عبدالرحيم رجب - المرأة في الأمثال الشعبية

"على رأي المثل".. هي جملة على لسان كل منا في مواجهة المواقف الحياتية المختلفة والتعليق عليها والتعبير عنها، فضرب المثل من أكثر الأشكال التعبيرية الشعبية انتشارًا وشيوعًا بين الثقافات المختلفة، فالأمثال؛ دواوين الشعوب؛ إذ نجدها تعكس مشاعر الشعوب على اختلاف طبقاتها وانتماءاتها، وتجسد أفكارها وتصوراتها وعاداتها وتقاليدها ومعتقداتها ومعظم مظاهر حياتها، في صورة حيّة وفي دلالة إنسانية شاملة، فهي بذلك عصارة حكمة الشعوب وذاكرتها، وللأمثال قيمة معنوية موروثة تصل قوتها إلى القانون والشريعة لاعتقاد الناس فيها والوقوف عندها مهابة وإجلالًا، بل امتد الأمر إلى أنها تنهي خلافًا طال أمده، وتوقف معركة اشتد احتدامها، حتى سارت إرثًا يتناقله الأحفاد عن الأجداد، لينقلوا لهم خلاصة تجاربهم الحياتية، فنفهم من خلالها خفايا وأسرار كثيرة ممتدة عبر التاريخ لم تسجل في كتاب مكتوب، وإنما تناقلناها جيلا بعد جيل.
الأمثال الشعبية ورأي الفلاسفة..
اهتم الفلاسفة أيضًا بالأمثال الشعبية حتى أنهم تباروا في وصفها، فقال أرسطو: "كأن الأمثال متخلفات حكم قديمة أدركها الخراب، فسلمت هي من بين تلك الحكم لمتانتها وجزالة ألفاظها"، وقال الفارابي: "المثل هو ما ترضاه العامّة والخاصّة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه في ما بينهم وقنعوا به"، وقال ابن الأثير مشيرا إلى أهميتها: "الحاجة إليها شديدة، وذلك أن العرب لم تصغ الأمثال إلا لأسباب أوجبتها، وحوادث اقتضتها، فصار المثل المضروب لأمر من الأمور عندهم كالعلامة التي يعرف بها الشيء"، ومنهم قال: "إذا أردت أن تعرف ثقافة شعب فانظر إلى أمثاله فهي تمثل فلسفة الجماهير".
ما بين أيدينا من أمثال شعبية..
الأمثال الشعبية المتوافرة لدينا الآن ترجع إلى مختلف العصور التي مرت بها مصر منذ الحضارة المصرية القديمة، ومرورًا بالعهد القبطي، ثم العصر الإسلامي في مرحلتي ازدهاره وتعثره، وقد اندثر الكثير منها لعدم الاهتمام بتدوينه نتيجة تداوله بين الناس وشيوعه من ناحية، والنظرة الدونية للهجة الوارد بها من ناحية أخرى، وباختفاء الأجيال التي كانت تحفظه وتتداوله، ومصادرة السلطات الحاكمة أو المسيطرة له في بعض الأوقات نظرًا لما كان يحدثه من تعبئة للرأي العام ضدها.
المرأة كما وصفتها الأمثال الشعبية..
شملت الأمثال الشعبية كل الجوانب الحياتية للمرأة ولم تنس أي جانب منها، فقدمت نماذج نسائية كثيرة فوصفت المرأة الجميلة والقبيحة، والمتزوجة والمطلقة، والمجتهدة والكسولة.
- المرأة الجميلة..
"إن عشقت اعشق قمر، وإن سرقت اسرق جمل"، و"اعشق غزال وإلا فُضّها"، كما حثت هذه الأمثال على الزواج من المرأة الجميلة حتى ولو كان الزوج لا يملك قوت يومه، فالجمال يغني عن الأكل والشرب، فقالوا: "خُد الحلو واقعد قُباله.. وإن جُعت شاهد جماله"، وفي مقارنة بين الجميلة والدميمة يقول المثل: "الحلوة حلوة ولو قامت من النوم، والوحشة وحشة ولو استحمت كل يوم"، وفي وصف الدميمة التي تتمنى أن تكون جميلة وبيضاء ليرضي عنها الرجال باعتبار أن البياض نموذج للجمال عند الرجال يقول المثل: "ياريتني يا امه كنت بيضه وبضبّ، أصل البياض يا امه عند الرجال يتحبّ".


كما لم تغفل الأمثال قصر وطول المرأة، فقد يكون الجمال في المرأة القصيرة؛ لأن كبر السن لا يظهر فيها فيقول المثل: "جوّزه القصيّرة يحسبها صغيّرة"، وتتغير المرأة بمرور السن فيقول مع العمر: "البنات بسبع وجوه"، وليست القصيرة فقط هي الجميلة، فيقول المثل في المرأة الطويلة: "الطويلة تقضي حاجتها، والقصيرة تنده جارتها!".
- المرأة الدميمة..
"إيش تعمل الماشطه في الوش العكر"، ولكن برغم ذلك يدعوها للاهتمام بنفسها والتجمل فيقول المثل: "لبّس البوصة تبقى عروسة"، وفي وصفه للفتاة الدميمة، يقول: "تبقى عُوره وبنت عبد، ودخلتها ليلة الحد"؛ أي العورة القبيحة لا تحتاج إلى فرح؛ بل الأفضل لها الزواج في الستر.
ووصفت الأمثال المرأة العرجاء والعمياء والوحشة والقرعة: "سوق الحلاوة جبر وادلعوا الوحشين"، و"عمية، وعرجة، وكيعانها خارجة"، و"ادلعي يا عوجة في السنين السودة".
كما نصحت الأمثال المرأة أن تتحلى بصفات يمكن من خلالها تحويل قبحها إلى جمال: "يا وحشه كوني نِغْشه"، في دعوة لجمال الروح للسيدة متواضعة الجمال، و"القرعة تتعايق بشعر بنت أختها"، و"عمشه وعاملة مكحلة"، و"على ما تتكحل العمشة، يكون السوق خرب".

وتناولت الأمثال المرأة في أطوارها المختلفة انطلاقًا من طفولتها كشيء مهمل بالبيت إلى أن يتم التخلص منها عن طريق الزواج كعلاقة اجتماعية تضمن سترها: "البنت إما رجلها، وإما قبرها"، كما حذّرت من زواج الأقارب: "الأقارب عقارب"، ولكن العائلة تسعى للتخلص منها بأي شكل رغم اعترافهم بسعة رزقها "أبو البنات يبات متعشي، وأبو الولاد يبات جعان"، "رزق البنات واسع"، ولكنهم يخافون من رجوعها للمنزل بعد الزواج: "زوّج بنتك وبعِّد دارها، ما يجيك غير خبرها".
- الزوجة..
بعد الزواج تظهر المرأة في الأمثال الشعبية في صور مختلفة ومتنوعةً؛ فهي لا تؤتمن على سر: "يا ويل من ادّى سرّه لمراته، يا طول عذابه وشتاته"، والمرأة لا يوثق برأيها: "الراجل ابن الراجل اللي عمره ما يشاور مراته"، وحذّرت الأمثال المرأة من الزواج، فتقول: "جَت العازبه تشكي، لقت المتجوزه بتبكي"، و"طلبوها اتعزّزت، وفاتوها اتندمت"، و"يا بخت من رضي عنها زوجها"، و"اللي جوزها يقولها: يا عورة يلعبوا بيها الكورة، واللى يقولها: يا هانم يقفولها على السلالم".

وأكدت الأمثال المكانة الاجتماعية التي تكتسبها المرأة بالزواج: "ضل راجل، ولا ضل حيطه"، و"حُرمه من غير راجل، زي الطربوش من غير زر"، بل إن سعادتها مرتبطة بوجود زوجها في حياتها: "اللي جوزها يحبها، الشمس تطلع لها".
- الأم والابنة..
نصفت الأمثال الشعبية الأم فوصفتها بأنها أم حنونة وعطوفة، وسعادتها من سعادة أولادها: "اللي يدي ابني بلحه، نزلت حلاوتها في بطني"، و"أسيادي وأسياد أجدادي، اللي يعولوا همي وهم ولادي"، ولا ترى الأم أحدا أفضل من أبنائها على الإطلاق: "الخنفسة عند أمها عروسة"، و"خنفسة شافت بنتها على الحيط قالت دي لولية في خيط".
كما وصفت الأمثال فرحت الأم بإنجاب الولد لأنه سندها عند الحاجة: "ربنا يبعت للعويلة ولد تقعد جنبه وتتسنّد"، وتشيل هم خِلفة البنات حتى الممات، فيقول: "يا مخلفة البنات، يا دايخة للممات"، ولكنها لا تنكر دور البنات في مساعدة الأم في تدبير شئون البيت: "من يسعدها زمانها، تجيب بناتها قبل صبيانها"، كما أن البنات أكثر حبًّا للآباء من الأولاد: "اللي معندوش بنات ما تعرفش الناس إمتى مات".
وأظهرت الأمثال الدور المحوري للمرأة في حياة الرجل؛ فهي مسئولة عن الحياة الاقتصادية في المنزل: "الميّه في الزير تحب التدبير"، والزوجة تعتبر البيت قصرها، فيقول المثل: "قعدتي بين عُتّابي، ولا قعدتي بين حبّابي"، كما أنها المسئولة عن تربية الأولاد: "البنت سرّ أمها"، و"المرّة مالهاش إلا بيتها"، ويعترف الرجل بذلك فيقول: "اديني الحُرة النقيّة إللي تزودني وِقيّه".
وهناك بعض الأمثال الشعبية التي أظهرت المرأة بشكل سلبي وسلبتها حريتها: "اكسر للبت ضلع، يطلعلها أربعة وعشرين"، كما شبّه المثل البنت بأمها في التصرفات السيئة، فيقول: "اكفي القدرة علي فمها، تطلع البنت لأمها"، و"تكلم الفاجره تلهيك وتدهيك، وتجيب إللي فيها فيك"، و"آخد ابن عمي.. وأتغطى بكمي"، ووصف المثل الشعبي المرأة بالمكر: "احذر عناد الرهبان، وكيد النسوان، وغضب السلطان"، ونعتها بالبخل والطمع: "ترميه في الحارة، ولا تديه للجارة"، وبالغيرة: "لولا الغيرة ما حبلت النسوان".
 
أعلى