نقوس المهدي
كاتب
ببسيط العبارة، نعم الإسلام عَلمانيٌّ، وهو كذلك في الواقع، لا في التنظير. فبرغم الهجوم التقليدي على العَلمانية من الأقلام والمنابر المتسمية بـ”الإسلامية”، وبرغم سَوْقها “الأدلَّة” على العداء المزعوم بين العَلمانية والإسلام، فإنَّ قراءةً متأنيَّةً لتاريخ الإسلام والمسلمين ستوقفُنا على ملامحَ من العَلمانية لا تُخطئُها العين، وأولاها ذلك العنوان الكبير الذي يندرجُ تحته الفصلُ بين ما هو ربَّانيٍّ سماويٍّ وبين ما هو أرضيٌّ دنيويٌّ، والذي كان رماهُ الرسول الكريم بين المسلمين “أنتم أعلم بشؤون دنياكم”.
ويبدو أنَّ الخليفة الراشدي الأول أبا بكرٍ الصدِّيق قد تلقَّف هذا المعنى وطبَّقه عندما امتنع عددٌ من القبائل العربية عن دفع الزكاة، فشنَّ الحربَ عليها قائلاً قولته الشهيرة: “والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدُّونه لرسول الله لقاتلتهم عليه”. صحيح أنَّ قبائل أخرى قد التحقت بمسيلمة الكذاب، ولكن شنَّ الحرب على من امتنع عن دفع الزكاة إنَّما هو تدبير دنيوي وشخصي محض.
وبعد أبي بكر جاء عمر بن الخطَّاب بما لا يخطر على بالٍ؛ إذ عطَّل حكمَ حدٍّ من الحدود وهو قطع اليد، وذلك في عام الرمادة (17هـ) عندما اشتدَّ الجوع على المسلمين، برغم ورودِ نصٍ قرآني قاطع “والسارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبوا نَكالاً من الله، والله عزيز حكيم” (المائدة: 38)، كما عطَّل حكمَ نصيب “المؤلَّفةِ قلوبُهم” من الزكاة برغم وضوح النصِّ وإطلاقه، فعمر لم يجتهد فيما لا نصَّ فيه، بل فيما نصُّه قاطعٌ مانعٌ، وفيما هو فريضة من الفرائض (الزكاة) التي حارب سابقُه الراشديّ عليها. وقد علَّلَ فِعلَه ذاك بأنَّ “اللهَ قد أعزَّ الإسلامَ وأهلَه”، فما من حاجةٍ إلى إنفاق مال الزكاة على شراءِ الأقوياء من “الكفار” لكفِّ أذاهم عن الإسلام والمسلمين. والأهم فيما اجترحه ابن الخطّاب أنَّ موت الرسول لم يكن قد مضى عليه أكثر من أعوامٍ سبعة، أي أنَّ قرب العهد لم يكن ليمنع عمر من أن يراعيَ تغيُّرَ الحال وبزوغَ مصلحة الأمة في فقهٍ جديد.
وإذا ما تابعنا الفقهَ في نموِّه ورسوخِه لدى الفقهاء الستة: ابن مالك وابن حنبل والشافعي وابن حنيفة وابن حزم ومحمد بن عبد الوهاب، وجدنا اختلافاتٍ بيِّنةً وجذريَّةً تجعلنا نتساءلُ: أيُّهم هو الصوابُ والصحيح المطابقُ لشرعِ الإسلام كما جاء في النصِّ المُحْكَم؟ وإذا امتنعتِ الإجابةُ عن هذا السؤال امتناعاً مطلقاً، بسببِ استحالة أن يُطابقَ تفسيرٌ للقرآنِ القرآنَ الكريمَ نفسَه كما المرآة، برغم أنَّ لغتَه العربيةُ. وقد لاحظ المفسِّرون الأوائل ذلكَ وتأدَّبوا أمام النصِّ الربانيِّ بقولهم بعد أن يُعملوا عقولَهم في الفهم: “واللهُ أعلم!”.
ويأتي الحديثُ الشريفُ “اختلافُ أمتي رحمة” ليضعَ حدّاً للقول بالفقه الواحدِ الأحدِ، والتفسيرِ الذي يدَّعي مطابقتَه للتنزيل. وما دام الاختلافُ رحمةً، فذلك يعني فيما يعنيه أنَّ فهم النصّ القرآني لا يخضع لقول واحد مصمَت، بل هو أقوالٌ تتغير بحسب الزمان والمكان، وإلا فلمَ هذا التعدد؟ ولمَ ظهر علماء مسلمون معاصرون يقولون بما لا يتفق مع الفقهاء الستة، مثل الشيخ محمد عبده، ومصطفى الزرقا، والطاهر الحداد وعلي عبدالرازق وحسن الترابي وجمال البنا،.. وسواهم؟
وعلى ذلك فإنَّ ما بلغَنا إنما هو اجتهاداتٌ بشرية، يضبطُها ما بلغَتْه أفهامُ المجتهدين البشر، ابتداءً من أبي بكرٍ وانتهاءً بآخر مُفتٍ وداعيةٍ يبثُّ الآن على الفضائيات. وعلى ذلك أيضاً أنَّ ما بلغنا لا يختلف عن العَلمانية التي هي اجتهاد البشرية في تدبير شؤون دنياها، بما يلائم حاجاتها ومصالح الإنسان، وذلك أهم ملمحٍ فيها
ويبدو أنَّ الخليفة الراشدي الأول أبا بكرٍ الصدِّيق قد تلقَّف هذا المعنى وطبَّقه عندما امتنع عددٌ من القبائل العربية عن دفع الزكاة، فشنَّ الحربَ عليها قائلاً قولته الشهيرة: “والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدُّونه لرسول الله لقاتلتهم عليه”. صحيح أنَّ قبائل أخرى قد التحقت بمسيلمة الكذاب، ولكن شنَّ الحرب على من امتنع عن دفع الزكاة إنَّما هو تدبير دنيوي وشخصي محض.
وبعد أبي بكر جاء عمر بن الخطَّاب بما لا يخطر على بالٍ؛ إذ عطَّل حكمَ حدٍّ من الحدود وهو قطع اليد، وذلك في عام الرمادة (17هـ) عندما اشتدَّ الجوع على المسلمين، برغم ورودِ نصٍ قرآني قاطع “والسارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبوا نَكالاً من الله، والله عزيز حكيم” (المائدة: 38)، كما عطَّل حكمَ نصيب “المؤلَّفةِ قلوبُهم” من الزكاة برغم وضوح النصِّ وإطلاقه، فعمر لم يجتهد فيما لا نصَّ فيه، بل فيما نصُّه قاطعٌ مانعٌ، وفيما هو فريضة من الفرائض (الزكاة) التي حارب سابقُه الراشديّ عليها. وقد علَّلَ فِعلَه ذاك بأنَّ “اللهَ قد أعزَّ الإسلامَ وأهلَه”، فما من حاجةٍ إلى إنفاق مال الزكاة على شراءِ الأقوياء من “الكفار” لكفِّ أذاهم عن الإسلام والمسلمين. والأهم فيما اجترحه ابن الخطّاب أنَّ موت الرسول لم يكن قد مضى عليه أكثر من أعوامٍ سبعة، أي أنَّ قرب العهد لم يكن ليمنع عمر من أن يراعيَ تغيُّرَ الحال وبزوغَ مصلحة الأمة في فقهٍ جديد.
وإذا ما تابعنا الفقهَ في نموِّه ورسوخِه لدى الفقهاء الستة: ابن مالك وابن حنبل والشافعي وابن حنيفة وابن حزم ومحمد بن عبد الوهاب، وجدنا اختلافاتٍ بيِّنةً وجذريَّةً تجعلنا نتساءلُ: أيُّهم هو الصوابُ والصحيح المطابقُ لشرعِ الإسلام كما جاء في النصِّ المُحْكَم؟ وإذا امتنعتِ الإجابةُ عن هذا السؤال امتناعاً مطلقاً، بسببِ استحالة أن يُطابقَ تفسيرٌ للقرآنِ القرآنَ الكريمَ نفسَه كما المرآة، برغم أنَّ لغتَه العربيةُ. وقد لاحظ المفسِّرون الأوائل ذلكَ وتأدَّبوا أمام النصِّ الربانيِّ بقولهم بعد أن يُعملوا عقولَهم في الفهم: “واللهُ أعلم!”.
ويأتي الحديثُ الشريفُ “اختلافُ أمتي رحمة” ليضعَ حدّاً للقول بالفقه الواحدِ الأحدِ، والتفسيرِ الذي يدَّعي مطابقتَه للتنزيل. وما دام الاختلافُ رحمةً، فذلك يعني فيما يعنيه أنَّ فهم النصّ القرآني لا يخضع لقول واحد مصمَت، بل هو أقوالٌ تتغير بحسب الزمان والمكان، وإلا فلمَ هذا التعدد؟ ولمَ ظهر علماء مسلمون معاصرون يقولون بما لا يتفق مع الفقهاء الستة، مثل الشيخ محمد عبده، ومصطفى الزرقا، والطاهر الحداد وعلي عبدالرازق وحسن الترابي وجمال البنا،.. وسواهم؟
وعلى ذلك فإنَّ ما بلغَنا إنما هو اجتهاداتٌ بشرية، يضبطُها ما بلغَتْه أفهامُ المجتهدين البشر، ابتداءً من أبي بكرٍ وانتهاءً بآخر مُفتٍ وداعيةٍ يبثُّ الآن على الفضائيات. وعلى ذلك أيضاً أنَّ ما بلغنا لا يختلف عن العَلمانية التي هي اجتهاد البشرية في تدبير شؤون دنياها، بما يلائم حاجاتها ومصالح الإنسان، وذلك أهم ملمحٍ فيها