في ليلةٍ سوداءَ مظلمةٍ كأعماق القبورْ
للرعد في أحشائها قصفٌ وللريح الصفيرْ
جاشت بأعماقي الرغاب وشُلّ في نفسي الشعور
فمضيتُ يعصف بي حنينُ للبغايا والخدور
متردّدًا حذر الخطا فكأنني لصٌّ حقير
كي أجتني الثّمر المحرّم والملذة والحبور
فأنا أسير ولست أعبأ بالدجى والزمهرير
كلا، ولا بالريح تدفعني وبالمطر الغزير
ودلفت في وحل الزقاق هناك في الحي الحقير
ووقفت أطرق في انفعالٍ بابَ منزلك الصغير
وفتحتِ، فانبعثت من الباب ارتعاشاتُ الصرير
ورسمتِ فوق شفاهك السكرى ابتساماتِ السرور
ومشيتِ قُدّامي وتختالين في الثوب القصير
نشوانةَ الخطوات تهتزّين من فعل الخمور
الصدرُ يسمو للعلا، والخصر يعروه الضمور
ودخلتِ حجرتك الكئيبة، إنها وكر الشرور
وأتيتِ بالكانون تسمو منه أنفاس البخور
وذبالةٌ في الركن راعشةٌ تلوب وتستنير
والقطةُ الكسلى تمطّت فوق طيّات الحصير
وجلستِ قربي تنشدين بغبطةٍ فوق السرير
أنشودةً مبذولة التوقيع تُنشَد للكثير
لكنني لما أفقت ونشوتي بدأت تمور
وتأجُّجُ الشهوات في نفسي استحال إلى فتور
إذ مزّق الصمتَ الكئيب أنينُ إنسانٍ مرير
متوجّعًا فكأنه ينساب في النزع الأخير
فسألتها: أسمعتِ أنّاتٍ لشخص يستجير
أم يا تُرى في الحجرة الأخرى سكارى من خمور
فتململت وكأنها تخشى على سرٍّ خطير
ورأيت آثار الدموع على الخدود لها طفور
قالت أبي وتردَّدت شهقاتها شيخٌ ضرير
يحيا هنا؟ قالت أجلْ، فأجبتُ يا بئسَ المصير
وتركت كل دراهمي وخرجت مشبوبَ الشعور
ومضيت أنتهب الخطا وجلاً على وخز الضمير
قد كنت منحطَّ الشعور وكنت إنسانًا حقير
* حسن بن محمد صالح أبوقديم الدرسي.
ليبيا
( 1934 - 1991 م)