نقوس المهدي
كاتب
رغم أن أكثر من 35 في المئة من الأسر المصرية تعيلها نساء، ورغم أن المرأة استطاعت إثبات جدارتها في المناصب القيادية والتمثيل السياسي، واقتحمت مهناً كانت مقصورة لفترات طويلة على الرجل ونجحت فيها، لكن لا تزال الأمثال الشعبية موروثاً ثقافياً يرسّخ العنف ضد المرأة ويحجّم دورها في المجتمع... فما هي أكثر الأمثال الشعبية التي تظلم المرأة بل وتهينها أحياناً؟ وكيف يمكن التخلص منها؟
«النظافة من الإيمان والقذارة من النسوان»، هو المثل الأكثر استفزازاً لعبدالرحمن رشدي، مهندس شبكات، 33 سنة، ويقول: «النظافة سلوك إنساني لا يقتصر على جنس بعينه، والسبب الذي يجعلني أكره هذا المثل هو أنني نشأت في منزل تولّت إدارته أمي، وكانت دائمة الحرص على نظافتي ونظافة إخوتي الشخصية، كما أنها لم تهمل يوماً نظافة المنزل أو ترتيبه. ومن دون مبالغة، أستطيع القول إن النساء المصريات بطبعهن يعانين وسواس النظافة إلى حد ما».
ويتابع: «أعتقد أن الأمثال الشعبية التي تحط من شأن المرأة قد وضعها مغرضون، في محاكاة منهم للأحاديث غير الصحيحة عن الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، مثل الحديث الموضوع: «لو أمرت المرأة أن تسجد لأحد بعد الله لأمرتها أن تسجد لزوجها»... فكل هذه النماذج من الأحاديث والأمثال تخالف الشريعة التي أنصفت المرأة، فقد قال الله تعالى «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، وكذلك أوصى الرسول (صلّى الله عليه وسلم) بالنساء في خطبة الوداع، وقال: «رفقاً بالقوارير»، والحقيقة أن الإسلام أكرم المرأة وكرّمها ولم يذكرها بسوء، ولا أدري كيف للأمثال الشعبية أن تنال من مكانتها التي منحها الله إياها».
استفزاز
«لبّس البوصة تبقى عروسة»، هذا المثل هو الأكثر استفزازاً لخبيرة التجميل شيري عماد، وتقول: «القاعدة العامة في عالم التجميل تقضي بأن كل النساء جميلات، والجمال منظوره نسبي يختلف باختلاف الثقافات والمواقع الجغرافية، فمثلاً في الغرب يعتبرون أن بشرتنا الحنطية والسمراء مقياس للجمال المثالي، ولدينا بعض نجمات العالم سمراوات، مثل المطربة ريهانا التي لا يختلف عليها اثنان، أو عارضة الأزياء الشهيرة ناعومي كامبل، وكذلك الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، فهي كانت مقدمة البرامج الأولى في العالم، وأيقونة جمالية».
وتتابع: «على عكس كل القواعد الجمالية، يأتي إلينا المثل القائل «إيش تعمل الماشطة في الوش العكر»، والماشطة هي المرأة التي كانت تتولى تزيين العروس قديماً، ويعد هذا المثل ترسيخاً لانتزاع ثقة المرأة من نفسها، وكما قلنا ما من امرأة دميمة، وأن مقاييس الجمال نسبية، فمثلاً في الصين وشرق آسيا يعتبرون الشعر الأجعد أمراً فائق الجمال، نظراً الى نعومة شعرهن الشديدة».
بالإضافة إلى الأمثال الشعبية المشوِّهة لجمال المرأة، تؤكد شيري أن هناك أمثالاً أخرى ترسخ فكرة وجود الشر داخل الأنثى، مثل «عقربتين على الحيط ولا بنتين في البيت»، وكذلك المثل القائل: «ما لا يقدر عليه الشيطان تقدر عليه المرأة»، وأيضاً: «الولية ولية لو عندها سبائك دهبية».
وتضيف: «لم تقف الأمثال الشعبية بالمرأة عند هذا الحد، بل ثمة أمثال أخرى أكرهها تحرض على العنف الأسري، مثل: «اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24»، وهناك بعض الآباء ممن يشددون العقاب على بناتهم متخذين هذا المثل مبرراً لسلوكهم الخاطئ.
ضل راجل
«ضل راجل ولا ضل حيطة»، هو المثل الأكثر إهانة للمرأة، في رأي الكاتب الروائي ماجد إبراهيم ، ويقول: «المرأة المصرية قوية الشخصية، تقف في جوار الرجل وتشد من أزره، ولدينا في التاريخ الفرعوني ملكات مثل كليوباترا وحتشبسوت، نجحن في صنع الحضارة، بل عندنا أسطورة مثل إيزيس التي مضت في رحلة مضنية لتجمع أشلاء زوجها أوزيريس، وتتمكن من الحمل منه وإنجاب طفلهما حورس... فهذه أمثلة حية على شدة بأس المرأة وعدم تبعيتها للرجل، أما المثل القائل: «ضل راجل ولا ضل حيطة» فيشبّه المرأة بالمُجبرة على الاستظلال بالرجل، نظراً الى ضعف حيلتها، مما يعزز ثقافة تحجيم دور المرأة في المجتمع».
ويتابع: «اكفي القدرة على فمها تطلع البنت لأمها»، مثل يؤكد أن المرأة السيئة السمعة أو المرأة السلبية تنجب إناثاً مثلها، وبالتالي تصبح الأم مصدراً للمعايرة والعار، لكنني أنظر الى هذا المثل بشكل إيجابي، حيث إن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق - كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي -، لذا فأنا أستخدم هذا المثل بالإشادة في تربية الأم الفاضلة لبناتها على الأخلاق الحميدة».
عنف نسائي
«دعوة الأم في الكم ودعوة الحماة في السما»، أكثر مثل شعبي تعترض عليه الشيف سها إبراهيم ، وتوضح: «أعتقد أن من أطلقت هذا المثل حماة مارست شتى أنواع التعذيب على زوجة ابنها، ثم أطلقت المثل لترغمها على الرضوخ لها».
وتتابع: «يجسد هذا المثل أحد أنواع العنف الممارس من النساء ضد النساء، فالمثل يعني أن دعاء الأم غير مستجاب في مقابل دعاء الحماة الذي يخترق السموات السبع، وبالتالي على زوجة الابن أن تقبل تعنيف حماتها من دون اعتراض حتى ترضى عنها وتدعو لها، بدلاً من أن تدعو عليها ويتقبل الله دعاءها».
وتضيف: «هناك أيضاً أمثال مختلفة تحط من شأن النساء، منها: «يا مخلّفة البنات يا شايلة الهم للممات»، وهذا مثل خاطئ ويدعو إلى التمييز في التربية، فأنا أم لثلاث بنات فقط، وأرى أنهن رزق جميل من الله، وكما قالت الفنانة نانسي عجرم في أغنيتها «يا بنات»... من لم ينجب بنات لن يرى الحنان أبداً».
غباء
«شورة المرة بخراب سنة»... مثل شعبي يعترض عليه محمد الكومي ، مدير إنتاج في إحدى القنوات الفضائية، ويقول: «هذا المثل ترسيخ لغباء المرأة، ولمقولة أن النساء ناقصات عقل، رغم أنه معروف في المجتمعات المصرية أن المرأة هي «وتد» أو عمود الأسرة، وفي الصعيد كلام النساء مسموع، خاصة ولو كانت كبيرة في السن».
ويتابع: «رغم أن الأمثال الشعبية تعبر عن تجارب السابقين، إلا أنها تمثل جزءاً هاماً من العنف الاجتماعي الممارس ضد المرأة، بل ترسخ التمييز الذكوري وتوضح لنا لماذا ينتهج المجتمع نهج الثقافة الذكورية».
تقسيم أدوار
من الناحية الحقوقية، تقول الدكتورة عزة كامل ، مديرة مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية: «الأمثال الشعبية تعكس ثقافة اجتماعية تعلي من قيمة الرجل في مقابل المرأة، فمثلاً «اللي يقول لها جوزها يا عورة يلعبوا بيها الكورة، واللي يقول لها جوزها يا هانم يقابلوها على السلالم»، هذا المثل يعكس كيف تستمد المرأة قيمتها من الرجل ومن معاملته لها، وبناء عليه يحترم المجتمع تلك القيمة التي يمنحها الرجل لامرأته، هذا فضلاً عن بعض الأمثال التي تجعل المرأة شيطاناً في المنزل، مثل «عقربتين على الحيط ولا بنتين في البيت».
وتضيف: «عمدت الأمثال الشعبية إلى تقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة، لتوضح أن الرجل هو السند الوحيد، مثل «البنت للعفن والولد للكفن»، أي أن البنت تخدم والديها في مرضهما، لكن الولد هو من يقيم الجنازة ويتقبل العزاء من الأهل والغرباء، وكذلك المثل القائل: «شورة المرة لو صحت خربت البيت سنة»... يجعل التفكير حكراً على الرجل، والمرأة تتسم بالغباء». وتتابع الدكتورة عزة: «الأمثال الشعبية هي البنية الثقافية التي تعكس المعتقدات والأدوار بين الرجال والنساء، وتحضر طوال الوقت على الألسنة للدلالة على المواقف المتشابهة، التي غالباً ما تكون سلبية في حق المرأة مقابل مساحة ضئيلة من الأمثال الإيجابية». وترى الدكتورة عزة أن الحل يكمن في الاستبدال، أي استبدال أمثال إيجابية حديثة بتلك القديمة، وهذا يحتاج إلى ترابط قوي بين المؤسستين التعليمية والإعلامية، لترسيخ فكرة أن المرأة ليست كائناً ضعيفاً، وإنما على قدم المساواة مع الرجل، وأن إنجاب البنات ليس عاراً بل رزق من الله، وأنهن لمفخرة إن حسُنت تربيتهنّ».
إضعاف القائدات
من الناحية الاجتماعية، تحلل الدكتورة سامية خضر ، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الصورة السلبية للمرأة المصرية في الأمثال الشعبية، قائلة: «رغم أن الحضارة الفرعونية كانت زاخرة بالملكات والكاتبات والوزيرات، فقد عمد الاستعمار الذي عاشت في ظله، مثل الغزو البطلمي، إلى إضعاف صورة المرأة في المجتمع بهدف إضعاف الشعب، حيث أصدر أمير بطلمي قراراً بأن المرأة لا تعقد العقود (لا تملك شيئاً) ولا تورّث، ونجد أن هذه الثقافة ما زالت منتشرة الى يومنا هذا في صعيد مصر، حيث إن المرأة لا تورّث في الأراضي الزراعية والأملاك».
وتضيف: «خضعت مصر أيضاً إلى استعمارات عدة، كان أسوأها الاستعمارُ التركي، الذي فرض على المرأة الاتشاح بالسواد من شعر رأسها حتى أخمص قدميها، وكانت أسوأ ثلاثة قرون مرت على مصر ونسائها، حيث ضعفت مكانة المرأة على الإطلاق، ومع كل استعمار كانت تخرج الثقافة الدونية للمرأة في صورة أمثال شعبية يرددها الشعب، حتى أصبحت موروثاً يعتقدون في صحته، لأنه خلاصة تجارب السابقين، ومن هنا زاد قمع المرأة واستفحلت النظرة الدونية اليها في مقابل تأصيل رقي مكانة الرجل وتسلطه».
وترى أستاذة علم الاجتماع أن الحل يكمن في زيادة الوعي ونشر التعليم والثقافة وعدم استغلال المرأة كسلعة، وأن نعود من جديد إلى إرساء الكلمة الطيبة كمبدأ للتعامل الأسري والاجتماعي.
وصاية الرجل
أجرت «مؤسسة المرأة الجديدة» دراسة حول المرأة المصرية في الأمثال الشعبية، حيث رصدت الدراسة عدداً من الأمثال الشعبية التي تناولت المرأة وعلاقتها بغيرها، ومنها ضرورة وجود الرجل في حياة المرأة، وكيف أنه هو من يكسبها الأهمية أو ينزعها عنها، ومن هذه الأمثال «اللي يقول لمراته ياعورة، يلعب بيها الناس الكورة»، «مرة من غير راجل زي الطربوش من غير زر»... وركزت الأمثال أيضاً على فكرة إغراق المرأة في غياب مراقبة الرجل «الرجالة غابت، والستات سابت»، وأظهرت الأمثال لهفة النساء على الزواج «ضل راجل ولا ضل حيطة»، «آخد الغندور ولو سكني وسط القبور»، «نار جوزي ولا جنة أبويا»، وغيرها من الأمثال المتداولة بين الناس في المجتمع المصري.
وفي استطلاع رأي نفذته المؤسسة نفسها، وشمل 48 سيدة ورجلاً من أعمار تتراوح بين 20 و55 عاماً، رفضت 77 في المئة من نساء العينة فكرة انحراف المرأة في غياب الرجل، كما رفضن الأمثال المتعلقة بالعنوسة «من كتر خطابها بارت»، إلا أن 67 في المئة منهن رفضن الأمثال المتعلقة بالحموات، لأنها تمس أمهاتهن .
صورة سلبية
يعرف أساتذة الأدب الشعبي المثل الشعبي بأنه تلخيص لتجربةٍ ما مرَّ بها الإنسان عبر حياته، ثم تداولها الناس وعبَّروا بها عن مواقف مشابهة، فسارت بينهم على أنها بمثابة صورة يمكن تكرار حدوثها عبر الأجيال، كما تُعَدُّ الأمثال مِحْوَراً من محاور التعبير عن رؤية الإنسان للوجود، بما في ذلك تفسيره لمعطيات الكون من حوله. ولا تقتصر صورة المرأة السلبية في الأمثال الشعبية على المجتمع المصري أو العربي فقط، بل هي منتشرة في كل المجتمعات الغربية والآسيوية، وإليكم بعض الأمثال في المجتمعات المختلفة:
«يا ويل من أعطى سِرَّه لامرأته، يا طول عذابه وشتاته» مثل مصري.
«بنتك لا تعلمها حروف، ولا تسكنها غروف» مثل تونسي.
«اللي بتموت وليته من صفاية نيته» مثل فلسطيني.
«البنات همُّن للممات» مثل لبناني.
«المرأة أفعى ومتحزمة بإبليس» مثل مغربي.
«الرجل الحكيم هو الذي يختار المرأة بأذنيه لا بعينيه» مثل إيطالي.
«السيف والزوجة لا تثق بأحدهما على الإطلاق» مثل ألماني.
«إن الله يحرس زوجة الأعمى، لأن المسكين لا يرصد خطواتها» مثل هندي.
«الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة» مثل ياباني.
«من ملك امرأة فقد ملك ثعباناً» مثل إنكليزي.
«من تزوج جميلة، فقد تزوج ورطة» مثل أوروبي.
الشعور بالقهر
في الجانب النفسي، يؤكد الدكتور أحمد عبدالله ، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أن السبب في تعنيف المرأة اجتماعياً من خلال الأمثال الشعبية يرجع إلى انحطاط حضاري، ويقول: «في العصر الجاهلي، كانت القيم السائدة تحط من مكانة المرأة، وكان وأد الإناث منتشراً باستثناء عليّة القوم، ومع ظهور الإسلام تعدّلت تلك القيم، لكن بعد وفاة الرسول وزيادة الفتوحات الإسلامية بدأت تلك الثقافة تطل من جديد، وعادت القيم الجاهلية الى الانتشار، وتلك الأمثال الشعبية خير دليل على ذلك، فهي منتشرة في في كل الوطن العربي وليست مفاهيم مصرية فقط». ويتابع: «تلك الأمثال الشعبية ترسخ ثقافة العنف ضد المرأة، ويظهر ذلك جلياً في تربية الإناث القاسية، مما ينعكس على نفسياتهن شعوراً بالقهر وما يترتب عليه من حالات عصبية تتضح في التوتر والقلق والاكتئاب الذي قد ينتهي بالانتحار أحياناً».
«النظافة من الإيمان والقذارة من النسوان»، هو المثل الأكثر استفزازاً لعبدالرحمن رشدي، مهندس شبكات، 33 سنة، ويقول: «النظافة سلوك إنساني لا يقتصر على جنس بعينه، والسبب الذي يجعلني أكره هذا المثل هو أنني نشأت في منزل تولّت إدارته أمي، وكانت دائمة الحرص على نظافتي ونظافة إخوتي الشخصية، كما أنها لم تهمل يوماً نظافة المنزل أو ترتيبه. ومن دون مبالغة، أستطيع القول إن النساء المصريات بطبعهن يعانين وسواس النظافة إلى حد ما».
ويتابع: «أعتقد أن الأمثال الشعبية التي تحط من شأن المرأة قد وضعها مغرضون، في محاكاة منهم للأحاديث غير الصحيحة عن الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، مثل الحديث الموضوع: «لو أمرت المرأة أن تسجد لأحد بعد الله لأمرتها أن تسجد لزوجها»... فكل هذه النماذج من الأحاديث والأمثال تخالف الشريعة التي أنصفت المرأة، فقد قال الله تعالى «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، وكذلك أوصى الرسول (صلّى الله عليه وسلم) بالنساء في خطبة الوداع، وقال: «رفقاً بالقوارير»، والحقيقة أن الإسلام أكرم المرأة وكرّمها ولم يذكرها بسوء، ولا أدري كيف للأمثال الشعبية أن تنال من مكانتها التي منحها الله إياها».
استفزاز
«لبّس البوصة تبقى عروسة»، هذا المثل هو الأكثر استفزازاً لخبيرة التجميل شيري عماد، وتقول: «القاعدة العامة في عالم التجميل تقضي بأن كل النساء جميلات، والجمال منظوره نسبي يختلف باختلاف الثقافات والمواقع الجغرافية، فمثلاً في الغرب يعتبرون أن بشرتنا الحنطية والسمراء مقياس للجمال المثالي، ولدينا بعض نجمات العالم سمراوات، مثل المطربة ريهانا التي لا يختلف عليها اثنان، أو عارضة الأزياء الشهيرة ناعومي كامبل، وكذلك الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، فهي كانت مقدمة البرامج الأولى في العالم، وأيقونة جمالية».
وتتابع: «على عكس كل القواعد الجمالية، يأتي إلينا المثل القائل «إيش تعمل الماشطة في الوش العكر»، والماشطة هي المرأة التي كانت تتولى تزيين العروس قديماً، ويعد هذا المثل ترسيخاً لانتزاع ثقة المرأة من نفسها، وكما قلنا ما من امرأة دميمة، وأن مقاييس الجمال نسبية، فمثلاً في الصين وشرق آسيا يعتبرون الشعر الأجعد أمراً فائق الجمال، نظراً الى نعومة شعرهن الشديدة».
بالإضافة إلى الأمثال الشعبية المشوِّهة لجمال المرأة، تؤكد شيري أن هناك أمثالاً أخرى ترسخ فكرة وجود الشر داخل الأنثى، مثل «عقربتين على الحيط ولا بنتين في البيت»، وكذلك المثل القائل: «ما لا يقدر عليه الشيطان تقدر عليه المرأة»، وأيضاً: «الولية ولية لو عندها سبائك دهبية».
وتضيف: «لم تقف الأمثال الشعبية بالمرأة عند هذا الحد، بل ثمة أمثال أخرى أكرهها تحرض على العنف الأسري، مثل: «اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24»، وهناك بعض الآباء ممن يشددون العقاب على بناتهم متخذين هذا المثل مبرراً لسلوكهم الخاطئ.
ضل راجل
«ضل راجل ولا ضل حيطة»، هو المثل الأكثر إهانة للمرأة، في رأي الكاتب الروائي ماجد إبراهيم ، ويقول: «المرأة المصرية قوية الشخصية، تقف في جوار الرجل وتشد من أزره، ولدينا في التاريخ الفرعوني ملكات مثل كليوباترا وحتشبسوت، نجحن في صنع الحضارة، بل عندنا أسطورة مثل إيزيس التي مضت في رحلة مضنية لتجمع أشلاء زوجها أوزيريس، وتتمكن من الحمل منه وإنجاب طفلهما حورس... فهذه أمثلة حية على شدة بأس المرأة وعدم تبعيتها للرجل، أما المثل القائل: «ضل راجل ولا ضل حيطة» فيشبّه المرأة بالمُجبرة على الاستظلال بالرجل، نظراً الى ضعف حيلتها، مما يعزز ثقافة تحجيم دور المرأة في المجتمع».
ويتابع: «اكفي القدرة على فمها تطلع البنت لأمها»، مثل يؤكد أن المرأة السيئة السمعة أو المرأة السلبية تنجب إناثاً مثلها، وبالتالي تصبح الأم مصدراً للمعايرة والعار، لكنني أنظر الى هذا المثل بشكل إيجابي، حيث إن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق - كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي -، لذا فأنا أستخدم هذا المثل بالإشادة في تربية الأم الفاضلة لبناتها على الأخلاق الحميدة».
عنف نسائي
«دعوة الأم في الكم ودعوة الحماة في السما»، أكثر مثل شعبي تعترض عليه الشيف سها إبراهيم ، وتوضح: «أعتقد أن من أطلقت هذا المثل حماة مارست شتى أنواع التعذيب على زوجة ابنها، ثم أطلقت المثل لترغمها على الرضوخ لها».
وتتابع: «يجسد هذا المثل أحد أنواع العنف الممارس من النساء ضد النساء، فالمثل يعني أن دعاء الأم غير مستجاب في مقابل دعاء الحماة الذي يخترق السموات السبع، وبالتالي على زوجة الابن أن تقبل تعنيف حماتها من دون اعتراض حتى ترضى عنها وتدعو لها، بدلاً من أن تدعو عليها ويتقبل الله دعاءها».
وتضيف: «هناك أيضاً أمثال مختلفة تحط من شأن النساء، منها: «يا مخلّفة البنات يا شايلة الهم للممات»، وهذا مثل خاطئ ويدعو إلى التمييز في التربية، فأنا أم لثلاث بنات فقط، وأرى أنهن رزق جميل من الله، وكما قالت الفنانة نانسي عجرم في أغنيتها «يا بنات»... من لم ينجب بنات لن يرى الحنان أبداً».
غباء
«شورة المرة بخراب سنة»... مثل شعبي يعترض عليه محمد الكومي ، مدير إنتاج في إحدى القنوات الفضائية، ويقول: «هذا المثل ترسيخ لغباء المرأة، ولمقولة أن النساء ناقصات عقل، رغم أنه معروف في المجتمعات المصرية أن المرأة هي «وتد» أو عمود الأسرة، وفي الصعيد كلام النساء مسموع، خاصة ولو كانت كبيرة في السن».
ويتابع: «رغم أن الأمثال الشعبية تعبر عن تجارب السابقين، إلا أنها تمثل جزءاً هاماً من العنف الاجتماعي الممارس ضد المرأة، بل ترسخ التمييز الذكوري وتوضح لنا لماذا ينتهج المجتمع نهج الثقافة الذكورية».
تقسيم أدوار
من الناحية الحقوقية، تقول الدكتورة عزة كامل ، مديرة مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية: «الأمثال الشعبية تعكس ثقافة اجتماعية تعلي من قيمة الرجل في مقابل المرأة، فمثلاً «اللي يقول لها جوزها يا عورة يلعبوا بيها الكورة، واللي يقول لها جوزها يا هانم يقابلوها على السلالم»، هذا المثل يعكس كيف تستمد المرأة قيمتها من الرجل ومن معاملته لها، وبناء عليه يحترم المجتمع تلك القيمة التي يمنحها الرجل لامرأته، هذا فضلاً عن بعض الأمثال التي تجعل المرأة شيطاناً في المنزل، مثل «عقربتين على الحيط ولا بنتين في البيت».
وتضيف: «عمدت الأمثال الشعبية إلى تقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة، لتوضح أن الرجل هو السند الوحيد، مثل «البنت للعفن والولد للكفن»، أي أن البنت تخدم والديها في مرضهما، لكن الولد هو من يقيم الجنازة ويتقبل العزاء من الأهل والغرباء، وكذلك المثل القائل: «شورة المرة لو صحت خربت البيت سنة»... يجعل التفكير حكراً على الرجل، والمرأة تتسم بالغباء». وتتابع الدكتورة عزة: «الأمثال الشعبية هي البنية الثقافية التي تعكس المعتقدات والأدوار بين الرجال والنساء، وتحضر طوال الوقت على الألسنة للدلالة على المواقف المتشابهة، التي غالباً ما تكون سلبية في حق المرأة مقابل مساحة ضئيلة من الأمثال الإيجابية». وترى الدكتورة عزة أن الحل يكمن في الاستبدال، أي استبدال أمثال إيجابية حديثة بتلك القديمة، وهذا يحتاج إلى ترابط قوي بين المؤسستين التعليمية والإعلامية، لترسيخ فكرة أن المرأة ليست كائناً ضعيفاً، وإنما على قدم المساواة مع الرجل، وأن إنجاب البنات ليس عاراً بل رزق من الله، وأنهن لمفخرة إن حسُنت تربيتهنّ».
إضعاف القائدات
من الناحية الاجتماعية، تحلل الدكتورة سامية خضر ، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الصورة السلبية للمرأة المصرية في الأمثال الشعبية، قائلة: «رغم أن الحضارة الفرعونية كانت زاخرة بالملكات والكاتبات والوزيرات، فقد عمد الاستعمار الذي عاشت في ظله، مثل الغزو البطلمي، إلى إضعاف صورة المرأة في المجتمع بهدف إضعاف الشعب، حيث أصدر أمير بطلمي قراراً بأن المرأة لا تعقد العقود (لا تملك شيئاً) ولا تورّث، ونجد أن هذه الثقافة ما زالت منتشرة الى يومنا هذا في صعيد مصر، حيث إن المرأة لا تورّث في الأراضي الزراعية والأملاك».
وتضيف: «خضعت مصر أيضاً إلى استعمارات عدة، كان أسوأها الاستعمارُ التركي، الذي فرض على المرأة الاتشاح بالسواد من شعر رأسها حتى أخمص قدميها، وكانت أسوأ ثلاثة قرون مرت على مصر ونسائها، حيث ضعفت مكانة المرأة على الإطلاق، ومع كل استعمار كانت تخرج الثقافة الدونية للمرأة في صورة أمثال شعبية يرددها الشعب، حتى أصبحت موروثاً يعتقدون في صحته، لأنه خلاصة تجارب السابقين، ومن هنا زاد قمع المرأة واستفحلت النظرة الدونية اليها في مقابل تأصيل رقي مكانة الرجل وتسلطه».
وترى أستاذة علم الاجتماع أن الحل يكمن في زيادة الوعي ونشر التعليم والثقافة وعدم استغلال المرأة كسلعة، وأن نعود من جديد إلى إرساء الكلمة الطيبة كمبدأ للتعامل الأسري والاجتماعي.
وصاية الرجل
أجرت «مؤسسة المرأة الجديدة» دراسة حول المرأة المصرية في الأمثال الشعبية، حيث رصدت الدراسة عدداً من الأمثال الشعبية التي تناولت المرأة وعلاقتها بغيرها، ومنها ضرورة وجود الرجل في حياة المرأة، وكيف أنه هو من يكسبها الأهمية أو ينزعها عنها، ومن هذه الأمثال «اللي يقول لمراته ياعورة، يلعب بيها الناس الكورة»، «مرة من غير راجل زي الطربوش من غير زر»... وركزت الأمثال أيضاً على فكرة إغراق المرأة في غياب مراقبة الرجل «الرجالة غابت، والستات سابت»، وأظهرت الأمثال لهفة النساء على الزواج «ضل راجل ولا ضل حيطة»، «آخد الغندور ولو سكني وسط القبور»، «نار جوزي ولا جنة أبويا»، وغيرها من الأمثال المتداولة بين الناس في المجتمع المصري.
وفي استطلاع رأي نفذته المؤسسة نفسها، وشمل 48 سيدة ورجلاً من أعمار تتراوح بين 20 و55 عاماً، رفضت 77 في المئة من نساء العينة فكرة انحراف المرأة في غياب الرجل، كما رفضن الأمثال المتعلقة بالعنوسة «من كتر خطابها بارت»، إلا أن 67 في المئة منهن رفضن الأمثال المتعلقة بالحموات، لأنها تمس أمهاتهن .
صورة سلبية
يعرف أساتذة الأدب الشعبي المثل الشعبي بأنه تلخيص لتجربةٍ ما مرَّ بها الإنسان عبر حياته، ثم تداولها الناس وعبَّروا بها عن مواقف مشابهة، فسارت بينهم على أنها بمثابة صورة يمكن تكرار حدوثها عبر الأجيال، كما تُعَدُّ الأمثال مِحْوَراً من محاور التعبير عن رؤية الإنسان للوجود، بما في ذلك تفسيره لمعطيات الكون من حوله. ولا تقتصر صورة المرأة السلبية في الأمثال الشعبية على المجتمع المصري أو العربي فقط، بل هي منتشرة في كل المجتمعات الغربية والآسيوية، وإليكم بعض الأمثال في المجتمعات المختلفة:
«يا ويل من أعطى سِرَّه لامرأته، يا طول عذابه وشتاته» مثل مصري.
«بنتك لا تعلمها حروف، ولا تسكنها غروف» مثل تونسي.
«اللي بتموت وليته من صفاية نيته» مثل فلسطيني.
«البنات همُّن للممات» مثل لبناني.
«المرأة أفعى ومتحزمة بإبليس» مثل مغربي.
«الرجل الحكيم هو الذي يختار المرأة بأذنيه لا بعينيه» مثل إيطالي.
«السيف والزوجة لا تثق بأحدهما على الإطلاق» مثل ألماني.
«إن الله يحرس زوجة الأعمى، لأن المسكين لا يرصد خطواتها» مثل هندي.
«الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة» مثل ياباني.
«من ملك امرأة فقد ملك ثعباناً» مثل إنكليزي.
«من تزوج جميلة، فقد تزوج ورطة» مثل أوروبي.
الشعور بالقهر
في الجانب النفسي، يؤكد الدكتور أحمد عبدالله ، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أن السبب في تعنيف المرأة اجتماعياً من خلال الأمثال الشعبية يرجع إلى انحطاط حضاري، ويقول: «في العصر الجاهلي، كانت القيم السائدة تحط من مكانة المرأة، وكان وأد الإناث منتشراً باستثناء عليّة القوم، ومع ظهور الإسلام تعدّلت تلك القيم، لكن بعد وفاة الرسول وزيادة الفتوحات الإسلامية بدأت تلك الثقافة تطل من جديد، وعادت القيم الجاهلية الى الانتشار، وتلك الأمثال الشعبية خير دليل على ذلك، فهي منتشرة في في كل الوطن العربي وليست مفاهيم مصرية فقط». ويتابع: «تلك الأمثال الشعبية ترسخ ثقافة العنف ضد المرأة، ويظهر ذلك جلياً في تربية الإناث القاسية، مما ينعكس على نفسياتهن شعوراً بالقهر وما يترتب عليه من حالات عصبية تتضح في التوتر والقلق والاكتئاب الذي قد ينتهي بالانتحار أحياناً».