نقوس المهدي
كاتب
يعتبر عالم الدعاية والإعلان أحد المرايا التي تعكس ثقافة المجتمعات والنظرة السائدة لطبيعة دور المرأة والرجل، ومكانة كل منهما فيه؛ ومن منطلق أن الإعلام بأشكاله المختلفة قادر على تعزيز الأفكار المسبقة لدى الجمهور وتغييرها، سعت الحركات المجتمعية عامة والنسوية خاصة لإلقاء الضوء منذ سبعينات القرن الماضي على تنميط صورة المرأة في الإعلام.
واعتمدت الحركات النسوية في تلك الفترة على إصدار دراسات تحليلية للدعايات والإعلانات في الولايات المتحدة؛ من أجل كشف الأفكار المسبقة والصورة النمطية التي تظهر فيها المرأة مقابل الرجل في المواد الدعائية؛ والتي في الغالب تظهر فيها كسلعة تستخدم لتسويق المنتجات، وفي أدوار تعزز الأفكار الذكورية وتعرضها ككائن ضعيف محصور في مهام محددة.
في كتابها "المرأة كسلعة"، الذي يعدّ من أهم الكتب التي ناقشت صورة المرأة في الإعلام، تقول البروفيسورة عنات فيرست إن الإعلانات تعكس بالأساس الأيديولوجية الرأسمالية ودور المرأة ضمنها، كما تسوّق للقيم العربية الأبوية.
وأضافت أن الباحثين الأوائل في المجال كشفوا أنه في الإعلانات الأمريكية نادراً ما ظهرت المرأة كعاملة خارج المنزل، بل ظهرت غالباً مرتبطة بأعمال التنظيف، كما لم تظهر النساء كشخصيات مسؤولة أو نساء أعمال أو صاحبات مهن.
إضافة لذلك، ففي الإعلانات التي شارك فيها رجال ونساء كانت العلاقة بين الشخصيات تعكس أيضاً ما يدور في المجتمع أو ما يريد الإعلام والسلطة تعزيزه فيه، إذ تعاملت الشخصيات الذكورية في الدعايات مع النساء كسلعة جنسية أو كجزء لا يتجزأ من المنزل، فظهرن بإعلانات لمنتجات مثل أدوات ومواد التنظيف، الطعام، مستحضرات التجميل والأدوية والملابس والأدوات المنزلية، بينما ظهر الرجال في إعلانات السيارات والرحلات والخمور والسجائر والبنوك وعالم الأعمال والصناعات.
ولم يسهم تغيّر الزمن كثيراً بتغيّر محتوى الإعلانات واختيارها لدور المرأة والرجل فيها، فبعد عشر سنوات أجريت دراسات جديدة على نفس الوسائل الإعلامية، ولم يلاحظ تغير كبير على صورة المرأة النمطية فيها، التغييرات الخاصة يمكن تلخيصها بأن عدد النساء أصبح أكبر في الإعلانات، كما ارتفع المستوى الوظيفي الذي ظهرن فيه، إلا أن الإعلانات ظلت تركز على المرأة كسلعة، وتستخدم "الجمال" الجسدي أداة لتسويق المنتجات وتتجاهل جميع صفات المرأة الأخرى ومكونات شخصيتها.
ست أفكار مسبقة
ويمكن تلخيص العوامل المعتمد عليها في تحليل الأفكار المسبقة حول النساء في الإعلانات، بـ6 عوامل وفقاً لعالم الاجتماع الكبير إيرفنغ غوفمان:
أولاً، "الإعلانات الجنسانية" (Gender Advertisments)، الصادر عام 1979، وهي الطول النسبي للنساء، إذ تظهر في الغالب أقصر بشكل مفتعل من الرجل، مما يعكس علاقة سلطوية بين الطرفين لصالح الرجل.
ثانياً، اللمسة الأنثوية، وهو مقياس متعلق بإظهار المرأة كسلعة جنسية، الأمر الذي يظهر عن طريق تركيز الصورة على ملامح الشخصية الأنثوية في الإعلام، أكثر مما تفعل الإعلانات مع الشخصيات الذكورية.
ثالثاً، التدرج الوظيفي، وهو يدل المشاهد على الترتيب الاجتماعي الوظيفي في المجتمع، وعن العلاقة بين الجندر والحيز العام ومجالات العمل في المجتمع، وهنا نذكر أن الإعلانات غالباً ما تظهر الرجل في مكانة وظيفية أعلى من المرأة، مثل أن تظهر المرأة بدور الممرضة والرجل بدور الطبيب في الإعلان نفسه.
رابعاً، العائلة، التي تعد الوحدة الاجتماعية الصغرى في مبنى المجتمع، في الإعلانات تنعكس طبيعة العلاقة النمطية بين أفراد العائلة، فوفقاً لغوفمان، غالباً ما يكون الابن فيها قريباً من الأب والفتاة قريبة من الأم، والأب يقف إلى حد ما خارج مركز الصورة، مما يعطي انطباعاً بأنه "يحميها". عن طريق دراسة هذا العامل يمكننا ملاحظة التغييرات التي تمر بها مكانة العائلة كوحدة بناء أساسية في المجتمعات المختلفة على مرّ الزمن.
خامساً، هو عامل البنية الاجتماعية عبر الإعلانات هو "الامتثال"، كما سمّاه غوفمان؛ إذ يمكننا عن طريق تحليل الإعلان معرفة أي الشخصيات متعلقة بالأخرى، ومن هي الشخصية المسيطرة والآمرة مقابل الشخصيات المطيعة والممتثلة لها، ويظهر ذلك عن طريق تحليل طول الشخصيات، وضعيتها (واقفة أو جالسة)، النظرة ...إلخ.
أما العامل السادس والأخير فهو عامل مكمل بحسب غوفمان، وهو "الانسحاب".
وهنا يقول إن النساء في الإعلانات غالباً ما تظهر أثناء وجودها في وضع يتطلب منها التعامل مع موقف اجتماعي ونفسي ما، كما يظهر المرأة بأنها مرتبكة تريد حلّ مشكلة ما ومن ثم تتحول بشكل تلقائي لشخصية متعلقة بالمحيط، أقل استقلالية وإرادة وقوة، ومن الاستراتيجيات التي يتبعها صناع الإعلانات لإظهار ارتباط المرأة بغيرها وضعفها، هو إظهارها وهي تنتظر أو تولي ظهرها للكاميرا أو تضع يدها أو أصابعها على وجهها دليلاً على الحيرة والتعلق.
واعتمدت الحركات النسوية في تلك الفترة على إصدار دراسات تحليلية للدعايات والإعلانات في الولايات المتحدة؛ من أجل كشف الأفكار المسبقة والصورة النمطية التي تظهر فيها المرأة مقابل الرجل في المواد الدعائية؛ والتي في الغالب تظهر فيها كسلعة تستخدم لتسويق المنتجات، وفي أدوار تعزز الأفكار الذكورية وتعرضها ككائن ضعيف محصور في مهام محددة.
في كتابها "المرأة كسلعة"، الذي يعدّ من أهم الكتب التي ناقشت صورة المرأة في الإعلام، تقول البروفيسورة عنات فيرست إن الإعلانات تعكس بالأساس الأيديولوجية الرأسمالية ودور المرأة ضمنها، كما تسوّق للقيم العربية الأبوية.
وأضافت أن الباحثين الأوائل في المجال كشفوا أنه في الإعلانات الأمريكية نادراً ما ظهرت المرأة كعاملة خارج المنزل، بل ظهرت غالباً مرتبطة بأعمال التنظيف، كما لم تظهر النساء كشخصيات مسؤولة أو نساء أعمال أو صاحبات مهن.
إضافة لذلك، ففي الإعلانات التي شارك فيها رجال ونساء كانت العلاقة بين الشخصيات تعكس أيضاً ما يدور في المجتمع أو ما يريد الإعلام والسلطة تعزيزه فيه، إذ تعاملت الشخصيات الذكورية في الدعايات مع النساء كسلعة جنسية أو كجزء لا يتجزأ من المنزل، فظهرن بإعلانات لمنتجات مثل أدوات ومواد التنظيف، الطعام، مستحضرات التجميل والأدوية والملابس والأدوات المنزلية، بينما ظهر الرجال في إعلانات السيارات والرحلات والخمور والسجائر والبنوك وعالم الأعمال والصناعات.
ولم يسهم تغيّر الزمن كثيراً بتغيّر محتوى الإعلانات واختيارها لدور المرأة والرجل فيها، فبعد عشر سنوات أجريت دراسات جديدة على نفس الوسائل الإعلامية، ولم يلاحظ تغير كبير على صورة المرأة النمطية فيها، التغييرات الخاصة يمكن تلخيصها بأن عدد النساء أصبح أكبر في الإعلانات، كما ارتفع المستوى الوظيفي الذي ظهرن فيه، إلا أن الإعلانات ظلت تركز على المرأة كسلعة، وتستخدم "الجمال" الجسدي أداة لتسويق المنتجات وتتجاهل جميع صفات المرأة الأخرى ومكونات شخصيتها.
ست أفكار مسبقة
ويمكن تلخيص العوامل المعتمد عليها في تحليل الأفكار المسبقة حول النساء في الإعلانات، بـ6 عوامل وفقاً لعالم الاجتماع الكبير إيرفنغ غوفمان:
أولاً، "الإعلانات الجنسانية" (Gender Advertisments)، الصادر عام 1979، وهي الطول النسبي للنساء، إذ تظهر في الغالب أقصر بشكل مفتعل من الرجل، مما يعكس علاقة سلطوية بين الطرفين لصالح الرجل.
ثانياً، اللمسة الأنثوية، وهو مقياس متعلق بإظهار المرأة كسلعة جنسية، الأمر الذي يظهر عن طريق تركيز الصورة على ملامح الشخصية الأنثوية في الإعلام، أكثر مما تفعل الإعلانات مع الشخصيات الذكورية.
ثالثاً، التدرج الوظيفي، وهو يدل المشاهد على الترتيب الاجتماعي الوظيفي في المجتمع، وعن العلاقة بين الجندر والحيز العام ومجالات العمل في المجتمع، وهنا نذكر أن الإعلانات غالباً ما تظهر الرجل في مكانة وظيفية أعلى من المرأة، مثل أن تظهر المرأة بدور الممرضة والرجل بدور الطبيب في الإعلان نفسه.
رابعاً، العائلة، التي تعد الوحدة الاجتماعية الصغرى في مبنى المجتمع، في الإعلانات تنعكس طبيعة العلاقة النمطية بين أفراد العائلة، فوفقاً لغوفمان، غالباً ما يكون الابن فيها قريباً من الأب والفتاة قريبة من الأم، والأب يقف إلى حد ما خارج مركز الصورة، مما يعطي انطباعاً بأنه "يحميها". عن طريق دراسة هذا العامل يمكننا ملاحظة التغييرات التي تمر بها مكانة العائلة كوحدة بناء أساسية في المجتمعات المختلفة على مرّ الزمن.
خامساً، هو عامل البنية الاجتماعية عبر الإعلانات هو "الامتثال"، كما سمّاه غوفمان؛ إذ يمكننا عن طريق تحليل الإعلان معرفة أي الشخصيات متعلقة بالأخرى، ومن هي الشخصية المسيطرة والآمرة مقابل الشخصيات المطيعة والممتثلة لها، ويظهر ذلك عن طريق تحليل طول الشخصيات، وضعيتها (واقفة أو جالسة)، النظرة ...إلخ.
أما العامل السادس والأخير فهو عامل مكمل بحسب غوفمان، وهو "الانسحاب".
وهنا يقول إن النساء في الإعلانات غالباً ما تظهر أثناء وجودها في وضع يتطلب منها التعامل مع موقف اجتماعي ونفسي ما، كما يظهر المرأة بأنها مرتبكة تريد حلّ مشكلة ما ومن ثم تتحول بشكل تلقائي لشخصية متعلقة بالمحيط، أقل استقلالية وإرادة وقوة، ومن الاستراتيجيات التي يتبعها صناع الإعلانات لإظهار ارتباط المرأة بغيرها وضعفها، هو إظهارها وهي تنتظر أو تولي ظهرها للكاميرا أو تضع يدها أو أصابعها على وجهها دليلاً على الحيرة والتعلق.