كريم اسكلا - ليالي الدخلة : البحث عن دم العذرية أم عن انتصارات وهمية

ان موضوع البكارة أو العذرية موضوع يستفز العديد من الأسئلة المقلقة نظرا لتشابكه مع ظواهر أخرى عديدة كالثقاف،الختان،التناسل، الزواج،الاغراء، اللباس...كلها مرتبطة بنوع التمثلات الاجتماعية نحو الجسد. اذ يرد الجسد في المخيال الجمعي مرتبطا بالمقدس و المدنس في الان ذاتهن و بالرغم من أن الجسد هو محور العديد من المواقف الاجتماعية الا أنه يركن الى الظل و المسكوت عنه.

1. في مفهوم "الجسد" :
«إن الجسد هو المجال حيث يتواجه الاجتماعي والفردي، الطبيعي والثقافي، النفسي والرمزي». إن هذا التشابك يبرز اكثر عند طرح ثنائية الجسد/الروح حيث يحضر الأسطوري، الثقافي، الرمزي ... يقول(مالك شيبل) بأن الجسد هو «الشكل الذي تأخذه الروح لكي تتمظهر وتتجلى، سواء تعلق الأمر بالإنسان أو بالملائكة، أو الجن، أو كان مجرد تمثيل للخيال الإبداعي

تسائل الانتروبولوجيا والسوسيولوجيا ... "الجسد" باعتباره لغة ومساحة للمعتقدات، إنه «جسد للغة والمعتقدات، والأساطير أكثر منه جسدا تشريحيا، مقارب عبر قياسات بيولوجية، إنه جسد حي –un corps vit-»لكن( دافيد لوبروتون) يميز الجسد في المجتمعات الغربية، فهو عكس الجسد في المجتمعات التقليدية، جسد منشق ومنفصل عن الجماعة،وعن الكوسموس، وعن الطبيعة، بل عن الفرد ذاته. نستخلص من كل هذا، تعريفا إجرائيا لما نقصده بالجسد :
الجسد ليس معطى طبيعيا، باعتباره مجموعة من الأعضاء التشريحية، بل هو مكتسب اجتماعي يثم بناءه عبر التفاعل الاجتماعي.
الجسد، جسد للتمثلات، للمعتقدات، للأساطير... يختلف حسب السياقات الانتروبوثقافية.
الجسد، ليس حالة، بل هو سيرورة متحولة ومتغيرة كل لحظة حسب التحولات الاجتماعية داخل المجتمع.

2. الجسد بين المدنس و المقدس : تأملات و تساؤلات.
يشير كل من (مالك شيبل) و(الرازي نجاة) إلى نظرة تستحضر الجسد الأنثوي كمدنس. ففي الزمن الذي تعلن فيه المرأة عن تميزها و عن أنثويتها- لحظة الحيض-، تنتابها مشاعر النجاسة والقذارة، نجاسة لا شك وأنها نتاج اجتماعي ترسخ عبر سيرورة تاريخية طويلة.

لكن ما نود الإشارة إليه هو حضور إحساس القذارة والنجاسة أيضا عند الذكر. فخروج المني منه يستوجب طقوسا للتطهير، كما أن بحث الذكر عن الأنثى / البكارة، عن المرأة التي لم يلمسها ذكر قبله، قد يستبطن إحساسا لا واعيا بأن الرجل مصدر تلويث، إنه يبحث عن المرأة التي سيطمثها –يلوثها- هو وحده.

لتبرز على مستوى السلوك الاجتماعي ظاهرة الغسل/النظافة/الطهارة، خصوصا في فضاء الحمام،اذ يعتبر الغسل بعد ممارسة جنسية تطهيرا ضروريا. وكأننا بصدد طقوس التطهير كما في المجتمعات البولونيزية- Polynesien ، كما أشار إليها R.Caillois) ) في دراسة عن الطقوس الجنسية للتطهير عند قبائل الطانكا Thongas.

يراد لثقافة ما أن تركن إلى الهامش الاجتماعي ، أي إلى ذلك المجال المحتضن للمحرم، بالتالي تكون محتضنة لأعمق ركائز السياقات الانتربوثقافية: نتحدث هنا عن ذلك الخطاب المتسرب من أبواب المجتمع الخلفية: النكتة، السب و الشتم Injure ... أي خطاب يتناول الجسد الخاص: خطاب حول قِصر أو عدم انتصاب العضو التناسلي لدى الذكور، ظهور أعراض فيزيولوجية مصاحبة للإفرازات المهبلية لدى الإناث، صغر الخصيتين، صغر أو ضخامة الثديين، شعر أطراف الجسد و كذا حكايات ليلة العرس ...، إنه معيش يومي لابد وأنه سيقربنا من فهم المخيال الاجتماعي. لكن الأكيد أنه يتطلب دراسة متأنية.

فالبحث عن دم العذرية ليلة العرس مثلا لا يبتعد عن لب التصورات التي نحملها عن جسدنا و جسد الأخر،انه مرتبط اذن بمكبوتاتنا عن اللحظات الأولى في مواجهتنا للمجتمع،وبداية تكون مفهوم العيب ،و بلحظات الختان أو اخصاء 'أوديب'...،و كل طقوس المرور خلال معيشنا اليومي.

و إذا كنا نشهد استعمالا مرنا ومتحرر للجسد الكاشف حتى عن أعضاء الجسد المحملة بالمحرم Tabou بالتالي محملة بالأساطير، أو ما يسميه (مالك شبل) "تابو العورة نشير مثلا إلى البطن، الثديين، الأرداف، السرة... بالنسبة للإناث، وشعر الصدر، العضلات المفتولة... بالنسبة للذكور. فإن هناك اتجاها أيضا نحو "إخفاء" هذا "الجسد" بكامله خصوصا الجسد الأنثوي، وذلك بجملة من التصورات التي تزيحه نحو المسكوت عنه انطلاقا من تفكير أخلاقي قيمي. لكن واقع الممارسة اليومية يزودنا بالتباس يتعلق بالفهم الذي يعطيه الأفراد لممارساتهم،ففي بعض الأحيان قد يصبح الحجاب مصدر اغراء و اثارة.

يمكن أن نلحظ أيضا أن المجتمع لا يسعى إلى إخفاء الجسد الذكوري في حين أنه قد يكون هو أيضا موضوع استيهامات سواء من قبل النساء أو الذكور. هل الحجاب إذن حجب أم كشف؟ لكن ألا يعتبر ذلك دليلا على أن حتى النص الديني يفسر انطلاقا من وجهة نظر مجتمع الذكور؟ وهذا ما قد يكون دفع ( Germaine Tillon ) إلى القول بأن الدين الإسلامي ليس بالضرورة هو المتحكم في فرض الحجاب على النساء بالمقارنة مع ظاهرة الغيرة الذكورية التي تميز هذه المجتمعات,

يرى ( بيير بورديو) أن التقسيم الاجتماعي/ الجنسي المنحاز إلى الذكر يمكن اعتباره شبه عام في جميع المجتمعات، بالرغم من أنه نتاج اجتماعي لسيرورة تاريخية ، إن الذكر هنا كائن ذو شرف وعزة، باستحضار عدم افتراق امتيازات الشرف عن السلطة داخل المجتمع. إن ذلك التقسيم نجد له تعبيرا في الطقوس وفي البنية المجالية لدور السكن، إذ هناك تميز بن المنزل والعالم الخارجي (الحقول)... إن ذلك يفسر ويرتبط بالتمثلات الرمزية حول الجسد، وبعلاقات الهيمنة بين الجنسين، أي بين مهيمن ومهيمن عليه.

إضافة إلى انه قد نجد "ألما" لدى الذكور يتحدد بشكل من " الاخصاء " و"الثقاف"... وتحريم السلوك الجنسي إلى لحظة "حاسمة" يجب أن يظهر فيها عن جدارته بتحمل المسؤولية، وبشهادة المروءة والرجولة. لا يحصل الذكر على شهادة الشرف رغم سلوكياته الجنسية إلا إذا توضحت ليلة افتضاض بكارة عروسه.لا يصبح الرجل رجلا الا اذا قام ب" الواجب " ليلة الدخلة، وحتى و لو مارس الجنس سابقا يراد لهذا السلوك الذي أريد له أن يكون محراما و مخفيا من قبل، أن يكون طقسا علنيا في هذه اللحظة و في هذا المكان.

لقد افرز العصر الحديث ،عصر العولمة، حالات من الانخطاف الرمزي و التماهيات المتعددة إذ أن المجتمع الاستهلاكي الحالي استنهض كل ترسانته الإعلامية المعلوماتية ، ليستحيل العالم إلى فضاء للاحتفالات و الكرنفالات الطقوسية،إلى "جدبة" لجسد متماهي مع آلهة الميتافيزيقا و الأساطير الحديثة، أو ميتاقيزيقا الصور و العلامات الفيتيشية .أي أيقونات الممثلين و المغنيين و عارضي و عارضات الأزياء،نجوم الرياضة و الاشهار،من أقصى الغرب الى أقصى الشرق،من هوليود الى بوليود الى السينما المكسيكية و التركية ...
ان العريسين الحالمين بشهر عسل على طريقة الأفلام و المسلسلات قد يصطدمان بمجموعة من العادات و الطقوس و المعتقدات التي تخل لاتوانزنا وجدانيا لديهما،قد تنتج عنه جروح نرجسية عميقة تتسبب في فشل العلاقة فيما بعد.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...