نقوس المهدي
كاتب
" إن النساء هن اللواتي يستعملن الأمثال أكثر من غيرهن "
هي مفارقة قد تبدو غريبة شيئا ما، لكنها حقيقة ينبغي تجرّع مُرّها... فخطاب الأمثال الشعبية يختزن صورا مختلفة عن الواقع البشري، من ضمنها صورة المرأة. ونقصد بالصورة هنا، ذلك البناء الذهني الذي يتم على مستوى الذاتية والرمزية والخيال، والذي يرتبط بالواقع الإنساني. من منطلق أن الإنسان بقدر ما يعي العالم المحيط به وعيا مباشرا، من خلال حضور الأشياء بذاتها في العقل، فإنه يعيه بطريقة غير مباشرة، حيث تتواجد الأشياء في الشعور عبر "صور".
لكن ألا يمكن القول أن المرأة هي ذاتها مسؤولة عن تكريس صورتها السلبية، باعتبارها فاعلا أساسيا في مجال التنشئة الاجتماعية ؟. فالوضع الدوني للمرأة في الأسرة والمجتمع، لا تعبر عنه الأمثال الشعبية (الثقافة الشعبية بشكل عام) فحسب، وإنما تعمل على تكريسه، التنشئة الاجتماعية التي نتشرّبها منذ نعومة أظافرنا.والمرأة، باعتبارها الفرد الأكثر خضوعا لسلطة التقاليد والأعراف والعادات.وبصفة عامة للموروث الثقافي... تصبح بسبب استلابها عدوا لذاتها وشرطا أساسيا لإعادة إنتاج دونيتها بالنسبة للرجل. تستبطن خطاب الأمثال الشعبية بكل حمولته القيمية وتعترف بشرعيته، وتعتقد بملاءمته للفطرة والطبيعة، وتدافع عنه وتنقله إلى أبنائها إناثا وذكورا بوصفها فاعلا أساسيا في تنشئتهم...لكن ما سنعرج عليه الآن لايتمحورحول صورة المرأة عن ذاتها فقط، بل حول الصورة الكوسمولوجية الشاملة التي يصدرها المجتمع في حق المرأة على الاعتبار هذا التمثل حقيقة مطلقة ومسلّمة ينبغي في المقام الأول على المرأة الإيمان بها.
غالبا ما نروّح على أنفسنا ونقول أن صورة المرأة في المغرب بشكل عام تشبه صورتها في أي مجتمع آخر، حيث تهيمن الأيديولوجية البطريركية، وحيث تلعب التربية التقليدية دورا كبيرا في استمرارية وإعادة إنتاج الممارسات الاجتماعية التمييزية والتي تحط بالكرامة، كرامة المرأة بشكل خاص ، لكن نادرا ما نؤسس لهذه القناعة، التي أضحت عبارة عن تحصيل حاصل، من خلال البحث في واقع المرأة، الفعلي أو المباشر، أو في المتخيل، عبر رصد صورة المرأة في الثقافة، وفي الخطابات التي ينتجها المجتمع للتعبير عن ذاته.
هناك مجموعة من الأمثال الشعبية التي تقلل من شأن المرأة، وتطالب بالحَذر منها لدرجة ربط ذِكرها بذِكر الشيطان وأسماء الحيوانات...إنها أمثال تدخل في نسيج المفهوم الشعبي للعنف الرمزي والنفسي واللفظي الذي يُمارس ضدها، وهو أكثر أنواع العنف رواجا ومشروعية على الإطلاق. إنه عنف جاهز تحت الطلب له مبرراته وقاموسه الكبير، عنف استهلاكي عالمي وليس فقط من صنعنا "نحن"، ففيه نشتّم رائحة التمييز على أشُدّه كما نرى فيه تراتبية السلطة والتبعية على أسس عقائدية ومادية، فالنزعة الأبوية متمرسة في القواعد الاجتماعية والثقافية، ورسخت وجودها في الهياكل القانونية والسياسية وحفرت حفرا على سطوح الإيديولوجيات والخطاب الرسمي.
لكن الإشكال الشائك هنا يكمن في تحول بعض مقولات المفكرين إلى أمثال يتم تداولها بشكل يومي فظيع،وسمة التكرار سيعطي لهذه الأقوال مشروعية في الوعي الجمعي،إذ ستتراكم فوق هذا التراث اللفظي العنيف الذي لا يجد قانونا جزائيا واحدا لردعه، ولا إرادة حقيقية لوقف عاصفة السخرية المبطّنة بالاحتقار والتعالي...والغريب في الأمر إني أجد من عقوبات الشرف والعقوبات الجنائية التمييزية مؤسسة على قوانين تستند على أصوليات دينية وثقافية ضاربة في العمق يصعب استئصالها، لذا يجب الوقوف عند هذه الامثال لا تمريرها أو قبول مضامينها...
- هل الأمثال الشعبية المغربية تدعو إلى العنف ؟
سنتفق جملةً إذ قنا أن الأمثال الشعبية تجسد جزءا من ذاكرة المجتمع، وإذ قمنا بدراسة تحليلية لبعضها ( أقول بعضها وليس كلها ) سنجدها ترسخ ظاهرة العنف ضد المرأة، والتعامل القهري ضدها، إنها (الأمثال) موروث ثقافي يدعو إلى التمييز بين الجنسين، فالأمثال السيئة عن المرأة ليست للنكتة والثرثرة بل تعبر عن نظرة الناس إليها... ليس كل موروث من الأمثال الشعبية والتراث وجب الحفاظ عليه. فهناك العديد من الأمثال الشعبية السلبية التي تتعارض مع الأخلاق و القيم، بل وتعارض حتى مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.لذلك وجب التحذير من نتائجها ومحاولة حصر تداولها حتى لا تترسخ لدى الأجيال اللاحقة كممارسات على أرض الواقع. قد يعتبر البعض أن الأمر لا يستحق و أن تأثير ذلك محدود، و لكن الحقيقة على العكس من ذلك تماما.الأمثال الشعبية بتداولها بشكل كثيف وترديدها في أكثر من موضوع، تساهم في برمجة الفرد، و تمثل نسبة تأثير عميقة في التحكم في تصرفاته في المستقبل مع نفسه و محيطه. كيف لا و نحن نرسخ لدى الأجيال مثال شعبي سلبي من قبيل :
"العاتق إلى بارت على سعدها دارت".
" لمرا عمارة ولو تكون حمارة ".. " لمرا اللي تطوف ما تغزل صوف "
وتجدنا نكرر هذه الأمثال في منازلنا ومجالسنا وشوارعنا دون خجل ولا وجل، وحتى الطريقة التي رُكّبت بها هذه الأمثال فيها من المكر الشئ الكثير،إذ نجدها مركبة تركيبا بلاغيا متناسق الحروف حتى يسهل على المتلقي حفظه وترديده.
لكن أهم ما تتميز به الأمثال الشعبية المرتبطة بالمرأة هو اتصافها بالاختلاف والتعدد إلى مستوى يصعب معه إيجاد رابط يجمع بينها فبقدر ما نجد أمثالا تمجد المرأة وترفع من شأنها، بقدر ما نجد أمثالا أخرى تحط من مكانتها وتقلل من قيمتها، حتى أننا قد نصادف أحيانا تعايش التناقض في المثل الواحد ("الخير مرا والشر مرا" ، "الربح من لمرا والزلط من لمرا"،" مرا تعليك ومرا تعريك"). وتعكس هذه الأمثال النظرة المتناقضة التي يحملها المجتمع تجاه المرأة، فهي موضوع للرغبة وموضوع للرهبة في الآن نفسه.
لذا لايمكن إطلاقا تمرير هذه الأمثال، أو قبول مضامينها بحجة أنها تقع تحت بند الموروث، أو أنها تنضم إلى حزمة الأمثال الشعبية التي تتناقلها الأجيال التي غالبا ما تُصنع أو تقال أو تحاك عن تجربة تحدث فينتج عنها مثلٌ يختصر هذه التجربة للناس.
ينبغي إذن تغيير القيم التي تروّج للمعاني والأفكار العنيفة، من هنا تبدو الحاجة حقيقية للقيام بنظرة شاملة في مضامين الأمثال الشعبية التي لا تساهم في بناء الشخصية السليمة القادرة على بناء مجتمع متطور، في دولة تتبنى خطاب حماية الحريات والحقوق ونشر قيم التقدم والعمل على منع قيم التخلف في أفكار وأفعال الفرد والمجتمع.
هي مفارقة قد تبدو غريبة شيئا ما، لكنها حقيقة ينبغي تجرّع مُرّها... فخطاب الأمثال الشعبية يختزن صورا مختلفة عن الواقع البشري، من ضمنها صورة المرأة. ونقصد بالصورة هنا، ذلك البناء الذهني الذي يتم على مستوى الذاتية والرمزية والخيال، والذي يرتبط بالواقع الإنساني. من منطلق أن الإنسان بقدر ما يعي العالم المحيط به وعيا مباشرا، من خلال حضور الأشياء بذاتها في العقل، فإنه يعيه بطريقة غير مباشرة، حيث تتواجد الأشياء في الشعور عبر "صور".
لكن ألا يمكن القول أن المرأة هي ذاتها مسؤولة عن تكريس صورتها السلبية، باعتبارها فاعلا أساسيا في مجال التنشئة الاجتماعية ؟. فالوضع الدوني للمرأة في الأسرة والمجتمع، لا تعبر عنه الأمثال الشعبية (الثقافة الشعبية بشكل عام) فحسب، وإنما تعمل على تكريسه، التنشئة الاجتماعية التي نتشرّبها منذ نعومة أظافرنا.والمرأة، باعتبارها الفرد الأكثر خضوعا لسلطة التقاليد والأعراف والعادات.وبصفة عامة للموروث الثقافي... تصبح بسبب استلابها عدوا لذاتها وشرطا أساسيا لإعادة إنتاج دونيتها بالنسبة للرجل. تستبطن خطاب الأمثال الشعبية بكل حمولته القيمية وتعترف بشرعيته، وتعتقد بملاءمته للفطرة والطبيعة، وتدافع عنه وتنقله إلى أبنائها إناثا وذكورا بوصفها فاعلا أساسيا في تنشئتهم...لكن ما سنعرج عليه الآن لايتمحورحول صورة المرأة عن ذاتها فقط، بل حول الصورة الكوسمولوجية الشاملة التي يصدرها المجتمع في حق المرأة على الاعتبار هذا التمثل حقيقة مطلقة ومسلّمة ينبغي في المقام الأول على المرأة الإيمان بها.
غالبا ما نروّح على أنفسنا ونقول أن صورة المرأة في المغرب بشكل عام تشبه صورتها في أي مجتمع آخر، حيث تهيمن الأيديولوجية البطريركية، وحيث تلعب التربية التقليدية دورا كبيرا في استمرارية وإعادة إنتاج الممارسات الاجتماعية التمييزية والتي تحط بالكرامة، كرامة المرأة بشكل خاص ، لكن نادرا ما نؤسس لهذه القناعة، التي أضحت عبارة عن تحصيل حاصل، من خلال البحث في واقع المرأة، الفعلي أو المباشر، أو في المتخيل، عبر رصد صورة المرأة في الثقافة، وفي الخطابات التي ينتجها المجتمع للتعبير عن ذاته.
هناك مجموعة من الأمثال الشعبية التي تقلل من شأن المرأة، وتطالب بالحَذر منها لدرجة ربط ذِكرها بذِكر الشيطان وأسماء الحيوانات...إنها أمثال تدخل في نسيج المفهوم الشعبي للعنف الرمزي والنفسي واللفظي الذي يُمارس ضدها، وهو أكثر أنواع العنف رواجا ومشروعية على الإطلاق. إنه عنف جاهز تحت الطلب له مبرراته وقاموسه الكبير، عنف استهلاكي عالمي وليس فقط من صنعنا "نحن"، ففيه نشتّم رائحة التمييز على أشُدّه كما نرى فيه تراتبية السلطة والتبعية على أسس عقائدية ومادية، فالنزعة الأبوية متمرسة في القواعد الاجتماعية والثقافية، ورسخت وجودها في الهياكل القانونية والسياسية وحفرت حفرا على سطوح الإيديولوجيات والخطاب الرسمي.
لكن الإشكال الشائك هنا يكمن في تحول بعض مقولات المفكرين إلى أمثال يتم تداولها بشكل يومي فظيع،وسمة التكرار سيعطي لهذه الأقوال مشروعية في الوعي الجمعي،إذ ستتراكم فوق هذا التراث اللفظي العنيف الذي لا يجد قانونا جزائيا واحدا لردعه، ولا إرادة حقيقية لوقف عاصفة السخرية المبطّنة بالاحتقار والتعالي...والغريب في الأمر إني أجد من عقوبات الشرف والعقوبات الجنائية التمييزية مؤسسة على قوانين تستند على أصوليات دينية وثقافية ضاربة في العمق يصعب استئصالها، لذا يجب الوقوف عند هذه الامثال لا تمريرها أو قبول مضامينها...
- هل الأمثال الشعبية المغربية تدعو إلى العنف ؟
سنتفق جملةً إذ قنا أن الأمثال الشعبية تجسد جزءا من ذاكرة المجتمع، وإذ قمنا بدراسة تحليلية لبعضها ( أقول بعضها وليس كلها ) سنجدها ترسخ ظاهرة العنف ضد المرأة، والتعامل القهري ضدها، إنها (الأمثال) موروث ثقافي يدعو إلى التمييز بين الجنسين، فالأمثال السيئة عن المرأة ليست للنكتة والثرثرة بل تعبر عن نظرة الناس إليها... ليس كل موروث من الأمثال الشعبية والتراث وجب الحفاظ عليه. فهناك العديد من الأمثال الشعبية السلبية التي تتعارض مع الأخلاق و القيم، بل وتعارض حتى مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.لذلك وجب التحذير من نتائجها ومحاولة حصر تداولها حتى لا تترسخ لدى الأجيال اللاحقة كممارسات على أرض الواقع. قد يعتبر البعض أن الأمر لا يستحق و أن تأثير ذلك محدود، و لكن الحقيقة على العكس من ذلك تماما.الأمثال الشعبية بتداولها بشكل كثيف وترديدها في أكثر من موضوع، تساهم في برمجة الفرد، و تمثل نسبة تأثير عميقة في التحكم في تصرفاته في المستقبل مع نفسه و محيطه. كيف لا و نحن نرسخ لدى الأجيال مثال شعبي سلبي من قبيل :
"العاتق إلى بارت على سعدها دارت".
" لمرا عمارة ولو تكون حمارة ".. " لمرا اللي تطوف ما تغزل صوف "
وتجدنا نكرر هذه الأمثال في منازلنا ومجالسنا وشوارعنا دون خجل ولا وجل، وحتى الطريقة التي رُكّبت بها هذه الأمثال فيها من المكر الشئ الكثير،إذ نجدها مركبة تركيبا بلاغيا متناسق الحروف حتى يسهل على المتلقي حفظه وترديده.
لكن أهم ما تتميز به الأمثال الشعبية المرتبطة بالمرأة هو اتصافها بالاختلاف والتعدد إلى مستوى يصعب معه إيجاد رابط يجمع بينها فبقدر ما نجد أمثالا تمجد المرأة وترفع من شأنها، بقدر ما نجد أمثالا أخرى تحط من مكانتها وتقلل من قيمتها، حتى أننا قد نصادف أحيانا تعايش التناقض في المثل الواحد ("الخير مرا والشر مرا" ، "الربح من لمرا والزلط من لمرا"،" مرا تعليك ومرا تعريك"). وتعكس هذه الأمثال النظرة المتناقضة التي يحملها المجتمع تجاه المرأة، فهي موضوع للرغبة وموضوع للرهبة في الآن نفسه.
لذا لايمكن إطلاقا تمرير هذه الأمثال، أو قبول مضامينها بحجة أنها تقع تحت بند الموروث، أو أنها تنضم إلى حزمة الأمثال الشعبية التي تتناقلها الأجيال التي غالبا ما تُصنع أو تقال أو تحاك عن تجربة تحدث فينتج عنها مثلٌ يختصر هذه التجربة للناس.
ينبغي إذن تغيير القيم التي تروّج للمعاني والأفكار العنيفة، من هنا تبدو الحاجة حقيقية للقيام بنظرة شاملة في مضامين الأمثال الشعبية التي لا تساهم في بناء الشخصية السليمة القادرة على بناء مجتمع متطور، في دولة تتبنى خطاب حماية الحريات والحقوق ونشر قيم التقدم والعمل على منع قيم التخلف في أفكار وأفعال الفرد والمجتمع.