عبد الهادي شلا - أرامـل ومُطلقـــات!!

وضع المرأة في المجتمع إحدى القضايا الهامة عند اعلماء الإجتماع والباحثين الذي سخروا علمهم لمعالجة المشاكل التي تكون المرأة محورا فيها مع الجنس الآخر- الرجل - أو مع مجتمعها بأكمله.

العادات الإجتماعية في مجتمعاتنا العربية لها سطوة تتجاوزة فرائض الشرع "أحيانا "حول ظاهرة إنسانية قائمة على مر الزمن يتكدس عليها ما يثقل كاهل تلك النسوة اللاتي يفترقن عن أزواجهن بالطلاق أو يفقدنه بالوفاة.

ينظر المجتمع إلى المطلقة نظرة قاسية وكأنها مرض يخشى إنتشاره ،والغريب في هذه النظرة الغير إنسانية أن من يغذيها في أغلبهن نسوة أخريات ممن يعشن حياة أمنة مطمئنة وسط أسرة قد لا تخلو من المشاكل أيضاً.

الموروثات الإجتماعية التي تصل حد التشفي في نسوة يعشن في مجتمع تتحكم فيه تلك العادات المتوارثة في بيئة خصبة من جهل يغذيها ولم تجد من يُقوِّمها أو يتصدى لها ،حتى أصبحت مشكلة معقدة يستعصي حلها في وجود شريعة رسمت خطوطا لكل حالة كان الجهل بها وتجاوزها من أهم العوامل التي رسخت تلك النظرة القاسية نحو المطلقة أو الأرملة.

لعل عدم الأخذ بالشرع من الأسباب التي غذت تلك النظرة نحو المرأة المطلقة رغم أن الطلاق من الحلال البغيض ولا يخلو منه مجتمع على وجه الأرض لأن أسبابه دائما متوفرة حين لا يكون هناك وفاق بين الزوج والزوجه وتستعصي الحلول وتغلق أبواب الآستمرار في الحياة الزوجية.

تتفاقم تبعات الطلاق بشكل مأساوي أن كان هناك أبناء من الأطفال،الأمر الذي يفترض إيجاد حلول وترتيبها قبل أن يكون أن يقع لأن النتائج وإن لم تظهر وقتها فإن تبعاتها ستكون خطيرة على الطفل الذي يكبر وينشأ في غير مناخه الطبيعي بين أم وأب،وقد ينتج عن ذلك إنسانا شريرا يحقد على المجتمع ومن فيه ولا يمكنه تكوين أسرة سوية إن فعل بل ستبقى صورة "طلاق"أبويه ماثلة أمام عينية يراها نتيجة حتمية لكل زوجين أو قد يتمناها لكل زوجين و من غير المستبعد أن هذا الطفل سيكون مجرما في حق نفسه والمجتمع إن عاش حياة قاسية نتيجة طلاق أبويه.

ولا يختلف المجتمع في نظرته إلى المرأة"الأرملة" التي تفقد زوجها ،وإن أبدى تعاطفا معها بداية.

فإن عبرت "المرأة"عن رغبتها بالأرتباط برجل بعد أن كبر الأبناء وعاش كل حياته الخاصة نجد من الأبناء والأهل في أكثرهم من يتصدى لها بشدة ويقتلون نداء الطبيعة في روحها وشوقها لرجل تأنس له وتحتمي به من ضربات الحياة الموجعة دون أن يفكر أحد منهم بمشاعرها الإنسانية وبوفائها وصبرها بعد أن فقدت زوجها الأول وربت الأبناء وأدت رسالتها الأسرية على اكمل وجه. ولا نجد هذا الموقف صلبا إن كان الرجل هو الأرمل بل نجد من يشجعه على الزواج!

هذه الصورة تتكرر كثيرا في مجتمعاتنا العربية الأمر الذي يكسر قلب المرأة الأرملة ويحطم ما يتبقى فيه من مشاعر إنسانية.

في المجتمعات الأخرى يختلف الحال - مطلقة أو ارملة - بسبب الآستقلالية عند المرأة التي يضمنها القانون،فلا أحد يمكنه أن يجبر إمرأة على عمل ما لا ترغب فيه كما لا يمكن لأحد أن يمنع إمرأة من عمل ما ترغب فيه مادام لا يتجاوز القانون.

ولأن مفهوم القانون يترسخ في المجتمع من خلال تربية تبدأ مبكرا من الصفوف المدرسية الأولى ويكبرعليها حيث تلتقي فيه العادات مع الأعراف فيصبح كلاهما - القانون والعـُرف - منهج حياة ارتضاه الجميع.

ربما هنا نجد الحل لمشكلة المطلقة والأرملة في مجتمعاتنا العربية وهي أن تـُمنح المزيد من الإستقلالية بعيدا عن العادات القديمة التي يمكن للمجتمع أن يميز بينها ويـُبقى على ما ينفع ويرفض رفضا قاطعا كل ما توارثه من عادات لا تليق بالإنسان المتحضر دون تجاوز الشرع وفروضه.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...