منقول - صورة المرأة في الأمثال الشعبية

اقتحمت المرأة مختلف المجالات العامة في الحياة وكانت لها الكثير من الإنجازات: سواء المهنية والفكرية والثقافية، ولكن رغم ذلك ما زال هناك زاوية قاتمة قائمة في الثقافة الشعبية، ألا وهي مسألة «الأمثال الشعبية» التي تتناول المرأة في موضوعاتها؛ فلقد وردت المرأة في الأمثال العربية - الفصيح منها والشعبي - بشكل لافت للنظر، ولكن أغلبها أمثلة مستفزّة هجوميّة ساخرة تقزّم المرأة، ولم تسلم منها الأمّ والأخت والابنة والحماة والزوجة وزوجة الأخ وغيرهن ممن وقعن ضحايا لها.
وبما أنّ دراسة الأمثال الشعبية لكل مجتمع تُتيح الفرصة للكشف عن صورة المرأة في المجتمع؛ فما هي الصورة التي ترسمها الأمثال للمرأة في العديد من الدول العربية؟
أثبتت إحدى الدّراسات في فلسطين بعد أن تمّ تحليل 3600 مثل أنّ عدد الأمثال الشعبية الفلسطينية التي تناولت المرأة بالذمّ كانت نسبتها 82.5% من مجموع الأمثال التي تم تحليلها، والأمثال التي تناولتها بالمدح 16.5%، والأمثال المحايدة 1% .
وتمكنت إحدى الدراسات الإحصائية من حصر الأمثال الشعبية المنتشرة عن المرأة في مصر، فبلغت نسبتها من جملة الأمثال الشعبية 33.2%، وغالبية هذه الأمثال تتضمن إساءة مباشرة أو غير مباشرة للمرأة وللمفاهيم الإسلامية عامة، وتكرّس النظرة الدونية المتخلِّفة لهذا العنصر الفعال.
واعتبر الباحث محمد الميّ في كتابه: «صورة المرأة في الأمثال الشعبية التونسية» - كما صرّح لوكالة «وات» أنّ أغلب الأمثال العامية التونسية بشأن المرأة تنتمي إلى «تراث ظالم» يجدر استئصاله.
أما الكاتبة المغربية «منية بِل عافية» فلقد انتهت إلى خلاصة في كتابها: «المرأة في الأمثال المغربية» مفادها: أنّ الأمثال رسمت للمرأة المغربية صورة سلبية، وصنفتها في خانة الدونية وربطتها بكل ما من شأنه الحطّ من قيمتها والتقليل من قَدْرها، وجعلتها مصدرًا لكل الشرور.
كما رصدت «إيلين ديب خزّاقة» في كتابها «الأنثى في المثل» الأمثال الشعبية اللبنانية وسجّلت اعتراضها على التناقض في كواليس هذه الأمثال التي تعتبر الفتاة ذكية حيناً وتحتقرها حيناً آخر.
وسنستعرض في هذا المقال طرفاً من هذه الأمثال:
· المغربية: المرأة أفعى ومتحزمة بإبليس- مولاة الدار عمارة ولو كانت حمارة، والرجل حرمة ولو يكون عرمة - يا من يدخل سوق النساء خذ بالك فهن يرينك من الربح قنطاراً ويخسرنك رأس المال.
· التونسية: البنت تأكل ما تشبع وتخدم ما تقنع- بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف - البنت إما رجلها وإما قبرها.
· الفلسطينية: اللي بتموت وليته من صفاية نيته - اللي بخلِّف بنت عمره ما يرتاح - لما قالوا لي غلام أنسند ظهري وقام، ولما قالوا لي بنية وقعت الحيطة عليّ - شهادة البنت مطبخها - في النهار بتسكر بيتها وفي الليل بتحرق زيتها - مَرَة ابن مَرَة اللي بيشاور مَرَة- البنت بتجيب العار والمعيار والعدو لباب الدار.
· المصرية: حرمة من غير راجل زي الطربوش من غير زر - يا ويل من أعطى سرّه لمراته يا طول عذابه وشتاته - يا مخلفة البنات يا دايخة للممات - اكسر للبنت ضلع يطلع لها اثنان - موت البنت سُترة.
· اللبنانية: فاضية مشغولة متل أم العروس - صار لها زوج قالت عنه أعور - ابنها بيبكي وراحت تسكّت ابن الجيران - البنات همُّن للممات - الحما بابور وبنات الإحما إبرة - سترة البنت جازتها - البنت المليحة خير من الصبي الفضيحة - حِيل النسوان تنزّل المحادل عن السطوح - إن ولدت بنت عتبة الدار تحزن 40 نهار - البنت: يا جازتها (زواجها) أو جنازتها.
ويمكن أن نؤكّد حقيقة مفادها أنّ الصورة السلبية للمرأة في الأمثال الشعبية ليست خاصة بالثقافة العربية، بل تكاد تكون عالمية، ولعل أبرز صورة للمرأة في الأمثال الشعبية رسمتها الباحثة الهولندية مينيكه شيبر، أستاذة الدراسات الأدبية المقارنة بجامعة لايدن الهولندية ، في كتابها: «النساء في أمثال الشعوب... إياك والزواج من كبيرة القدمين» الذي يمثل ثمرة جهد خمسة عشر عاماً قضتها المؤلفة في تتبُّع أمثال الشعوب المتعلقة بالمرأة؛ حيث جمعت 15 ألف مَثَل من أكثر من 278 لغة مختلفة؛ ومن الأمور اللافتة للنظر أن الـ 4.000 مثَل الموجودة في كتابها، تصنع صورة سلبية للنساء إلى حدٍّ ما. وتقول شيبر: «في البداية أُصبت بالارتباك لوجود الكثير من الأمثال السلبية حول النساء ووجود القليل منها الصادر من وجهة نظر النساء». وتضيف قائلة: «إن معظم شعوب العالم تمارس في الأمثال الشعبية تحيُّزاً ضد النساء فيظهرن بعقول أدنى من الرجال، كما يذهب بعض الأمثال إلى أن المرأة لا تصلح إلا للزواج»، وفق تقرير لوكالة رويترز.
ومن بين الأمثال التي ورد تحليلها في الكتاب: ليس هناك من شرّ أكثر من زوجة الأبّ (يوناني) - حرة الفم حرة العجيزة (إنكليزي) – عقل المرأة في رحمها (إيطالي) - ابن واحد أعرج خير من ثماني عشر بنتاً ذهبية (صيني) - المرأة هي أفضل قطعة أثاث؛ حيث يمكنك أن تستخدمها في أي حجرة (هولندي) - ما لا يقدر عليه الشيطان تقدر عليه المرأة (ألماني) - ثلاث بوصات من لسان امرأة كفيلة بذبح رجل طوله ستة أقدام (ياباني) - النساء أكثر ثرثرة من الرجال بتسع مرات (عبري) - أنصت لزوجتك مرة كل أربعين عاماً (تركي).
لا شكّ أن هذه الأمثال تتناقض تمام التناقض مع تعاليم الإسلام، فإذا استعرضنا بعضاً من كلام النبوة فسوف يتبيّن لنا أنّ الإسلام رفع من شأن المرأة وأكرمها بما لم يُكرمها به دين سواه: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة» رواه مسلم - «خير نسائكم التي إذا نظر إليها زوجها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله» مسند الإمام أحمد - «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم» رواه الترمذي - «استوصوا بالنساء خيراً» رواه مسلم - «إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم» رواه الإمام أحمد - «لا يفرَك - أي لا يُبغض زوجٌ زوجتَه - مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر» رواه مسلم.
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام: عفة، ومودة، ورحمة، ورعاية، إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية التي لا تعرفها الحضارة المعاصرة التي تنظر للمرأة نظرة دونية ومادية بحتة.
فما أحرانا اليوم أن نعيد النظر في تلك الأمثال التي تسيء إلى أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا والعمل على غربلتها شرعياً، بإقصاء كل ما يتعارض مع تعاليم الإسلام، والعمل على إحياء الأمثال الشعبية التي أظهرت الصورة الناصعة والمضيئة للمرأة وتعزيزها بنظرة الإسلام لها، ولا يكون هذا إلا بالعودة إلى إسلامنا ومنهجه الشامل القائم على إكرام المرأة واحترامها وإنزالها منزلاً يليق بها.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...