بالمعايير الدقيقة التي يمكن للقارئ بل والكاتب العربي نفسه في أحيان كثيرة بين المادة الإيروتيكية وتلك البورنوغرافية التي تندرج في إطار الإثارة الجنسية من دون وضع أي اعتبار للقيمة الأدبية والمعايير الفنية، ووصولا لغياب تراكم سردي يجعل من هذه الكتابة لونا أدبيا له معاييره، ويمكن بالتالي أن يخلق حركة نقدية متخصصة ، خصوصا في ظل أزمة نقد عامة لكل ألوان السرد وربما الفنون وليس الأدب فقط.
من أهم وأشهر الكتب التي تناولت الموضوع على سبيل المثال كتاب الجنس في القصة العربية للدكتور غالي شكري، وهو كتاب مهم، يتناول الموضوع بالتأصيل النظري أولا ثم بالتطبيق على مجموعة من النصوص السردية لعدد من أبرز كتاب الرواية عدد من الظواهر الفنية وتحليل سياقاتها في تناولها للعلاقة بين الجنسين. كما أنه قدم مقدمة نظرية تاريخية في بداية الكتاب أوضح فيها الكيفية التي تطور فيها مفهوم العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة بناء على التطورات الفكرية والاقتصادية ومفاهيم الملكية وتأثيرها بالتالي على الظروف الاجتماعية التي مرت بها البشرية، كما تأمل تغيرات دور المرأة في المجتمع على هذه العلاقة أيضا، متتبعا الكيفية التي دون بها الجنس البشري معتقداته حول مفاهيم العلاقة الجنسية في التراث الأدبي بدء بالأسطورة والشعر ووصولا لوسائل السرد المعاصر. ومرورا حتى بالكتب المقدسة نفسها التي تناولت موضوع الجنس في مواضع عديدة؛ قصا أو أحكاما شرعية. أو حتى على مستوى الدلالة المقصودة من قصة مثل قصة يوسف في القرآن الكريم وهي تظهر قوة إرادة شخص في عدم الانسياق لرغباته الجسدية مع امرأة لا تربطه بها علاقة.
ما يهمني هنا على أي حال هو تأمل العلاقة بين شيوع المفاهيم التي تربط الجنس بالحب وبالكرامة الإنسانية وبالندية بين الرجل والمرأة والكيفية التي تتواجد بها الكتابة الإيروتيكية في هذه المجتمعات، التي لا ترى ما ينفرها من الجسد، ولا يخجلها منه أيضا. ولعل هذا ما يفسر شيوع الكتابات الإيروتيكية في أوربا إما كنوع أدبي منفصل يركز على موضوع الجسد والعلاقات بين أطرافها رجالا ونساء أو مثليين، حيث يدرك القارئ طبيعة الكتاب الذي يقرأ، ويعرف الفارق جيدا بين هذا الطابع الإيروتيكي وبين الجانب البورنوغرافي المباشر لألوان أخرى تتناول الجنس بشكل صريح وفج وتركز فقط على موضوع تفاصيل الممارسة الجنسية مثلا.
أقول أنه يبدو أن ثمة علاقة كبيرة بين انتشار هذا الأدب في مجتمع ما أو شيوعه بين ألوان الفنون والسرد وسواها وبين اتسام هذه المجتمعات بعلاقات متحررة من عقد امتلاك الرجل لجسد المرأة، أو لشيوع ممارسات القهر سواء بين الأفراد في المجتمع أو بين السلطة وهذا المجتمع. بل يمكن أن يتم ربما تحليل أدبي اجتماعي لهذه العلاقات من خلال تحليل هذه النصوص على سبيل المثال؟
بمعنى آخر ثمة علاقة مباشرة فيما يبدو على شيوع الأدب الإيروتيكي كلما انعدمت مفاهيم الفحولة الذكورية القمعية، وهو بالتالي ما قد يبرر بشكل كبير غياب الأدب الإيروتيكي في مجتمعاتنا العربية. ولعل هذه الفكرة تحتاج للكثير من التأمل لإعادة تتبع دور المرأة العربية في المجتمع خلال الفترة التي شاعت فيها نصوص عربية إيروسية بالغة القوة.
فكيف يمكن لنا اليوم أن نتأمل مجتمعاتنا العربية، وهل ثمة كتابات إيروتيكية عربية معاصرة تعبر أو ترصد تغيرا في مفاهيم التحولات التي مر بها دور المرأة العربية خلال العقود الخمسين الأخيرة على سبيل المثال، وهل أسهم الحراك العربي خلال فترة ما أطلق عليه الربيع العربي في إثارة موضوع الجسد والعلاقات الجسدية أدبيا وفنيا؟
وكيف يمكن حقا أن نتأمل وجود أي تغير في دور المرأة في ظل تصاعد موجات الانتقام الاجتماعي من جسد المرأة كما رأينا خلال الحراك، في صورة مشاهد مستحضرة على عربة الزمن من ما قبل التاريخ من مظاهر الاغتصاب الوحشي على يد داعش وسبي النساء كأننا نعود لزمن العصور الوسطى، أو اغتصابها على يد أطراف من السلطة وأنصارها في وقائع عديدة في مصر وسوريا؟
ربما يحتاج ذلك للمزيد من التأمل والنقاش