ابن ميمون - منتهى الطلب من أشعار العرب.. المختار من شعر عمر بن أبي ربيعة

المختار من شعر عمر بن أبي ربيعة
قال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. وأم عمر مولدة من مولدات اليمن، اسمها مجد:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أو رائح فمهجر
بحاجة نفس لم تقل في جوابها ... فتبلغ عذرا والمقالة تعذر
نهيم إلى نعم فلا الشمل جامع ... ولا الحبل موصول ولا القلب مقصر
ولا قرب نعم إن دنت لك نافع ... ولا نأيها يسلي ولا أنت تصبر
وأخرى أتت من دون نعم ومثلها ... نهى ذا النهى لو ترعوي أو تفكر
إذا زرت نعما لم يزل ذو قرابة ... لها كلما لاقيتها يتنمر
عزيز عليه أن ألم ببيتها ... مسر لي الشحناء للبغض مظهر
ألكني إليها بالسلام فإنه ... يشهر إلمامي بها وينكر
على أنها قالت غداة لقيتها ... بمدفع أكنان أهذا المشهر
قفي فانظري يا أسم هل تعرفينه ... أهذا المغيري الذي كان يذكر
أهذا الذي أطريت نعتا فلم أكد ... وعيشك أنساه إلى يوم أقبر
لئن كان إياه لقد حال بعدنا ... عن العهد والإنسان قد يتغير
فقالت نعم لا شك غير لونه ... سرى الليل يحيي نصه والتهجر
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأما بالعشي فيحضر
أخا سفر جواب أرض تقاذفت ... به فلوات فهو أشعث أغبر
قليل على ظهر المطية ظله ... سوى ما نفى عنه الرداء المحبر
وأعجبها من عيشها ظل غرفة ... وريان ملتف الحدائق أنضر
ووال كفاها كل شيء يهمها ... فليست لشيء آخر الليل تسهر
وليلة ذي دوران جشمني السرى ... وقد يجشم الهول المحب المغرر
فبت رقيبا للرفاق على شفا ... أراقب منهم من يطوف وأنظر
إليهم متى يستأخذ النوم فيهم ... ولي مجلس لولا اللبانة وأوعر
وبانت قلوصي بالعراء ورحلها ... لطارق ليل أو لمن جاء معور
فبت أناجي النفس أين خباؤها ... وإني لما تأتي من الأمر مصدر
فدل عليها القلب ريا عرفتها ... لها وهوى الحب الذي كان يظهر
فلما فقدت الصوت منهم وأطفئت ... مصابيح شبت بالعشاء وأنؤر
وغاب قمير كنت أهوى غيوبه ... وروح رعيان ونوم سمر
ونفضت عني النوم أقبلت مشية ... الحباب ولكني من القوم أزور
فحييت إذ فاجأتها فتواءلت ... وكادت بمرفوع التحية تجهر
فقالت وعضت بالبنان فضحتني ... وأنت امرؤ ميسور أمرك أعسر
أريتك إذ هنا عليك ألم تخف ... رقيبا وحولي من عدوك حضر
فقلت كذاك الحب قد يحمل الفتى ... على الهول حتى يستقاد فينحر
فو الله ما أدري أتعجيل راحة ... سرت بك أم قد نام من كنت تحذر
فقلت لها بل قادني الحب والهوى ... إليك وما نفس من الناس يشعر
فقالت وقد لانت وأفرخ روعها ... كلاك بحفظ ربك المتكبر
فأنت أبا الخطاب غير منازع ... علي أمير ما مكثت مؤمر
فبت قرير العين أعطيت حاجتي ... أقبل فاها في الخلاء فأكثر
فيا لك من ليل تقاصر طوله ... وما كان ليلي قبل ذلك يقصر
ويالك من ملهى هناك ومجلس ... لنا لم يكدره علينا مكدر
يمج ذكي المسك منها مفلج ... نقي الثنايا ذو غروب مؤشر
يرف إذا تفتر عنه كأنه ... حصى برد أو أقحوان منور
وترنو بعينيها إلي كما رنا ... إلى ظبية وسط الخميلة جؤذر
فلما تقضى الليل إلا أقله ... وكادت توالي نجمه تتغور
أشارت بأن الحي قد حان منهم ... هبوب ولكن موعد لك عزور
فما راعني إلا مناد تحملوا ... وقد شق معروف من الصبح أشقر
فلما رأت من قد تئور منهم ... وأيقاظهم قالت أشر كيف تأمر
فقلت أباديهم فأما أفوتهم ... وأما ينال السيف ثأرا فيثأر
فقالت أتحقيق كما قال كاشح ... علينا وتصديق لما كان يؤثر
فإن كان ما لا بد منه فغيره ... من الأمر أدنى للخفاء وأستر
أقص على أختي بدء حديثنا ... وما بي من أن تعلما متأخر
لعلهما أن تبغيا لك مخرجا ... وأن ترحبا سربا بما كنت أحصر
فقامت كئيبا ليس في وجهها دم ... من الحزن تدني عبرة تتحدر
فقالت لأختيها أعينا على فتى ... أتى زائرا والأمر للأمر يقدر
فأقبلتا فارتاعتا ثم قالتا ... أقلي عليك اللوم فالخطب أيسر
فقالت لها الصغرى سأعطيه مطرفي ... ودرعي وهذا البرد إن كان يحذر
يقوم فيمشي بيننا متنكرا ... فلا سرنا يفشو ولا هو يظهر
فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
فلما أجزنا ساحة الحي قلن لي ... أما تتقي الأعداء والليل مقمر
وقلن أهذا دأبك الدهر سادرا ... أما تستحي أو ترعوي أو تفكر
إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا ... لكي يحسبوا أن الهوى حيث تبصر
على أنني قد قلت يا نعم قولة ... لها والعتاق الأرحبية تزجر
هنيئا لبعل العامرية نشرها ... اللذيذ ورياها الذي أتذكر
فقمت إلى حرف تخون نيها ... سرى الليل حتى لحمها يتحسر
وحبسي على الحاجات حتى كأنها ... بلية لوح أو شجار ومؤسر
وماء بموماة قليل أنيسه ... بسابس لم يحدث بها الصيف محضر
به مبتنى للعنكبوت كأنه ... على شرف الأرجاء خام منشر
وردت وما أدري أما بعد موردي ... من الليل أم ما قد مضى منه أكثر
فطافت به مغلاة أرض تخالها ... إذا التفتت مجنونة حين تنظر
تنازعني حرصا على الماء رأسها ... ومن دون ما تهوى قليب معور
محاولة للورد لولا زمامها ... وجذبي لها كانت مرارا تكسر
فلما رأيت الضر منها وأنني ... ببلدة أرض ليس فيها معصر
قصرت لها من جانب الحوض منشأ ... صغيرا كقيد الشبر أو هو أصغر
إذا شرعت فيه فليس لملتقى ... مشافرها منه قدى الكف مسأر
ولا دلو إلا القعب كان رشاءه ... إلى الماء نسع والجديل المظفر
فسافت وما عافت وما صد شربها ... عن الري مطروق من الماء أكدر
وقال عمر بن أبي ربيعة أيضا: المتقارب
صحا القلب عن ذكر أم البنين ... بعد الذي قد مضى في العصر
وأصبح طاوع عذاله ... وأقصر بعد الآباء المبر
أخيرا وقد راعه لائح ... من الشيب من يعله ينزجر
على أن حبي ابنة المالكي ... كالصدع في الحجر المنفطر
يهيم النهار ويدنو له ... جنان الظلام بليل سهر
وينمي لها حبها عندنا ... فمن قال من كاشح لم يضر
من المسبغين رقاق الثياب ... تكسى النعال فضول الأزر
فإن تصرمي الحبل أو تصبحي ... وصلت برث القوى منبتر
فنحن المصاليت يوم الهيا ... ج والمانعون ذمار الدبر
ونحن المقيمون يوم الحفا ... ظ والضاربون ببيض بتر
ونحن المغيرون تحت العجا ... ج عند بدوء العذارى الخفر
ونحن المتاريك ظلم الصدي ... ق والسابقون بحسن العذر
وننمي إلى فرع جرثومة ... أقامت على قاهر مشمخر
أشم منيف يناغي السما ... ء تنبو قوادمه بالغفر
وغيث تبطنت قريانه ... بأجرد ذي ميعة منهمر
مسح الفضاء كسيد الآبا ... ء جم الجراء شديد الحضر
له ميعة كاضطرام الحري ... ق في العيص والأجم المستعر
ويهوي كمثل هوي الدلا ... ة في قطعة الكرب المنحدر
وتبقى سنابكه بالفلاة ... كمثل الدوادي لدى محتفر

وقال عمر أيضا، وهي قطعة استحسنتها له فكتبتها، وهي خارجة من الشرط في الاختيار إذ هي قطعة، وذكر الزبير بن بكار قال أجمع من له علم ببلدنا إنه أغرى ما سمعوا من الشعر هذه القطعة هي:
أألحق إن الرباب تباعدت ... أو انبت حبل أن قلبك طائر
أفق قد أفاق الواجدون وفارقوا ... الهوى واستمرت بالرجال المراير
زع القلب واستبق الحياء فإنما ... تبعد أو تدني الرباب المقادر
أمت حبها واجعل رجاء وصالها ... وعشرتها كبعض من لا تعاشر
وهبها كشيء لم يكن أو كنازح ... به الدار أو من غيبته المقابر
فكالناس علقت الرباب فلا تكن ... أحاديث من يبدو ومن هو حاضر
فإن أنت لم تفعل ولست بفاعل ... ولا سامع قول الذي هو زاجر
فنفسك لم عينين حيث الذي ترى ... وطاوعت هذا الغي إذ أنت سادر

وقال عمر أيضا:
أأقام أمس خليطنا أم سارا ... سائل بعمرك أي ذاك اختارا
وإخال أن نواهم قذافة ... كانت معاودة الفراق مرارا
قامت تراءى بالصفاح كأنها ... كانت تزيد لنا بذاك ضرارا
فبدت ترائب من ربيب شادن ... ذكر المليل إلى الكناس فصارا
رحلت عشية بطن نخلة إذ بدت ... وجها يضيء بياضه الأستارا
كالشمس تعجب من يرى ويزينها ... حسب أغر إذا تريد فخارا
سقيت بوجهك كل أرض جبتها ... ولمثل وجهك أسقي الأمطارا
من ذا نواصل إذ صرمت حبالنا ... أو من نحدث بعدك الأسرارا
هيهات منك قعيقهان وأهلها ... بالحرتين فشط ذاك مزارا
سكن فؤادك لا يطير به الهوى ... ولو أن قلبك يستطيع لطارا
لو يبصر الثقف البصير جبينها ... وصفاء خديها العتيق لحارا
وأرى جمالك فوق كل جميلة ... وشعاع وجهك يخطف الأبصارا
إني رأيتك غادة خمصانة ... ريا الروادف لذة مبشارا
محطوطة المتنين أكمل خلقها ... مثل السبيكة بضة معطارا
تسقي الصديق ببارد ذي رونق ... لو كان في غلس الظلام أنارا
وسقته بشرة عنبرا وقرنفلا ... والزنجبيل وخلطهن عقارا
والذوب من عسل السراة كأنما ... غصب الأمير ببيعها المشتارا
وكأن نطفة بارق وطبرزدا ... ومدامة قد عتقت أعصارا
تجري على أنياب بشرة كلما ... طرقت ولا تدري بذاك غرارا
يروى بها الظمآن حين يسوفه ... لذا المقبل باردا مخمارا
ويفوز من هو في الشتاء شعاره ... أكرم بها تحت اللحاف شعارا
جودي لمحزون ذهبت بعقله ... لم يقض منك بشيرة الأوطارا
وإذا ذهبت أسوم قلبي خطة ... من صرمها ألفيته خوارا
واغرورقت عيناي حين أسومه ... والقلب هاج بذكرها استعبارا
فبتلك أهذي ما حييت صبابة ... وبك الحياة أشبب الأشعارا

وقال عمر بن أبي ربيعة:
ألم تربع على الطلل المريب ... عفا بين المحصب فالطلوب
بمكة دارسا درجت عليه ... خلاف الحي ذيل صبا هبوب
وأقفر غير منتضد ونؤي ... أجد الشوق للقلب الطروب
كأن الربع ألبس عبقريا ... من الجندي أو بز الجروب
كأن مقص رامسة عليها ... مع الحدثان سطر في عسيب
لنعم إذ تعاوده هيام ... به أعيا على الحاوي الطبيب
لعمرك إنني من دين نعم ... لكالداعي إلى غير المجيب
وما نعم ولو علقت نعما ... بجازية الثواب ولا مثيب
إذا نعم نأت بعدت وتعدو ... عواد أن تزار مع الرقيب
وإن شطت بها دار تعيا ... عليه أمره بال الغريب
أسميها لتكتم باسم نعم ... ويبدي القلب عن شخص حبيب
وأكتم ما أسميها وتبدو ... شواكله لذي اللب الأريب
فإما تعرضي عنا وتعدي ... لقول ممازح ملق كذوب
فكم من ناصح في آل نعم ... عصيت وذي ملاطفة نسيب
فهلا تسألي أفناء معد ... وقد تبدو التجارب للبيب
سبقنا بالمكارم فاستبحنا ... قرى ما بين مأرب فالدروب
بكل قياد سلهبة سبوح ... وسامي الطرف ذي حضر نجيب
ونحن فوارس الهيجا إذا ما ... رئيس القوم أجمع للهروب
نقيم على الحفاظ فلن ترانا ... نشل نخاف عاقبة الخطوب
ويمنع سربنا في الحرب شم ... مصاليت مساعر في الحروب
ويأمن جارنا فينا ويلقى ... فواضلنا بمختبط خصيب
ونعلم أننا سنبيد يوما ... كما قد باد من عدد الشعوب
فتجتنب المقاذع حيث كانت ... ونكتسب العلاء مع الكسوب
ولو سئلت بنا البطحاء قالت ... هم أهل الفواضل والسيوب
ويشرق بطن مكة حين نضحي ... به ومناخ واجبة الجنوب
وأشعث إن دعوت أجاب وهنا ... على طول الكرى وعلى الدؤوب
وكان وساده أحناء رحل ... على أصلاب ذعلبة هبوب
أقيم بها سواد الليل نصا ... إذا حب الرقاد إلى الهيوب

وقال عمر بن أبي ربيعة:
قال لي صاحبي ليعلم ما بي ... أتحب القتول أخت الرباب
قلت وجدي بها كوجدك بالعذ ... ب إذا ما منعت برد الشراب
من رسولي إلى الثريا بأني ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب
أزهقت أم نوفل إذ دعتها ... مهجتي ما لقاتلي من متاب
حين قالت قومي أجيبي فقالت ... من دعاني قالت أبو الخطاب
فأجابت عند الدعاء كما لبى ... رجال يرجون حسن الثواب
أبرزوها مثل المهاة تهادى ... بين خمس كواعب أتراب
فتبدت حتى إذا جن قلبي ... حال دوني ولائد بالثياب
وهي مكنونة تحير منها ... في أديم الخدين ماء الشباب
حين شب القتول والعتق منها ... حسن لون يرف كالزرياب
ذكرتني من بهجة الشمس لما ... طلعت من دجنة وسحاب
دمية عند راهب قسيس ... صوروها في مذبح المحراب
فارجحنت في حسن خلق عميم ... تتهادى في مشيها كالحباب
ثم قالوا تحبها قلت بهرا ... عدد القطر والحصى والتراب
سلبتني مجاجة المسك عقلي ... فسلوها بما يحل اغتصابي

وقال عمر بن أبي ربيعة:
خليلي مرا بي على رسم منزل ... وربع لشنباء ابنة الخير محول
أتى دونه عصر فأخنى برسمه ... خلوجان من ريح جنوب وشمأل
سرى جل ضاحي جلده ملتقاهما ... ومر صبا بالمور هوجاء مجفل
وبدل بعد الحي عينا سواكنا ... وخيط نعام بالأماعز همل
بما قد أرى شنباء حينا تحله ... وأترابها في ناضر النبت مبقل
ليالي تصطاد القلوب بفاحم ... وعيني خذول مونق الجو مطفل
وجون يثنى في العقاص كأنه ... دواني قطوف أو أنابيب عنصل
تضل مداريها خلال فروعها ... إذا أرسلته أو كذا غير مرسل
وتنكل عن غر شتيت نباته ... عذاب ثناياه لذيذ المقبل
كمثل أقاحي الرمل يجلو متونه ... سقوط ندى من آخر الليل مخضل
إذا ابتسمت قلت انكلال غمامة ... خفا برقها في عارض متهلل
كأن سحيق المسك خالط طعمه ... وريح الخزامى في جديد القرنفل
بصهباء درياق المدام كأنها ... إذا ما صفا راووقها ماء مفصل
وتمشي على برديتين غذاهما ... همايم أنهار بأبطح مسهل
من الحور مخماص كأن وشاحها ... بعسلوج غاب بين غيل وجدول
قليلة إزعاج الحديث يروعها ... تعالي الضحى لم تنتطق عن تفضل
سؤوم الضحى مكورة الخلق غادة ... هضيم الحشا حسانة المتعطل
فأمست أحاديث الفؤاد وهمه ... وإن كان منها قد غدا لم ينول
وقد هاجني منها على النأي دمنة ... لها بقديد دون نعف المشلل
أرادت فلم تسطع كلاما وأومأت ... إلينا ونصت جيد حوراء معزل
فقلت لأصحابي اربعوا ساعة ... علي وعوجوا من سواهم ذبل
قليلا فقالوا إن أمرك طاعة ... لما تشتهي فاقض الهوى وتأمل
لك اليوم حتى الليل إن شئت فأتمر ... وصدر غد أو كله غير معجل
وإنا على أن تسعف النفس بالهوى ... حراص فما حاولت من ذاك فافعل
ونص المطايا في رضاك وحبسها ... لك اليوم مبذول ولكن تحمل
فلما رأيت الحبس في رسم منزل ... سفاها وجهلا بالفؤاد الموكل
فقلت لهم سيروا فإن لقاءها ... توافي الحجيج بعد حول مكمل
فما ذكره شنباء والدار غربة ... عنوج وإن تجمع تضن وتبخل
وإن تنأ تحدث للفؤاد زمانة ... وإن تقترب تعد العوادي وتشغل
وإن تغد لا تحفل وإن تدن لا تصل ... وإن تنأ لا تصبر وإن تدن تجذل
وإن تلتمس منا المودة نعطها ... وإن تلتمس مما لديها تعلل
فقد طال لو تبكي إلى متحوب ... بكاك إلى شنباء يا قلب فاحتل
أفق إنما تبكي إلى متمنع ... من البخل مألوس الخليقة حول
فقد كاد يسلو القلب عنها ومن يطل ... عليه التنائي والتباعد يذهل
على إنه إن يلقها بعد غيبة ... يعد لك داء عائد غير مرسل
فإنك لا تدرين أن رب فتية ... عجالى ولولا أنت لم أتعجل
منعتهم التعريس حتى بدا لهم ... قوارب معروف من الصبح منجلي
ينصون بالموماة خوصا كأنها ... شرائج نبع أو شري معطل
دقاقا براها السير منها منعل ... السريح وواق من حفا لم ينعل
فأضحوا جميعا تعرف العين فيهم ... كرى النوم مسترخي العمائم ميل
على هدم جحد الثرى ذي مسافة ... مخوف الردى عاري السلائق مجهل
ترى جيف الحفان فيه كأنها ... خيام على ماء حديث بمنهل
إرداة أن ألقاك يا أثل والهوى ... كذلك حمال الفتى كل محمل
فبعض البعاد يا أثيل فإنني ... تروك الهوى عن الهوان بمعزل
أبى لي ربي أن أضام وصارم ... حسام وعز من حديث وأول
مقيم بإذن الله ليس ببارح ... مكان الثريا قاهر غير منزل
أقرت معد إننا نحن خيرها جدى ... لطالب عرف أو لضيف محول
مقاويل بالمعروف خرس عن الخنا ... قضاة بفصل الحق في كل محفل
أخوهم إلى حصن منيع وجارهم ... بعلياء عن ليس بالمتذلل
وفينا إذا ما حادث الدهر أجحفت ... نوائبه والدهر جم التنقل
لذي الغرم أعوان وبالحق قائل ... وللحق تباع وللحرب مصطلي
وللخير كساب وللمجد رافع ... وللحمد أعوان وللخير معتل
نبيح حصون من نعادي وحصننا ... أشم منيع حزنه لم يسهل
نقود ذلولا من نعادي وقرمنا ... أبي القياد مصعب لم يذلل
نفلل أنياب العدو ونابنا ... حديد شديد ورقه لم نذلل
أولئك آبائي وعزمي ومعقلي ... إليهم أثيل فاسألي أي معقل

وقال عمر أيضا:
ألم تسأل الأطلال والمتربعا ... ببطن حليات دوارس بلقعا
إلى السرح من وادي المغمس بدلت ... معالمه وبلا ونكباء زعزعا
فيبخلن أو يخبرن بالعلم بعدما ... نكأن فؤادا كان قدما مفجعا
بهند وأتراب لهند إذ الهوى ... جميع وإذ لم نخش أن نتصدعا
وإذا نحن مثل المزن كان مزاجه ... كما صفق الساقي الرحيق المشعشعا
وإذ لا نطيع العاذلين ولا نرى ... لواش لدينا يطلب الصرم موضعا
تنوعتن حتى عاود القلب سقمه ... وحتى تذكرت الحديث المودعا
فقلت لمطريهن في الحسن إنما ... ضررت فهل تسطيع نفعا فتنفعا
وشريت فاستشرى وقد كان قد صحا ... فؤاد بأمثال المها كان موزعا
وهيجت قلبا كان قد ودع الصبا ... وأشياعه فاشفع عسى أن تشفعا
فقال اكتفل ثم التثم فأت باغيا ... نسلم ولا تكثر بأن تتورعا
فإني سأخفي العين عنك فلا ترى ... مخافة أن يفشو الحديث فيسمعا
فأقبلت أهوي مثل ما قال صاحبي ... لموعده أزجي قعودا موقعا
فلما تواقفنا وسلمت أشرقت ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا
تبالهن بالعرفان لما عرفنني ... وقلن امرؤ باغ أكل وأوضعا
وقربن أسباب الهوى لمتيم ... يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا
فلما تنازعنا الأحاديث قلن لي ... أخفت علينا أن تغر وتخدعا
فبالأمس أرسلنا بذلك خالدا ... إليك وبينا له الشأن أجمعا
فما جئتنا إلا على وفق موعد ... على ملاء منا خرجنا له معا
رأينا خلاء من عيون ومجلسا ... دميث الربا سهل المحلة ممرعا
وقلن كريم نال وصل كرائم ... فحق بنا في اليوم أن نتمتعا

وقال عمر أيضا:
تشط غدا دار جيراننا ... وللدار بعد غد أبعد
إذا جاوزت غمر ذي كندة ... مع الركب قصد لها الفرقد
يحث الحداة بها عيرها ... سراعا إذا ماونت تطرد
هنالك أما تعزي الهوى ... وإما على إثرهم تكمد
ولست ببدع لئن دارها ... نأت والعزاء إذن أجلد
دعاني من شيب القذا ... ل رئم له عنق أغيد
وعين تصابي وتدعو الفتى ... لما تركه للفتى أرشد
صرمت وواصلت حتى علمت ... أين المصادر والمورد
وجربت من ذاك حتى عرفت ... ما أتوقى وما أعمد
فإن التي شيعتها الفتاة ... في الخدر قلبي بها مقصد
أقول وقد جد من بينهم ... غداة إذ عاجل موفد
ألست مشيعنا ليلة ... فتقضي اللبانة أو تعهد
فقلت بلى قل لي عندكم ... كلال المطي إذا تجهد
فعودي إليها فقولي لها ... مساء غد لكم الموعد
وآية ذلك أن تسمعي ... إذا جاءكم ناشد ينشد
فرحنا سراعا وراح الهوى ... دليلا إليكم بنا يقصد
فلما دنونا ... لجرس النباح وللضوء والحي لم يرقدوا
نأينا عن الحي حتى إذا ... تودع من نارها الموقد
بعثنا لنا باغيا ناشدا ... وفي الحي بغية من أنشد
فقامت فقلت بدت صورة ... من الشمس شيعها الأسعد
فجاءت تهادى على رقبة ... من والخوف أحشاؤها ترعد
تقول وتظهر وجدا بنا ... ووجدي ولو أظهرت أوجد
ألا من شقائي تعلقتكم ... وقد كان لي عنكم مقعد
وكفت سوابق من عبرة ... على الخد جال بها إثمد
عراقية وتهامي الهوى ... يغور بمكة أو ينجد

وقال عمر أيضا:
أفي رسم دار أنت واقف ... بقاع تعفته الرياح العواصف
بما حازت الشعباء فالخيمة التي ... قفا محرض كأنهن صحائف
سحا تربها أرواحها فكأنما ... أحال عليها بالرغام النواسف
وقفت بها لا من أسائل ناطق ... ولا أنا إذ لم ينطق الرسم صارف
ولا أنا عمن يألف الربع ذاهل ... ولا التبل مردود ولا القلب عازف
ولا أنا ناس مجلسا زارنا به ... عشاء ثلاث كاعبان وناصف
أسيلات أبدان دقاق خصورها ... وثيرات ما التفت عليه الملاحف
إذا قمن أو حاولن مشيا تأطرا ... إلى حاجة مالت بهن الروادف
نواعم ما يدرين ما عيش شقوة ... ولا هن نمات الحديث زعانف
إذا مسهن الرشح أو ساقط الندى ... تضوع بالمسك السحيق المشارف
يقلن إذا ما كوكب غار ليته ... بحيث رأيناه عشاء يخالف
لثنا به ليل التمام بلذة نعمناه ... حتى جلا الصبح كاشف
فلما هممنا بالتفرق أعجلت بقايا ... اللبانات الدموع الذوارف
وأصعدن في وعث الكثيب تأودا ... كما اجتاز في الوحل النعاج الخوارف
فأتبعتهن الطرف متبل الهوى ... كأني يعانيني من الجن طائف
تعفي على الآثار أن تعرف الخطا ... ذيول الثياب يمنة ومطارف
دعاه إلى هند تصاب ونظرة ... تدلي إلى أشياء فيها متالف
سبته بوحف في العقاص كأنه ... عناقيد دلاها من الكرم قاطف
وجيد خذول بالصريمة مغزل ... ووجه حمي أضرعته المخاوف
فكل الذي قد قلت يوم لقيتكم ... على حذر الأعداء للقلب شاعف
وحبك داء للفؤاد مهيج ... سقاما إذا ناح الحمام الهواتف
ونشرك شاف للذي بي من الجوى ... وذكرك ملتذ على النوم طارف
وقربك إن قاربت للشمل جامع ... وإن بنت يوما بان من أنا آلف
وإن راجعته في الترسل لم يزل ... له من أعاجيب الحديث طرائف
فإن عاتبته مرة كان قلبه ... لها ضلعه حتى تعود العواطف
فكل الذي قد قلت قد كان ذكره ... على القلب قرحا ينكأ القرح قارف
بصير بممشاها وإن كان بيننا ... وبينهم بعد المحل تنائف
أثيبي ابنة المكني عنه بغيره ... وعنك سقاك الغاديات الروادف
على أنها قالت لأسماء سلمي ... عليه وقولي حق ما أنت خائف
أرى الدهر قد شطت بنا عن نواكم ... نوى غربة فانظر لأي تساعف
فقلت أجل لا شك قد نبأت به ... ظباء جرت فاعتاف من هو عائف
فقالت لها قولي ألست بزائر ... بلادي وإن قلت هناك المعارف
كما لو ملكنا أن نزور بلادكم ... فعلنا ولم يكبر علينا التكاليف
فقلت لها قولي لها قل عندنا ... لها جشم الظلماء فيما يصادف
ونصي إليك العيس شاكية الوجا ... مناسمها مما تلاقي رواعف
براهن نصي والتهجر كلما ... توقد مسموم من اليوم صائف
تحسر عنهن العرائك بعدما ... بدأن وهن المفقرات العلائف
وإني زعيم أن تقرب فتية ... إليك معيدات السفار عواطف

وقال عمر أيضا:
جرى ناصح بالود بيني وبينها ... فقر بني يوم الحصاب إلى قتلي
فطارت بحد من فؤادي ونازعت ... قرينتها حبل الصفاء إلى حبلي
فما أنس ملأشياء لا أنس موقفي ... وموقفها وهنا بقارعة النخل
فلما تواقفنا عرفت الذي بها ... كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل
فقلن لها هذا عشاء وأهلنا ... قريب ألما تسأمي مركب البغل
فقالت فما تهوين قلن لها انزلي ... فللأرض خير من وقوف على رجل
وقمن إليها كالدمى فاكتنفنها ... وكل يفدي بالمودة لا يؤلي
نجوم دراري تكنفن صورة ... من البدر وافت غير هوج ولا خجل
فسلمت وأستأنست خيفة أن يرى ... عدو مكاني أو يرى كاشح فعلي
فقالت وأرخت جانب الستر إنما ... معي فتحدث غير ذي رقبة أهلي
فقلت لها ما بي لهم من ترقب ... ولكن سري ليس يحمله مثلي
فلما اقتصرنا دونهن حديثنا ... وهن طبيبات بحاجة ذي الشكل
عرفن الذي نهوى فقلن لها ائذني ... نطف ساعة في طيب رمل وفي سهل
فقالت فلا تلبثن قلن تحدثي ... بلغناك واستجمعن مور مها الرمل
فقمن وقد أفهمن ذا اللب إنما ... فعلن الذي يفعلن من ذاك من أجلي

.



[SIZE=4] * ابن ميمون[/SIZE]
محمد بن المبارك بن محمد بن ميمون البغدادي
( ..... - بعد 589 هـ [ كذا في الأعلام ] = ..... - بعد 1193 م)
[SIZE=4]منتهى الطلب من أشعار العرب[/SIZE]
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...